الجمعة، 15 يناير 2010

النهضة صفحة 4- 8


الإنسان

ولما كان البحث في الإنسان ومعرفة رقيه وانحطاطه ومعرفة عنوان ذلك من أعماله وتصرفاته فرداً كان أو جماعة لأن البحث في الإنسان من حيث هو إنسان.لهذا كان لا بد من معرفة هذا الإنسان على حقيقته لمعرفة متى يكون منحطاً أو راقياً ومعرفة الإنسان تقتضي معرفة الباعث على الأعمال والتصرفات ومعرفة المسير لها ومعرفة الضابط لسلوك هذا الإنسان وانسجامه مع سلوك الجماعة من حوله.

نعم إن النظرة للإنسان جزء من النظرة لهذا الكون وما فيه من حياة إلا أن الإنسان الذي احتوى الكون في تكوينه يختلف عن غيره من المخلوقات بصفات وخصائص لا يشاركه فيها غيره فإنه بالرغم من أنه من مادة الكون ومن الحياة التي تدب على هذا الكون إلا أنه يختلف اختلافاً كلياً عنه بما اختصه الله به من عقل وما وهبه من إدراك كان السبب في تسخير ما في الوجود لهذا الإنسان رحمة من الله وفضلاً:(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ) الجاثية (13).
( وسخر لكم الشمس والقمر ذائبين وسخر لكم الليل والنهار ).إبراهيم(33).
( وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ).إبراهيم (32).

إلى غير ذلك من الآيات التي بينت ما تفضل الله سبحانه وتعالى به على هذا الإنسان من نعمة العقل والإدراك وما تبعها من تسخير ما في الوجود إليه والانتفاع بما يشاء كلما وجد إلى ذلك سبيلاً.

فالإنسان كائن حي فيه كل ما في الكائن الحي من خصائص فهو ينمو ويكبر ويغدو ويروح ويتوالد ويتكاثر ويحافظ على نفسه ويدافع عنها ويحس بالعجز والاحتياج فيسعى لتغطيته كما أنه يشعر بالعطف والحنان والأبوة والبنوة كما يشعر بالخوف والأمان وحب الذات وحب السيطرة وحب الامتلاك وهو يغضب ويرضى ويفرح ويحزن إلى غير ذلك من الأحاسيس التي تولد عنده الرغبة وتجعل عنده الحافز للاندفاع في سبيل إشباع هذه الرغبات وسد هذه الجوعات التي نتجت عن الطاقة الحيوية الكامنة في نفسه كما أن هذا الجسم الذي يشبه الموتور يحتاج في حركته وسيره وبناء تكوينه وإصلاح ما تلف وطرح ما يضر من نفايات فإن الطاقة الحيوية الموجودة تدفعه للحصول على الغذاء والماء كلما احتاج الجسم لشيء منها أو طرح ما احترق أو أتلف فيه. ولهذا فإن هذا الإنسان منذ أن يولد وإلى أن يموت وهو في حركة دائمة دائبة ويحتاج بسبب ذلك إلى ما تحتاجه هذه الحركة من طاقة وما تتطلبه من عناصر وأدوات ولهذا كان الإنسان مشغولاً دائماً في تأمين حاجة أو سد جوعة طلبها هذا الجسم في بنائه العضوي أو بنائه الغريزي مثله مثل أي كائن حي.إلا أنه يختلف عن غيره من الكائنات الحية بالكيفية التي يتم فيها الحصول على ما يشبع جوعته وكيفية إشباعه لها فالكائنات الحية تتصرف برجع غريزي حسب ما فطرها الله عليه( والذي قدر فهدا ) الأعلى(3)

فهي تتصرف بخواص معينة لتحافظ على حياتها أو تحافظ على بقائها وبقاء نوعها أو لتسديد جوعاتها بأساليب ووسائل محيرة مذهلة .أما الإنسان فإنه يختلف عنها فهو يتصرف بناءً على العقل الذي منحه الله وليس بمجرد الرجع الغريزي كما هي الحال في غيره من الكائنات الحية فهو حين يندفع لإشباع جوعة أو سد حاجة أو تحقيق متعة فإنه إنما يندفع بناء على إدراك عقلي وتكوين مفهوم عن الشيء الذي اندفع إليه هل فيه قابلية الإشباع؟وهل يجوز له أن ينتفع به أو لا يجوز؟فلا يقدم على أمر من الأمور حتى يطرح على نفسه سؤالين اثنين.

