‏إظهار الرسائل ذات التسميات في رمضان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات في رمضان. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

مواقف وعبر من غزوة بدر الكبرى


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كرم الله شهر رمضان بأعظم المعارك كمعركة بدر التي وصفها الله بالفرقان لأنها فرقت بين الحق و الباطل و بين الايمان و الكفر، و بين العبودية للطاغوت المتمثل في قريش و كل ألوان الجاهلية التي تمثلها، من الأشخاص و الأهواء و الشرائع و القوانين الوضعية و العادات و التقاليد، و بين العبودية لله الواحد القهار الذي لا إله إلا هو و لا رب سواه و لا حاكم دونه و لا مشرع إلا هو. فانعتقت البشرية من عبادة العباد وتوجهت لعبادة خالق العباد و أصبحت لا تخضع إلا لشرع الله و حكمه.

إن مواطن العبر من معركة بدر كثيرة، نذكر بعضها للتأسي و الإقتداء حيث قال سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}.



إحقاق الحق و تحطيم الباطل لا يكون إلا بسلطان

بخلاف غيرها من الغزوات و المعارك، كانت غزوة بدر من أولها إلى آخرها من تدبير الله و قضاءه. فقد خرج الرسول صلى الله عليه و سلم في جيش قوامه ثلاثمائة مقاتل لتعقب قافلة أبي سفيان (غير ذات الشوكة) ليغنمها و لم يجهز نفسه لقتال، وكان الصحابة يريدون العير،‎ ولا يريدون القتال، وقد اقرهم الله على ذلك ولم يذمهم، فقال : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)، و لكن إرادة الله و تدبيره كانت خلاف ذلك فهيأ عوامل و ظروف المعركة بشكل لا يمكن معه التخلف، من ذلك أنه جمع الجيشين في مكان واحد و زمان واحد بدقة متناهية، فقد كان جيش المسلمين بالعدوة الدنيا و هو ضفة الوادي القريب من المدينة و كانت قريش بالعدوة القصوى و هي الضفة الثانية من الوادي ولا تفصل بينهما إلا ربوة، حتى لو أن بينهم موعدا لما اجتمعا بتلك الدقة التي قدرها الله و دبرها حيث يقول واصفا هذا الموقف: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). ومن تدبيره سبحانه و تعالى أن أغرى كلا الفريقين لخوض المعركة، حيث أرى الله سبحانه و تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في منامه جيش الكفار قليلا لا وزن له و لا عدة، حتى يستبشروا و يتشجعوا على القتال و حتى لا يفت في أعضد المؤمنين فيختلفوا و يتنازعوا فيما بينهم و هذا من أخطر ما يصيب جيشا يواجه عدوا، قال تعالى ( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

و زيادة في إغراء الفريقين لخوض القتال، تكررت الرؤيا النبوية الصادقة على أرض الواقع حين التقى الجمعان و ذلك بالمعاينة الحسية من كلا الطرفين، حيث بقول تعالى ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، فالمؤمنون كانوا يرون الكفار قليلا لأنهم يرونهم بعين الإيمان، والكفار يرون المؤمنين قليلا لأنهم يرونهم بعين الغرور و العنجهية و الاستكبار. و قد أخبرنا الله سبحانه عن حكمته ومقصده من تدبيره للمعركة في قوله : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) و هذه حقيقة إلهية لا تتغير و لا تتبدل وهو أن الحق لا يحق وأن الباطل لا يبطل في المجتمع البشري بمجرد البيان النظري و النقاش الفكري، بل لا بد للحق من دولة تطبقه على أرض الواقع حتى يدرك الناس عدله و صدقه بالمعاينة الحسية و أن الباطل لا يبطل إلا بجيش تقوده دولة في ساحات القتال لتحطيم الباطل و إزالته من أرض الوجود ليحل محله الحق الإلهي المتمثل في شرعه حتى ينعم الناس بنور عدل الإسلام و شرعه.

