الجمعة، 12 نوفمبر 2010

الإسلام : في عيون الغرب


بسم الله الرحمن الرحيم

إنها مواقف مقررة مسبقاً في فكر الغرب وعقول قادته.. يمارسها الغربيون وأتباعهم عن تصميم واقتناع كامل، وإرادة واعية تماماً، عن عمدٍ، فليس هذا حديثاً يفترى, وليست أقوالاً حديثة, بل العداء كامن متأصل في نفوس الكفار ضد المسلمين. عهد وصفه القرآن، فقال فيهم: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم 46]، وجاهر به الأعداء منذ قرون. فحين كان يلبس جنديهم بذة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام كان ينادي بأعلى صوته:
«أماه.. أتمي صلاتك.. لا تبكي.. بل اضحكي وتأملي.. أنا ذاهب إلى طرابلس.. فرحاً مسروراً.. سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.. سأحارب الديانة الإسلامية.. سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن».
لقد بنى الغرب علاقاته معنا على أساس واحد هو أن الحروب الصليبية لا تزال مستمرة.

إن عداء الغرب للعالم العربي والإسلامي عداء ديني حضاري متأصل في نفوس الغرب وأعوانه، وحربهم قائمة مستمرة علينا حتى لا يخرج المارد الإسلامي. ففي كتاب: «الإسلام على مفترق الطرق» يقول محمد أسد (ليوبولد فايس): «... ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبي كلما ذكرت كلمة مسلم. ولقد دخلت في الأمثال السائرة عندهم حتى نزلت في قلب كل أوروبي رجلاً كان أو امرأة. وأغرب من هذا كله أنها ظلت حية عندهم بعد جميع أدوار التبدل الثقافي... وبعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الديني بالخبو، ولكن العداء للإسلام استمر... إن الاحتقار التقليدي أخذ يتسلل في شكل تحزب غير معقول إلى بحوثهم العلمية، ثم أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسياً من التفكير الأوروبي». هذا ما نطقت به ألسنتهم وما تخفي صدورهم أعظم:
- يقول صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين المنعقد عام 1935م: «إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له: ألا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات.. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات، أيها المبشرون: إن مهمتكم بهذا تتم على أكمل الوجوه».

- ويقول أشعياء بومان في مقالة نشرها في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: «لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً. إن الإسلام هو الخطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل».

- ويقول المبشر تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً».

- ويقول المبشر وليم جيفورد بالكراف: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه».

- ويقول لورنس براون: «إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبى».

- ويقول مورو بيرجر في كتابه "العالم العربي المعاصر": «إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام».

- يقول غاردنر: إن الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ القدس، إنها كانت لتدمير الإسلام.

- وصرَّح الكاردينال بور: «إن المسيحيين لا بد لهم من التعاون مع اليهود للقضاء على الإسلام وتخليص الأرض المقدسة». (نشرة التعايش المشبوه - ص 4).

- وقال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة، في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس: «إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة باتباع ما يلي»:

- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليُعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين .
- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً، وإنطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب».
- ويقول جب (كبير المستشرقين الإنكليز): «لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محددة، وقد تم معظم هذا التطور تدريجياً عن غير وعي وانتباه، وقد مضى هذا التطور الآن إلى مدى بعيد، ولم يعد من الممكن الرجوع فيه، لكن نجاح هذا التطور يتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، وعلى الشـباب منهم خاصة. كل ذلك كان نتيجة النشـاط التعليمي والثقافي العلماني».
- الإنكليز يصفون حملتهم العسكرية على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى بأنها صليبية: يقول باترسون سميث في كتابه "حياة المسيح الشعبية": «باءت الحروب الصليبية بالفشل، لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك، حينما بعثت إنكلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة، إن حملة اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة؛ لذلك نشرت الصحف البريطانية صور اللنبي وكتبت تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما فتح القدس: اليوم انتهت الحروب الصليبية».

ونشرت الصحف أن هذا الموقف ليس موقف اللنبي وحده بل موقف السياسة الإنكليزية كلها، قالت الصحف: هنأ لويد جورج وزير الخارجية البريطاني الجنرال اللنبي في البرلمان البريطاني، لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية، التي سماها لويد جورج الحرب الصليبية الثامنة.

- والفرنسيون أيضاً ليسوا عن الصليبية غرباء، فملة الكفر واحدة: فالجنرال غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق، توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله بقدمه وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في مراكش أجابهم: "إنها معركة بين الهلال والصليب".

- واليهود الملعونون في كل وقت وحين: عندما دخلت قوات (إسرائيل) القدس عام 1967م تجمهر الجنود حول حائط المبكى، وأخذوا يهتفون مع موشي دايان: هذا يوم بيوم خيبر... يالثارات خيبر. واستغلت (إسرائيل) صليبية الغرب فخرج أعوانها بمظاهرات قبل حرب الـ1967م تحمل لافتات في باريس، وسار تحت هذه اللافتات جان بول سارتر، وكتبت على هذه اللافتات، وعلى جميع صناديق التبرعات لـ(إسرائيل) جملة واحدة من كلمتين هما: "قاتلوا المسلمين".
فالتهب الحماس الصليبي الغربي، وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط... لتقوية الصهاينة الذين يواصلون الرسالة الصليبية الأوروبية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين.

وفي امتداد واحد لا يختلف نفث الحقد الصليبي فيه مع امتداد الزمن:
- يقول أيوجين روستو (رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية ومساعد وزير الخارجية الأميركية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م): «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية. لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي». ويستطرد.. «إن الظروف التاريخية تؤكد أن أميركا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أميركا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها». إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل، هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمراراً للحروب الصليبية.

