الخميس، 4 مارس 2010

التقرب إلى الله - الصبر على الابتلاء ، الثقة بوعد الله



11- الصبر عند الابتلاء

في حمل الدعوة ومقارعة الكفر وأعوانه يكون الابتلاء أمرا غالبا، ولا يظن حامل دعوة أنه لا يفتن ويبتلى مهما كانت درجة الابتلاء، يقول الله سبحانه وتعالى: ( الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) العنكبوت ويقول: ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) آل عمران (186). والابتلاء بحسب الدين والإيمان لما رواه الشيخان: " أشد الناس ابتلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة أبتلي على قدر ذلك، وإن كان فيه رقة، هون عليه، فما يزال البلاء بالرجل حتى يدعه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة ".

والمسلم حتى يكون قادرا على مواجهة الابتلاء لا بد أن يؤمن بالقدر فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء كتبه الله عليه، وهذه العقيدة تستقر في أعماق أعماقه وتصبح قناعة يسلم بها فتضبط سلوكه في الحياة وتجعل منه إنسانا شجاعا مقداما يندفع للقيام بأعباء الدعوة دون تردد أو وجل.

روى أبو داود في سننه عن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال لإبنه عند الموت: " يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك " سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، فقال له اكتب، قال: رب وماذا اكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني ".

وحتى يواجه الابتلاء لا بد أن يستعين بالصبر والصلاة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) البقرة (153) وهو يوصي غيره بالصبر وإلا كان من الخاسرين ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ) العصر وهو يدعو ربه أن ينعم عليه بالصبر ( وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين ) الأعراف (126) وهو يصبر صبرا جميلا كما أمر الله تعالى وهو الصبر بلا شكوى إلى المخلوق كما يقول ابن تيمية رحمه الله، وهو يعلم أن ثواب الصابرين عظيم ( أُوْلَئِك ُيجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً ) الفرقان (75) وقد ورد عن رسول الله قوله: " عجبا للمؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " ومما ينسب إلى علي كرم الله وجهه " إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور ".

وشباب الدعوة يوقنون بأن الصبر هو السبيل إلى نصر الله قال تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) الأنعام (34) وقال: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) الروم (60).

ولقد ابتلي المخلصون من حملة الدعوة قديما وحديثا بشتى أنواع البلاء من القتل والتعذيب والضرب والتجويع والاستهزاء والدعايات الكاذبة والطرد من الأوطان والسجن والملاحقة، فما لانت لهم قناة ولا فترت لهم همة، وما نال منهم أعداؤهم نيلا يرضي غرورهم أو يشفي صدورهم.

هذا خبيب بن عدي ينشد حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه:

لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد هملت عيناي من غير مجزع
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
فلست بمبد للعدو تخشعا ولا جزعا إني إلى الله مرجعي

وهذا خباب بن الأرت يقول عنه الشعبي " لقد صبر خباب ولم تلن له بين أيدي الكفار قناة، فجعلوا يلصقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه " وكانت أم أنمار سيدة خباب تأخذ الحديد المحمى الملتهب وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، وقد مر به رسول الله يوما فطار قلبه رحمة وحنانا وأسى فلم يملك يومها إلا أن يثبته ويدعو له قائلا: " اللهم أنصر خبابا ".

وهذا عمار بن ياسر يقول عنه عمرو بن ميمون " أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمر به، ويمرر يده على رأسه ويقول: " يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم " وكان عمار يقول تحت العذاب " يا رسول الله لقد بلغ منا العذاب كل مبلغ " فناداه الرسول الكريم "صبرا أبا اليقظان، صبرا أل ياسر، فإن موعدكم الجنة ".

يقول الزبير رضي الله عنه " كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوا، قال: دعوني فإن الله سيمنعني، فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها فقام عند المقام ثم قرأ: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ــ رافعا بها صوته ــ ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) ) الرحمن، ثم استقبلهم يقرؤها، فتأملوه قائلين: ماذا يقول ابن أم عبد!! إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد، فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو ماض في قراءته، حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم عاد إلى أصحابه، مصابا في وجهه وجسده، فقالوا له: هذا الذي خشيناه عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا له: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون ".
لما عجز ملك الروم عن إغراء عبد الله بن حذافة السهمي في ترك الإسلام ودخول النصرانية وذلك بإشراكه في ملكه وتزويجه ابنته، أمر بقدر من نحاس فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر فإذا هو عظام تلوح، وعرض عليه النصرانية فأبى فأمر به أن يلقى في القدر فرفع ليلقى فيها فبكى فطمع فيه الملك ودعاه فقال عبد الله: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله فقال له الملك: قبل رأسي وأنا أطلقك، فقال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين، قال: نعم، فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما.

يصف الإمام ابن القيم الجوزية حال شيخه ابن تيمية وهو محبوس في قلعة دمشق ــ يقول: " قال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ــ يعني بذلك: إيمانه وعمله ــ أين رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، ولو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبا ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير " وقد بقي الشيخ محبوسا حتى مات في السجن رحمه الله.

يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن حالهم حين المقاطعة:
" خرجت ذات ليلة لأبول فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها وغسلتها ثم أحرقتها ورضضتها بالماء، فقويت بها ثلاثا ".

هذه بعض مواقف الرجال وهي غيض من فيض في تاريخ المسلمين، وفي هذه الأيام أبتلي الكثير من حملة الدعوة الإسلامية في أنفسهم وأموالهم بالسجن والتعذيب والتشريد والملاحقة والمحاربة في الأرزاق وتعطيل المصالح والمنع من السفر وحتى القتل والإعدام في بعض أقطار الإسلام، فنسأل الله لهم المغفرة وجزيل الثواب ونرجوا الله تعالى أن يجمعنا وإياهم في مستقر رحمته ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) الأحزاب (23).



12- الثقة بوعد الله

ورد في سورة الأحزاب بيان لموقفين مختلفين:
موقف للمؤمنين أظهرته هذه الآية الكريمة: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) الأحزاب (22).

وموقف للمنافقين فضحته هذه الآية الكريمة: ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ) الأحزاب (12) المؤمنون يصدقون الله ورسوله، والمنافقون يكذبون الله ورسوله، لذا فقد تحدد موقف المؤمنين وهو موقف متميز بالثقة المطلقة بوعد الله، وهو موقف لا يتزعزع ولا يضطرب وإلا كان هناك شك في الإيمان.

والذي يتابع آيات القرآن الكريم يجدها قد أكدت على أن وعد الله آت لا ريب فيه، وأن النصر حليف المؤمنين، وأن مع العسر يسرا، وأن الله غالب على أمره وأن الله مظهر الإسلام على الدين كله ولو كره الكافرون، لنستمع إلى هذه ا لآيات:

( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ) الروم (60).