الاستعداد للموت في سبيل حماية الدعوة الإسلامية

لما علم النبي صلى الله عليه و سلم بمقدم جيش المشركين استشار أصحابه في قتال قريش، فأدلى أبو بكر و عمر برأيهما، ثم قال المقداد بن عمرو: (يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لدالدنا معك من دونه حتى تبلغه) و سكت المسلمون، فقال صلى الله عليه و سلم : أشيروا علي أيها الناس، و كان يريد بكلمته هذه الأنصار الذين بايعوه يوم العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم و نساءهم، بايعوه على محاربة الأحمر والأسود من الناس، بايعوه على فناء الأموال و قتل الأشراف من أجل حماية الدعوة الإسلامية و صاحبها، و كان صلى الله عليه و سلم يخشى أن تكون بيعة العقبة تعني بالنسبة للأنصار حمايته في داخل المدينة إذا دهمه عدو و ليس خارجها، فرد عليه سعد ابن معاذ رضي الله عنه أرضاه: لكأنك تريدنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه و سلم: أجل، فقال سعد :فقد امنا بك و صدقناك، و شهدنا أن كا جئت به هو الحق، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة،فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، و ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لدبر في الحرب، صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك)، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه و سلم و قال:(أبشروا فقد وعدني الله إحدى الطائفتين، و الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم).

هذا هو موقف المسلمين رغم قلة عددهم وعُددهم، لأنهم نذروا أنفسهم لنصرة الإسلام وإعزازه منذ أن أسلموا ونصروا الرسول، فانجلت غزوة بدر الكبرى عن انتصار الفئة المسلمة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة بإذن الله، قال تعالى:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}، وقال تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}.

و من روائع المواقف التي شهدتها معركة بدر ما قاله عمير بن الحمام الأنصاري عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخٍ بخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قول بخٍ بخٍ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله. [أخرجه مسلم والإمام أحمد]. فعمير كان متيقناً أنه سيقتل في المعركة ومع ذلك دخل المعركة وقاتل حتى قتل.

إن هذه المواقف من الصحابة الكرام ترينا كيف أنهم باعوا أنفسهم لله حتى أصبح همّ أحدهم أن يموت شهيداً في سبيل الله حتى استشهد أكثرهم في الغزوات. وكان من تفوته الشهادة في معركة يتمنى أن يرزق الشهادة في معركة أخرى. ولم تكن الدنيا ولا ملذاتها تشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم، وكان من يحصل على قوت يومه وهو في صحة وأمن فإنه قد نال حظه الأوفر لأنهم آمنوا بما سمعوه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم من قوله: ‹‹من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا›› فلم يكن للقصور العظيمة ولا للمراكب الفارهة ولا للمآكل الدسمة والملابس الفاخرة والملذات الآسرة أي أثر في نفوسهم، فهانت الدنيا في أعينهم واسترخصوا المهج والأرواح في سبيل الله وإعلاء كلمته. حتى كانوا يتسارعون إلى الغزوات ولو لم يجدوا زاداً أو راحلة، قال تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون}، ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنهم كانوا يخرجون وليس معهم شيء حتى أكلوا ورق الشجر وكانوا يخرجون ما لا خلط له، أي كما يخرج البعير. فهمهم الأوحد هو إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وبذلك مكنهم الله في الأرض، وفتح لهم الدنيا وأخضع لهم رقاب الدول، وهم القلة لأنهم صدقوا الله ما وعدوه، فتحقق لهم ما وعدهم به من الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتحقيق الأمن والطمأنينة لهم، حيث قال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.

إن لنا في تسارع صحابة رسول الله في البذل والعطاء والتضحية، وفي عظم طموحهم في ان يصلوا أقاصي الأرض، عبرة و عضة لنا تجعلنا نتأسى فنكون أمة مجاهدة، بحيث تصبح روح القتال والجهاد سجية من سجايانا.