- ويقول ويلي كلايس (أمين عام حلف الناتو في بداية التسعينات من القرن الماضي): «لقد حان الوقت الذي يجب علينا أن نتخلى فيه عن خلافاتنا وخصوماتنا السابقة، وأن نواجه العدو الحقيقي لنا جميعاً، وهو الإسلام».

- ويقول جون كالفان (القائد الأعلى لقوات حلف الناتو في العام 1994م): «لقد ربحنا الحرب الباردة، وها نحن نعود بعد 70 عاماً من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة، إنه صراع المجابهة الكبيرة مع الإسلام».

- وينصح رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه "سفر آسيا" الحكومة الأميركية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره.

- ويقول كيسنجر (وزير خارجية أميركي أسبق، وأحد أهم منظري السياسة الاستراتيجية، وهو يهودي الأصل): «إن الجبهة الجديدة التي يتحتم على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الإسلامي، باعتبار أن هذا العالم هو العدو الجديد للغرب».

- وقد ذكر نيكسون الرئيس الأميركي الأسبق وأحد كبار الاستراتيجيين الأميركيين في كتابه الفرصة السانحة «إن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو أساس لحضارة كبرى». ويقول: «إن الإسلام والغرب متضادان، وإن نظرة الإسلام للعالم تقسمه إلى قسمين: «دار الإسلام» و"دار الحرب" حيث يجب أن تتغلب الأولى على الثانية». وعن الأصوليين يقول: «وهم مصممون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي، ويهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وينادون بأن الإسلام دين ودولة، وبالرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل».

- ويقول صامويل هنتنجتون في كتابة "صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي": «العلاقات بين الإسلام والمسيحية... كانت عاصفة غالباً. كلاهما كان "الآخر" بالنسبة للآخر. صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر والعميق بين الإسلام والمسيحية». ويقول: «الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل ذلك مرتين على الأقل». وعن مكونات الصراع بين الإسلام والغرب للمرحلة المقبلة يذكر خمسة مكونات:
1- النمو السكاني الإسلامي خلف أعداداً كبيرة من الشبان العاطلين والساخطين الذين أصبحوا مجندين للقضايا الإسلامية...
2- أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
3- جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته... والتدخل في الصراعات في العالم الإسلامي ولد استياء شديداً لدى المسلمين.
4- سقوط الشيوعية أزال عدواً مشتركاً للغرب والإسلام، وترك كلاً منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر.
5- الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساساً بهويته الخاصة، وكيف أنها مختلفة عن هوية الآخر.
هذه هي المكونات الخمسة الرئيسية للصراع بين الغرب والإسلام والتي تسير قدماً نحو حدوث الصدام.

- وصل بوش الابن إلى أفغانستان في 16/12/2008م في زيارة وداعية لحليفه كارزاي بعد زيارته للعراق الذي تعرض فيه لحادث "الحذاء" المهين. ومما قاله «أريد أن أشكر الرئيس كارزاي، وأبلغ الشعب الأفغاني أن الولايات المتحدة تدعمهم، وستواصل دعمهم في معركتهم الطويلة ضد الإرهاب، باعتبار أن المعارك العقائدية تستغرق الكثير من الوقت». هذا غيض من فيض التصريحات التي تكشف خبيئة النفوس الخبيثة والحاقدة لدى الغرب.

الغرب وسقوطه الحضاري:
ولكن في خضم هذه المعاداة الشرسة من الغرب للإسلام، عقيدة وشريعة، حدث في العام 2008م سقوط مدوٍّ للنظام الاقتصادي الرأسمالي ليضاف إلى السقوط الأيديولوجي. وأعلن الغرب إفلاسه في هذا الجانب، ومن باب المفارقة فإنه في الوقت الذي يوصف فيه الإسلام بالرجعية والظلامية والتأخر وعدم التحضر... وأنه يجب تطويره... ترتفع أصوات من هناك من عقر دارهم تعلن أن الإسلام هو الذي سينقذ العالم، وتعلن أنهم «بحاجة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بمصارفنا». وتعلن من باب التساؤل: «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية». وتشير إلى أهمية «التمويل الإسلامي» ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. وحتى بابا روما الذي لم يمضِ على تهجمه على الإسلام أشهراً فإذا بصحيفة تابعة لسياسته "رومانو أوبسرفاتور" تعلن ضرورة الاستفادة من طريقة الإسلام في تمويل القروض البعيدة كل البعد عن الربا والمقامرة. نعم إن الغرب الذي أعلن حربه المسعورة على الإسلام، قد أعلن مسؤولون سياسيون ومفكرون فيه أن المستقبل في هذا الصراع ستكون للإسلام وأن الغرب ستسقط حضارته...

- يقول نيكسون في كتابه "ما وراء الإسلام": «ما يهدد العالم فعلاً هو أن بلدنا قد يكون غنياً بالبضائع، ولكننا فقراء في الروح. فالتربية والتعليم الرديئان، والجرائم المتزايدة، والعنف المتصاعد، والانقسامات العرقية النامية، والفقر المستشري، وآفة المخدرات، والثقافة المنهارة في وسائل التسلية، والانحدار في تأدية الواجب المدني والمسؤولية، وانتشار الفراغ الروحي، ساهمت جميعاً بفض الأميركيين وتغريبهم عن بلادهم ودينهم وعن بعضهم بعضاً».