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) البقرة (214).

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) غافر (51).

( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) الأنفال (36).

وقد وعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنصر والفرج في أكثر من مرة وأكثر من مناسبة فمن ذلك قوله لخباب حين جاءه شاكيا من العذاب الشديد: " والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ".

وروى مسلم في صحيحه حديث " تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله " وروي أيضا " ستفتح مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا " وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام عن فتح القسطنطينية مخبرا بذلك قبل ثمانية قرون ونصف " لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ".

هذه وعود من الله ورسوله، فماذا كان مصيرها!؟ لقد تحقق وعد الله ورسوله، فقامت دولة الإسلام وهزمت قريش وظهر الإسلام وأنحي الشرك من أرض الجزيرة، وتقوض بنيان اليهود وغاب ملك فارس والروم عن الوجود وفتحت القسطنطينية، وخفقت راية العقاب فوق أكثر بقاع الأرض، وكانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأولى في العالم مدة ثلاثة عشر قرنا وأصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

واليوم ــ وبإذن الله ــ ستقوم دولة الإسلام من جديد فقد أخبر الرسول الكريم بذلك حين قال: " إن أول دينكم نبوة ورحمة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكا عضوضا، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكا جبرية، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، تعمل في الناس بسنة النبي، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنها سكان السماء وسكان الأرض، فلا تبقي السماء من قطرها إلا أنزلته، ولا تبقي الأرض من خيراتها ونباتها إلا أخرجته ".

وسينتصر المسلمون على اليهود ثانية ويظهرون عليهم فقد وعد الرسول الكريم بذلك حيث قال: " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، فتعال فأقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".

وستفتح روما كما فتحت القسطنطينية قبلها، فقد وعد الرسول الكريم بذلك، " قال عبد الله بن عمرو بن العاص: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أي المدينتين تفتح أولا، القسطنطينية أو رومة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: مدينة هرقل تفتح أولا ".

وحملة الدعوة على يقين بذلك كله، لأن هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، والأمر يتطلب منا العمل الدائم والنظرة إلى المستقبل بأمل باسم، ولا يجوز لنا أن نتصور أنه يجب تحقيق الوعود على أيدينا، فإن تحقق شيء من ذلك على أيدي الرعيل الأول فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإلا فيجب الاستمرار في الدعوة وهي فرض وتركها إثم كبير، والقنوط من رحمة الله ضلال، واليأس من روح الله من عمل القوم الكافرين، ونحن نرى الكفار على كفرهم يصبرون على تحقيق ما يريدون ولا يقعدون عن العمل وصولا لغايتهم وأهدافهم، فقد صبر اليهود خمسين عاما حتى أقام لهم الكفار دولتهم في فلسطين سنة 1948، وصبر الشيوعيون سبعين عاما حتى قامت أول دولة لهم في روسيا سنة 1917، فما بال شباب الدعوة، وعدوهم على الباطل وهم على الحق، والله مولاهم وهو نعم المولى ونعم النصير.
( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ) محمد (11).

وبعد،
هناك حديثان قدسيان شريفان يعتبران جماع القول وفصل الخطاب يقول الأول : " يا عبد ي ما أقل حيائك تطلب رحمتي وتبخل علي بطاعتي، فكيف أجود برحمتي على من يبخل علي بطاعتي ".

ويقول الآخر: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ ني لأعيذنه ".

فلنجهد إذا في طاعة الله، ولنتقرب إليه بالفرائض والنوافل حتى يرضى الله عنا ويرحمنا، ويصبح الواحد منا إسلاما يمشي على الأرض، وحتى نكون شامة بين الناس، وعسى أن نكون من خير الجلساء الموصوفين بحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قيل يا رسول الله: أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكركم بالله رؤيته، وزادكم في عملكم منطقه، وذكركم بالآخرة عمله.

وإنا لنرجوه سبحانه وتعالى أن يكون وجود هذا الطراز من الرجال طريق التوفيق فيعجل لنا بالنصر ويمكن لنا في الأرض، فتقوم دولة الخلافة وتعلو راية الإسلام من جديد إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

التقرب إلى الله - المحبة في الله ، طاعة الأمير



9- المحـبــة في اللــه

قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " وقال: " ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه " وهما من السبعة الذين يظلهما الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ووجود هذه المحبة الصادقة، وهذا الود الصافي أمر طبيعي بين شباب الدعوة وهو دليل على التفاعل وحمل الدعوة بصدق، ومن كانوا كذلك فهم من أولياء الله حقا، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إن من عباد الله أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال متعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس
وقرأ هذه الآية:
( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) يونس (62).

وقد ذكر الله تعالى لنا طبيعة العلاقات بين المهاجرين والأنصار في قرآن يتلى على مدى الأيام إذ قال: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر (9) ثم لما فرغ سبحانه من ذلك ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) الحشر (10).

لذا ينبغي تقوية الصلات بين شباب الدعوة والإكثار من التزاور فيما بينهم، وتفقد الأحوال والسؤال عن بعضهم البعض، وأن يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وأن يكونوا عند بعضهم البعض في الشدائد والحاجات فقد روى مسلم في صحيحه قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه معتكفا في مسجد الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام إذ رأى رجلا حزينا جالسا في طرف من المسجد، فأقبل عليه يسأله عن سبب حزنه، فلما علم بمشكلته قال له: قم معي وأنا أقضي لك حاجتك، فقال الرجل: أتترك اعتكافك في مسجد الرسول من أجلي؟ فبكى أبو هريرة وقال: سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب يقول: " لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه حتى يقضيها له خير من اعتكافه في مسجدي هذا عشر سنين ".

وعلى الشاب المسلم أن يترك غيبة أخيه وذلك بأن يذكره بالسوء من وراء ظهره، والصحيح أن ينشغل بعيوب الكفار والمنافقين وبيان ما يبيتون للإسلام والمسلمين.

قال سفيان بن حسين الواسطي: ذكرت رجلا بسوء عند إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة - وهو تابعي يضرب المثل بذكائه - فنظر في وجهي وقال: أغزوت الروم؟ فقلت: لا، السند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم؟ قال سفيان: فلم أعد بعدها.