التفريق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات

و لما التقى الجمعان نزل النبي صلى الله عليه وسلم عند أدنى ماء بدر فقال له الحباب بن المنذر :‎يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا انزله الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال"‎بل هو الرأي والحرب المكيدة"قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فاني اعرف غزارة مائه بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"‎فقد أشرت بالرأي". إن قول الحباب ابن المنذر رضي الله عنه كان يدرك أن الأمور التي مصدرها الوحي و هي الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية لا يجوز للمسلم أن يتقدم فيها أو أن يتأخر و لو رأى العقل خلاف ذلك، و لذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم بأن هذا من الأمور التي يجوز أن يدلي فيها المرء برأيه إذ هي من الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها، عند ذلك أعطى رأيه. و هذا يبين لنا أن هناك فرق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها فالأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون وما شاكلها يجوز أن يقررها العقل ما لم تخالف الإسلام كما يجوز أخذها حتى من غير المسلمين وأما الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية فلا يجوز للعقل إلا أن يكون لها خادما أي أن دوره فيها هو فهم الحكم من مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة او مما ارشد اليه الكتاب والسنة، و لا يجوز على الإطلاق أن يؤخذ من غير الإسلام و إن ما يدعم هذا ما رواه مسلم من ان النبي صلى الله عليه وسلم قال"انما انا بشر مثلكم اذا أمرتكم بشيء من أمور دينكم فخذوا به واذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فانما انا بشر"وما روى عن عائشة وانس معا ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا يصلح، قال فخرج شيصا"اي بسرا رديئا"فمر بهم فقال ما لنخلكم ؟ قالوا قلت كذا وكذا قال"‎انتم أدرى بأمور دنياكم".

وجوب اقتران العمل بالدعاء

لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر بين العمل و الدعاء، فقد نظم الجيش و حرضه على القتال و في نفس الوقت رفع يده إلى السماء يطلب المدد من الله و يلح في الدعاء، حيث يقول سبحانه:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) و هذا من لطف الأدب مع الله، إذ لا يجوز للمرء أن يطلب أي عطاء من الله دون أن يسعى إليه سعيه و يبذل فيه جهده. و لذلك كان على المسلمين أن يدركوا أن فلسطين و سائر بلاد المسلمين لا تحرر بالدعاء وحده، بل بجيش يقوده أمير صالح كعمر و صلاح الدين، و أن الخلافة الإسلامية لا تقوم بالدعاء و إن كان رجاء الخير خير بل لا بد أن يقترن به عمل فكري و سياسي ضخم يستهدف الأمة الإسلامية بمجموعها و يتأسى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة الكرام.

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

و تبقى هذه الحقيقة القرآنية الخالدة أن النصر ليس مرده إلى العدد والعدة بل مرده إلى الله وحده فهو سبحانه مالك الملك، و هو المحيي و المميت و هو المعز و المذل، قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وما على المسلمون إلا الأخذ بشروط النصر المطلوبة شرعاً كالتقوى والصبر عند اللقاء وذكر الله و الاتصال به عند القتال وطاعة الله ورسوله و تجنب الشقاق و النزاع و الصبر على تكاليف المعركة و الحذر من البطر و الرياء وإعداد القوة اللازمة، قال الله تعالى: {بلى إن تتقوا وتصبروا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين}، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

بقلم : شاكر حليم

الاثنين، 2 أغسطس 2010

الاختلاف في بدء يومي الصوم والعيد ... لماذا؟



بسم الله الرحمن الرحيم

جعل الله الأمة الإسلامية أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، وشرع لها أحكاماً عدة تحفظ وحدتها وتصونها، وتحول دون تمزقها وتبعثرها، فكان أن أناط أمرها لرجل واحد، تلتفت بشعوبها وقبائلها وأفرادها حوله، ولا تخرج عن أمره كائناً ما تكون الظروف، ما التزم شرع الله، ودأب على تطبيقه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، وقال : «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».

فيا حبذا أن نقوم نحن جميع المسلمين في بقاع العالم أن نظهر مظهر الأمة الواحدة بتوحيد بدء شهر الصيام من كل عام، كما وأننا رجل واحد، وتوحيد بدء العيد بيوم واحد لا يتخلف عنا متخلف، فهذا الأمر ليس مجرد حرص أملته رغبة غيارى مندفعين أو مخلصين.

وإنما هو حكم شرعي، أمر الله الأمة امتثاله صوناً لوحدتها، حيث عادت أو تكاد شعوباً وقبائل منقسمة على ذاتها. والحكم الشرعي هذا، يقضي بأن يبدأ المسلمون جميعهم الصوم، قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، «لا تصوموا حتى تروا الهلال»، فكلمة (صوموا)، الواردة في الحديث الشريف عامة تشمل جميع المسلمين، في جميع بقاع الأرض، وكلمة الرؤية جاءت بلفظ عام كذلك (لرؤيته)، (إذا رأيتم)، (حتى تروا)، وهذا يجعلها تشمل كل رؤية، وليست خاصة برؤية الشخص نفسه، ولا برؤية أهل بلده.