- ويقول زبغنيو بريجنسكي وهو مستشار سابق للأمن القومي الأميركي: «إن المجتمع المنغمس في الشهوات (المجتمع الأميركي) لا يستطيع أن يسن قانوناً أخلاقياً للعالم، وأي حضارة لا تستطيع أن تقدم قيادة أخلاقية سوف تتلاشى».

- أما صامويل هنتنغتون فإنه بعد أن يعدد النواحي الاقتصادية والسكانية كأسباب تجعل الحضارة الأميركية الغربية تتحرك من على مسرح الدولة العالمية إلى مسرح الانهيار يذكر أن هناك ما هو أهم منها وهي: مشكلات الانهيار الأخلاقي، والانتحار الثقافي، والتفكك السياسي في الغرب. أما عن تجليات الانهيار الخلقي فيذكر:

- زيادة في السلوك غير الاجتماعي مثل الجريمة وتعاطي المخدرات وأعمال العنف بشكل عام.

- التفكك الأسري ويشمل ارتفاع نسب الطلاق والأطفال غير الشرعيين، وحمل الفتيات الصغيرات، وزيادة عدد الأسر المكونة من والد واحد.

- الضعف العام في "أخلاقيات العمل" وصعود توجهات الانغماس الاجتماعي.

- تناقض الالتزام بالتعليم والنشاط الفكري، ويظهر ذلك في المستويات المتدنية للتحصيل الدراسي في الولايات المتحدة.
ثم يذكر أن هذه التوجهات السلبية هي التي تؤدي بالطبع إلى تأكيد التفوق الأخلاقي للمسلمين... ورفض الاندماج، ومواصلة الالتزام بقيم وعادات وثقافات مجتمعاتهم الأصلية والترويج لها. وعندما يفشل الاستيعاب والاندماج ففي مثل هذه الحالة ستصبح الولايات المتحدة دولة مشققة أو مصدعة مع كل ما يستتبع ذلك من احتمالات الصراع والتفكك الداخلي».

- نشرت جريدة الوطن الكويتية في عددها الصادر في 18/10/2006م خبراً نقلته عن «فاينانشل تايمز» اللندنية بقلم ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية تحـدث فيه عن أن قرار حـرب العراق كان أول أسباب انتهاء العصر الأميركي في المنطقة، ومما جاء فيه: «اليوم بعد حوالى 80 سنة من سقوط الإمبراطورية العثمانية و50 سنة على نهاية الفتـرة الاسـتعمارية، وأقل من 20 ســنة على انتهـاء الحـرب الباردة، يمكن القول أيضاً إن العصر الأميركي في المنطقة انتهى هو الآخر. بيد أن الأحلام التي كانت تداعب مخيلة البعض حول قيام شرق أوسط مسالم مزدهر وديمقراطي مثل أوروبا لن تتحقق، وذلك لأن الاحتمال المرجح هو بروز شرق أوسط جديد يثير الكثير من الأذى لنفسه وللعالم. لقد تمتعت الولايات المتحـدة في العصـر الأميركي الذي بدأ عقب سقوط الاتحاد السوفياتي بنفوذ وحرية في العمل غير مسـبوقين، إلا أن هذا العصـر لم يسـتمر لأقل من عقـدين لجـملة من الأسباب، أولها قرار إدارة الرئيس مهاجمة العراق وأسلوب توجيه هذه العملية ثم ما نجم عن الاحتلال، لقد انتهى العراق الذي كان يهيمن عليه السنة، وكان قوياً بما يكفي لإحداث توازن مع إيران. وظهرت عوامل أخرى على مسرح الأحداث منها: انتهاء عملية السلام في الشرق الأوسط، فشل الأنظمة العربية التقـليدية في التصـدي لجـاذبية الإسـلام الراديكالي، ثم العولمة التي جـعلت الطـريق أسـهل أمام الراديكـاليين في الحصــول على التمويل، السـلاح، الأفكار والمجندين. وسوف تواجه واشنطن تحديات متزايدة من لاعبين آخرين أبرزهم الاتحاد الأوروبي، الصين وروسيا، إلا أن الأمر الأكثر أهمية من كل هذا هو التحديات التي ستنبعث من دول المنطقة والمجموعات الراديكالية فيها».

- أكد باتريك بوكنان الذي كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية في مقال له حول الحرب التي تتزعمها أميركا ضد ما تسميه بالإرهاب تحت عنوان: «هل ستندلع حرب الحضارات» أن «الإسلام غير قابل للتحطيم، وخلص متحسراً بناءً على حتمية مصير أي صراع عقائدي إلى انتصار المد الإسلامي... ولكن لا يمكن أن نقضي على الإسلام مثلما قضينا على النازية والفاشية والروح العسكرية اليابانية والبلشفية والسوفياتية. لقد استطاع الإسلام البقاء على مدى 1400 سنة تقريباً كما أنه العقيدة المهيمنة على 57 بلداً، غير أنه غير قابل للتحطيم... من حيث المادة الغرب متفوق، ومهما قلنا فإن التفوق المادي لم يمنع سقوط الإمبراطورية السوفياتية. وإذا كان عامل العقيدة حاسماً فإن الإسلام نضالي حركي بينما المسيحية جامدة. والإسلام ينمو بينما المسيحية تذبل. والمحاربون المسلمون مستعدون لمواجهة الهزيمة والموت بينما يتحاشى الغرب تكبد الخسائر. واختتم مقالته بالقول: «لا تستهينوا بالإسلام، إنه الديانة الأسرع انتشاراً في أوروبا... ولكي تهزم عقيدة فإنك تحتاج إلى عقيدة. ما هي عقيدتنا نحن؟ النزعة الفردية؟».

