السبت، 21 أغسطس 2010

مشاريع هدم الأسرة المسلمة من التخطيط إلى التنفيذ

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت الأسرة المسلمة ـ ولا تزال ـ تمثل قاعدة الاجتماع الإسلامي، وكانت ـ ولا تزال أيضاً ـ تمثل حصن هذا الاجتماع وقـلعته، ومـنذ أن اكتشف الغـرب بحضارتـه (النصرانية ـ اليهودية) أنه لا يمكنه أن يخترق الأمة الإسلاميـة أو يـُجهِز عليها بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية التي كان آخرها الحروب الصليبية؛ فإن الغرب سعى إلى تغيير وسائله، فتحول عن المواجهة العسكرية إلى المواجهة الـفـكـرية والسلوكية وهو ما يعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ "الغزو الفكري" وكانت أهم أدواتــه في ذلك إنشاء جيش من المنصِّرين والمستشرقين، وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية التـي تسـتهدف اكتشاف العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه.

وبـلـغ شأو هذه الجيوش الاستشراقية والتنصيرية حداً سجن العالم الإسلامي سجناً كبيراً، فلم تـدع شــيـئاً إلا دسَّت أنفها فيه حتى دخلت مخادع النساء ـ بتعبير "محمود شاكر" في رسالته القيمـة: "الـطـريـق إلـى ثقـافـتنا" ـ وكانت جيوش المنصرين والمستشرقين هم طليعة الاستعمار "الاستخراب" الغربي للعالم الإســلامي ـ كـمـا كانت هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة الجـاسـوسـيـة والـمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي.

وبـعــد انتـهـــاء الاستعـمــــار "الاستخراب" العسكري ظل العالم الإسلامي ـ بحكم موقعه الاستراتـيـجـي وبـحـكـم مـوارده، وبحكم ما يمثله من امتلاك الثروة الحضارية والروحية الهائلة والمتثملة في الإســلام ـ ظـــل موضع اهتمام لما يمكـن أن نطلـــق عليه: "الاستشراق الجديد". والاستشراق الجـديـد لا يـعـتـمـد فـي دراســته عن العالم الإسلامي على جنوده وأبنائه من الغرب، بل سعى إلى وجود مستشرقين من أبـنـاء العالم الإسلامي نفسه؛ بحيث تقوم علاقة ترابط قوية بين المراكز الاستشراقية في الخارج وبـيـن أطــــرافـهـــا وذيولها في الداخل.

وتمثل ظاهرة "الأبحاث المشتركة" عن الاجتماع الإسلامي فيما يتصل بمظاهر قوته الخاصة بالـصـحـــــوة الإسلامية، واللغة العربية، والأزهر، والأسرة المسلمة، والحجاب، وانتشار السلوك الإســلامي ـ تمثل موضوعات هامة للاستشراق المحلي المرتبط بالاستشراق الجديد في الخارج؛ فـلـم يـعـد الذين يرصدون الظواهر التي تمثل مظاهر قوة في المجتمع الإسلامي من الغربيين وإنما هم من جلدتنا وأبنائنا ويتحدثون بألسنتنا. ووُجِدت نخبة متغربة تتبنى قيم الغرب نمطاً للـحـيــــاة بـديــلاً عن نمط الحياة الإسلامي، وقد استطاعت هذه النخبة السيطرة على مراكز صناعة القرار وخاصة الإعلام والفكر والكتابة، وصارت الذراع الفكرية التي تحمي النظم الحاكمة وتسوِّغ لـهـــــا الاندفاع في التبعية للأفكار والقيم الغربية: تارة باسم التقدم، وتارة باسم "الوراثة". وبلغت الرغبة في الاختراق حداً مريعاً؛ إذ وصل الأمر بالإصرار على اختراق المؤسسة الدينية ذاتـهــا؛ وكأن الغرب يريد أن يقول: إنه لا توجد مؤسسة مهما كان شأنها عصية على الاختراق. وبالطبع فإن دراسة الوقائع الميدانية للعالم الإسلامي تمثل مدخلاً هاماً لصناع القرار السياسـي فـي الـغـرب وخاصة في أمريكا؛ حيث تعتبر أمريكا ما تطلق عليه: "فهم الطابع القومي للشعوب" أحـــــــد أهم مداخل سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي بالذات.

وبـعـــــد سقوط الاتحاد السوفييتي ـ غير مأسوفٍ عليه ـ فإن أمريكا صارت القوة الوحيدة الـمهيمنة على العالم، وطرحت ما أطلقت عليه: "النظام العالمي الجديد" ثم نظام "العولمة" ورغـم أن الـمـصـطـلـح الأول اتخذ طابعاً تبشيرياً يشير إلى وجود نظام عالمي مرجعي واحد للعالم؛ بحيث تتلاشـى الخصوصيات والصراعات، وتتوحد المعايير في التعامل مع المواقف المتشابهة؛ إلا أن الوقـائـع أثـبـتـت فـشـــل المصطلح. أما المصطلح الثاني فرغم أنه حاول المراوغة بالحديث عن نظام اقتصادي تبادلـي تـيـسـره الثورة التقَنيَّة إلا أنه استبطن فرض منظومة قيمية فيما يتصل بالسياسة والثقافة والاجتماع.

ويـبـدو أن الــغـرب بــدأ يشعر بأنـه حقق ما أراده بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيما يتصل بالسياسة بسيطرته على الـنـظـــم الحاكمة وفرض ما يريده عليها، وأن شهيته الآن بدأت تتجه إلى نظم الاجتماع والثقافة بفــرض نظام موحد في الاجتماع والثقافة وهو ما يمكن أن نطلق عليه: "عولمة الاجتماع والثـقـافــة" فالاجتماع أساسه الأسرة، والثقافة أساسها القيم الدينية، وفي حالة العالم الإسلامي فــإن القيم الإسلامية هي التي تصوغ الاجتماع والثقافة وحياة البشر والناس.

إن الغـرب شــعـر أن النظـم الحاكمة قدمت عبوديتها وولاءها؛ لكن الناس والبشر في العالم الإسلامي لا تزال تأبى إلا أن تـجـعـــــل عبوديتها وولاءها لله؛ ومن هنا كان اقتحام عالم الأسرة التي تمثل أساس الاجتماع الإسلامي.

وبشكل عام فإن الغرب وأمريكا خاصة تتبنى "سياسة تفكيك المجتمعات" أي جعل أهلها شيعاً وأحزاباً ـ وهي السياسة الفرعونية التي تعـبر عن الطاغوتية والاستعلاء، ولكي تفكك هذه المجتمعات فإنها تسعى إلى ضرب مــواطـن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية. وأحد أهم مواطن القوة في العالم الإســلامي نـظــام الأسرة الذي يحفظ للمجتمع قوته وتماسكه. وتبدو الهجمة الغربية (الأمريكية) الآن عبر تـسـيـدهــــا وهيمنتها وشرائها للنخب العنكبوتية، واحتفائها بجمعيات ضغط نسائية منتفعة، وعبر جمــعـيــات حقوقية نسائية وحقوقية عامة، وعبر تمويل هذه الجمعيات وكأنها فيها تفرض ولو بالقـــوة أجندة خـاصـــــة، وتأتي الأسرة والمرأة وقضاياها ذات الأولوية من الهجمة الغربية الأمريكـيــة الجديدة، وهذه الهجمة تؤكد أن الغرب ووكلاءه في المنطقة ينتقلون من التخطيط والإعداد للغزو الفكري والقيمي للعالم الإسلامي إلى التنفيذ منتهزين لحظة تاريخية ـ إنما هي القوة المتسيدة للغرب وضعف العالم الإسلامي.