وعلى المسلم أن يترك إساءة الظن بإخوانه وأن يحمل فعلهم على الحسن مهما أمكن لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وإن سوء الظن قد يدعو إلى التجسس المنهي عنه،وعلى الشاب أن يستر عيبة أخيه ويتغافل عنها فإن ذلك من شيم أهل التقوى، قال عبد الله بن المبارك: "المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات " ومن المعروف أن منشأ التقصير في ستر العورات والمغري بكشفها هو الحقد والحسد، والمؤمن الحق أبعد ما يكون عن ذلك وعلى المسلم أن يدعو لأخيه في حياته وبعد موته بكل ما يدعو به لنفسه، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل " وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يدعو لخلق كثير من إخوانه يسميهم بأسمائهم، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يدعو في السحر لستة نفر. وقد ورد في ( الأدب المفرد ) حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أسرع الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب " وورد فيه أيضا أن أبا بكر الصديق قال: " إن دعوة الأخ في الله تستجاب ".

وعلى الشاب المسلم أن يخفض جناحه لإخوانه، وأن يذعن للحق ولا يتبع الهوى، وقد حذر الرسول الكريم من إعجاب المرء بنفسه ومن اتباع الهوى، وهو يقول في حديث ناهيا عن الكبر وداعيا إلى التواضع " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمص الناس " قال الشوكاني في معنى بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا قاله النووي، وفي القاموس المحيط: بطر الحق أن يتكبر عنده فلا يقبله، والغمص أو الغمط قال النووي: هو احتقار الناس. وفي الإخلاص والتواضع يقول الشافعي رحمة الله " ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي ".
وفي نفس المعنى وفي مبلغ حب الخير للآخرين يقول ابن عباس رضي الله عنهما:
" إني لأتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي اعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط، فأفرح له وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به، ومالي بتلك الأرض سائمة ".



10- طـاعــــة الأميــر

الطاعة أمر أساسي لوجود الانضباط، وهي فرض أمر به الله تعالى وأمر به رسوله الكريم، ويجب الالتزام بها ولو لم يلاق المأمور به هوى في نفس المأمور حتى ولو كره ذلك، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " من كره من أميره شيئا فليصبر " وقال " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " وها نحن نرى رسول الله يقرن بين تقوى الله وبين السمع والطاعة لأمر الأمير، وما ذلك إلا لخطر أمر الطاعة، ومتى استجابت النفس لوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الطاعة تصبح سجية من سجايا حملة الدعوة فلا تحدثهم بالتمرد على الأوامر ومخالفتها أو التوقف عن تنفيذها ولو خالفت آراءهم حتى ولو لم يقتنعوا بها ما لم تكن إثما وكل ذلك من أجل الانضباط والحفاظ على الكتلة التي أمر الله بإقامتها، وتمكين القيادة من تسيير شؤون الدعوة والتفرغ لمقارعة الكفر والعملاء.

جاء أبا ذر وهو في الربذة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية العصيان ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمات: " والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو جبل، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورأيت ذلك خيرا لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت وصبرت ورأيت ذلك خيرا لي ".

حين ولي أبو هريرة رضي الله عنه ادخر مالا من مصادره الحلال وعلم عمر رضي الله عنه بذلك، فدعاه إلى المدينة، يقول أبو هريرة: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قلت: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه، لكني عدو من عاداهما، ولا أنا من يسرق مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قلت: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت، قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين، ودفع أبو هريرة المال إلى عمر، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم اغفر لأمير المؤمنين ".

التقرب إلى الله - الدعاء و الذكر والاستغفار ، الخوف من الله تعالى



7 - الدعـاء والذكر والاسـتغـفار

الدعاء من أعظم العبادة، وهو مخ العبادة كما أخبر الرسول الكريم بذلك، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، وليس شيء أكرم على الله من الدعاء، لذا يندب الدعاء في السراء والضراء، وفي السر والعلن حتى ينال ثواب الله تعالى، والأفضل أن يدعو بما ورد في القرآن والحديث من أدعية وأذكار تشمل جميع الحالات: من الاستيقاظ من النوم وعند الخروج من المنزل ودخوله، وعند المشي إلى المسجد ودخوله والخروج منه، وعند الوضوء وبعد الصلاة وعند الاستخارة، وعند المطر والرعد ورؤية الهلال، وعند الطعام ورؤية ما يعجبه، وعند الأرق والهم والحزن، وعند السفر والزواج ومباشرة الزوجة، وعند المرض ورؤية أهل البلاء، وعند مواجهة الظالمين والقتال في سبيل الله، وغير ذلك كثيرا، ويمكن الرجوع إلى كتاب الأذكار للنووي، وإلى عمل اليوم والليلة لابن السني لحفظ جميع الأذكار والأدعية. وحامل الدعوة لا يدعو لنفسه فحسب بل يدعو للمسلمين ولشباب الدعوة بالنصر والثبات وأن يجيرهم رب العالمين.

فيقول: " اللهم ارحم الأمة الإسلامية ".
ويقول: " اللهم افتح علينا وافتح بنا وعجل بقيام دولة الخلافة ".
ويقول: " اللهم إنا نعوذ بك من الكفار وعملائهم ومخابراتهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم ".
ويقول: " اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم كن لنا جارا من فلان بن فلان وأحزابه من خلائقك أن يفرط علينا أحد منهم أو يطغي، عز جارك وجل ثناؤك، ولا اله إلا أنت ".
ويقول: " اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا وأمكر لنا ولا تمكر علينا، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، وسدد ألسنتنا، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا ".

ويطلب الإكثار من الذكر، يقول عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " ما عمل ابن آدم عملا له من عذاب الله من ذكر الله " وقال: " قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة " وقال: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ".

وفضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى كذا قاله سعيد بن جبير رحمه الله وغيره من العلماء، وقال عطاء رحمه الله " مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع وتصلى وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه ذلك " قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حلق الذكر، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم "، وكان ابن مسعود رضي الله عنه إذا ذكر هذا الحديث قال: أما إني لا أعني القصاص، ولكن حلق الفقه. وروي عن أنس معناه أيضا، وروى أحمد في كتاب الزهد: كان أبو السوار العدوي في حلقة يتذاكرون فيها العلم، ومعهم فتى شاب فقال لهم: قولوا سبحان الله والحمد لله، فغضب أبو السوار وقال: ويحك في أي شيء كنا إذن؟؟ بل إن مجالس العلم أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير، لأنها دائرة بين فرض عين أو فرض كفاية، والذكر المجرد تطوع محض.

وينبغي الاستغفار والإكثار منه لكثرة وقوع المعصية من العبد، جاء في الحديث القدسي " يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم " وقد روى البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " ويقول أبو هريرة لم أر أحدا أكثر أن يقول: " استغفر الله وأتوب إليه " من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وأين نحن من رسول الله وهو أتقانا وأخشانا لله؟؟ وفي الحديث الشريف ما يشير إلى عاقبة الاستغفار وفضله حيث قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ". ويجب الإسراع إلى التوبة وأن يحرص المسلم بعامة وحامل الدعوة بخاصة على صفاء نفسه، وأن لا يدع المنكرات تجتمع عليه، وإلا هلك والعياذ بالله، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاء فلا تضيره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا".