وقد نشر لهذا السياسي مرة أخرى في 23/06/2006م في "مؤسسة مناهضة الحرب" مقالاً قصيراً بعنوان: «فكرة آن أوانها» تحدث فيها بأن فكرة الحكم بالإسلام تتوطد عراها بين المسلمين، وذكر أنه عندما نشاهد القوات المسلحة الأميركية وهي تحارب السنة الثائرة على السلطة والمجاهدين الشيعة والجهاديين في العراق، وطالبان الخارجة على القانون وهم يبتهلون إلى الله، يتبادر إلى أذهاننا كلمات فيكتور هيجو: «إن قوة أي جيش لا تضاهي انبعاث فكرة آن أوانها». ويضيف: «إن الفكرة التي يعاديها كثير من المناوئين هي فكرة تفرض نفسها، فهم يعتقدون أن هناك إلهاً واحداً هو الله وأن محمداً رسول الله. وأن الإسلام أو الخضوع للقرآن هو الطريق الوحيد إلى الجنة، وأن المجتمع الرباني يجب أن يحكم بواسطة الشريعة أي قانون الإسلام، وبعد اختبار طرق أخرى أدت إلى الفشل فقد عادوا مجدداً إلى موطن الإسلام... إن عشرات الملايين من المسلمين بدؤوا يعودون إلى جذورهم بإسلام أكثر نقاءً، وإن جَلَدَ الإيمان الإسلامي مدهش حقاً. لقد بقي الإسلام على قيد الحياة رغم مضي قرنين على الهزيمة والذل الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية والقضاء على الخـلافة في عهد (أتاتورك)، كما تحمّل الإسلام حكم الغرب لعدة أجيال... لقد أثبت الإسلام على أنه أكثر تحملاً من قومية عرفات أو صدام. ما يتوجب على أميركا أن تدركه هو شيء غير اعتيادي بالنسبة لنا، من المغرب إلى باكستان: لن تنظر لنا الأغلبية بعد الآن على أننا أناس طيبون. إذا كان الحكم الإسلامي فكرة تتوطد عراها بين الجماهير المسلمة، فكيف باستطاعة أقوى الجيوش على الأرض أن توقفها؟ أولسنا بحاجة إلى سياسة جديدة؟!».

- نقلت مجلة المجتمع الكويتية العدد 119 تاريخ 5/3/1996م أن جيم ميران عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي ذكر لمدير المجلة: «أنا أعتقد أن القرن القادم هو قرن الإسلام، وقرن الثقافة الإسلامية، وستكون هذه فرصة لإحلال مزيد من السلام والرفاهية في كل بقاع العالم».

معالم انحراف الفكر الغربي



بسم الله الرحمن الرحيم

الفكر الغربي هو الفكر الأوروبي الذي نشأ نتيجة الصراع بين مفكري أوروبا والكنيسة على مدى سنوات طويلة، بداياته كانت تتجلى بسيطرة النظام الإقطاعي والملوك والأمراء -بالإضافة إلى الكنيسة- على حياة البشر، فتحولت الحياة في أوروبا إلى قهر وظلم وجهل وتخلف وإصرار على محاربة العلم والعلماء وكلّ فكر جديد حتى سميت تلك الفترة عصر الظلمات.
غير أنّ ظلام التخلف عندهم أخذ ينقشع مع ظهور المفكرين الذين عملوا على النهضة والتغيير، والذين وجدوا أنّ عدو التغيير هو الدين ممثلا بالكنيسة، وأنّ الملوك والإقطاعيين الذين يخضعون لرغبة الكنيسة هم مظهر من مظاهر سيطرتها، فدخلوا في صراع فكري سِمته الرئيسة ردّ الفعل على الكنيسة والدين، وقد أنتجوا أبحاثاً كثيرة تتعلق بالإنسان والمجتمع والدولة والاقتصاد والملكيات والحريات، وكان يمكن للمفكرين الغربيين أن يحققوا نهضة صحيحة تخدم البشرية لولا انحرافهم عن المسار الصحيح في الفكر والبحث.

وسيتم هنا توضيح بعض معالم انحراف الفكر الغربي عن الصواب أثناء بحثه عن نظام بديل للكنيسة والإقطاع، من غير خوض في فروع الفكر الغربي وإنّما التعرض لأمور أساسية جوهرية. كما أنه لن يتم التحدّث عن الفكر الاشتراكي/ الشيوعي لأنّه سقط ولم يعد له وجود لا سياسي ولا اقتصادي ولا حتى فكري.

إن الحديث إذاً سيكون عن العلمانية عقيدة المبدأ الرأسمالي الذي يسيطر على العالم بقوة السلاح وبالدجل الفكري والإعلامي، والذي حوّل الدول التي تعتنقه إلى دول مستعمرة تمتص دماء الشعوب وتدجّل عليهم، ولا تُستثنى هنا الشعوب الأوروبية ولا الشعب الأميركي من زمرة الشعوب التي تتعرّض للتضليل والتي تعيش في شقاء وظلم، وإن كان هذا الظلم وهذا الشقاء متفاوتاً بين الشعوب ويأخذ أشكالاً مختلفة.

وأمّا معالم انحراف الفكر الغربي فهي:
- عدم حل العقدة الكبرى في الفكر الإنساني.
- سيطرة الطريقة العلمية في التفكير (المنهج العلمي في البحث) على المفكرين الغربيين وإهمالهم الطريقة العقلية في التفكير (المنهج العقلي في التفكير) وخطأ فكرة التناقض بين العلم والدين.
- وأخيراً انحراف الغربيين في فهم واقع الإنسان ويظهر ذلك في نقطتين:
- سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية).
- عدم تنظيم الفكر الغربي لسلوك الإنسان في إشباعه للغرائز والحاجات العضوية مع حرصهم على التنظيم.