وعليه فإن الخطاب الذي يأمر المسلمين بالصوم، وبالفطر عام، ومتعلق الخطاب وهو الرؤية هو عام أيضاً، فلا شك أن الحكم يكون حينئذ عاماً، فليزم الأمر بالصوم والفطر جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم عند رؤية الهلال. فلو رأي أهل أقصى بلاد الشرق الهلال لزمت لرؤيتهم هذه أهل أقصى بلاد الغرب، ورؤية هؤلاء رؤية لأولئك وتلزمهم، فيبدأوا صومهم سوية ويبدأوا العيد معاً، كأهل البلد الواحد سواء بسواء.

هذا هو حكم الله حسب دلالة النصوص الشرعية، وقد كان المسلمون على عهد رسول الله يصومون ويفطرون جميعاً في يوم واحد، رغم اختلاف مناطقهم، وأماكن وجودهم قربت أم بعدت، وهذا أيضاً يشكل دليلاً شرعياً آخر، يؤكد ما ذهبنا إليه من أن رؤية الهلال، توجب على جميع المسلمين أن يصوموا معاً، وأن يفطروا معاً بيوم واحد.

أما ما ذهب إليه القائلون باختلاف بدءِ الصوم وباختلاف بدءِ يوم العيد، فيتلخص في أمرين اثنين، أحدهما: أنهم يقولون أن لكل بلد رؤيته التي لا تلزم غيرهم، فأهل كل بلد مخاطب بما عنده كما في أوقات الصلاة ومن هنا قالوا باختلاف المطالع. ونقول بأن اختلاف أوقات الصلاة بين الأقطار، مقيد بدخول أوقاتها، وهذه متفاوتة في الحصول من بلد إلى آخر، فضلاً عن تفاوتها في البلد الواحد، وهذا أمر لا بدّ منه لأن العلامات التي حددها الشارع، تتفاوت في الحصول، ولكون حركة الشمس وصيرورتها في كبد السماء في بلد ما، وهي وقت دخول صلاة الظهر فيه، لا يمكن أن تلقي ظلالها على بقعة أخرى من الأرض، تكون للشمس، كما لذلك البلد منها في الوقت نفسه، وبعبارة أخرى لا يمكن للشمس أن تكون في وسط السماء بالنسية لنقطتين متباعدتين على الأرض في ذات الوقت، فيكون التفاوت في العلامات الدالة على دخول أوقات الصلاة أمراً حتمياً بين بلد وآخر. وبالنسبة للصوم فإن هذا التفاوت حاصل عند الإمساك قبيل الفجر وعند الافطار بعيد الغروب، لأن النص الشرعي جاء يدل على هذا التفاوت. : ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾. فالإمساك والإفطار تتفاوت أوقاتهما من بلد لآخر كما تتفاوت أوقات الصلاة فيه، ولكن هذا التفاوت يحصل ضمن اليوم الواحد، وبدء الصوم لا بدّ أن يكون في يوم واحد، والتفاوت يحصل في أجزاء هذا اليوم، هذا ما دلت عليه نصوص الأحاديث، وهذا ما يثبته مناط الحكم، فالتفاوت في مطالع الهلال بين أبعد نقطتين على سطح الكرة الأرضية لا يزيد عن اثنتي عشرة ساعة. وعليه فإن جميع أهل الأرض بإمكانهم رؤية الهلال في خلال اثنتي عشرة ساعة هذه، لولا حيلولة العوامل الطبيعية من غمام ونحوه دون ذلك، أي أن تحديد بدء الصوم يثبت لأهل الأرض كافة في أجزاء من اليوم الواحد، فيلزمهم حينئذ أن يبدوأ صيامهم جميعاً، وهذا ينطبق على تحديد بدء العيد.

إلاّ أن المجتهدين الأوائل معذورون في عدم فهمهم للمناط، إذ لم يكونوا يدركون حركة الأرض والشمس والهلال، أما الآن وقد وضحت لدينا حركتهم، وفهمنا مناط الحكم لم يعد هناك مبرراً لمن يقول باختلاف المطالع يوماً كاملاً فضلاً عمن يقول باختلافها عدة أيام.