تعميم الحالة المصرية:

في مصر حـيــث يـعـتبر الأزهر المؤسسة الإسلامية الأولى وأحد المرجعيات السنِّية الأعلى في العالم الإسلامي ـ في مـصــــــر هذه تم "إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد" وهو قانون أعدته بالأساس وزارة العدل الـمـصـريـة. ووفق معلوماتنا فإن مشروع القانون جاء استجابة لتلبية مطالب "اللوبي النسائي المصري" الـذي يرتـبـط بالـتـيـار النسوي الغربي وهو التيار الذي صاغ أجندة مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عــــــام 1994م، ثم أجندة"وثيقة مؤتمر بكين" الذي عقد ببكين في الصين عــــــام 1995م، وهي سلسلة مؤتمرات بدأت في السبعينيات تبنتها الأمم المتحدة، وتستهدف بشكل أساس "إعادة الهندسة الاجتماعية للأسرة وللاجتماع الإنساني والبشري". وهذه المؤتمرات وأفكارها تسـتـمـد قوتها من أمريكا والأمم المتحدة والعالم الغربي الذي يريد أن يفرض عولمة الاجتماع الإنســـاني وفق منظومة القيم الغربية مستظهراً دعاوي حقوق الإنسان وحماية المرأة؛ حيث إن العالم الغربي لم يعد يرى أن ترتيب قواعد الاجتماع البشري مسألة داخلية تخص أبناء دين أو مـجتمع بعينه؛ وإنما هي مسألة كونية عالمية تفرض القيم الغربية، وتستدعي حمايتها ولو بالتدخل الذي يحمل صفة إنسانية.

ووفق معلوماتنا فإن الغرب وأمريكا لم تكن بعيدة عن مطالبة وزارة العدل الـمـصـريـة بطرح مـشـــــــروع القانون الخاص بالأحوال الشخصية، وفرض مواد موضوعية فيها وهي المواد الخاصة "بالـخـُـلــــع" "وسفر الزوجة" و "قبول طلاق المتزوجة عرفياً"؛ فقد كان مشروع القانون الذي عرض عـلـى مجلس الشورى المصري عام 1998م إجرائياً بحتاً؛ لكن إضافة هذه المواد عليه نقلته من كونه قانوناً للإجراءات إلى قانون موضــــوعي؛ والهدف من ذلك كسر قوامة الرجل بالسماح لزوجته بالسفر دون إذنه، وتفكيك الأســـــرة المسلمة عن طريق إعطاء المرأة "حق الخلع" أي الحرية بالمفهوم النسوي لإنهاء العلاقة الــزوجية متى شاءت دون أن يكون هناك أي عوائق يتطلب إثباتها مثل "الضرر".

ولأن القانون يدخل في نسيج العلاقات الخاصة أولاً، ويتدخل في منطقةٍ فَصَل الإسلامُ فيها باعـتـبار أن التشريع لها حق لله وحده ثانياً، ولأن هذه المنطقة من التشريع لا تزال البقية الباقــيـــة من القوانين القائمة الآن ومرجعيته الإسلام، لكل هذه الاعتبارات أراد واضعو المشروع أن يحصلوا على موافقة الأزهر، فعرض على مجمع البحوث الإسلامية الذي رده مرتين اثنتين بعد مناقشات وتمحيص، ثم عرض على مجلس الشعب؛ حيث تمت الموافقة عليه بعد حذف مادة حق الزوجة في السفر بدون إذن زوجها، وبقيت مادة الخلع.

والذي لم يجرِ الالتفات إليه في قانون الأحوال الشخصية الجديد بمصر؛ أنه ألغى لائحة ترتيب المحـاكـم الـشــرعــيــــة وهي آخر ما كان باقياً للإسلام من أثر حاكم ومرجعي في القوانين؛ ومن ثم فإن القانون الجديد رغـم المعارضة الإسلامية والشرعية له فإنها معارضة في الفروع وليس في الدفاع عن المـرجـعـيـة الإسلامية ذاتها ـ أي أنه قانون مرجعيته مدنية علمانية، والقصد من ورائه هو تعميم هذه الـتـجـربـــة في قوانين البلدان العربية الأخرى؛ بحيث يكون هناك قانون موحد للبلدان العربية للأحــــوال الشخصية وتكون مرجعية هذا القانون الموحد مدنية علمانية، وهو جزء من المشروع الـغـربــــي لعولمة الاجتماع الإسلامي وعلمنته، وتواكب الحديث ـ مع إخراج قانون الأحوال الشخـصـيـــة الجديد في مصر عن تعديل المادة 240 في قانون العقوبات التي تساوي بين المرأة والرجـــل إذا وجد أي منهما الآخر متلبساً بالزنا؛ فالمادة الحالية تجعل الرجل الذي يقتل زوجــتـــه إذا رآها متلبسة بالزنا مع آخر في فراشه تجعله متهماً بجنحة باعتباره دفاعاً عن شرفـه؛ بينما إذا حدث ذلك بالنسبة للمرأة فإنها تكون جريمة خيانة وهي مادة مأخوذة من القــانون البلجيكي ـ لكن الفكرة المهيمنة على النائبة التي طالبت بتعديل المادة هي فكرة الـمـســاواة بين المرأة والرجل رغم أن الـمـنــاط مختلف؛ فقد تكون المرأة التي رأتها الزوجة مع زوجها زوجته الثانية وليست خدينة له، بينما في حالة المرأة لا يمكن أن يكون من معها زوج لها؛ لأنها لا تجمع بين زوجين في آنٍ واحد.

لـكـن الـمـطـالـبــة بتعديل المادة هو جزء من حملة نسوية تطرق على الحديد وهو ساخن؛ وبالمنهج نفسه والاستراتيجية ذاتـهــا بـدأ تحـــرك الجمـعـيات النسوية المصرية المشبوهة لتأسيس اتحاد فيما بينها على طريق تنظيم صفوفها لطرح مـطـالـبـهـا النسوية ذات الطابع الشاذ والعنصري. وعلمنا أن المحرِّكة لفكرة تأسيس اتحاد نسوي هي "نــوال الـسـعداوي" التي قامت بعقد مؤتمر صحفي دعت إليه الوكالات الغربية العاملة في مصر وحدها مـطـلع هـــذا الشهر؛ حيث طالبت بتشريعات نسوية علمانية لا يكون لله فيها أي سلطان أو حق على حد تعبيرها، ومعلوم أن الجمعيات النسوية المصرية والعربية قد تفككت عُراها بسبب اتهامات بسرقات تمويل هذه الجمعيات من الجهات الأجنبية. وآخر ما أمكننا رصده مما يمكن أن نطلق عليه: "توابع قانون الأحوال الشخصية المصري" ما تقدم به النائب "محمد خليل قويطة" من اقتراح مشروع قانون لتعديل قانون العقوبات، بحيث يتناول التعديل في مادته 290 جــواز قيام النيابة بالإذن بإجهاض الفتاة التي تحمل سفاحاً بناءاً على تقرير الطـبـيـب الـشـرعي. وقال النائب: إن الاقتراح يخفف من متاعب الجنين عليها، ويزيل مخاوفها من رعاية طفل فرضته جريمة الاغتصاب.

ولا بد مـن ذكــر الـمـظاهرة النسوية التي سبقت إخراج (مشروع) قانون الأحوال الشخصية والتي تمثلت في المؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر في الذكرى المئوية الأولى لصدور كتاب قـاسـم أمين "تحرير المرأة" الذي صدر عام 1899م ـ وذلك في الفترة من 23 ـ 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1999م؛ وفـي تـجـمـع لـنـســاء أخفقن في حياتهن الزوجية أو العجائز والمقعدات ليعبرن بصراحة عن محادة الله ورسوله والدعوة إلى تبني القيم النسوية الغربية والـتـخـلــص مـمـــا أسموه: (القيود الدينية) ـ في ذلك المؤتمر طالب هؤلاء النسوة بالمساواة بين الـرجـل والمرأة في الميراث وبحق المرأة المطلَق في الحرية بجسدها، وبحقها في كسر أي قـيـود للرجل عليها. وبلغ التطرف النسوي العربي حداً دفع بعض المشاركات إلى رفض هذا التطرف للمرأة العربية، وانـسـحـبـت المحـجـبات من الجلسات التي بالغت في الهجوم على الإسلام والدعوة الصريحة للعري وإلى التبذل المحرم، كما امتنع ممثلو التيار الإسلامي (ممن دعي) من الحضور لاقتناعهم أن النسـوة الذيـن تـم مشاركتهن لا يعبرن عن تيار حقـيـقـي فـي الـعــالم العربي والإسلامي وأنهن فئات مهمشة ومهووسة بتقليد الغرب ومنسحقة أمـام قـيـمـه؛ فالحالة المصرية تستجمع قوتها النسوية للتنفيذ والإعلان عما كان مخبوءاً.