أ- عدم حل العقدة الكبرى في الفكر الإنساني:

والعقدة الكبرى هي مجموعة التساؤلات حول الكون والإنسان والحياة، هل هي أزلية أم مخلوقة؟ ومن هو الخالق؟ وماذا قبل الخلق؟ وهل يوجد حياة بعد الموت؟ لماذا أنا موجود؟ إلى غير ذلك من تساؤلات تصحب الإنسان طوال حياته وتقلقه وتسبب له الضياع الفكري حتى يحلها. وحاجة البشرية إلى حلّ هذه التساؤلات حاجة ملحة، ولا يستطيع الإنسان إلا أن يحصل على حلٍّ لها ولو كان حلاً سطحياً أو منحرفاً أو خاطئاً.

والذي حصل أنّ الغربيين لم يبحثوا في هذه العقدة الفكرية الإنسانية ولم يعملوا على حلّها وإنّما تجاوزوها، ويتمثّل هذا التجاوز في اتّفاق الغربيين اتّفاقاً ضمنياً - سببه ردة الفعل السلبية تجاه الدين المسيحي- على فصل الدين عن الحياة أو فصل الدين عن السياسة، وهذه هي (العلمانية) التي أصبحت عقيدة المبدأ الرأسمالي.
هذه العقيدة ليست فكراً يراد منه حلّ تساؤلات العقدة الكبرى في الفكر الإنساني، وإنّما هي قفزة على هذه التساؤلات وهروب منها، وهذا هو أساس انحراف الفكر الغربي الرأسمالي؛ لأنّ أي مبدأ أو عقيدة أو فكر أساسي يجب أن يبنى على حل هذه التساؤلات.

فالعلمانيون لم يبحثوا أثناء صراعهم مع الدين المسيحي كون الإنسان مخلوقاً أم لا، ولم يبحثوا إن كان هناك خالق أم لا، وإذا كان هناك خالق فهل التشريع له أم للإنسان؟ لم يبحثوا هذا والسبب في ذلك العبءُ العقلي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي كان على عاتق الناس والذي كان سببه الدين المسيحي، فكان هاجسُ المفكرين التخلصَ من هذا الدين وأعبائه وليس الدخولَ معه في مجادلات فكرية، خاصة وأنّ المفكرين أنفسَهم من ميكافيللي (ت1527م) حتى نيتشه (ت 1900م) وسارتر( ت 1980م) اختلفوا في نظرتهم إلى الدين ولكنهم لم يختلفوا في ضرورة استبعاده من حياتهم:

فميكافيللي والذي كان له دور هام في تطور الفكر السياسي الغربي، إذ إنه أسس منهجاً جديداً في السياسة، يتمثّل بتجاوز الفكر الديني، كان يرى الدين وسيلة يمكن استغلالها سياسياً وليس شيئاً يجب أن نؤمن به ولا أن نتخلّص منه، فهو يقول في كتاب الأمير: «إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس». ويقول: «من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده». وبينما اعتبر المفكرون الملحدون الدين وباء يجب استئصاله، فقد قال جون لوك ( ت1745م) في كتابه رسالتان للحكومة: «فنّ الحكم لا ينبغي أن يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق» وهو يقصد بذلك اعتبار جميع الأديان سواء، وأن الحكم يجب أن يتجاوزها جميعاً. وطالب مونتسيكيو (ت1755م) «بوضع السياسة والتاريخ كعَلَمين بعيداً عن التصورات الأخلاقية والميتافيزيقية» وهو يعني ترك التفسير الديني للكون. واعتبر فولتير ( ت1778م) «إنّ فلسفة التاريخ تقوم على أساس فكرة التطور التقدمي للمجتمع في استقلال عن إرادة الله» وهذه دعوة إلى فصل الدين عن السياسة، وأما نيتشه فقد تميز بنقده الحاد للدين وباعتراضه على فكر القطيع الذي يسيطر على البشر وأنّ على الإنسان أن يحرر عقله من أوهام الدين حسب رأيه. ويوافقه ماكس فيبر (ت1920م) على هذا حين تكلم عن عقلنة العالم وإن كان يحترم الاتجاه البروتستانتي الذي ساهم في العقلنة ونشوء الرأسمالية كما ذكر في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية بينما يُعلي سارتر (ت1980م) في فلسفته الوجودية من قيمة الإنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحبُ تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه.

وبالرغم من هذا الاختلاف من الإلحاد إلى الاستغلال إلى الإبعاد والإهمال، فقد اجتمعوا على القاسم المشترك بينهم جميعاً وهو ضرورة فصل الدين عن الحياة والدولة وترك أمر الإيمان والكفر إلى الأفراد بصفتهم الفردية، وأنّ هذا الإيمان ما دام تعبدياً كنسياً فردياً لا يحدد العلاقات مع الآخرين فلا ضرر منه مع اعتبار تصوراته عن الكون والإنسان والحياة (الميتافيزيقية) غير علمية وغير مسلّم بها، كما لا ضرر من الإلحاد إذا كان على النمط نفسه، وهذا ليس فكراً وإنّما حل وسط بين مجموعة من الآراء المتناقضة حول الدين المسيحي.