السؤال الأول:هل في هذا الشيء ما يشبع جوعته أو يسد حاجته أو يرضي رغبته؟ والإجابة على هذا السؤال تتوقف على ما عنده عنه من مفاهيم فإذا كان مفهومه عنه بأنه يشبع جوعة أو يسد حاجة أو يرضي رغية سواء كون هو هذا المفهوم أو أخذه عن غيره فبمجرد وجود هذا المفهوم عنده يحصل في نفسه ميل إليه وتضغط عليه الجوعة لأخذه وقضاء أربه وهذا ما نسميه المفهوم عن الشيء إلا أنه يتوقف عن مباشرة أخذه والانتفاع به حتى سمع الإجابة عن السؤال الثاني وهو هل يجوز له أن ينتفع بهذا الشيء ويشبع جوعته منه أم لا يجوز؟فإذا كان الجواب بالنفي مال عنه وصرف ميله أو حاول صرف ميله عنه لأنه لا يجوز أن ينتفع به أو يسد جوعته منه وأما إذا كانت الإجابة بالإيجاب أي أنه يجوز له أن ينتفع به فإنه يتناوله ويقضي منه أربه ويسد به جوعته وهذا ما نسميه المفهوم عن الحياة.

ولذلك كان المسير لسلوك الإنسان مفاهيمه عن الأشياء من حيث أنها تشبع أو لا تشبع ثم مفاهيمه عن الحياة من حيث إنه يجوز له الإشباع أو لا يجوز. والمفاهيم عن الأشياء تكاد أن تكون واحدة عند بني البشر ولا اختلاف فيها بينهم إلا باختلاف الأذواق والرغبات لذا فإنه من حيث المفاهيم عن الأشياء ومعرفة ما فيها من خصائص وفوائد فهي واحدة عند بني الإنسان ولذلك فلا أثر لها في سلوك الإنسان من حيث رقيه وانخفاضه فالفواكه بأنواعها والخضراوات على اختلافها واللحوم بشتى صنوفها ومعرفة أن الأنثى تشبع جوعة النوع وأن العبادة تشبع جوعة التدين وأن الملابس تقي من البرد أو من الحر أو يتزين بها كل هذه المفاهيم عن الأشياء واحدة عند بني الإنسان لأنها معارف علمية أو إدراك لما في الأشياء من خاصيَّات أي أنها تشبع جوعة ما أو لا تشبع.

وأما المفاهيم عن الحياة أي يجوز الإشباع من هذا الشيء أو لا يجوز فهذا أمر خارج عن ذات الشيء وخارج عن ذات الإنسان بل يقتضيه الرجوع إلى القاعدة أو القواعد التي جعلها مقياساً لأعماله ومعياراً لتصرفاته أي الرجوع إلى وجهة نظره في الحياة من حيث الإقدام على الفعل أو الإحجام عنه ووجهة نظر المسام في الحياة هي الحلال والحرام ولهذا حين تصل عنده جوعة ما كجوعة المعدة مثلاً ورأى وعاء فيه طعام فعرف أن هذا طعام صالح للأكل أي حصل على مفهوم عن هذا الطعام بأنه يؤكل فإنه يحصل ميل عنده إلى هذا الطعام ولكنه لا يأخذه حتى يجاب عن السؤال التالي:هل يجوز له الانتفاع به أم لا يجوز؟ أي إنه يسأل نفسه هل حلال له أن يأخذه ويأكله أم حرام عليه ذلك؟ فإذا عرف أن هذا الطعام فيه ما يخالف المقياس الذي رجع إليه أي وجهة نظره في الحياة كأن عرف أنه نجس أو فيه لحم خنزير أو أن صاحبه لا يأذن بذلك ففي مثل هذه الحالة يمتنع عن أخذه بالرغم من ميله إليه ويحاول أن يبعد عنه هذا الميل ومثل هذا مثل أي شيء قد يتعرض له الإنسان عند إشباع أي جوعة من جوعاته أو رغبة من رغباته سواء أكانت من الجوعات العضوية كالأكل والشرب أو من الجوعات الغريزية كالعبادة والنوع والبقاء.