وبـيـنـمــــــا كان الصخب حول مشروع قانون الأحوال الشخصية على أشده في القاهرة إذا بالرباط تتجاوب معها؛ حيث انتقل الصخب إلى هناك حول ما أطلق عليه المغاربة: (خطة الـحـكـومـــة لتفعيل مشاركة المرأة في التنمية) وحكاية التفعيل هذه هي أحد بنود الأجندة النســـوية القومية لجعل المرأة أكثر فعالية. ومعنى فعاليتها عندهم هو تأخير سن زواجها، وانخراطها في العمل بعيداً عن أسرتها باعتباره ـ وفق قيم الغرب ـ يدر دخلاً، ومن ثَمَّ فهو العمل المحترم حتى لو كان من البغاء ـ بينما يُنظر للمرأة التي تعمل في البيت بأنها خارج الإطار ولا تعمل عملاً منتجاً. وفـي الــــواقع فإن مسألة الاندماج في التنمية بالمغرب ليست سوى ستار لإقــرار قــانـون أحــوال شخصية جديد هناك شبيه بقانون الأحوال الشخصية الذي تم صكه في مصر ووافق عـلـيـه شـيـخ الأزهر ورئيس جامعته. ومن قبل في لبنان ثار موضوع "الزواج المدني"؛ حيث تكون مؤسسة الزواج لا تقيم أي اعتبار للـدين أو العقيـدة؛ بحيث يمكـن للمسلمة أن تتزوج كافـراً أو مشركاً، وتصبح العلاقة الأسرية علاقة مدنية يحكمها عقد ينظمها بعيداً عن المودة والرحمة التي يفرضها الالتزام بالإسلام. وفي الكويت شهدت مسألة حقوق المرأة السياسية صراعاً بين العلمانيين والإسلاميين، وتم التصويت ضدها في مجلس الأمة الكويتي. ويهدف الذين يتبنون قانون الحقوق السياسية للمرأة في الكويت إلى كسر الحجاب بين المرأة والرجل وفرض الاختلاط بشكل مطلق؛ وهو ما يعد تهديداً لتقاليد المجتمع الكويتي. وفي الإمارات دعوة إلى اقتحام المرأة للوزارة.

إن مـا يحدث الآن هو التلاعب بقواعد الاجتماع الإسلامي وطرح قواعد جديدة مستلهَمة من الرؤيــة الغربية إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها انتشارها وذيوعها كما كان الحال بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية ـ وتكون هذه الأيديولوجية عابرة للقارات؛ بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى هي محورها! إنها الحرب الجديدة ولا شيء سوى كونها حرباً حقيقية تحتاج إلى وعي وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الإسلامي؛ فهو آخر خطوط دفاعنا عن حصوننا.

كمال حبيب

عن مجلة البيان

السبت، 14 أغسطس 2010

الاعلام يخترق أكثر الأماكن خصوصية


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ


طالعتنا وسائل الاعلام الفضائية والأرضية العربية على مدى العامين الماضيين او يزيد بموجة جديدة من نمط جديد من البث الإعلامي الخاص بما يسمى الدراما ، ونخص بالذكر التركية منها. وللوقوف على هذا الأمر فقد نشرت مؤخرا مجلة النيورك تايمز مقالاً بعنوان "أثر الدراما التركية في الإعلام العربي" , تناول فيه مدى الشهرة والشعبية للمسلسلات التركية بين شعوب العالم العربي المسلم و أثرها عليهم, وكيف ان القنوات تتسابق لعرض المسلسلات التركية حتى وصل الى الاحتكار والسعي الى اخذ الريادة والحصرية في بث تلك المسلسلات. خاصة أن هذه المسلسلات تجدها تحاكي مواضيع تقليدية مثل الحب والقتل والتآمر والعلاقات الأسرية ، وايضا تستخدم اسماء ولهجة عربية للممثلين من اجل محاكاة واقع الشعوب العربية . وأظهر التقرير أن هناك الكثير من العرب المسلمين رجالاً ونساء من الشباب مفتونون بهذا النوع من الدراما الجديد على مجتمعاتهم.

إن هذه المسلسلات تعرض قصصاً مشوقة للمشاهدين ، مثل قصة المرأة الفقيرة الأقل تعليماً وصاحبة الطموح بحيث يوجد نوعاً من التعاطف العام معها بسبب حالها ولا ننسى في نهاية المسلسل الطويل الممل أن الحلم يتحقق بالحصول على المال والمكانة الاجتماعية والحب المفقود. هذا من حيث دور النساء ، أما الممثلون الرجال فدورهم في معظم المسلسلات لا يخرج عن الأدوار التقليدية التي عفى عنها الزمن وهو المليئ بالأنانية وحب الذات والحصول على كل شئ بكل الوسائل. ولا ننسى النقاط الرئيسية التي تسلط عليها هذه المسلسلات مثل الاختلاط بين الجنسين في كافة الأماكن الخاصة والعامة وجعلها مقبولة ومستساغة عند المشاهدين. ونلاحظ أيضا اتخاذ اسلوب شركات هوليوود مثل انتاج مسلسلات على نمط السندريلا لنشرها ايضا بين الاطفال .و لا ننسى الأثر البالغ لتلك المسلسلات على الحياة الزوجية مما أدى الى ضرر كبير في المجتمع والعلاقات الاجتماعية بسبب من ينشر من أفكار. ومن الملاحظ انه في الأعوام الماضية كان هناك دوراً للمسلسلات الأجنبية منها الأمريكية واللاتينية , لكن على مدار ثلاثين عاماً او اكثر لم تنجح في عملها ، لذلك توجه الأمر الى المسلسلات التركية من أجل انجاز ما فشل به الآخرون. فقد فشلت الأسماء الاجنبية و طراز الحياة الغربي في نقل الأفكار والمفاهيم الغربية الى الجماهير العربية بسبب غربتها عن واقعهم .

فقد كانت تلك المسلسلات تستخدم الدوبلاج في الصوت بحيث تفقد التشويق عند المشاهدين، اما المسلسلات التركية فهي تستخدم لهجات قريبة الى قلوب المشاهدين منها السورية ، وأيضاً كما ذكرنا فإنها تستخدم أسماء مسلمين و تحاكي واقع المشاهدين. وحسب العديد من الدراسات التي أُجريت على نجاح الإعلام التركي في جذب المشاهدين العرب المسلمين فقد استطاعت اختراق المجتمعات المحافظة في العالم العربي.


ونلخص أسباب هذا النجاح إلى عدة أمور منها :

أولا : أن تركيا بلد مسلم ويحمل تاريخ الدولة الاسلامية ، وحال الناس متعاطفون ومتضامنون مع بعضهم البعض و يشعرون بنوع من الانتماء في جميع انحاء العالم.

ثانيا : يستخدم الإعلام التركي مسائل لها احترام عند المسلمين مثل القتل من أجل الشرف. مما يجعلها تلقى احتراماً عند المشاهدين وتجذبهم وتسرق قلوبهم.

ثالثا : الدور السياسي الذي تلعبه تركيا في العالم يجعل المشاهدين يجلونها ويحترمون ما يأتي من عندها.

هذه الأمور غيض من فيض من مخالب تستخدمها وسائل الاعلام لنشر ما تريد من أبسط الامور الى اعلاها من خلال القدرة على اختراق اكثر الاماكن خصوصية وهو بيت المسلم. وكل هذا من أجل نشر الأفكار الغريبة عن المجتمعات وتلويثهم بالمفاهيم المغلوطة عن الحياة والعلاقات الاجتماعية ونشر الرذيلة بين أفراد المجتمع بحيث تصبح مقبولة وغير مستهجنة في واقعهم و مفاهيمهم. مثل جعل الطلاق شيئاً مقبولاً بل مطلوباً ومحبباً ، والتحرش الجنسي شئ ليس من الرذيلة. ولهذا كان لمثل هذه اللأفكار وغيرها أثر في مجتمعاتنا بحيث وجد حالات انتحار و حالات اغتصاب ،وايضا تفكك في العلاقات الاسرية، وهذا كله ناتج عن الأثر الذي تحدثه مثل هذه الوسائل الخبيثة على مجتمعاتنا.

وهنا يجب أن نسأل كيف يمكننا أن نسمح لأنفسنا بقبول مثل هذه الأفكار؟ ؟ كيف يمكن أن نقبل الانتقال من الأعلى الى الأدنى؟ ان مجتمعاتنا وشبابنا هم الهدف الذي يريد الغرب تدميره وتسميمه ببطء من أجل قتل القوة الحقيقية في داخله لأجل التغيير والنهضة .بحيث أصبح هذا الهدف الشغل الشاغل لهم ، ويستخدمون كافة الوسائل من أجل تحقيقه ، فشاشات التلفاز موجودة في كل بيت. و يحاول الغرب بكل الوسائل تدمير جيل كامل وتجريده من القيم والأخلاق والمفاهيم الصحيحة و استبدالها بالانحلال والتفكك الأخلاقي وفساد المفاهيم عن الحياة ، ولكن كيف لنا ان نقبل استبدال هذه المعايير الربانية التي جاء بها نبينا.

فعلى تركيا أن تعود الى رشدها في إعلامها والعودة الى الأصل الذي كانت عليه ناشرة للإسلام وليست مسوقة للرذيلة وأفكار الغرب الفاسدة .

وَ لا ننسى قول الله تعالى :

( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

سورة النور، آية 19

الأخت منال بدر

02 من رمــضان 1431

الموافق 2010/08/12م

الجمعة، 13 أغسطس 2010

يوم في حياة المرأة المسلمة



بســم الله الـرحمــن الرحيــم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ،،

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

يوم في حياة إمرأة مسلمة ،،

كإمرأة مسلمة تعيش في بلد جلّ اهله مسلمون ، كان طبيعيا أن اعطي الإسلام والتدين حيزا كبيرا من إهتماماتي ، وخصوصا أن أهلي ربياني على حب الإسلام وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويتمثل ذلك الحب في البحث عن الفتاوى التي تخصني كإمرأة .. أحكام الحيض والنفاس والصوم والزي الشرعي وطاعة الزوج والإبتعاد عن الغيبة والنميمة. وغير ذلك تنصب إهتماماتي في البحث عن وصفات للطبخ ، وتكون هذه " الإنجازات " هي محور أحاديثي انا وصديقاتي في ايامنا العادية ، بالإضافة إلى أحاديث الموضة واحدث ربطات الخمار والحجاب.

والأن وفي هذه الايام ونحن نعيش الاجواء الرمضانية ، لا بد من تكثيف العبادات لنعيش هذه الأجواء الإيمانية الرائعة. وطبعا لقد تعرفت على أحكام الصيام الكثيرة المتعلقة بالمرأة ،، الرضاعة والحمل والولادة .. والحمدلله فأنا اقوم الليل واتلو القرآن واختمه مع صديقاتي في جلسات خاصة لقراءة دعاء الختمة معا ،، وكما نعمل على تحضير إفطارات جماعية للمحتاجين من المسلمين. فرمضان هو شهر الصدقات والأكلات الشهية والتزود من العبادات من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وقيام ليل. وللمرأة المسلمة دور كبير في تحقيق ذلك.

وكعادتي اجلس لمتابعة القنوات الفضائية فمنهم اتعلم الكثير من الإتكيت واخذ منهم أراء حديثة وعصرية في تنسيق وتهذيب اسلوب حياتي فهن قد تعرفن على العادات الامريكية والأوروبية الراقية التي نفتقدها نحن كبلاد عربية متخلفة عنهم في النظام و في التكنولوجيا بكل أنواعها. فالغرب بلاد الحرية والمال والتقدم.

وفي أوقات فراغي في رمضان المبارك اشاهد الكثير من مسلسلات رمضان المسلية مع أن بعضها يضايقني من شدة الإنحلال الذي تبثه الشاشات في شهر الخير ولكن ما باليد حيلة فالمهم أني استغفر الله تعالى ولا اتحمل ذنب هؤلاء. وطالما اتبع جدول المرأة المسلمة في رمضان من اذكار وصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،، فأنا بخير إن شاءالله.. وما هي إلا ساعات نقضيها للترويح عن أنفسنا والتسلية مع الأسرة وللراحة من عناء الصيام والطبخ ومد الموائد الشهية ،، والعناية بأطفالي طوال اليوم ،، وبعد الراحة ومشاهدة التلفاز عادة ما اقوم بزيارات كثيرة للأهل والأحباب وذلك صلة للرحم في هذا لشهر المبارك. وهكذا كما في الايام العادية، تتكرر هذه الأنشطة في أيام الصيام وبدون تغيير يُذكر.

وأخيرا ، نسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة والعتق من النيران.

--------------------------------

لكن ،،

ما هو الخطأ في حياة هذه المرأة المسلمة ؟

ما قدمناه لكن أخواتي هو نموذج ليوم في حياة المرأة المسلمة إن كان في شهر رمضان المبارك أو كان في الشهور العادية. وهو نموذج خاص بها إن كانت تعمل أو تدرس أو كانت أم وربة منزل ، فهذا النموذج هو الطاغي على الشريحة النسائية مع إختلافات بسيطة. ولأن هذا الموضوع خاص برمضان فكرت أن نتحدث اليوم عن ما يفتقده النساء المسلمات في حياتهم. فهذا السيناريو يتكرر كل يوم وكل شهر بل وكل عام ،فيجعل الحياة رتيبة ومملة ومتكررة.
ففي المقابل تشتكي الكثير من النساء المسلمات من الملل والرتابة ومن الفراغ القاتل. فالفراغ فراغ فكري ومعنوي ، فتشعر المرأة المسلمة انه ينقصها الكثير ولا تدري لماذا تشعر بهذا النقص. واصبحت هذه ظاهرة مجتمعية تتفاقم مع قدوم رمضان المبارك حيث تتزود المرأة المسلمة بالجداول والإرشادات والفتاوي لمواجهة هذا الشهر بما فيه من أعباء مادية ومعنوية. فإذا ادخلت في خاصية البحث في الإنترنت جملة المرأة المسلمة في رمضان هذا ما تجدين :

جدول المرأة المسلمة في رمضان.

توصيات وتوجيهات إلى المرأة المسلمة في رمضان.

عبادة المرأة المسلمة في رمضان.

مختارات رمضانية – المرأة في رمضان.

رمضانيات نسائية.

موسوعة فتاوي المرأة المسلمة في رمضان.

وكل ما فيها خاص بالعبادات فقط.