أما ثانيهما، فهو ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من عدم التزامه رؤية اهل الشام للهلال، وقوله: "هكذا أمرنا رسول الله " في ذلك، فيتخذ من يقول باختلاف بدء يوم الصوم وباختلاف بدء يوم العيد هذا الحديث حجة لقولهم هذا، ووجه استدلالهم هو أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام، ودلالة حديث ابن عباس هو أنه حفظ عن رسول الله أن لا يلزم أهل بلد العمل برؤية بلد آخر، فيكون الحديث مخصصاً لحديث الرؤية ومبيناً له، والجواب على ذلك أن الحديث لابن عباس وليس لرسول الله ، فهو اجتهاد له كصحابي، واجتهاد الصحابي ليس دليلاً شرعياً، فليس بحجة ولا يلزم إلاّ صاحبه ومن يقلده، وفوق ذلك، فإن اجتهاد الصحابي لا يجوز أن يخصص الحديث، وعليه وبعد هذا التبيان لواقع حكم توحيد بدء الصوم بيوم واحد وتوحيد يوم العيد بيوم واحد، لم يعد من مسوّغ للزوم الفهم السابق الذي يقضي باختلاف مطالع الهلال.

أيها المسلمون هذا بيان لكم، ولتعلموا أن بامتثالكم أمر الله وباتباعكم شرعه، وحرصكم على تعظيم شعائر الله بإظهار هذا الجانب من وحدتكم المتمثل بتوحيد يوم الصوم وتوحيد يوم العيد، تكونوا قد سرتم على الطريق السويّ الذي اخططه لكم رسول الله ، ولتنظروا حولكم ولتروا فتدركوا، أن امتكم الإسلامية لا يمكن أن يستقيم لها أمر، أو يعظم لها شأن، ما لم يكن لها إمام تجتمعون حوله، ويكون له أمر كل صغيرة وكبيرة، وخاصة الأمور التي يختلف حولها، ويلزمها من يبت بها، وينفذ منها ما يرسّخ حقيقة وحدة الأمة. وخير دليل نسوقة للدلالة على صحة هذه الحقيقة، هو اجتماع كافة المسلمين في سائر أنحاء الأرض على اعتبار يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى عيداً لهم لا يشذ عنهم أحد، علماً بأن التوافق في تحديد يوم العيد أي يوم العاشر من ذي الحجة مرهون ومرتبط بالتوافق في تحديد أول أيام هذا الشهر - ذي الحجة - وهذا يلزم بالضرورة توافق عامة المسلمين والعمل برؤية واحدة، فكيف يلزم المسلمون أنفسهم العمل برؤية واحدة ويجتمعون عليها في تحديد بدء شهر، ولا يلزمون أنفسهم ويختلفون في تحديد بدء شهر آخر، وعلى ذلك فإننا نعزو أمر الاختلاف والتشرذم بين أمتنا الواحدة ونقرنه باختلاف الحكم والسلطان، كما ونؤمن أن أمر توافقها ووحدتها مرهون بوحدة الحكم والسلطان، فإلى هذا الأمر العظيم ندعوكم، فهل من مستجيب.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

أحمد عبد الرحيم ـ بيروت

المصدر: مجلة الوعي

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

أيها المسلمون



الى المسلمين كافة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في احدى صفحات الانترنت فوجئت بهذه الرسالة العميقة المؤثرة الآتية من احدى الدعاة المخلصين العاملين لخدمة هذا الدين. فاسمحوا لي بهذه المشاركة وكل عام وانتم بخير