ومن هنا نقول : إن أعمال الإنسان جميعها مقيدة بمقاييس وقواعد آمن بها وحددتها وجهة نظره في الحياة أي عقيدته وأن كل عمل من أعماله مسير بمفهوم عن الحياة من حيث الإقدام على الفعل أو الإحجام عنه سواء أكان هذا العمل أساسياً أم فرعياً عظيماً أم حقيراً قيماً أو تافها فكانت عقيدته هي القاعدة الأساسية لأفكاره ومفاهيمه عن الحياة ومنها انبثقت كافة أنظمة حياته ومنها أخذ وجهة نظره في الحياة ومنها اتخذ قواعد ومقاييس يميز بها الخبيث من الطيب والغث من السمين.
وهذا ما يمتاز به الإنسان عن غيره من الكائنات الحية وهذا ما ارتقى به عن سائر المخلوقات عقل يدرك الأشياء من حوله ويكون له وجهة نظر في الحياة عقل صدق بأفكار وآمن بها فأصبحت مفاهيم لديه تحدد سلوكه في الحياة وتضبط تصرفاته حين إقدامه على إشباع جوعاته وإرضاء رغباته .

ومن هنا كان الحكم على هذا الإنسان من خلال أعماله هو حكم على ما آمن به من أفكار وما اتخذ لنفسه مقاييس وما جعله له من وجهة نظر في الحياة والحكم على هذه الأفكار يقتضي وجود قواعد ومسلمات عقلية يرجع إليها حين إصدار الحكم.
ومن هنا كانت المسألة لمعرفة إنسان ما هل هو إنسان راق أم منخفض هي محاكمة لأفعاله وتصرفاته بقياسها إلى ما عندنا من مفاهيم و قناعات عن الأفعال والتصرفات الراقية وأضدادها من مثل التضحية والإيثار والجود والنخوة والوفاء ومن مثل حسن الجوار والصدق في المعاملة والإخلاص و الإحسان إلى غير ما هنالك من مقاييس يستعملها الناس في تقرير حقيقة الأعمال كقوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } النحل (90) . ومثل قوله تعالى { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس } البقرة (177)
قال رسول الله {لأن يهدي الله رجلاً على يديك خير لك مما طلعت عليه الشمس } وفي رواية { خير لك من حمر النعم } أو كما قال .( رواه الطبراني عن أبي رافع).


الأفكار والمفاهيم
الأفكار هي التعبير عن واقع معين محسوس في الخارج أو واقع متصور في الذهن أنه موجود في الخارج أي هي حكم على واقع معين يعبر عنه بأية وسيلة من وسائل التعبير فإن أدرك معنى هذا الفكر أي أدرك الواقع المحكوم عليه وانطبق عليه الحكم تماماً وجرى التصديق به بانطباق الفكر على واقعه صار هذا الفكر مسير للسلوك المتعلق بهذا الواقع أي أدرك معنى الفكر وجرى التصديق به فصار الفكر مفهوماً أما إن لم يدرك معناه ، أو لم يجر التصديق به . فإن هذا الفكر أو التعبير عن الفكر يبقى مجرد معلومات مختزنة في الدماغ ، قد يحتاجها الإنسان حين وجود واقع لها أو الرد عليها . أما ان كان التعبير أو اللفظ ليس له واقع ، أو لا يعقل أن يكون له واقع ، أو لا يستطيع أن يتصور له واقع له ، فإن ذلك التعبير يكون خيالاً وأوهام وخرافات .

هذه هي مجموعة المعارف التي يمتلكها الإنسان . فهي باختصار :
أ – معرفة أدرك واقعها إدراك حقيقياً وجرى التصديق بالنطباق تلك المعرفة على واقعها تصديقاً جازما أي حصل اليقين بانطباق تلك المعرفة على واقعها . بناءاً على دليل عقلي أي حكم العقل الإنساني بحتمية انطباق هذه المعرفة على واقعها . إما بحكم مباشر من العقل ، كالحكم على الأشياء الحسية الملموسة من حيث وجودها.
ويدخل تحت هذا النوع أفكار العقيدة الأساسية كالإيمان بوجود الله ، والإيمان بالقرآن الكريم أنه كلام الله ، والإيمان بنبوة محمد . والإيمان بالقضاء والقدر . أو الأفكار المتعلقة بالأشياء المحسوسة الملوسة التي نتعامل بها ، من حيث الوجود .
أو بحكم عقلي استناداً على دليل نقلي ثبت أصله بالعقل كأفكار العقيدة التي لا تقع تحت الحس كالإيمان بالملائكة والبعث والجنة والنار والحساب وغير ذلك أو الأخبار التي يقطع العقل يقيناً باستحالة بطلانها أو كذبها كالأخبار المتواترة .