وهكذا نرى أنّ العلمانيين لم يُعملوا عقلَهم في البحث في أصل الدين ولا في وجود الخالق أو عدم وجوده أو في كون الإنسان مخلوقاً أم لا، ويمكن الحكم على العلمانية من خلال ما سبق بما يلي:
- العلمانية ليست فكراً بقدر ما هي ردة فعل سلبية على دين باطل كان ينغّص على الناس حياتهم.
- العلمانية لم تجب على تساؤلات العقدة الكبرى في فكر البشر وإنّما قفزت عنها تاركة أتباعها في حيرة وقلق.
- العلمانية فكرة متناقضة قائمة على الحل الوسط بين آراء فكرية مختلفة ومناهج متناقضة.
- العلمانية تعتمد التعميم في الحكم على الأديان مع أنّ الحكم القائم على التعميم لا يكون صحيحاً.

ب - سيطرةُ الطريقة العلمية في التفكير (المنهج العلمي في البحث) على المفكرين الغربيين وإهمالُهم الطريقة العقلية في التفكير (المنهج العقلي في البحث) وفكرة التناقض بين العلم والدين.
أما الطريقة العلمية أو المنهج العلمي في البحث فهو منهج يهدف إلى معرفة حقيقة المادة وخصائصها الكيميائية والفيزيائية عن طريق الملاحظة والتجربة بعد إخضاع المادة لظروف وأحوال غير ظروفها الطبيعية وذلك في المختبر، و لهذا يلزم التخلي عن الآراء السابقة لاحتمال وجود قابلية الخطأ فيها. فهي تختص في البحث في خصائص المادة في المختبر، ولا تبحث في وجود المادة أو عدم وجودها، ولذلك فمن شروط البحث العلمي وجود المادة المراد معرفة حقيقتها الفيزيائية أوالكيميائية، وأن يكون هناك امكانية لإخضاع هذه المادة للبحث المخبري.

وهذا المنهج العلمي هو منهج مهم وضروري ولكن يجب حصره في مجاله وهو المادة من حيث خصائصها الفيزيائية والكيميائية والوصول إلى حقائق علمية والتطبيق لها فيما يسمى بالتكنولوجيا.
أما الطريقة العقلية أو المنهج العقلي في البحث فهو يقوم على أساس نقل الإحساس بالواقع (معلومات عن المادة) إلى الدماغ مع وجود معلومات سابقة عن الواقع نفسه والحكم عليه.
فيلزم للطريقة العقلية حتى تتم وجود المادة، ووجود إحساس بها، ووجود معلومات عنها، ثم عملية التحليل والتفكير التي تكون في الدماغ والخروج بالحكم أو النتيجة.

وهذه الطريقة العقلية يمكن أن يكون لها أكثر من اتجاه في التعامل مع الواقع:
الأول: البحث في أصل المادة (الكون، الإنسان، الحياة) من حيث كونها مخلوقة أم لا، فإننا نستجمع معلوماتنا عن هذه المادة بالإضافة إلى المعلومات السابقة، ومن خلال الإحساس الذي ينقل المعلومات إلى الدماغ الذي يعمل على الربط والتحليل فيقرر احتياج المادة ومحدوديتها وعجزها، وهذا تفكير مستنير يربط المادة بما حولها أي بما يتعلّق بها بعد التعمق في فهمها فيتوصل في بحث عقلي بعيد عن التعقيد إلى وجود الخالق. وهذا البحث لا يمكن أن يكون بحثاً علمياً لأنّه ليس بحثاً في خصائص المادة، وإنّما هو بحث في كونها أزلية أم لا، في كونها مستندة في وجودها إلى غيرها أم لا، أي مخلوقة أم لا. وهنا انحرف الغربيون عن الصواب عندما أقحموا العلم في هذا البحث العقلي المجرّد فقالوا: ما الدليل العلمي على وجود الخالق؟ وكان الأصل أن يقولوا: ما الدليل العقلي على وجود الخالق؟ لأنّ هذا البحث ليس مخبرياً وليس بحثاً في خصائص المادة، فتصوروا أنّ هناك تناقضاً بين العلم والدين من هذه الناحية، كما أنّ فهم الغرب العميق للمادة لم يُربط بما يحيط بها أي لم يتحوّل إلى فكر مستنير وبالتالي إلى فهم حقيقتها من ناحية الخلق.

الثاني: البحث في الفكر من حيث كونه صحيحاً أي مطابقاً للواقع أم لا وذلك مثل:
واقع الإنسان من حيث إنه عقل وغرائز وحاجات عضوية، وإنه يحتاج إلى العقائد والتعريفات مثل: المجتمع، العقل، اللغة، الفقه والقانون، التاريخ، النهضة... إلخ، أي كل ما لا يمكن إخضاعه للتجربة المخبرية.
وهنا انحرف الغربيون أيضاً فعندما قاموا بدراسة الإنسان (الفرد والمجتمع) درسوه دراسة علمية بما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع، وبالرغم من أنّ هذه الأبحاث ليست علمية بل هي قائمة على أساس الملاحظة وجمع المعلومات والمقارنة -وهذا جزء من الطريقة العقلية في التفكير- فقد خلطوا العلم بالعقل عندما أقحموا الطب الذي هو علم في أبحاث النفس واعتبروا بعض الأمراض نفسية مع أنها داخلة في الطب كالصرع وانفصام الشخصية الناتج عن خلل في الدماغ، وفي المقابل فقد اعتبروا سبب الشذوذ مثلاً في إشباع غريزة النوع (اللواط) طبياً نتيجة خلايا معينة في الدماغ مع أنّ إشباع الغرائز مردّه إلى الفكر، والشذوذ الذي يحصل فيه سببه انحراف في الفكر. فبدل أن يكون البحث سلوكياً فكرياً جعلوه طبياً جسمياً (تشريحياً) وقس على هذا الكثير من القضايا.