بسم الله الرحمن الرحيم

يهل وافد الخير رمضان على قلوب المسلمين فتستقبله استقبال عزيز غاب ثم حضر، وتهيئ نفسها للقيام بواجب أحب الشهور إلى الله بالطاعات من إحسان الصلاة، والقيام، وقراءة القرآن، والدعاء، والذكر، والاستغفار، والتصدق، وحضور الدروس، سواء في المساجد أم على الشاشات... فضلاً عن إمساك اللسان عن الغيبة والنميمة وقول غير الحق، والجوارح عن المعاصي... حتى إن المسلم لكثرة ما يجد فيه من خير عميم، ومن نقاء وصفاء وقرب من الله، وحسن تخلق مع الناس، ولكثرة ما أعد الله فيه من أجر ليتمنى أن يكون الدهر كله رمضان.
إننا عندما نجد أن حياة المسلمين في رمضان تتبدل عن حياتهم العادية خارج رمضان نعلم كم أن الأمة تحب ربها ودينها، يعلم ذلك المسلم فيطمئن وينشرح، ويرى ذلك الكافر فيخاف ويضطرب؛ ذلك أن الصيام في رمضان جعله الله مظهراً من مظاهر وحدة المسلمين، يجتمع فيه مليار ونصف المليار مسلم على صعيد واحد هو عبادة الله وطلب رضاه. فوحدة المسلمين تخيف الكفار، خاصة إذا كانت على الله سبحانه.
إن كل مسلم يتقرب إلى ربه في رمضان، من عادته أن يتوجه بالدعاء مخلصاً لله أن يغير أوضاع المسلمين السيئة، ولكن الأوضاع لا تتغير، ويدعوه بأن يرفع الغلاء والبلاء وتسلط الأعداء، ولكن لا شيء من ذلك يرفع، والمسلمون في صلواتهم وقنوتهم وخطب جمعاتهم، يدعو أمامُهم الله بأن ينتقم من الأميركيين والكفار، وأن يعين المسلمين المجاهدين في فلسطين والعراق وكشمير والصومال والشيشان... فيؤمِّنون بصوت هو أقوى مما يؤمِّنون عليه في سائر دعائهم، ولكن لا شيء من ذلك يتبدل. ويدعو بأن يهيئ الله للمسلمين من يحكمهم بالكتاب والسنة وليس من مجيب! فما السر في ذلك والمسلم يشعر بأنه قريب من الله في رمضان، ويشعر بأنه يرضيه؟... إن المسألة لا تتعلق بأن يشعر المسلم بأنه يرضي الله، بل تتعلق بأن يرضى الله حقاً عن المسلم، فشتان ما بين الأمرين.

نعم إن الله سبحانه قد عز جنابه وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتعالى ذكره، كان رضاه مقصد كل مؤمن وملتمس كل تقي، وكان غاية الغايات ومعقد العزمات... فطوبى لمن يرضى الله عنه، فكيف السبيل إلى ذلك؟
وإن محبة الله ودينه قوية لدى المسلمين، يشهد بذلك الكفار قبل المسلمين، وهذا أول الغيث، ومتى وجد سهل ما بعده؛ لأنها تفتح العقل والنفس على القيام بكل ما يرضيه... ولكن المسألة متعلقة برضاه هو سبحانه أولاً، ثم برضانا لرضاه، وليس رضانا منفصلاً عن رضاه سبحانه.
فالمسلمون كل آمن بالله وحده أنه هو الخالق، وأنه هو وحده المعبود، وأنه سبحانه خلقنا حصراً لنعبده، وأنه سبحانه أرسل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس كافة ليبين لهم كيفية عبادته، فبين لنا (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا يُعبد الله إلا بما يريده الله، وكان على ذلك هو وصحابته، فغيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وهذا ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم، فكيف السبيل إلى ذلك؟