ب – يأتي بالمرتبة الثانية من هذه المعارف معارف جرى التصديق بها وإدراك واقعها لكن هذا التصديق فيه شيء من المظنة ، حيث أنه لم يبلغ حد اليقين ، فالعقل لم يقطع يقيناً بصحة ما نقل إليه . فلم يستطع أن ينفي احتمال الخطأ أو النسيان أو أن ما نقل إليه يحتمل أكثر من معنى ، فاكتفى بترجيح أحد المعاني التي يحتملها النص . وذلك كالمفاهيم الشرعية . وكالمعارف العقيدية المستنبطة من أخبار الآحاد . أو الأحكام الشرعية المستنبطة من الأدلة التفصيلية . أو المعارف التاريخية أو اللغوية أو غير ذلك مما يترجح فيها جانب الصواب.

جـ – معرفة لم يدرك واقعها ، أو لم يدرك مدى انطباقها على واقعها . أي أن العقل يمكن أن يتصور لها واقع ويمكن أن تنطبق على هذا الواقع .. إذن فهي فكرة ، أي هي حكم على واقع معين ، ولكن لم يجر التصديق بها أي لم يجر التصديق بانطباقها على هذا الواقع . وهذه الأفكار كثير جداً في واقع حياتنا التاريخية بشكل عام ، والمعارف الجغرافية الفلكية ويتساوى بها التصديق وعدم التصديق ومثل هذه المعارف هي أفكار . أي هي أحكام على وقائع معينة . وتتحول كل معرفة فيها إلى مفهوم حين الحصول على دليل يثبت صحة هذه الأفكار وانطباقها على واقعها .
سواء أكان هذا الدليل عقلياً كالمشاهدة مثلاً ، أو كان دليلاً نقلياً نثق بصدق من نقله إلينا .

د – معرفة لم يدرك واقعها أو أنها لا تنطبق على الواقع الذي وصفته فمثل هذه المعارف تبقى مختزنة في الذهن كمعلومات فقط ، فلا ترقى لأن تصبح أفكار أو مفاهيم قد يحتاجها الإنسان في حالات معينة كإثبات بطلانها ، أو كشف خطئها . مثل المعارف عن المبدأ الرأسمالي ، والحرية والديمقراطية والشيوعية وغير ذلك من المعلومات .
فالواقع الذي تتحدث عنه الشيوعية مثلاً بالنسبة للتفكير واقع مدرك ، ولكن الحكم على هذا الواقع بأنه انعكاس المادة على الدماغ حكم خاطئ لا ينطبق على واقع التفكبر .
والواقع الذي تتحدث عنه الرأسمالية بالنسبة للديمقراطية . من حيث أنها حكم الشعب بالشعب إن مثل هذا الواقع مدرك ولكن حكمها عليه حكم خاطئ ، لأن حكم الشعب بالشعب لا يتحقق . لأن الشعب لا يضع دستوره وقوانينه ، وإنما يضع ذلك فئة معينة من الناس .

هـ – معرفة ليس لها واقع ولا يمكن أن يتصور لها واقع وبالتالي لا يمكن أن يبحث فيها من حيث انطباقها على واقع أو عدم انطباقها . وهذه هي الأوهام والخرافات والتخيلات . مثل المعارف عن الغول والعنقاء والعيش على الكواكب والنجوم إلى غير ذلك من الأوهام والخرافات .

هذه هي حقيقة مجموعة المعارف التي يمكن أن يكتسبها الإنسان في حياته .سواء اكتسب هذه المعارف بالتجربة أو الاستنتاج أو بالتلقي والاستنباط . أو قرأها من كتاب أو سمعها من شخص غيره أو اكتسبها بأية وسيلة أخرى إلا أنه حين يكتسب أية معرفة فإن الأصل من تلقيه لها أن يتلقاها فكرياً بحيث تصبح من معارفه هو . ولو أن مصدرها غيره. والمقصود من القول أن يتلقاها تلقياً فكرياً أن يفهم معاني الألفاظ والجمل التي يقرأها أو يسمعها أو يراها ، فيحاول أن يتصور لذلك واقع محسوساً.ثم يجري محاولة تطبيق ما قرأ أو سمع على ذلك الواقع المتصور, أو المعبر عنه, فإن انطبق عليه كان قابلاً للصواب ، أو هو الصواب وأصبحت مفاهيم له تؤثر في سلوكه وتضبط تصرفاته حين يقوم بإشباع جوعاته ، أو تحقيق رغباته. أما إن تعذر تصور واقع له ، أو تعذر انطباقها على الواقع المتصور ، فإنه ينكره ، ويبقيه في ذهنه مجرد معلومات أثبت بطلانه . أو تعذر عليه إثبات صحتها . وبالتالي لم يجري تصديقاً بها فلا تكون مفهوماً عنده ولا تؤثر على سلوكه أو تصرفاته.