ومن أحسن الذكر عند الابتلاء ما روي عن الإمام جعفر الصادق قوله: " عجبت لمن ابتلي بأربع كيف ينسى أربعا:

- عجبت لمن ابتلي بالخوف كيف ينسى أن يقول "حسبنا الله ونعم الوكيل " وقد قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) ) آل عمران.

- عجبت لمن ابتلي بالمرض كيف ينسى أن يقول " مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " وقد قال الله تعالى: ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) ) الأنبياء.

- وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف ينسى أن يقول " لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " وقد قال الله تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ) الأنبياء.

- وعجبت لمن ابتلي بمكر الناس كيف ينسى أن يقول " وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " وقد قال الله تعالى: ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) ) غافر.



8- الـخـوف مـن اللــه تعـالى

قال أحد قادة المسلمين يصف رجاله:
" نعم الشباب مكتهلين، غضيضة عن الشر أعينهم، ثقيلة إلى الباطل أرجلهم، أنضاء عبادة وأطلاح سهر، قد نظر الله
إليهم في آناء الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن، كلما مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية
فيها النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه ".

هذه بعض ثمرات الخوف من الله تعالى، وهو خوف مفيد ونافع، وهو الحارس والحامي، فهو الذي يضمن سير الإنسان
على الصراط المستقيم قال تعالى: ( فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران (175) وقال: ( فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) المائدة (44) وفي الحديث القدسي: " لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، من خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، ومن أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة " وعنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ".

روي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه بكى يوما فقالت له امرأته: ما لك تبكي؟ قال: أنبئت أتي وارد ولم أنبأ أني صادر. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.
قال سعيد بن عامر لعمر بن الحطاب رضي الله عنهما: " إني موصيك بكلمات من جوامع الإسلام ومعالمه: اخش الله في الناس، ولا تخش الناس في الله، لا يخالف قولك فعلك فـإن خير القول ما صدق الفعل، وأحب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ولا تخف في الله لومة لائم ".

ذكر الإمام أبو يوسف في مقدمة كتاب ( الخراج ) أنه لما هلك عمر بن عبد العزيز رحمه الله جاء الفقهاء إلى زوجته يعزونها ويذكرون عظم المصيبة التي أصيب بها أهل الإسلام لموته، فقالوا لها: أخبرينا عنه، فإن أعلم الناس بالرجل أهله، فقالت: والله ما كان بأكثرهم صلاة ولا صياما، ولكن والله ما رأيت عبدا لله كان اشد خوفا لله من عمر، كان رحمه الله قد فرغ بدنه ونفسه للناس فكان يقعد لحوائجهم يومه، فإذا أمسى وعليه بقية من حوائجهم وصله بليلته، فأمسى يوما وقد فرغ من حوائجهم فدعا بمصباح قد كان يستصبح به من ماله، ثم صلى ركعتين ثم أقعى واضعا يده تحت ذقنه تسيل دموعه على خده، فلم يزل كذلك حتى رق الفجر فأصبح صائما، فقلت له: يا أمير المؤمنين لشيء ما كان منك ما رأيت الليلة؟ قال: أجل إني قد وجدتني وليت أمر هذه الأمة أسودها وأحمرها فذكرت الغريب القانع الضائع، والفقير المحتاج، والأسير المقهور وأشباههم في أطراف الأرض، فعلمت أن الله تعالى سائلني عنهم وأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجيجي فيهم، فخفت على نفسي ووالله
إن كان عمر ليكون في المكان الذي ينتهي إليه سرور الرجل مع أهله، فيذكر الشيء من أمر الله فيضطرب كما يضطرب العصفور قد وقع في الماء، ثم يرتفع بكاؤه حتى أطرح اللحاف عني وعنه، رحمه الله . ثم قالت " والله لوددت لو كان بيننا وبين هذه الإمارة بعد ما بين المشرقين ".

والخوف من الله عز وجل يدفع شباب الدعوة إلى أن يبذل الواحد منهم جهده في نشر الأفكار وكسب الأنصار، وأن يجهر بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم فلا ينافق ولا يداهن ويحرص على أن تكون السيادة للمبدأ فلا يحسب حسابا لرضى الناس وقبولهم، فهو حارس أمين للإسلام ينزل الأحكام على الوقائع الجارية بصدق وأمانة، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " لا يحقرن أحدكم أن يرى أمرا لله فيه مقال، فلا يقول فيه، فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تكون قلت فيه كذا وكذا؟ فيقول: مخافة الناس، فيقول الله: إياي أحق أن تخاف ".

نهى أبو جعفر المنصور مالك بن أذس رحمه الله أن يحدث بحديث " ليس على مستكره طلاق " ثم دس إليه من يسأله عنه فحدث به على رؤوس الناس فضربه.

قال أحد تلامذة العز بن عبد السلام له حين حاسب الحاكم أما خفته؟ قال: والله يا بني لقد استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقط.

دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال: " يا أمير المؤمنين إني مكلمك بكلام فاحتمله، وان كرهته، فإن وراءه ما تحب إن قبلته قال: قل، قال:
يا أمير المؤمنين، إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهم ورضاك بسخط ربهم، خافوك في الله ولم يخافوه فيك، خربوا الآخرة وعمروا الدنيا، فهم حرب للآخرة، سلم للدنيا، فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه، وإنهم لم يألوا الأمانة تضييعا والأمة خسفا، وأنت مسؤول عما اجترحوا، وليسوا بمسؤولين اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإن أعظم الناس غبنا بائع آخرته بدنيا غيره ".

فقال سليمان: أما أنت فقد سللت لسانك، وهو أقطع من سيفك، فقال: أجل يا أمير المؤمنين، لك لا عيك، قال: فهل من حاجة في ذات نفسك؟ قال: أما خاصة دون عامة فلا، ثم قام فخرج
فقال سليمان: لله دره، ما أشرف أصله وأجمع قلبه، وأذرب لسانه، وأصدق نيته، وأروع نفسه ".

قال إسحاق بن حنبل ــ عم أحمد بن حنبل رحمه الله ــ دخلت على أبي عبد الله في سجنه فقلت: يا أبا عبد الله : قد أجاب أصحابك وبقيت أنت في الحبس والضيق، فقال أبو عبد الله : يا عم، إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل، متى يتبين الحق؟.
قال: فأمسكت عنه، فقال: كيف تصنعون بحديث خباب؟، " إن من كان قبلكم ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصده ذلك عن دينه "، قال إسحاق: فيئسنا منه، ثم قال أحمد: لست أبالي بالحبس ما هو إلا ومنزلي واحد، ولا قتلا بالسيف، إنما أخاف السوط، وأخاف أن لا أصبر، فسمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله، ما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي، فلما سمع ذلك سري عنه.