إن على المسلم أن يعلم أن دينه كامل شامل لكل تصرفات الإنسان في حياته، سواء منها المتعلقة به كفرد كالعبادات والمطعومات والملبوسات والأخلاق، أم كجماعة كالمعاملات والعقوبات، وكذلك تتعلق به أحكام الدولة الإسلامية من حيث العمل على إيجادها إن لم توجد، ومن حيث محاسبتها إن وجدت. فهو كمسلم مسؤول عن طائفة كبيرة من الأحكام الشرعية الواقعة ضمن تكليفه. ولا يجوز أن يقتصر على بعضها، وهذا ما يحصل. وهذا ما يوقعه في الإثم العظيم، فهو عندما يلتزم بأحكام الصلاة والصيام والحج والزكاة، وعندما يقرأ القرآن ويقيم الليل ويذكر الله تعالى ويستغفره... وعندما يلتزم بأحكام المطعومات فيبتعد عن كل ما نهاه الله عنه، والملبوسات بأن يغطي عورته، والأخلاق بأن يصدق ويبر والديه ويبتعد عن الغش والنميمة والغيبة... فإنه ولا شك يجلب لنفسه من الحسنات بمقدار ما يطيع ويخلص النية لله سبحانه، والله سبحانه أعلم بما يجزي به. ولكن عندما يترك الأحكام المتعلقة به كجماعة كأحكام المعاملات من بيع وشراء وإنشاء شركات ورهن وحوالات وأحكام إجارة... وكذلك عندما يهمل طائفة كبيرة من الأحكام الشرعية التي يتعلق وجودها بوجود الدولة الإسلامية وتتعطل إن لم توجد، والتي على المسلمين بمجموعهم واجب العمل لإقامة الدولة لتقوم نيابة عنهم بإقامتها، وذلك من مثل الحكم بما أنزل الله، والجهاد في سبيل الله لنشر الدعوة وإيصال الإسلام إلى الكفار ببلاغ مبين، ورد اعتداء الكفار على المسلمين واحتلالهم لبلادهم، وكذلك إقامة الحدود الشرعية، وتنفيذ أحكام الله سبحانه في الأراضي والملكيات، والإشراف على إقامة كل الفروض الكفائية المتعلقة بتنظيم حياة الأمة، وغيرها الكثير الكثير... ولو أحصينا الأحكام الشرعية التي يلتزم بها المسلم في حياته لوجدناها كالتلال، بينما لو أحصينا الأحكام الشرعية التي تركها لوجدناها كالجبال.
فبوجود الدولة الإسلامية التي تعتبر من أهم الأحكام الشرعية، والتي قضى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شطر دعوته في مكة يعمل لإيجادها، تنتظم حياة المسلم من كل جوانبها، كما حدث في المدينة، فما طبق حكم شرعي في المدينة إلا وكانت الدولة الإسلامية هي القوّامة على تنفيذه... هكذا كان المسلمون زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): كانت الدولة حاضرة في كل تصرفاتهم، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكمها، ومن بعده الخلفاء الراشدون المهديون، وعند مراجعة حياة أي صحابي لا نراها منفصلة أدنى انفصال عن وجود الدولة الإسلامية، فالعجب كل العجب أن يقتصر المسلمون اليوم على تنفيذ جزء من الإسلام، ومن ثم يعتبرون أنفسهم أنهم قد قاموا بما عليهم، ومن ثم يكتفون بالدعاء إلى الله أن يغير أوضاعهم، وأن يهلك عدوهم، وأن يريحهم من حاكمهم. هل هكذا يحاز رضى الله سبحانه؟ وهل هذا ما كان عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته الكرام (رضي الله عنهم أجمعين)؟

نعم، إن المسلمين اليوم، في الوقت الذي يلتزمون فيه ببعض أحكام الإسلام، ينالهم وزر ما لم يلتزموا به، ووزر ما لا ينفذ من أحكام شرعية بسبب غياب الدولة الإسلامية المسؤولة هي عن تنفيذها. فاليوم لا يزني الزاني، ولا يسرق السارق، ولا يُشرب الخمر، أو غيره مما فيه حد إلا وينال المسلمين إثم من عدم إقامة الحدود على أمثال هؤلاء. حتى الكافر يموت اليوم من غير أن تبلغه الدعوة الإسلامية ببلاغ مبين ينال المسلمين وزرٌ من ذلك... وكذلك الكافر يحتل أراضي المسلمين ويدوس كراماتهم، ويعتدي على أعراضهم، وينهب خيراتهم، فإن المسلمين ينالهم وزرٌ من ذلك لعدم دفع عدوهم بالجهاد، وبعدم إقامة الدولة الإسلامية التي تطرده وتحفظ بيضة المسلمين وتحمي حرماتهم. وكذلك حكام السوء الخائنون لله ولرسوله وللمؤمنين، العملاء للغرب الكافر والذين يمكنون له في بلاد المسلمين ويجعلون له سبيلاً عليهم، والذين يبعدون الإسلام عن الحكم ويحاربون عودته إليه، ويحكمون بغير ما أنزل الله، فإن وجودهم وبقاءهم يرتب على المسلمين إثم القعود عن إقامة حكم الله بإقامة الدولة الإسلامية التي تضع حداً لكل هذه المعاصي، وهكذا يترتب على المسلمين كثير من الآثام نتيجة عدم إقامة الإسلام كله في حياتهم كلها، نتيجة عدم إقامة كل فرض فرضه الله عليهم، ومنها الفروض التي فرضها الله عليهم بمجموعهم كمسلمين وأناط تطبيقها بالدولة الإسلامية... فلو كان ديننا ديناً روحياً فحسب، يقتصر على بعض الفروض الفردية التعبدية لكان ما يقوم به المسلمون كافياً، أما وأن دين الإسلام دين كامل شامل، فيه أحكام الحياة جميعها، فإن المسلمين جميعهم مسؤولون عن إقامة الدين كله ومحاسبون على التقصير في أدنى فرض فيه.