كان الدافع لإيراد هذه المعاني للمعارف الإنسانية والتفريق بينها هو ما للمفاهيم من أثر على سلوك الإنسان وتصرفاته ، سواءً منها المفاهيم عن الأشياء أو المفاهيم عن الحياة . وإن سلوك الإنسان وتصرفاته في إشباع جوعاته ، وتحقيق رغباته هو عنوان رقيه أو انخفاضه أو انحطاطه فإما أن يسموا فيكون أفضل من الملائكة أو ينحط فيكون أضل من البهائم . { إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} الفرقان (44) .ولهذا كان لابد من معرفة الأفكار والمفاهيم معرفة تجعلنا نميز فيه الأفكار الصائبة من الخاطئة . ومعرفة الأفكار الراقية وتمييزها عن الأفكار المنحطة ، ومعرفة الفكر السطحي والفكر العميق والفكر المستنير ، لكي تكون مفاهيم الإنسان وأفكاره مفاهيم صائبة راقية ، تلقاها بوعي واستنارة ، فارتفع بها إلى مستوى ما أراد الله له . أي ارتفع بها إلى مستوى الإنسان .

وبنظرة دقيقة للتمييز بين الأفكار والمفاهيم من حيث الرقي والانحطاط ، لابد من وجود قاعدة أو قواعد يجري على أساسها الحكم على تلك الأفكار والمفاهيم . وبناءاً على تلك القاعدة أو القواعد يجري تصنيف الأفكار والتمييز بين الغث والسمين القوي والسقيم ، الصحيح والخطأ فهي المقياس الدقيق الذي يجب أن نحتكم إليه في فهم كل فكر ومعرفة كل مفهوم وإلا امتزجت الألوان واختلطت الرؤيا وحار الإنسان بين الصالح والطالح وبين الخير والشر وبين الجميل والقبيح . فما هي هذه القواعد والمقاييس التي نريد أن تحتكم إليها ؟ والتي بها يتقرر الرقي أو الانخفاض؟ والجواب :

إن موضوعنا هو إنسان يعيش في هذا الوجود في هذه الحياة يريد النهضة والارتقاء والسير في طريق الكمال فهل يستطيع أن يحقق ذلك دون معرفة معنى وجوده في الحياة ومعنى هذه الحياة الزمنية التي عليه أن يقضيها ؟ خصوصاً وهو يرى أنه فرد من بني الإنسان يعيش مع مجموعة من البشر ، مع غيرهم من الكائنات الحية على هذه الأرض ضمن المجموعة الشمسية في هذا الوجود الواسع !!

هناك فرق شاسع بين أن ينظر الإنسان لنفسه بأنه زيد ابن عمرو وبين أن ينظر لنفسه أنه إنسان ، هذا الفرق الشاسع يبدو واضحاً جلياً لو تتبعنا بعض الخطوات فيه . فمنتهى الانحطاط حين ينظر تلك النظرة الأنانية الفردية ، تلك النظرة التي هي رجع لغريزة البقاء ، وما أكثر مظاهر غريزة البقاء وقد تتسع نظرته قليلاً فيخرج عن أنانيته فينظر أنه ابن عمرو وله اخوة وعائلة أي أنه فرد في أسرة يحبها ويحب سيادتها وهذا مظهر آخر من مظاهر غريزة البقاء أي أنه مازال يتصرف تبعاً للرجع الغريزي ، وقد تتسع هذه النظرة لتشمل عشيرته أو قبيلته أو لتشمل القرية أو المدينة التي يعيش فيها وهذا واضح جداً عند أولئك الذين يقترن اسم مدينتهم أو قريتهم فيقال زيد الخليلي وعمرو البغدادي ، وقد يتسع أكثر من ذلك ليصبح وطنياً ينتمي إلى التراب والأرض فيقال المصري أو الشامي أو الهندي أو غير ذلك وقد تتسع دائرة أفقه وتطلعاته لتشمل القوم الذين ينتمي إليهم فيصبح قومياً ، كل هذا ولم يرتقي بعد ليصل إلى مستوى إنسان ، كرمه الله وخلقه في أحسن تقويم فلم ينظر لنفسه أنه إنسان يعيش مع غيره من بني البشر .