التقرب إلى الله - السخاء والإيثار ، الإكثار من النوافل



5- الســخـاء والإيـثــار

من سجايا المسلمين بعامة وحملة الدعوة بخاصة السماحة والبذل وبسط اليد، فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والإنفاق وذم البخل والإمساك، قال الله تعالى: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ((17 ) السجدة.

وورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا " وقال أيضا لبني سلمه: " من سيدكم؟ قالوا: الجد بن قيس على إنا نبخله، قال: وأي داء ادوأ من البخل؟ بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور " وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه ".

وعن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ما بقي منها؟ قالت: ما بقي إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها ".

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وأنه ما سئل شيئا قط فقال: لا، وأن رجلا سأله فأعطاه غنما بين جبلين، فأتى الرجل قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
سمع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول له يوما: " يا ابن عوف إنك من الأغنياء وإنك ستدخل الجنة حبوا، فأقرض الله يطلق لك قدميك " ومنذ أن سمع عبد الرحمن ذلك وهو يقرض ربه قرضا حسنا، باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار ثم فرقها جميعها في أهله من بنى زهرة وعلى أمهات المؤمنين، وفقراء المسلمين، وقدم في يوم 500 فرسا في سبيل الله، وقدم في يوم آخر 1500 راحلة، وعند موته أوصى ب50 ألف دينار وأوصى لكل من بقي ممن شهد بدرا بأربعمائة دينار، حتى أن عثمان بن عفان أخذ نصيبه من الوصية رغم ثرائه وقال: إن مال عبد الرحمن حلال صفو، وإن الطعمة منه عافيه وبركة.

اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره التي في السوق بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله، ما لهؤلاء؟ قالوا: يبكون على دارهم، قال: يا غلام ائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعا.

ومرض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالأ يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر مناديا ينادي: من كان عليه لقيس حق فهو منه في حل، قال: فانكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده.

ومادام السخاء من شيم المؤمنين ومن طبائعهم الأصلية فإنه لا يتوقف على الغنى وسعة ما في اليد، أنظر إلى قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " سبق درهم مئة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مئة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به" وهذا رجل من الأنصار فقير يقال له أبو عقيل يحدث عن نفسه في غزوة تبوك فيقول: لقد بت الليلة أعمل في نشل الماء مقابل صاعين من التمر انقلبت بإحداهما إلى أهلي يتبلغون به، وجئت بالأخر أتقرب به، فأمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينثره في الصدقة، فعابه المنافقون لقلة ما أعطى وقالوا: لقد كان الله غنيا عن صاع أبي عقيل، فأنزل الله تعالى قوله: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة (79).

وأرفع درجات السخاء الإيثار، وليس بعده درجه في السخاء، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإيثار فقال: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر (9) وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة قصة أبي طلحة لما آثر ذلك الرجل المجهود بقوته وقوت صبيانه.

واستشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء وهم صرعى فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه رحمهم الله تعالى.

ولله در الشاعر العربي حيث يقول:
تــراه إذا ما جئته متـهـللا كـأنـك تعطيـه الذي أنت سـائـله



6- الإكثـار من النـوافـل

وذلك مثل قيام الليل فإن فضله عظيم وهو السبيل إلى المقام الموعود، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد، وفي الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء "، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " إن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا آتاه إياه، وذلك كل ليله "، وإذا استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات كما أخبر الرسول الكريم بذلك، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: لم أجد من العبادة شيئا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.

ومن النوافل الاعتكاف وخاصة في رمضان حتى ولو كان قصيرا، ومنها صلاة الضحى، وصلاة التراويح وصلاة الوتر، والاستخارة في الأمور كلها، والإكثار من الصدقات وأداء العمرة وصوم التطوع في الأيام التي حددها الشارع، وغير ذلك كثير وقد كان السلف الصالح يكثرون من فعل النوافل ويرجون من الله أن يكون ذلك طريقا إلى التوفيق وتحقيق الغايات، ففي يوم الاثنين 19 جمادى الأولى سنة 757 هـ، 28 أيار سنة 1453 م ندب السلطان محمد الفاتح جنده لصيام ذلك اليوم تقربا إلى الله، وتزكية لنفوسهم استعدادا للهجوم النهائي الذي قرر أن يشنه في اليوم التالي على القسطنطينية، وما أن أذنت شمس يوم الاثنين بالمغيب وأدى المجاهدون صلاة المغرب، أقبلوا يتناولون إفطارهم، ثم دعا السلطان مجلس حربه، وقادة جيشه إلى الاجتماع الأخير قبل بدء الهجوم، وخطب فيهم خطبة، جاء فيها ما يلي:

" إذا أعاننا الله عز وجل ففتح علينا القسطنطينية فسيتحقق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعجزة من معجزاته العظام، وسيكون من حظنا ما تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التقدير والتشريف، فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا نصب عيه، فلا يصدر عن أي واحد منهم ما ينافي هذه التعاليم، وليتجنبوا الكنائس والمعابد، ولا يمسوها بأذى، وليدعوا القساوس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون ".

وحين تنزل نصر الله عز وجل كان أول عمل بدأ به السلطان محمد الفاتح أن خر ساجدا على الأرض شكرا لله على ما أفاء على المسلمين من نصر مؤزر مبين، وما كاد العثمانيون يدخلون المدينة حتى وثب العديد منهم إلى أعالي الأسوار يزيلون الرايات البيزنطية من فوقها ويرفعون مكانها الرايات الإسلامية العثمانية، وفي تلك الأثناء كان العشرات من المجاهدين يرفعون أصواتهم بالأذان من فوق أسوار المدينة، ولما بلغ الفاتح منتصف المدينة، توقف عن المسير وقرأ بلغة عربية فصحى البشارة النبوية الكريمة " لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ".

لما أبطأ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه " أما بعد فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله تعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ( الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود، عبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد ) وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف إلا أن يكون غيرهم ما غير غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس و حضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس وأمر الناس أن يكونوا لهم صدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم ".

فلما أتى عمرا الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبوا إلى الله ويسألوه النصر ففتح الله عليهم.

التقرب إلى الله - الحرص على أداء الفرائض ، مراعاة سلم القيم



3- الحرص على أداء الفرائض

وهي كثيرة، ومنها الصلوات الخمس كل في وقتها، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)) المؤمنون وقد حذر الشرع من التهاون في أمرها حيث قال الله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) ) الماعون وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " من هانت عليه صلاته، كان على الله عز وجل أهون " ومما ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله " فإنه من يضيع الصلاة فهو لما سواها من شرائع الإسلام أشد تضييعا " وذلك يعني أن من يفرط في أمر الصلاة فلا يكون أمينا صادقا في حمل الدعوة والانتساب إلى الإسلام.