وأمّا علم الاجتماع فقد خلطوا فيه علم الآثار والأبحاث الميدانية لإصباغ صفة العلمية عليه، وقد فشلوا في ذلك، فالأبحاث الميدانية هي عبارة عن جمع معلومات ثم تحليلها ودراستها، أمّا جمع المعلومات فلا خلاف عليه، وأمّا التحليل والدراسة واستخلاص النتائج فقد انحرفوا فيها بشكل كبير بسبب إدخال النظريات (العلمية) فيها كنظرية التطور لداروين، والفرضيات غير المثبتة والتي يمكن اعتبارها آراء خاصة بأصحابها، وكنظريات أبحاث (علم) النفس.

وقد فسروا بعض الحقائق التي أظهرها علم الآثار بشكل منحرف وذلك بسبب الإصرار على فكرة التطور والإلحاد العلمي فمثلاً: أثبتت الآثار أنّ البشر في جميع المجتمعات القديمة التي وجدت آثار لها وفي جميع أنحاء الأرض كانت تعبد إلهاً وكان لها دور عبادة، فبدل أن يقولوا إنّ التدين أمر غريزي في الإنسان وجزء من تكوينه بغض النظر عن الزمان أو المكان وإنّ هذا يشير إلى احتياج الإنسان إلى الخالق الذي خلقه, قالوا هذه سمة من سمات المجتمعات البدائية ومرحلة من مراحل تطور الفكر البشري.

وبعدما وجدوا بعض العظام التي تعود إلى ملايين السنين أو مئات آلاف السنين والتي لا تطابق البنية البشرية، فبدل أن يقرّوا بأنّ الإنسان لم يتطوّر وأنّ هناك مخلوقات كانت قبله، وبسبب هيمنة نظرية دارون الأثيمة عليهم اعتبروا أنّ الإنسان الحالي تطور عن مخلوقات مغايرة مع أنّ العلم الحديث (التشريحي والجيني) يثبت أنّها ليست من الجنس البشري. وهكذا نجد أنّ الانحراف في الفكر والحكم على الأشياء سمة أساسية للفكر الغربي.

وهنا يجب الانتباه إلى الاختلاف بين (البحث العلمي) و(البحث العقلي) بالرغم من وجود التشابه من حيث الملاحظة والتجربة والاستنباط، وهذا يدل على أمرين:
الأول: إنّ الطريقة العقلية هي أساس التفكير وإنّ الطريقة العلمية متفرّعة عنها.
الثاني: إنّ الملاحظة والتجربة والاستنباط للمادة وخصائصها إن لم يكن مخبرياً لا يعتبر البحث حينئذ علمياً.

أمّا التناقض بين العلم والدين: فإنّه وإن كان الحديث السابق عن طريقة التفكير العقلية وطريقة التفكير العلمية كافياً لبيان أن لا تناقض بين العلم والدين الصحيح، إلاّ أنه يزاد عليه قليلاً فيقال:
1- إنّ تناقض الدين المسيحي مع العلم لا يجوز أن يُحمل على الدين الإسلامي.
2- إنّ العلم له مجاله الذي يجب حصره فيه، فمجاله البحث في المادة من حيث خصائصها الكيميائية والفيزيائية، وليس البحث في كون المادة مخلوقة أم لا.
3- إنّ الدين الصحيح وهو الإسلام يقوم على العقل، والعقل لا يمكن أن يتناقض مع العلم، فالعقل يبحث في أصل وجود المادة، ولذلك فإنّ الإسلام وقد بيّن أنّ المادة مخلوقة فقد بيّن أيضا أنّها مسخّرة للإنسان، والتسخير والاستفادة من المادة يقتضي وجود البحث العلمي الصحيح وتاريخ المسلمين يدل على هذا.
4- إنّ النظريات التي تتناقض مع الإسلام كنظرية دارون مثلاً ليست علماً، وإنّما هي افتراض مسبق ونظري وغير مثبت، وحيث إنّ العقل أثبت كون الإنسان مخلوقاً فهذا يعني تناقض نظرية دارون وأمثالها مع العقل، وبالتالي يستحيل أن يثبت العلم في يوم من الأيام صحة هذه النظرية.

ج - انحراف الغربيين في فهم واقع الإنسان.
ويظهر ذلك في نقطتين:
1- سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية).
2- عدم تنظيم الفكر الغربي لسلوك الإنسان في إشباعه للغرائز والحاجات العضوية مع حرصهم على التنظيم.