من هذه النظرة الأساسية للوجود والحياة والإنسان نستطيع التمييز بين الفكر الراقي والفكر المنحط أو المنخفض فلو رسمنا خطاً بيانياً وجعلنا أدنى مستوى للفرد الراقي علامة الصفر ، لكانت تلك العلامة تشير إلى النظرة إلى الإنسان من حيث هو إنسان . أما ما دون هذه النقطة فإنه بداية انحدار من القومية إلى الإقليمية إلى العشائرية حتى يصل النهاية . أي الأنانية الفردية نزولاً ، وأما ارتقاء فإنه يبدأ من النظرة إلى الإنسان من حيث هو إنسان حتى يصل بنظرته إلى أرقى منزلة له ، أي إدراكه أنه عبد الله فالنظرة إلى الإنسان من حيث هو إنسان فكر راقي أو هي بداية الرقي الفكري ، وما دون هذه النظرة هو فكر منحط أو منخفض ، وأما التدرج في سلم الرقي ومحاولة النهوض بهذا الإنسان فهو الإجابة على السؤال الآخر وهو معرفة معنى وجود الإنسان في الحياة وأي بحث أو فكر لتحديد معنى الحياة ومعنى وجود الإنسان فيها فهو بحث راقي بغض النظر عن النتائج التي يتوصل إليها . وأنه فكر يؤدي إلى النهضة ، بغض النظر عن أنها نهضة صحيحة أو خاطئة .

ومن هنا كان المقياس الأول في رقي الفكر أو انخفاضه أو انحطاطه هو الشمول . فان كان الفكر شاملاً للواقع المبحوث عنه ، لا لفرد من أفراده ، أو حالة من حالاته ، أو ظرف من ظروفه . كان هذا الفكر حائزاً على صفة من صفات الفكر الراقي – أي صفة الشمول . وإلا فلا . وأما الصفة الثانية من صفات الفكر الراقي فهي العمق في البحث ، والبدء من البدء ، بحيث يصل إلى الأساس الحقيقي للشيء المبحوث عنه . أي حين ينظر للوجود أو للحياة أو للإنسان ، فلا يأخذ مظهراً من مظاهره ، بل لا بد أن تكون نظرته عميقة لمعرفة الأساس الذي نشأ عنه هذا الواقع المنظور إليه ، فإن نظر مثلاً إلى الإنسان فلا بد أن تكون نظرته إلى نوع الإنسان منذ البداية ، وهذا يحتم معرفة أن هذا الإنسان أزلي أم مخلوق لخالق ، ثم ينتقل لمعرفة ما يتكون منه هذا الإنسان وما يميزه عن غيره من الكائنات الحية . إلى معرفة الدوافع التي تجبره على الحركة والعمل ، وهل هو في عمله مجبراً أم مخيراً ، إلى غير ذلك من الأمور التي تجعله يكون فكرة أساسية عميقة عن هذا الإنسان وهو حين يتناول هذا البحث لا يتناوله للترف الفكري ، أو الرأي الفلسفي أو لزيادة المعلومات ، بل يتناوله لأنه إنسان يعيش هذه الحياة في هذا الوجود الواسع ، يريد أن يعرف معنى وجوده في الحياة . ولا يمكنه التوصل لمعرفة ذلك، إلا إذا عرف بدء هذا الوجود الذي يعيش فيه ، وإلى أين يسير وبناء على إجابته على ذلك – بغض النظر عن الصح والخطأ ، يتحدد سلوكه وتنتظم تصرفاته. وهذا العمق في البحث هو الصفة الثانية للفكر الراقي . ومنه نخلص إلى تقرير حقيقته ، وهي أن الفكر الراقي هو الفكر الذي يتصف بالعمق والشمول . وهو الفكر الذي يليق بالإنسان كإنسان ، وهو الفكر المؤدي إلى النهضة ، وهو الفكر الصالح للإنسان إذا أراد أن يسير في طريق النهضة والرقي . وإلا فهو ينحدر إلى درك الحيوان . بل الحيوان خير منه . { إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً } .الفرقان ( 44)

ولذلك نجد التوجه من رب العالمين لهذا النوع من التفكير في مئات من الآيات . ففي مثل قوله تعالى : { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج . والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج . تبصرة وذكرى لكل عبد منيب . ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج }سورة ق (6-11). { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار } آل عمران (190-191) {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون }يس (32). { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ، وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب }الحج (73) { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون }الطور (35) {أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون }الواقعة(68) { يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك }الانفطار(6) { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه }الانشقاق(6). إلى غير ذلك من الآيات التي تخاطب قوى الإنسان العاقلة . تخاطبه كإنسان وتلفت نظره لما حوله من حياة ، وتشد انتباهه إلى هذا الكون الواسع الذي يعيش فيه . كما تلفت نظره إلى الشيء ومصدره . { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون }الطور(35) { وجعلنا من الماء كل شيء حي }الأنبياء(30).