إن العلماء الذين يسمع لهم المسلمون اليوم، وخاصة في رمضان، هم الذين يصرفون المسلمين عن الفهم الصحيح من حيث يعلمون أو لا يعلمون، وذلك عندما يركزون على بعض الأحكام دون غيرها، ويوهمون المسلمين أنهم متى فعلوها فقد حيز لهم الدين كله، وأرضوا ربهم. ومنهم من يصور بعض الحكام أنهم ولاة أمور المسلمين وبالتالي عليهم واجب طاعتهم حتى فيما هم فيه من التفريط بالدين وموالاة الكافرين، هذا فضلاً عن العلماء الرسميين الذين لا تصدر أحكامهم إلا عن باطل الحكام... إن أمثال هؤلاء قد فرطوا بأمانة العلم والعمل به كل بقدر ما يفرط، وكان على هؤلاء أن يلتقوا مع المسلمين جميعهم على العمل ليقوم أمر الله كله بإقامة الدولة الإسلامية، إن أدنى نظرة إلى حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته من بعده تشير إلى ذلك، فالعجب كل العجب أن يضرب أمثال هؤلاء العلماء الذكر عن هذا صفحاً.

أيها المسلمون
إن هذا الأمر جد، وليس بالهزل، ولا يظنن ظانّ أنه يمكن حله على طريقة من يعرفونهم من علماء اليوم، وإن واقع ما عليه المسلمون من الضنك لن يرفعه علم هؤلاء، ولا دعاء القاعدين المتثاقلين، لن يرفعه إلا دعوة صادقة لإقامة الإسلام كله، فهل من مجيب لداعي الله... إن الأمور بدأت تشير بنفسها إلى صحة ما نقول وما نقوم به، فضلاً عن الشرع الذي هو هادينا إلى ذلك.

أيها المسلمون
يا من تحبون أن تكونوا عتقاء رمضان، يا من جعل الله لكم فسحة خير في رمضان لكي تتدبروا الفهم الصحيح، يا من تفتح نفوسكم وقلوبكم لكل ما يرضي الله، يا من صفد لكم الشياطين في هذا الشهر... ارموا عنكم سلاسل القعود عن القيام بأمر الله كله، وتحرروا منها، وانطلقوا إلى مرضاة ربكم كما يحب ويرضى. واعلموا أن المسلمين مسلمان: مسلم أخذ الإيمان منه مأخذه، وأشغل نفسه في طاعة ربه كلياً بأن يقوم أمره كله لتقوم حجة الله في دينه على الناس أجمعين، ولتكون كلمة الله هي العليا، وغايته في ذلك نوال رضى الله. نسأل الله أن نكون من هؤلاء السابقين قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) [الواقعة 10-14]. ومسلم مقتصد خلط عملاً سيئاً وآخر حسناً، وهنا يدخل الميزان: وجبال الحسنات أو تلالها، وجبال السيئات أو تلالها. وهنا يفصل القرآن حال هؤلاء بقول الله تعالى عنهم: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ) [القارعة 6-11].

إننا نتوجه إلى المسلمين بعلمائهم وعامتهم، مخلصين لهم النصيحة في الدين، فنقول لهم لا تطمئنوا إلى ما أنتم عليه، فإنكم بعبادتكم هذه لستم تنامون على حرير كما تظنون، إن ما تقومون به مطلوب ولكنه غير كافٍ، ولن يستقيم أمركم إلا بأن يستقيم على أمر الله تماماً كما أنزل، وتماماً على ما فصله وأحسن، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة 208] أي في الإسلام كله. وعلى الله قصد السبيل.

مجلة الوعي