النقطة الأولى: سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية): إنّ الخطأ الجذري في الفكر الغربي وهو تجاهل حل العقدة الكبرى أي عدم البحث في وجود الخالق وبالتالي نفي علاقة الخالق بالمخلوق من حيث التشريع، وقد جرّهم هذا إلى وضع التشريعات وسنّ القوانين، وهنا انحرف الغربيون انحرافاً كبيراً آخر عندما لم يبحثوا صلاحية الإنسان للتشريع وقدرته على سنّ القوانين أو عدم صلاحيته لذلك. بل أخذوا يشرّعون ويضعون الأنظمة، مع أنّهم لم يفهموا واقع الإنسان بشكل صحيح من أنّه جسم مادي وعقل وغرائز وحاجات عضوية يحتاج إلى إشباعها وقيم يحتاج إلى تحقيقها، وصحيح أنّهم يقرون بوجود العقل والغرائز إلاّ أنّهم لا يفهمون واقع ذلك بشكل صحيح وبالتالي فقد بنيت تشريعاتهم على أساس عدم فهم الإنسان، ولو فرضنا جدلاً أنهم يفهمون واقع الإنسان فهذا لا يعني أنّهم قادرون على سنّ القوانين والتشريع لتفاوت البشر في نظرتهم للأمور مما يعني الاختلاف في الفهم والتناقض في الحكم على الأشياء والأفعال ويساعد على هذا تأثر الإنسان الحتمي بالبيئة، فبعض المجتمعات ترى الزنا جريمة وأخرى تحث عليه، وكان الفراعنة يقدّسون النيل لحاجتهم لمياهه، بينما قدّس بعض الآسيويين جبال البراكين العظيمة خوفاً منها، وفيما فرضت قسوة الصحراء على العرب قيماً معينة من كرم وإغاثة ملهوف ورابطة قبلية وصراع على موارد نادرة رسم هيكل العلاقات الجاهلية، لم يكن لهذه القيم اعتبار يذكر في المجتمع اليوناني مثلاً، وبينما يعتبر كشف الرجال وجوههم في البيئة المعتدلة أمراً طبيعياً، يعتبر عيباً عند رجال الصحراء الحارقة في أفريقيا (الطوراق)، وإذن لا يستطيع البشر أن يضعوا لأنفسهم نظاماً ينظم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية.

النقطة الثانية: ما وضعه الغرب من تشريع لا يعتبر تنظيماً لإشباع الغرائز والحاجات العضوية:
وذلك لأنّ التشريع حتى يعتبر تنظيماً للغرائز والحاجات العضوية لا بدّ أن تتوفر فيه ثلاثة أمور:
1- فهم واقع الغريزة المراد تنظيمها، وهذا أمر لم يصل إليه الفكر الغربي، والدليل على ذلك اختلافهم في تعريف الغريزة وفي عدد الغرائز وفي تكوين الشخصية، والأبحاث التي تتجدد كلّ يوم ينقض آخرُها أوّلَها؛ حتى صار لما يسمى بعلم النفس أكثر من خمسين فرعاً مملوءة بنظريات ينقض بعضها بعضاً.
2- تحقيق الإشباع الصحيح، وهذا يعني حصول الإشباع بكيفية صحيحة مثل: الزواج، وشرب الماء.
3- منع الإشباع غير الصحيح مثل: منع الزنا واللواط، ومنع شرب الخمرة.
والناظر في التشريع الغربي لا يرى هذا، لأنّ التشريع الغربي الذي بني على الحريات يتناقض مع فكرة التنظيم، فالتنظيم معناه آمِن واكفر: آمن بوجود الله ولا تؤمن بتعدد الآلهة، افعل ولا تفعل: بع واشترِ ولا تتملك بالربا، ويجب أن تفعل ولا يجوز أن تفعل: يجب أن تصلي لله بكيفية معينة ولا يجوز أن تزني، ويجب أن تقول الحقّ ولا يجوز أن تكفر بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهكذا، وهذا يتناقض مع حرية الاعتقاد والتعبير والتصرف والتملك، وبالتالي فإنّ التشريع الغربي قد أطلق الحبل على الغارب في هذا الموضوع حتى صارت فوضى الإشباع هي السمة الغالبة على المجتمع الغربي وهذا ليس تنظيماً.
وأما إشباع جميع الغرائز فإنّ حالة فوضى الإشباع الناتجة عن غياب التنظيم ووجود الحريات قد حققت الإشباع الزائد لبعض المظاهر الغريزية مع تحقيق أقلّ للإشباع لمظاهر أخرى إن لم يكن حرمانها، مما أنتج حالة طغيان مظهر غريزي على آخر وسبب الضياع للإنسان الغربي الذي يحقق إشباعاً زائداً لغريزة الجنس مثلاً، حتى وصل إلى الشذوذ، بينما يعاني من الحرمان فيما يتعلّق بغريزة التدين مما دفع ويدفع بالكثير من الناس في المجتمع الغربي إلى محاولة الإشباع من خلال الأديان والعقائد الوثنية مثل البوذية والهندوسية، وهذا يمثل انحطاطاً في المجتمع الغربي ورجعية غير مسبوقة في الفكر الإنساني. وهذا يؤكد خطأ قيام البشر بوضع تشريعات لعدم قدرتهم على ذلك؛ لأنّهم، وهم يضعون التشريعات، لا ينظمون الغرائز ولا الحاجات العضوية.

الخلاصة: إنّ عقيدة الفكر الغربي عقيدة باطلة لأنها تقوم على أساس غريزي هو ردّ الفعل ولا تقوم على الفكر، وإنّ القفز عن إعطاء الرأي حول وجود الخالق لم يكن سوى تغيير لطبيعة المشكلة الفكرية في أوروبا وليس حلاً لمشكلة اعتقاد أوروبا لدين باطل، كما أنّ تعميم رؤية أوروبا نظرتها للدين المسيحي قد حرمها من رؤية الإسلام الرؤية الواضحة والصادقة فحملت العداء له. إنّ ما تعانيه شعوب أوروبا اليوم (والعالم من خلفها) من فراغ روحي، وشعور بالضياع، وغياب للقيم، وإشباع بهيمي للغرائز والحاجات العضوية وبحثها عن عقيدة غير العقيدة المسيحية، ومشاكلهم في الاقتصاد والاجتماع... كلّ ذلك وغيره يوجب على المسلمين أن يسارعوا إلى حمل رسالتهم رسالة الإسلام إلى هذه الشعوب الضائعة، وذلك بعد أن يقيموا دولة الخلافة التي تؤهلهم لحمل هذه الرسالة العظيمة.

بقلم :

خالد الدويك - القدس