هذا من حيث الرقي والانخفاض في التفكير . أما من حيث التمييز بين الفكر السطحي والفكر العميق والفكر المستنير فهناك مقاييس أخرى ، وقواعد يرجع إليها لمعرفة مستوى هذا الفكر . مع انه فكر ، وأنه حكم على واقع ومهما بلغت به السطحية يبقى فكراً ويمتاز عن الرجع الغريزي ، ويمتاز عن التقليد والمحاكاة ويرتفع بصاحبه إلى مستوى إنسان . والنظرة إلى الإنسان من حيث هو إنسان . فهو نتاج عقل بشري ، وثمرة جهد عقلي إلا أنه لا يصلح للنهضة ، ولا للسير في طريق الكمال ، أو الانتقال بالمجتمع والفرد من حال إلى حال أفضل ، فالفكر السطحي هو أن تحكم على أبسط ظواهر الأشياء والوقائع دون معرفة ذلك الشيء أو الواقع والتفقه فيه ، كمعرفة كنهه ، أو الأساس الذي انبثق عنه ، أو الظروف المحيطة به ، أو المعلومات المؤثرة فيه ، ودون محاولة الحصول على معلومات تفسر هذا الواقع . أو النظرة فيما لديه من معلومات مفسرة له ، ويمتاز حملة هذا الفكر بالسطحية والسذاجة ، وما أسهل أن يخدع أمثال هؤلاء بالمظاهر الخادعة والكلام المعسول والوعود الكاذبة كما أن المجتمع الذي تسوده مثل هذه الأفكار السطحية يبقى بيد قادته وزعمائه ، يقاد بخطبة رنانة ويثور بهزة مشاعر ويرضى بأقل مكسب ، وما أصدق من وصف أحد هذه الشعوب بقوله "تجمعهم طبلة وتفرقهم عصا " .وما أكثر الأمثلة في مجتمعنا على مثل هذه السطحية وما أكثر ما اندفع الناس وراء أفكار ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب . حتى تمكن القادة والزعماء من ترويض الناس ، وإيصالهم إلى حالة من اليأس والقنوط يقبلون بها أي حل يرتضيه القادة والزعماء . وأقرب مثال على سطحية الناس هو سهولة انقيادهم وراء سراب خادع ومظهر زائف . وتكرار هذا الأمر مراراً .

وخير مثال على ذلك قضية فلسطين والظروف والملابسات التي مرت بها منذ وجدت وحتى الساعة ، وما زال المجال مفتوحاً أمام القادة والزعماء باتخاذها وسيلة يصلون بها إلى أغراضهم ، أو تنفيذ رغباتهم أو رغبات أسيادهم ، بإيصال الأمة إلى حالة من اليأس والاستسلام مع أنها لا تختلف كثيراً عن بقية بلاد المسلمين ، وقضيتها هي نفس القضية ولا تختلف إلا من حيث المظهر المنظور إليه ، فكلها أي أقطار المسلمين تعاني ما تعاني منه فلسطين . وعملية الترويض للمسلمين واحدة وإن تعددت مظاهرها فسوريا ولبنان والعراق وإيران وباكستان والمغرب والجزائر والسعودية واليمن سواء . شعب يراد له الترويض والرضى بأحكام الكفر .

إن الفكر السطحي كما قلنا هو حكم على أبسط ظاهره من واقع معين دون الالتفات إلى حقيقة هذا الواقع أو بذل الجهد لمعرفة الواقع معرفة حقيقية مع معرفة أسبابه ومسبباته ، ومعرفة الأساس الذي انبثق عنه ، أو بنى عليه . وبالتالي عدم معرفة ظروفه وأحواله وما يتعلق به . مثال: حين نسمع ضجيجاً في الشارع نخرج لنرى جمهرة من الناس ترفع لافتات وتهتف بهتافات ، فمن السطحية أن نكتفي بالقول بأنها مظاهرة وأرقى من ذلك أن نعرف ماذا تريد وذلك ببذل الجهد لقراءة ما كتب على اللافتات ، أو ما يهتف به الجمهور ، وأرقى من ذلك أن نبذل الجهد في معرفة من وراءها وأي الأحزاب يقودها ، والأرقى من ذلك أن نعرف الأهداف الحقيقة التي تختفي وراء هذه المظاهرة وما هي الظروف والأحوال التي دفعت هذا الحزب للتظاهر ، ولا بد من بذل الجهد لمعرفة ما إذا كان وراء هذا الحزب القائد للمظاهرة جهة أخرى تدفع هذا الحزب للتظاهر لتحقيق غاية معينة .