فهل تنال المرأة المسلمة كل ما تحتاج إليه من معلومات لتساعدها في تحديد نمط حياتها ؟

وكيف تتعامل المرأة المسلمة مع هذه المعلومات ؟

وهل لهذه المرأة المسلمة أي خيار فيما تتلقى من معلومات ؟

وهل مصادر هذه المعلومات ثقة ؟

لا شك أنه في أيامنا هذه تمثل وسائل الإعلام بكافة أنواعها مؤثر قوي على النمط الذي تعيش به المرأة المسلمة عامة حياتها. فللمرأة دور وقالب محدد تنحصر فيه ، على الأقل عندما نتابع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة تصل إلينا هذه الرسالة بوضوح. فالمرأة المسلمة مقيدة بقالب معين لا تحيد عنه. فهي إما المرأة التي يهمها الطبخ والغسيل ونظافة بيتها وإما هي المتحررة العصرية التي تُقلد اسلوب حياة الغرب الكافر، لتصبح إمرأة عصرية. وبين هذا وذاك القالب تحتار المرأة التي تتأثر رغما عنها بهذا الرأي العام الذي أوجده الإعلام عنها.

ويرسل الإعلام رسالة أخرى قوية هنا ، وهي أن المرأة المسلمة تكتفي في حياتها بالعبادات من صلاة وتلاوة وصدقة وذِكر.

فهل هذا ما طلبه الشرع الحنيف من المرأة المسلمة ، أم إنه الإعلام يًفرض عليها هذا الاسلوب من الحياة ؟

فمن تقرأ سيرة الصحابيات رضوان الله عليهم ومواقفهن العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشعر بأنها فقدت حياة عزيزة لا وجود لها اليوم .. ومن تقرأ تاريخ المرأة المسلمة في ظل الدولة الإسلامية ومواقفها العظيمة وقتذاك، لا بد أن تشعر بفجوة كبيرة بين حياة المرأة المسلمة اليوم وبين حياتها أيام عز المسلمين ومجدهم. فلا بد للمرأة المسلمة اليوم أن تواجه نفسها وأن تكسر قيود هذه الرتابة والملل وأن تعود عظيمة وعزيزة كما كانت وكما أراد الله تعالى لها. فهذا الفارق وهذه الفجوة بسبب غياب الإسلام النقي عن حياة هذه المرأة المسلمة.. فالإسلام ليس فقط مجرد عبادات ،، الإسلام مبدأ له عقيدة ونظام ، وهو نمط حياة متكامل لا يحتاج إلى الإقتباس من مباديء الحياة الأخرى ابدا. فالإسلام النقي اليوم مغيب عن حياة هذه المرأة المسلمة التي ضُلِلت بما رسمه لها الإعلاميون ممن يقلدون الغرب الكافر وممن ينفذون أجندة علمانية موجهة خصيصا للنيل من الأفكار والمفاهيم الإسلامية عند المرأة. فالإسلام دين سياسي وهذا ما يجعله دين حيّ ، متحرك وحيوي وهذا ما يجعله يرعى شؤون الناس ويلبي إحتياجات جميع البشر ، رجل أو إمرأة ، كونه من رب البشر جل وعلا.

فهذه الرتابة في حياة المرأة المسلمة تأتي من محاولة الاعلام في جعل تفكيرها تفكير سطحي ومحدود ومتأثر بأجندات الإعلام العلمانية ، والمشكلة أن للإعلام تأثير أقوى وهو أنه يعمل على تخدير العقول فستجد المرأة المسلمة لا تستوعب أن هذا يحدث لها اصلا ، وترى أن حياتها عادية ، بينما هي ضحية مؤامرة مبرمجة ومخطط لها..

ولذلك ادعوك أختنا ان تبحثي بعين وقلب الباحثة المخلصة لله تعالى . وأن تبتعدي من كل هذه القيود الفكرية المضللة التي تفرضها عليك وسائل الإعلام. وانظري إلى الأمة الإسلامية وأحوالها اليوم واعرفي دورك كإمرأة مسلمة سياسية متفاعلة مع قضايا أمتك ،، وأعطي الإسلام عالميته التي يستحق ولا تحصريه في العبادات الفردية فقط.

فرمضانُ قد أتانا ونحنُ بلا دولة تجمعُ شملنا وتلم شعثنا.

و رمضان قد أتانا ونحنُ بلا إمام يوحِّد صومنا نقاتل من ورائه ونتقي به.

و رمضانُ قد أتانا وشرعُ ربنا مُغيّب عن الوجود وعن التطبيق.

فما هو الدور الذي يجب علينا أن نتخذه حيال كلِّ ذلك ؟!

فهذه معلومات لن نجدها في الإعلام وعلينا مواجهة انفسنا بها والرجوع إلى الإسلام الصحيح وإستقاء معلوماتنا من المصادر الصحيحة ، وعندها فقط سنرى كيف تتغير حياتنا وأهدافنا.

بقلم : أم حنين

الاثنين، 2 أغسطس 2010

الاختلاف في بدء يومي الصوم والعيد ... لماذا؟



بسم الله الرحمن الرحيم

جعل الله الأمة الإسلامية أمة واحدة: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، وشرع لها أحكاماً عدة تحفظ وحدتها وتصونها، وتحول دون تمزقها وتبعثرها، فكان أن أناط أمرها لرجل واحد، تلتفت بشعوبها وقبائلها وأفرادها حوله، ولا تخرج عن أمره كائناً ما تكون الظروف، ما التزم شرع الله، ودأب على تطبيقه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، وقال : «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».

فيا حبذا أن نقوم نحن جميع المسلمين في بقاع العالم أن نظهر مظهر الأمة الواحدة بتوحيد بدء شهر الصيام من كل عام، كما وأننا رجل واحد، وتوحيد بدء العيد بيوم واحد لا يتخلف عنا متخلف، فهذا الأمر ليس مجرد حرص أملته رغبة غيارى مندفعين أو مخلصين.

وإنما هو حكم شرعي، أمر الله الأمة امتثاله صوناً لوحدتها، حيث عادت أو تكاد شعوباً وقبائل منقسمة على ذاتها. والحكم الشرعي هذا، يقضي بأن يبدأ المسلمون جميعهم الصوم، قال : «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، «لا تصوموا حتى تروا الهلال»، فكلمة (صوموا)، الواردة في الحديث الشريف عامة تشمل جميع المسلمين، في جميع بقاع الأرض، وكلمة الرؤية جاءت بلفظ عام كذلك (لرؤيته)، (إذا رأيتم)، (حتى تروا)، وهذا يجعلها تشمل كل رؤية، وليست خاصة برؤية الشخص نفسه، ولا برؤية أهل بلده.

وعليه فإن الخطاب الذي يأمر المسلمين بالصوم، وبالفطر عام، ومتعلق الخطاب وهو الرؤية هو عام أيضاً، فلا شك أن الحكم يكون حينئذ عاماً، فليزم الأمر بالصوم والفطر جميع المسلمين في جميع أنحاء العالم عند رؤية الهلال. فلو رأي أهل أقصى بلاد الشرق الهلال لزمت لرؤيتهم هذه أهل أقصى بلاد الغرب، ورؤية هؤلاء رؤية لأولئك وتلزمهم، فيبدأوا صومهم سوية ويبدأوا العيد معاً، كأهل البلد الواحد سواء بسواء.

هذا هو حكم الله حسب دلالة النصوص الشرعية، وقد كان المسلمون على عهد رسول الله يصومون ويفطرون جميعاً في يوم واحد، رغم اختلاف مناطقهم، وأماكن وجودهم قربت أم بعدت، وهذا أيضاً يشكل دليلاً شرعياً آخر، يؤكد ما ذهبنا إليه من أن رؤية الهلال، توجب على جميع المسلمين أن يصوموا معاً، وأن يفطروا معاً بيوم واحد.

أما ما ذهب إليه القائلون باختلاف بدءِ الصوم وباختلاف بدءِ يوم العيد، فيتلخص في أمرين اثنين، أحدهما: أنهم يقولون أن لكل بلد رؤيته التي لا تلزم غيرهم، فأهل كل بلد مخاطب بما عنده كما في أوقات الصلاة ومن هنا قالوا باختلاف المطالع. ونقول بأن اختلاف أوقات الصلاة بين الأقطار، مقيد بدخول أوقاتها، وهذه متفاوتة في الحصول من بلد إلى آخر، فضلاً عن تفاوتها في البلد الواحد، وهذا أمر لا بدّ منه لأن العلامات التي حددها الشارع، تتفاوت في الحصول، ولكون حركة الشمس وصيرورتها في كبد السماء في بلد ما، وهي وقت دخول صلاة الظهر فيه، لا يمكن أن تلقي ظلالها على بقعة أخرى من الأرض، تكون للشمس، كما لذلك البلد منها في الوقت نفسه، وبعبارة أخرى لا يمكن للشمس أن تكون في وسط السماء بالنسية لنقطتين متباعدتين على الأرض في ذات الوقت، فيكون التفاوت في العلامات الدالة على دخول أوقات الصلاة أمراً حتمياً بين بلد وآخر. وبالنسبة للصوم فإن هذا التفاوت حاصل عند الإمساك قبيل الفجر وعند الافطار بعيد الغروب، لأن النص الشرعي جاء يدل على هذا التفاوت. : ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل﴾. فالإمساك والإفطار تتفاوت أوقاتهما من بلد لآخر كما تتفاوت أوقات الصلاة فيه، ولكن هذا التفاوت يحصل ضمن اليوم الواحد، وبدء الصوم لا بدّ أن يكون في يوم واحد، والتفاوت يحصل في أجزاء هذا اليوم، هذا ما دلت عليه نصوص الأحاديث، وهذا ما يثبته مناط الحكم، فالتفاوت في مطالع الهلال بين أبعد نقطتين على سطح الكرة الأرضية لا يزيد عن اثنتي عشرة ساعة. وعليه فإن جميع أهل الأرض بإمكانهم رؤية الهلال في خلال اثنتي عشرة ساعة هذه، لولا حيلولة العوامل الطبيعية من غمام ونحوه دون ذلك، أي أن تحديد بدء الصوم يثبت لأهل الأرض كافة في أجزاء من اليوم الواحد، فيلزمهم حينئذ أن يبدوأ صيامهم جميعاً، وهذا ينطبق على تحديد بدء العيد.

إلاّ أن المجتهدين الأوائل معذورون في عدم فهمهم للمناط، إذ لم يكونوا يدركون حركة الأرض والشمس والهلال، أما الآن وقد وضحت لدينا حركتهم، وفهمنا مناط الحكم لم يعد هناك مبرراً لمن يقول باختلاف المطالع يوماً كاملاً فضلاً عمن يقول باختلافها عدة أيام.

أما ثانيهما، فهو ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من عدم التزامه رؤية اهل الشام للهلال، وقوله: "هكذا أمرنا رسول الله " في ذلك، فيتخذ من يقول باختلاف بدء يوم الصوم وباختلاف بدء يوم العيد هذا الحديث حجة لقولهم هذا، ووجه استدلالهم هو أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام، ودلالة حديث ابن عباس هو أنه حفظ عن رسول الله أن لا يلزم أهل بلد العمل برؤية بلد آخر، فيكون الحديث مخصصاً لحديث الرؤية ومبيناً له، والجواب على ذلك أن الحديث لابن عباس وليس لرسول الله ، فهو اجتهاد له كصحابي، واجتهاد الصحابي ليس دليلاً شرعياً، فليس بحجة ولا يلزم إلاّ صاحبه ومن يقلده، وفوق ذلك، فإن اجتهاد الصحابي لا يجوز أن يخصص الحديث، وعليه وبعد هذا التبيان لواقع حكم توحيد بدء الصوم بيوم واحد وتوحيد يوم العيد بيوم واحد، لم يعد من مسوّغ للزوم الفهم السابق الذي يقضي باختلاف مطالع الهلال.

أيها المسلمون هذا بيان لكم، ولتعلموا أن بامتثالكم أمر الله وباتباعكم شرعه، وحرصكم على تعظيم شعائر الله بإظهار هذا الجانب من وحدتكم المتمثل بتوحيد يوم الصوم وتوحيد يوم العيد، تكونوا قد سرتم على الطريق السويّ الذي اخططه لكم رسول الله ، ولتنظروا حولكم ولتروا فتدركوا، أن امتكم الإسلامية لا يمكن أن يستقيم لها أمر، أو يعظم لها شأن، ما لم يكن لها إمام تجتمعون حوله، ويكون له أمر كل صغيرة وكبيرة، وخاصة الأمور التي يختلف حولها، ويلزمها من يبت بها، وينفذ منها ما يرسّخ حقيقة وحدة الأمة. وخير دليل نسوقة للدلالة على صحة هذه الحقيقة، هو اجتماع كافة المسلمين في سائر أنحاء الأرض على اعتبار يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى عيداً لهم لا يشذ عنهم أحد، علماً بأن التوافق في تحديد يوم العيد أي يوم العاشر من ذي الحجة مرهون ومرتبط بالتوافق في تحديد أول أيام هذا الشهر - ذي الحجة - وهذا يلزم بالضرورة توافق عامة المسلمين والعمل برؤية واحدة، فكيف يلزم المسلمون أنفسهم العمل برؤية واحدة ويجتمعون عليها في تحديد بدء شهر، ولا يلزمون أنفسهم ويختلفون في تحديد بدء شهر آخر، وعلى ذلك فإننا نعزو أمر الاختلاف والتشرذم بين أمتنا الواحدة ونقرنه باختلاف الحكم والسلطان، كما ونؤمن أن أمر توافقها ووحدتها مرهون بوحدة الحكم والسلطان، فإلى هذا الأمر العظيم ندعوكم، فهل من مستجيب.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

أحمد عبد الرحيم ـ بيروت

المصدر: مجلة الوعي

وحدتنا واجب شرعي علينا: بها نرفع مظلمة التجزئة عن أمتنا

وحدتنا واجب شرعي

بسم الله الرحمن الرحيم

الوحدة هي أن يصبح المتفرقون كواحد، رأياً، أو قولاً، أو عملاً، أو جميعها معاً، وهي تنشأ فطرياً بدافع إنساني لطبيعة تكوين الإنسان، والتي تقوم على النقص والاحتياج إلى الغير؛ وعليه ترتفع وتقضى حاجته ويسد نقصه كفرد بالتحامه مع ثان، ومع ثالث يكون أقدر، وهكذا يصبح الجميع على رأي رجلٍ واحد، فيصبحون سنداً وسداً منيعاً، قادرين على قضاء حوائجهم والقيام بمهامهم التي كانوا لا يقوون عليها متفرقين.

فالوحدة قوة بديهياً، وهي صنو الرابطة أيُ رابطة، وهي لازمةٌ لها لزوم الروح للحياة، فلا حياة بدون روح، ولا وحدة بدون رابطة، فوحدة العائلة تقوم على الرابطة العائلية، وكذلك الوطنية، والقومية، والعقائدية المبدئية؛ وعليه فان مسعى الإنسان للوحدة فطري. وهي إما أن تظل على الأساس الفطري، أو تنشأ على أساس عقائدي. فالرابطة الوطنية تنشأ عنها الوحدة على أساس وطني، وأقل منها الرابطة الأسرية التي تنشأ عنها الوحدة العائلية، وهي لحمتها ترتفع بها لإنجاز حاجاتها، وهي تصرف الطامعين والمغرضين ما بقيت. وكذلك الوحدة على أساس قومي، إلا أن الوحدة على هذه الأسس منشؤها عاطفي فحسب، فهي سهلة التعرض للزوال وللقضاء عليها بزوال الأمر العاطفي، وبعبارة أخرى فان الوحدة على هذه الأسس تفقد زخمها بسهولة المساومة عليها.

فيمكن لابن العائلة، ومن السهل على الوطني والقومي، أن يغرر بهم، وأن يصرفوا عن الوحدة، لمجرد تهديد يراه أحدهم أعظم من المخاطر التي يدفعها عن العائلة أو الوطن أو القوم في ظل الوحدة، أو إغراء يراه أعظم مما يسعى لتحقيقه بوحدته مع عائلته أو قومه أو وطنه؛ وعليه فان الوحدة على الأسس العاطفية عرضة للمنازعات والاختلافات والمساومات، ما يظهر أن الوحدة على أساسها إنما هي أوهن من بيت عنكبوت، والأمثلة على ذلك كثيرة ظاهرة في النزاعات العائلية التي أدت إلى تشتت الكثير من العائلات إلى الكثير من العمالات، كمصير الكثير من القوميين والوطنيين، ما أدى إلى الكثير من الإخفاقات، والانحرافات، وهدر الطاقات والأوقات والجهود المخلصة، ما يظهر بجلاء أنها وحدة مهلهلة وضعيفة لا تصمد أمام النزاعات الداخلية ولا المؤامرات الخارجية؛ لأن أي عمل يقوم على أساس عاطفي خال من الأساس العقائدي فانه سرعان ما يعالج أو يتلاعب به، فيتغير من المظهر الحالي إلى مظهر آخر، ما يؤدي إلى زوال آثار المظاهر دائماً وتغيرها من حال إلى حال، وهذا يبرهن على خطر الوحدة على أساس عاطفي صرف، يخلو من الأساس العقائدي المتين، المنقذ من الانحطاط، بل والمحقق للنهضة، وهذا ما ثبت تاريخياً في النهضة العظيمة التي وحدت العرب والعجم على أساس (لا اله إلا الله محمد رسول الله) فكانوا قوة رادعةً يعيشون رخاءً، وأمناً، وعزة، وأنفة، ووحدة على هذا الأساس المبدئي الرائع الذي يوحد الإنسان بالإنسان.
ومن جهة أخرى فان الوحدة الأممية العقائدية لا تتأثر بالمثيرات والمساومات؛ لأن منبعها فطري عقائدي، وهي تجمع العالم على طمأنينة القلب وقناعة العقل، فمنبعها الإيمان القلبي المبني عل الدليل العقلي، فهي متينة مبنية على أساس راسخ لا يتطرق إليه أي ارتياب، أساسٌ يسعى لجلب المصالح وتحقيق عظائم الأمور، ويدفع بقوته أعظم المفاسد والمهالك.

وبالتالي فإن الوحدة على هذا الأساس لا تخضع للمساومة على المصالح، أو درء مفاسد، فهي تحقق أعظم المصالح، وهذا الأساس - أي المبدأ الصحيح - يقود إلى النصر والتمكين في الدنيا، وإلى جنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة، ويدفع أعظم المفاسد والمهالك في الدنيا والآخرة، وهذا أمر جليٌ ظاهر الوضوح، ولا أدلَ على ذلك من الأثر التاريخي الذي أحدثه، فان الوحدة على أساس مبدأ الإسلام قد ضربت أروع الأمثلة في الوحدة الإنسانية واستمرارها طيلة أربعة عشر قرناً، جمعت بين الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، القوي والضعيف، وبين البلاد الفقيرة والغنية، في أروع نموذج وحدودي في التاريخ، تفخر به على الدنيا بأسرها، عاش العالم فيها ازدهاراً فكرياً واقتصادياً وعلمياً لم يشهد التاريخ مثالاً له، فيها كوفئ الناس بدمائهم وأموالهم، وسعى بذمتهم أدناهم، وكانوا يداً على من عاداهم، وكانوا على قلب رجل واحد.

لقد امتدت هذه الوحدة وتعاظمت حتى وصلت الصين شرقاً، إلى قلب أوروبا غرباً، فقويت هيبةً، وارتفعت شكيمةً، حتى هابتها الأمم، فكانت تابعةً، أو مصالحةً، أو محالفة. ومما يلفت النظر أن أطراف هذه الوحدة سحقت التتار في عين جالوت، ودخل قسم منهم الإسلام، وهذا الطرف نفسه سحق الصليبيين في حطين، مما يشير بوضوح تام، بدلالة قطعية أكيدة، أن النموذج الوحدوي، على أساس مبدأ الإسلام، هو المخرج المخلص للبشرية الذي تصل به إلى السعادة في الدنيا والآخرة. إن مما لا شك فيه أن جميع البشر على الإطلاق يجمعون على مظهر الوحدة، وأنها حق إنساني، بها التعاون، والقوة، والإنتاج، والأمن، والسعادة. وبالمقابل فإن التفرقة والتجزئة توجد الاختلاف، والتشرذم، والضعف، والانحطاط، والشقاء، وكلها شذوذ وخلافٌ للطبع البشري. كما أن العمل على التجزئة والدعوة لها إن كانت من الداخل فهي خيانةٌ وندامة، وإن كانت من الخارج فهي ظلم، وشذوذ مستقذر، ومستحقر إنساني. وأعظم مثال تاريخي مشهود هو الشر المستطير، والظلم العظيم، الذي تعرضت له الأمة الإسلامية في وحدتها جرّاء التجزئة التي تعرضت لها، بداية من اتفاقية سايكس - بيكو التي تقوم على تجزئة البلاد والعالم الإسلامي إلى دول فتات هزيلة لا تلوي على شيء، حيث كان مقياس التجزئة يقوم على درجة الضعف التي لا تستطيع أي دولة منها أن تذود عن حماها، أو تحقق مجداً، ولا حتى أن ترد يد لامس، وانتهاءًً بالمحاولات المستمرة التي يسعى من خلالها أعداء الأمة لإبقائها متفرقة، متناثرة، متناحرة. والأنكى والأحقر من ذلك هو أن أي محاولة للدعوة إلى أي وحدة، ولو بين قطرين، تجابهها وتقهرها الدول الماكرة الكافرة، سيما وأنها عندما أوجدت وصنعت هذه الدول، صنعت معها ولها رأياً عاماً يقوم على حقها بالسيادة على حدودها، وأن أي تدخل في وضع هذه الحدود هو انتقاص من سيادتها، واعتداء على كرامتها، في مسعى خبيث منها لحرف الحقائق بل لقلبها وتزييفها؛ وعليه فإن أي مسعى للوحدة، وخصوصاً على أساس عقدي مبدئي، إنما هو اعتداء على حق الغير، وانتقاض له في حقه في التجزئة، والتشرذم، والتقزم، والتفرق!!! نعم هذا هو ديدنهم المفضوح في حرف الحقائق استخفافاً بحقوق وعقول الشعوب والأمم الأخرى. نعم إن هذا التزييف للرأي العام لهو حرف لأكبر الحقائق في التاريخ يبتغون منه إصابة المسلمين في مقتل، لا يبقى لهم معه مسحة إسلام، أو قوة، أو نهضة، ذلك أنهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فكيف بالمؤمنين وهم أمة واحدة موحدة على مليار ونصف مليار، عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، على أساس عقيدة الإسلام المبدأ الصحيح الذي يهدد التفرد الدولي الكافر، ويقضي على الظلم الواقع ضد الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها. نعم لكل هذا أو ذاك فإن الغرب الكافر سعى ولا زال لقلب الحقائق رأساً على عقب، يوجه عبيده وشياطينه من الإنس، وأبواقهم - الجيش الجرار - من مفكرين، وإعلاميين، ووسائل إعلام؛ ليزخرفوا القول غروراً، فيظهروا الحق باطلاً، والباطل حقاً.

فأصبح مطلب الوحدة التي سلبت بالحيلة والغدر، الوحدة والأنفة التي كانت الأمة بأعلاها وأدناها، عرباً، وعجماً، وذميين - يهود ونصارى ومجوس - يفتخرون بها على الدنيا - الدولة والوحدة وأمنها - يحسب لها العالم ألف حساب. بهذا التغيير للحقائق أصبحت هذه الوحدة الحقيقة المزيفة الجائرة، تقول بأنها اعتداء على حقوق الغير، وخروج عن الفطرة السليمة، وخروج عن الإرادة الدولية وأعرافها. وبالمقابل فإن الحدود التي مزقت الأمة، واغتالتها على عين ماكرة بصيرة، أصبحت بسببها لا تلوي على شيء، نهباً لكل طامع، لهي الحق المبين والصراط المستقيم، بل هي الحق والحقيقة والنور الساطع -قاتلهم الله أنى يؤفكون - نعم إن ثمرة هذا التزييف للحقائق أن تذبح خير أمة، أمة المليار ونصف، أمة الشرف والعزة والسؤدد، تذبح ذبح النعاج، عز عليها وأذلها القاصر، وطغا وتجبر عليها الكافر، وأصبحت نهباً لكل طامع. وعليه فإن أي محاولة للوحدة تستحق أن تضرب محلياً، وإقليمياً، ودولياً، وتجيّش لها الجيوش، ويحشد ضدها رأي عام مهيب؛ لأن في ذلك اعتداء على حقوق الغير وسيادته، فالتفرقة والتشرذم حق إنساني مكفول، ومحمي، ومحترم دولياً، فهل تسلم أمة الإسلام بقدرها، وتسقي أبناءها وأحفادها حليب التشرذم، وذله، وعاره، وشناره، وصغاره؟!

إن الحقيقة القطعية الأكيدة والإنسانية أن الوحدة منبعها فطري، وقوتها، واستقامتها، وسعادتها، واستمرارها، لا يكون إلا على أساس عقدي، وعقلي، وروحي، وهي بالنسبة لأمة الإسلام أعمق من أن تقتلع، وأعظم من أن تجابه، وأعلى من أن ينالها عدو الأمة. إن قررت الأمة قرارها في وحدتها فهي شأنها وقضيتها ومصيرها، إن أرادت زمجرت واندفعت من غير أن ترى أحداً أمامها؛ لتخر لها الجبابرة ساجدين صاغرين، تزيلهم كأضعف من بيوت العنكبوت؛ لأن الوحدة عريقة في تراثها التاريخي والتشريعي والعقائدي، عدا أنها حقها الشرعي الإنساني، علاوة على أن الوحدة عليها إجماع إنساني، من الصين وملياره في أقصى الشرق، ومروراً بأوروبا ووحدتها الاقتصادية... واحتفالات وحدة برلين، وانتهاء بالولايات المتحدة الأميركية على اختلاف أشكالها الاتحادية والوحدوية. وبالمقابل فان أي مسعىً للتجزئة والتفرقة، على أي شكل أو نحو، فيه ذهاب لريح الوحدة، وخروج وشذوذ عن الفطرة الإنسانية، فأي قوم لا يقبلون، ولن يستسيغوا من أي أحد أن يهدد وحدتهم، وأن يفرق صفهم؟! إن الوضع الطبيعي والإنساني أن لا تقبل التجزئة في الأعراف الدولية، لما تخلق من ضياع، ودمار، وذل، وعار، وشنار، فهي مأساة وكارثة إنسانية تهدد بقاء الأمم والشعوب، وخصوصاً الأمم المبدئية صاحبة الرسالة. وهذا الوضع لا يحصل إلا بالتآمر وتزييف الحقائق حسداً وغيظاً، وهذه آية الشذوذ العقلي والإنساني ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ﴾ [البقرة 109].

إن ما أوجبه رب العالمين كان واضحاً في صدر هذه الآية حيث قال: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء] بأن أوجب على أمة الإسلام أن تقوم، وتكون، وتبقى، أمةً واحدةً في كيانها، واقتصادها، وبلادها، وسياستها، وحكمها. تكون أمة واحدة، في دولة واحدة، تحت راية واحدة، يحكمها خليفة واحد، لعبادة رب واحد لا شريك له، نعم بدون حدود أو سدود توحدها قاعدة وشعار ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات 10] وهذه وصية الرسول وأولى قواعد بناء الدولة الإسلامية العريقة، التي وضع أول لبنة فيها في أول ميثاق: «وأن المسلمين أمة من دون الناس» فسلم المسلمين واحدة، وحربهم واحدة، تتكافأ دماؤهم وأموالهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من عادهم، قد ملأ صدورهم وعقولهم ما جعلهم يرددون ويطبقون ما قاله وأوجبه نبيهم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى السهر» وقوله : «المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً».

نعم إن تراث أمتنا ومجدها ينبع من أعماق أعماقها، وهذا واجب من أوجب واجباتها، بل وقضية مصيرية تموت من أجلها. وهي من أهم أسس علاقتها وأعرافها. فالوحدة بالنسبة لنا لهي أعمق وأعرق من أن تقتلع، وأوضح من أن تحرف، وأعلى من أن تنال أو تهان، هذا هو الأصل، فابن طنجة هو أخ لابن جاكارتا، وستبدي الأيام عن قريب، إن شاء الله، لأولي الألباب، ولغير أولى الألباب، وبالدليل القطعي والتاريخي، كيف أن ابن طنجة كان يسعى للوحدة والخلافة مع ابن جاكارتا من أقصى بلاد المسلمين إلى أقصاها، ومن أبعدها إلى أبعدها، بجهود كريمة مخلصة أمينة، عن إيمان ويقين أن الوحدة أملهم ومصيرهم الحتمي، شاء شذاذ العالم وأقزامه المعتدون أو أبوا، وهذا هو أمل وعمل جميع المسلمين في كافة أصقاع العالم الإسلامي. نعم إن أمة الإسلام وهي تردد قول رسولها الكريم : «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» تدرك أنها مأمورة بقتله، وإن كان خليفة، غير آبهةٍ بمن يريد أن ينال من وحدتها، سر قوتها وعزها ومجدها، وهي تقرأ بملء فيها قوله عليه الصلاة والسلام: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاضربوا عنقه كائناً من كان».

إن هذه الحقيقة الكبيرة التي ملأت الدنيا، وهذه المعاني العظيمة تقع في عقل الأمة وأعماقها موقعاً ومرتقاً صعباً، ستحاسب وتعاقب على أساسه كلَ من ساهم ويساهم في أي قول أو فعل أدى إلى التآمر على وحدتها، أو أي قول أو فعل يحول بينها وبين وحدتها.

إن ما نقوله لشعوب وعقلاء العالم قاطبة إن وحدتنا التي نسعى إليها، إنما هي لننقذ العالم من جور الرأسمالية وويلاتها، لتعيش عدل الإسلام ونعيمه، لتخرج الناس من ضيق الدنيا، وتسلط واحتكار الرأسماليين، إلى سعة الدنيا والآخرة، وإن ما يصدق قولنا إنما هو فعلنا، فهاكم تاريخنا العريق، يشهد له كل من انضوى تحت وحدتنا التي أدت كل حقوق الرعوية، وعلى أساس أن كل من يحمل تابعيتنا يصان دمه وعرضه وماله، ونذود عن حرماته كائناً من كان، قائدنا وقدوتنا رسولنا القائل: «من آذى ذمياً فقد آذاني» تاريخنا لهو خير حكم علينا، وكيف وأننا إنما كان سعينا بالإنسانية سعياً لرفعتها من أدنى دركات الحيوان إلى أعلى درجات الإنسانية، وكيف وأننا كنا منارة الدنيا، علماً، وتقدماً، ورفاهاً، واستقراراً.

لقد قتلونا ألف مرة يوم تدخلوا بشؤوننا وقتلوا وحدتنا؟ يوم وضعوا ونفذوا سايكس-بيكو وغيرها، ولا زالت جيوشهم تذيقنا من قتل وتدمير، يذبحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ألا يعلمون أن ذاكرتنا امتلأت، وأن قلوبنا قد فاضت وتفطرت غيظاً، ولن يشفينا إلا أن نندفع ونزمجر بقرار وحدتنا لتحرير العالم من الظلم أجمع .

سعيد الأسعد - بيت المقدس