وطلب المحافظة على الصلاة لا يقتصر عليه، فقد طلب سبحانه وتعالى أن يأمر الرسول أهله بالصلاة ويصبر على مشاقها حيث قال: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه (132) وقد حث الشرع على صلاة الجماعة وحذر من تركها وقد سمع النداء، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق على من سمع منادي الله ينادى يدعوه إلى الفلاح ولا يجيبه " وعن عمرو بن أم كلثوم قال: قلت يا رسول الله: أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي قال: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: ما أجد لك رخصة " وقال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " من سمع النداء بالصلاة فلم يمنعه من إتيانها عذر، قيل: وما العذر يا رسول الله؟ قال: خوف أو مرض، لم تقبل عنه الصلاة التي صلى " وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ثلاثة لعنهم الله: من تقدم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل سمع حي على الصلاة حي على الفلاح ثم لم يجب " وقد أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولده عبد الله أن يطلق زوجته عاتكة بنت زيد بعد
أن شغلته عن صلاة الجماعة فانصاع لأمر أبيه رضي الله عنهما.

وينبغي الخشوع في الصلاة والتفهم لمعنى الكلام ويكون ذلك بقطع الخواطر عن كل ما يشغل السمع والبصر وذلك بالقرب من القبلة والنظر إلى موضع السجود والاحتراز من المواضع المنقوشة وأن لا يترك عنده ما يشغل حسه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صلى في انبجانية لها أعلام نزعها وقال: " إنها ألهتني آنفا عن صلاتي " وعلى من يريد الصلاة أن يقضي أشغاله قبل الصلاة ويذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع وأن يكون راجيا بصلاته الثواب كما يخاف من تقصيره العقاب.

وهذه صور من صلاة السلف الصالح رحمهم الله جميعا:
عن محمد بن أبي حاتم الوراق قال: دعي محمد بن إسماعيل البخاري إلى بستان بعض أصحابه، فلما حضرت صلاة الظهر صلى القوم، ثم قام للتطوع فأطال القيام، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه فإذا زنبور قد ابره في ستة عشر موضعا، وقد تورم من ذلك الجسد وكانت آثار الزنبور في جسده ظاهرة، فقال له بعضهم كيف لم تخرج من الصلاة في أول ما ابرك؟ فقال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها.

قال عمر بن عبد العزيز يوما لابن أبي ملكية: صف لنا عبد الله بن الزبير فقال: والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليها، وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارا أو ثوبا مطروحا، ولقد مرت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحس بها، ولا اهتز لها، ولا قطع من أجلها قراءته ولا تعجل ركوعه.

قال سعيد بن المسيب: حججت أربعين حجة، وما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة.

بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمون من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه، واختار الرسول الكريم للحراسة نفرا من أصحابه يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة، ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة، ورأى عباد أن المكان من حوله آمن فقام يصلي، وإذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورة من القرآن، اخترم عضده سهم فنزعه واستمر في صلاته، ثم رمي بسهم ثان، ثم رماه المهاجم في ظلال الليل بسهم ثالث نزعه وأنهى صلاته، ثم ركع وسجد، وكانت قواه قد بددها الإعياء والألم، فمد يمينه وهو ساجد إلى صاحبه النائم بجواره، وظل يهزه حتى استيقظ، ثم قام من سجوده وتلا التشهد وأتم صلاته، وصحا عمار على كلماته المتعبة تقول له: قم للحراسة مكاني، فقد أصبت، ووثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين، ففروا ثم التفت إلى عباد وقال له: سبحان الله، هلا أيقظتني أول ما رميت، فأجابه عباد: كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها، ووالله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها.



4- مراعـاة سـلم القيـم

ويعني ذلك أن يكون الله ورسوله أحب إلى نفسه من الدنيا وما فيها، وأن يضحي بجميع مصالحه وارتباطاته في سبيل الله، وان يكون لمقام الدعوة المقام الأول في حياته الدنيا، وهذا هو الإيمان الحق وعنوان التجرد لله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) التوبة (24) وقد علمنا الرسول الكريم ترتيب سلم القيم بقوله: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".

وقد ضرب لنا السلف الصالح أمثلة في ذلك يقتدي بها العاملون المخلصون:
هذا خالد بن الوليد يقول يوما " ما ليلة يهدى إلي فيها عروس أو أبشر فيها بوليد بأحب إلي من ليلة شديدة الجليد في سرية من المجاهدين أصبح بهم المشركين ".

وهذا مصعب بن عمير يقول فيه رسول الله: " لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، لقد ترك ذلك حبا لله ورسوله " .

وهذا سعد بن أبي وقاص يقول لأمه: تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن
شئت أولا تأكلي.

وهذا صهيب الرومي يضحي بجميع ما يملك مقابل السماح له بالهجرة فيقول رضي الله عنه: " ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى ".

وهذا سعيد بن عامر يقول لزوجته وقد آسفها إنفاق زوجها في سبيل الله " تعلمين أن في الجنة من الحور العين والخيرات الحسان ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لأضاءت جميعا، ولقهر نورها نور الشمس والقمر معا، فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك ".

يقول القاضي بهاء الدين بن شداد عن صلاح الدين رحمه الله: لقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوارحه استيلاء عظيما، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا كان له اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحثه عليه، لقد هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وأولاده ووطنه، وسائر بلاده، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح ميمنة وميسرة.

وهذا جيل من الشباب يمضي في طريق الدعوة والثبات عليها ولا يبالي بما عليه الآباء والأمهات من الكفر والعناد: علي وجعفر على الإسلام، وأبوهما أبو طالب يموت كافرا، أبو عبيدة الجراح يقتل أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر، أبو حذيفة يقتل أبوه عتبة بن ربيع يوم بدو فيحزن حزنا شديدا لا لسبب إلا لأنه مات على الكفر.

مصعب وسعد ناصبتهما أماهما العداء فلا يباليان، الوليد وهشام وخالد أولاد من قال فيه القرآن الكريم: ( ولا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) ) القلم.
وهناك مفارقة عجيبة، الإسلام يجمع بين زوجين كريمين هما حنظلة الغسيل وجميلة، وأبواهما من ألد أعداء الإسلام والمسلمين، حنظلة بن أبي عامر الراهب والأب رأس الكفر و العمالة لدولة الروم، وجميلة بنت عبد الله بن أبي والأب رأس النفاق بالمدينة المنورة.

مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسيدة من بني دينار استشهد في معركة أحد: أبوها، وزوجها، وأخوها. وحين أبصرت المسلمين العائدين من المعركة، سارعت نحوهم تسألهم عن أبنائها، فنعوا إليها الزوج والأب والأخ وإذا بها تسألهم في لهفة: وماذا فعل رسول الله؟؟ قالوا: خيرا، وهو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه، حتى أنظر إليه.
فلبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول: كل مصيبة بعدك، أمرها يهون .

التقرب إلى الله - إحسان العمل ، تلاوة القرآن الكريم



1- إحسان العمل

حتى يكون العمل حسنا لا بد فيه من إخلاص القصد لله، وأن يكون موافقا للشرع، ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الأصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الملك (2) قال: أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وعن سعيد بن جبير قال: " لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ". وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا " وعن الإمام مالك أنه قال: " السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق" .

وحامل الدعوة يحرص كل الحرص على إحسان العمل وعلى أن لا يبتغي بدعوته عرضا من الدنيا، وإلا حبط عمله وكان من الخاسرين وقد ورد في الحديث الشريف " من تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار".

والعبرة بإحسان العمل لا بكثرته ولذلك قال تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )، ولم يقل ليبلوكم أيكم أكثر عملا، وقد ورد عن مالك بن دينار قوله " قولوا لمن لم يكن صادقا ( في عمله) لا تتعب " وعن أبي أمامة أنه مر برجل ساجد فقال " يا لها من سجدة لو كانت في بيتك " وعن الفضيل بن عياض أنه قال " كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد عنه أعظم أجرا منه ".
ومن هنا يجب مراعاة الإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال، وكانت صحة الأعمال وقبولها عند رب العالمين بالنية. ولذلك لم يكن أمرا مستغربا أن يعتبر العلماء حديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " أحد ثلاثة أحاديث عليها مدار الإسلام. وكان المتقدمون من علماء السلف يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها.

وكان الإخلاص عندهم أن تستوي أفعال العباد في الظاهر والباطن، يقول الإمام الحارث المحاسبي " الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله " وعن الإمام أبي القاسم القشيري: " الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى " .

يقول الحسن بن الربيع عن جهاد الإمام الجليل عبد الله بن المبارك " خرج فارس من المسلمين ملثم فقتل فارسا من العدو كان فعل بالمسلمين فكبر له المسلمون، فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد، فتتبعته حتى سألته بالله أن يرفع لثامه، فعرفته فقلت: أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم الذي يسره الله على يدك؟ فقال الذي فعلت له لا يخفى عليه ".
ويقول ابن قتيبه في كتابه عيون الأخبار: " حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا، وكان في ذلك الحصن نقب - أي ثقب في الحائط - فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد! فجاء رجل من عرض الجيش - أي من عامته غير معروف - فدخله ففتح الله عليه الحصن، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الأذن فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى الآذن إلى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه - أي لا تكتبوه في صحيفة إلى الخليفة - ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو؟ أي من أي قبيلة هو، قال مسلمة: فذاك له، قال الرجل: أنا هو، فكان مسلمة بعد هذه لا يصلي صلاة إلا قال: " اللهم اجعلني مع صاحب النقب ".

وما اجمل قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يشير إلى عاقبة الإخلاص لله تعالى " فإنما قدر عون الله للعباد على قدر النيات، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر عون الله له ".
ومن علامات الإخلاص الخضوع للحق وقبول النصح ولو ممن كان دونه في المنزلة، فلا يضيق صدره كيف ظهر الحق مع غيره، حكى الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري وهو أحد سادات أهل البصرة وعلمائها وكان قاضيها، قال عبد الرحمن بن مهدي تلميذه: كنا في جنازة فسئل عن مسألة، فغلط فيها، فقلت له: أصلحك الله، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة فقال: إذن ارجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل، رحمه الله.

ومن علامات الإخلاص أن لا يكون جريئا في الفتوى وإعطاء الأحكام، ولذلك كان الكثير من السلف الصالح يتحرز من الفتوى ويتمنى أنه لم يسأل، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذأ إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول "، والذي يحب أن يتصدر المجالس ويسأل ليس أهلا أن يسأل كما أفاد بذلك بشر بن الحارث رحمه الله. وكان الواحد من كبار العلماء لا يخجل من قوله: لا أدري، سئل الشعبي يوما عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أما تستحي من قولك لا أدري وأنت فقيه أهل العراقين قال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: ( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) البقرة (32).
جاء في طبقات الشافعية ما يلي:

حكى القاضي عز الدين الهكاري في مصنف له، ذكر فيه سيرة الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، أن الشيخ عز الدين أفتى مرة بشيء ثم ظهر له انه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ.



2- تـلاوة القرآن الكـريـم

الاشتغال بالقرآن الكريم من أفضل العبادات فهو كلام الله تعالى وأساس الإسلام، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فاطر (29) وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر بذلك فقال: " عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء " وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال " إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب " لذلك يجب تعاهد القرآن الكريم والحذر من تعريضه للنسيان لحديث الصحيحين " تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها " .

كان من عادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأمر أصحابه بحسن قراءة القرآن وكان يقرأ لهم ويقرئهم بحضوره، قال ابن مسعود: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبعين سورة من القرآن، وروى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لإبن مسعود وهو على المنبر: " اقرأ علي، قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) النساء (41) قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمل الناس على القرآن حملا ويفاضل بينهم بمنزلتهم من القرآن فهو يقول: " يؤم القوم اقرؤهم " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم، يعني ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا و كذا وسورة البقرة، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اذهب فأنت أميرهم ".

وينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب، ويستحب البكاء، والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، والسنة التزام صفة تلاوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد كانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجله بل مفسرة حرفا حرفا، وكان يقطع قراءته آية آية، وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضأ ومحدثا، وإذا قرأ بآية دعاء دعا، أو استغفار استغفر، أو سجدة سجد أو رحمة طلبها. وينبغي المحافظة على تلاوة القرآن ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصى عبد الله بن عمرو أن يختمه في كل أسبوع مرة، وكذلك كان جماعه من الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون كعثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الاثنين ب طه إلى القصص، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بالزمر إلى الرحمن، وليلة الخميس يكمل الختمة. ويستحب صيام يوم ختم القرآن إلا أن يصادف يوما نهى الشارع عن صيامه، كما يستحب الدعاء عند الختم بحضور الأهل وغيرهم فقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن، جمع أهله ودعا.

وهناك سور وآيات يستحب الإكثار من تلاوتها وهي: يس، الدخان، الواقعة، الملك، الإخلاص، المعوذتين، آية الكرسي، الآيتان الأخيرتان من البقرة، وسورة الكهف وميقاتها يوم الجمعة.

التقرب إلى الله - المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم

المقـدمـــة

الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) الأحقاف ( (13والقائل ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) البينة (7). والصلاة والسلام على رسوله الأمين وإمام المتقين، زكى المسلمين وعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، جاءه سفيان بن عبد الله الثقفي يوما فقال: يا رسول الله: حدثني بأمر أعتصم به، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ( قل آمنت بالله، ثم استقم ) رواه مسلم.

وبعـــــد:
فإن أفكار الإسلام مفاهيم وليست معلومات لمجود المعرفة، وهي ضوابط لسلوك الإنسان في هذه الحياة الدنيا. فهي قد جاءت هدى ورحمة وموعظة، وجاءت معالجات لأعمال الإنسان وتعيينا لكيفية سلوكه، لذا كان لزاما على المسلم أن يدرك أن نصوص الشريعة قد جاءت للعمل بها، وجاءت خاصة بسلوكه في الحياة، أي يجب على المسلم أن يدرك أن الإسلام جاء بمفاهيم لضبط سلوكه في الحياة الدنيا فيأخذ كل فكر قانونا لضبط سلوكه ضمن هذا القانون، فتظهر فيه الناحية العملية لا الناحية التعليمية. ويجب أن يكون واضحا أنه إذا أخذت فيه الناحية التعليمية وحدها فقد صبغته الأصلية - وهي كونه قانونا لضبط السلوك- وصار معرفة كمعارف التاريخ والجغرافية، فيفقد بذلك حرارة الحياة الموجودة فيه ويفقد كونه مبدأ كاملا شاملا - أي عقيدة عقليه ينبثق عنها نظام مفصل ومتكامل- وإنما يصبح معارف إسلامية يندفع المسلم للإحاطة بها وينقب عنها ويهتم بها كمعلومات وكلذة علمية دون أن يخطر بباله أن يتخذها ضوابط لسلوكه في الحياة.

ولذلك كان من سمات العلماء من السلف الصالح أن يكون الواحد منهم عاملا بعلمه ولا يكذب قوله فعله. قال تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) البقرة (44)، وكان يحرص على أن لا يكون ممن قال فيهم تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) الجمعة (5)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " ويل لجماع القول! ويل للمصرين!" يريد الذين يستمعون القول ولا يعملون به، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " أهلك أمتي رجلان: عالم فاجر، وجاهل متعبد، فقيل يا رسول الله: أي الناس أشر؟ فقال: " العلماء إذا فسدوا"، وقال أبو الدرداء: أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله، أن يقول تعالى قد علمت.. فماذا عملت؟.
ومن هنا كانت معرفة الأفكار الإسلامية والأحكام الشرعية دون ملاحظة اعتبارها ضوابط للسلوك الإنساني هي الآفة التي لم تجعل للأفكار والأحكام أ ثرا في سلوك الكثيرين. هذا مع ما في ذلك من الإثم المبين والعقاب الشديد يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

لقد حرص الإسلام على تكوين الشخصية الإسلامية بالعقيدة الإسلامية، فبها تتكون عقليته، وبها نفسها تتكون نفسيته. فالعقلية الإسلامية هي التي تفكر على أساس الإسلام، أي تجعل الإسلام وحده المقياس العام للأفكار عن الحياة، والنفسية الإسلامية هي التي تجعل ميولها كلها على أساس الإسلام، أي تجعل الإسلام وحده المقياس العام للإشباعات جميعها، وكما أمر الإسلام بالاستزادة من الثقافة الإسلامية لتنمية العقلية حتى تصبح قادرة على قياس كل فكر من الأفكار، فكذلك أمر بالقيام بالواجبات وبالإكثار من المندوبات والمستحبات، والنهي عن المحرمات والمكروهات والشبهات لتقوى هذه النفسية وتصبح قادرة على ردع كل ميل يخالف الإسلام، وكل ذلك لترقية هذه الشخصية، وجعلها تسير في طريق المرتقى السامي، وتنال رضوان الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة.

إن الدنيا كلها عدوة الإسلام والمسلمين، والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، وهم بجميع مذاهبهم ونحلهم يمكرون بأهل الإسلام ليلا ونهارا، وسرا وعلانية، وهم لا يهدأ لهم بال ولا تنام لهم عين ولا يقر لهم قرار حتى يطفئوا نور الله، وهم يعملون جاهدين للحيلولة دون إقامة دولة الخلافة ودون رجوع الإسلام إلى الحياة.

هذا حال الكفر وأهله، فكيف يمكن مواجهة هذا الكيد العظيم والبلاء المبين؟ إن النهضة التي نريد، واستئناف الحياة الإسلامية التي نرجو، لا بد لها من كفاح مرير بسلاح الفكر المستنير، ولا بد من التصدي للكفر وأعوانه من الحكام والمضبوعين بثقافته وحضارته. لا بد لها أيضا من نفسيات فذة راقية ونفوس عزيزة زاكية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتـقوية الصلة بالله تعالى رب العالمين واستمداد العون منه والتوكل عليه حق توكله، وجعل نوال رضوانه المثل الأعلى في هذه الحياة، وكان لا بد من إحياء النفوس بتقوى الله وطاعته بالخوف من عذابه والطمع في جنته، وما أحوج حامل الدعوة إلى طاعة الله والاستقامة على دينه، فإنه إن فعل ذلك هانت الدنيا في عينيه وصغر شأن الكفار من أمامه، واستسهل الصعب، واحتمل العذاب والصد عن سبيل الله، واستهان بوعيد الكفار لوعد الله، ورأى النصر آتيا لا ريب فيه.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11) ) محمد.

وهذه بعض القربات و الطاعات التي توجد عند حامل الدعوة الجو الإيماني وتزيد من إدراك صلته بالله تعالى، ومن ثم يقوي هذا الجو نفسية الداعية ويجعله يسير جميع ميوله حسب أوامر الله ونواهيه، وبذلك يحدث ارتباط بين العقلية والنفسية وتصبح شخصية الداعية شخصية متميزة، عقليتها ونفسيتها من جنس واحد، تستندان إلى قاعدة أساسية واحدة، هي العقيدة الإسلامية، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ).

رجب 1411 هـ فوزي سنقرط
الموافق كانون الثاني 1991 م


قـربــات وطـاعــات

1- إحسان العمل.
2- تلاوة القرآن الكريم.
3- الحرص على أداء الفرائض.
4- مراعاة سلم القيم.
5- السخاء والإيثار.
6- الإكثار من النوافل.
7- الدعاء والذكر والاستغفار.
8- الخوف من الله تعالى.
9- المحبة في الله.
10- طاعة الأمير.
11- الصبر عند الابتلاء.
12- الثقة بوعد الله.