كل هذا لا بد منه . حتى إذا أصدرنا حكمنا عليها كان صواباً أو أقرب للصواب . ويكفي أن حكمنا كان عميقاً فلم يقتصر على مظهر واحد من مظاهر هذا الواقع . بل بذلنا الجهد لمعرفة الواقع معرفة حقيقية ، فبحثنا عن الدوافع والغايات والظروف والأحوال وما يتعلق بهاذ الحدث ثم أصدرنا الحكم.
مثال آخر :

شاب يريد أن يتزوج فرأى فتاة جميلة ، فحكم على مظهرها أنها تصلح زوجة له ، هذا حكم سطحي . وأرقى من ذلك أن يعرف هل هي متزوجة أم لا ؟ أهي صحيحة الجسم أم معتلة ؟ أهي سليمة النطق أم خرساء ؟ ، أهي صالحة للإنجاب أم أنها عقيم ؟ وأرقى من ذلك أن يعرف أهلها من أبوها ؟ ما البيت الذي تعيش فيه ، والأرقى من ذلك أن يعرف وجهة نظرها في الحياة وما معتقدها ؟ وما الفكر الذي تحمله ؟ فان استوفى هذا البحث ، وتفقه في هذا الواقع ، صار حكمه على هذا الواقع راقياً وقريباً من الصواب.

مثال آخر :
حين نستمع إلى نص أو نقرأ موضوعاً ، فإن كانت قراءتنا أو استماعنا لذلك النص لقتل الوقت والاستمتاع ، أو دون روية وعمق في إدراك المعاني ، أو لم تكن لنا القدرة على ذلك فان حكمنا على هذا النص حكم سطحي . أما حين ننظر إلى صياغته الأدبية وبذلنا الوسع في معرفة مطابقته لقواعد اللغة ، فلنا أن نحكم عليه من ناحية أدبية ، ولكن حين نحاول تدبر معانيه ، ومعرفة الواقع الذي ينطبق عليه ومعرفة قائله ، المناسبة التي قيل فيها ، نكون قد أخذنا من هذا النص أو هذا البحث أخذ فكري بعيد عن السطحية ، ويكون حكمنا عليه حكم عميقاً بعيداً عن السطحية كذلك . أما الفكر العميق ، فهو حكم على واقع كذلك . إلا أنه يقتضي معرفة الواقع معرفة وعدم الاقتصار على مظهر من مظاهره أو خاصية من خواصه .

فمعرفة الأشياء تقتضي معرفة جزئياتها وخواصها وصولاً إلى تركيبها الذري . وأما معرفة الوقائع والأحداث فلا بد من معرفة أطراف النزاع والأمر المتنازع عليه فيها . والظرف أو الحالة التي جرى فيها النزاع والأسباب المباشرة له ، والأسباب غير المباشرة إن وجدت ، وأما معرفة النص فإنها تقتضي أمراً آخر . فهي تقتضي معلومات واسعة لتفسير النص وفهمه وبذل الجهد في التمييز بين النص التشريعي والنص الأدبي والنص الجبري إلى غير ذلك . كما يقتضي معلومات واسعة لفهم مدلولات الألفاظ الحقيقية منها أو المجازية . وإدراك معاني الجمل والتراكيب فإن توفرت لدينا هذه المعارف وبذلنا الوسع في محاكمة النص أو فهمه كان حكمنا عليه أو فهمنا له فهماً صحيحاً أو قريباً من الصحة وهذا هو الفكر العميق .

إلا أنه ليس مكتملاً ومازال قاصراً عن استيفاء كل ما يتطلبه البحث . إذ أن لهذه الأشياء والوقائع ظروفاً وأحوالاً تؤثر فيها ، ولها متعلقات لا بد من إدراكها مع أن هذه الظروف والأحوال والمتعلقات ليست جزءاً من هذه الأشياء أو الوقائع والأحداث . فالبحث في القصيدة لا يعني معرفة الشاعر ، ولا معرفة الظرف الذي قيلت فيه ، ومعرفة الانفجار المدمر لا يعني معرفة من وضعه ولا الغاية من وضعه ، ولا من أمره بوضعه ، والعمق في البحث لا يوصل إلى هذه الأمور لأن العمق في البحث مقتصر على جزئيات الشيء وتركيبه وقوانينه . أما ما حوله وما يتعلق به ، فهذا أمر خارج عن البحث العميق ، وإنما يقتضي أثناء البحث تسليط أضواء على ما حول المبحوث فيه لمعرفة ما حوله وما يتعلق به لأنها ليست جزءاً منه .

ليست هناك تعليقات: