الاثنين، 3 أغسطس 2009

صلاحية الإسلام لكل زمان و مكان (2)



العقيدة الإسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
تقوم العقيدة الإسلامية على الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، وهو ما عبّرت عنه الشهادة التي هي أول ركن من أركان الإسلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وفي هذه العقيدة من الخصائص ما يجعلها مطلقة غير خاضعة لمعايير الزمان والمكان. والخصائص التي تجعل من هذه العقيدة غير محددة بالزمان والمكان هي:

1. موافقة الفطرة

التديّن بمعنى الإيمان بالخالق المدبّر غريزة في الإنسان. فشعور الإنسان بالعجز والنقصان والمحدودية يولّد لديه الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبّر، لذلك فإن ميل الإنسان إلى التديّن جزء من تكوينه لا يستطيع دفعه وإنكاره.

والناظر في واقع البشر يجد أنّ التدين ظاهرة عرفتها كلّ الجماعات بغض النظر عن لونها وعرقها ولغتها، وبغض النظر أيضا عن طبيعة تدينها؛ فمنها من عبد الشمس، ومنها من عبد البقر، ومنها من عبد الأصنام، ومنها من عبد الإنسان. وعليه، فإنّ إقرار العقيدة الإسلامية بوجود الإله الخالق المدبّر يوافق فطرة الإنسان. قال الله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}.

وقد يقال هنا: إذا كان المراد بالفطرة هنا الإقرار بالحاجة إلى الخالق المدبّر، فإن النصرانية مثلا تقرّ بذلك، ثمّ إن جعل موافقة الفطرة خاصية العقيدة الإسلامية يعني تفردها بذلك وتميّزها، فالأصل إذن عدم مشاركة الغير فيها؟ وهو عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" (رواه الشيخان عن أبي هريرة).

والجواب على هذا من وجهين:

الوجه الأوّل، أنّ أصل الدّين من حيث هو توحيد الإله وإفراده بالعبودية واحد عند كل الأديان السماوية، فلا فرق في هذا الأصل بين الأديان. والإسلام كدين يوافق الأديان الأخرى في هذا الأصل، أي فيه الخاصية التي هي في بقية الأديان الأخرى. وبعبارة أخرى، فإنّ خاصية موافقة الفطرة أي الإيمان بالخالق المدبّر هي خاصية الأديان الربانية كلّها ومنها الإسلام.

الوجه الثاني، أنّ الأديان طرأ عليها التحريف من قبل أتباعها، لذلك فقد شوّهت الفطرة ولم تعدّ بواقعها الحالي معبّرة عن الفطرة السليمة التي لم تشبها شائبة التحريف بالزيادة والنقصان. وقول النبي صلى الله عليه وسلم يفيد هذا المعنى أي أن الإسلام هو الدّين الذي يوافق الفطرة السليمة التي لم يطرأ عليها التحريف والتشويه. ومثال ذلك فإن النصرانية وإن أقرت بوجود الخالق، إلا أنّها جعلت أمر تدبير شؤون المخلوق للمخلوق نفسه، وذلك بأن جعلت النظام الذي يرعى بها الشؤون وتنظم به حياة الإنسان بيد الإنسان من باب: "أعط لقيصر ما لقيصر وأعط لله ما لله". فالنصرانية كما هي عليه الآن موافقة للفطرة من وجه ومخالفة لها من وجه آخر؛ فمن حيث اعترافها بخالق الكون والإنسان والحياة فهي موافقة للفطرة، ولكنها من حيث فصل الدين عن الحياة مخالفة لها؛ لأنّ فطرة التدّين مثلما تظهر في التقديس تظهر في تدبير الإنسان لشؤونه في الحياة. فالإنسان يظهر عليه التفاوت والاختلاف في وضع النظام الذي ينظم شؤونه، وهذا من علامات عجزه وحاجته للخالق المدبّر لأعماله، لذلك كان فصل الدين عن الحياة مخالفا للفطرة، وكان جعل الدّين الذي ارتضاه ربّ العالمين هو المدبّر لأعمال الإنسان موافقا للفطرة، فالإسلام إذن هو الدين الموافق للفطرة السليمة.

2. إقناع العقل

قلنا إن العقيدة الإسلامية تعبّر عنها الشهادة. والشهادة تتضمّن الإيمان بالله والرسول صلى الله عليه وسلم، وبعبارة أخرى فإن مقتضى الشهادة الإيمان بالمرسل وهو الله سبحانه وتعالى، وبالرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وبالرسالة وهي القرآن الكريم بما تضمّنه من عقائد وأحكام.

والإيمان بهذه الركائز العقدية في متناول كل إنسان مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة. ذلك أنّ الأسئلة المصيرية التي يسألها كل إنسان لا ترتبط بالزمان والمكان. فالإنسان من حيث هو إنسان يسعى إلى حلّ لغز وجوده من خلال سؤاله لنفسه أو لغيره: من أين ولماذا وإلى أين؟ من أين أتيت، ولماذا أتيت، وإلى أين المصير؟ فكان جواب العقيدة الإسلامية: من الله، لله، إلى الله. قال تعالى: {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}، وقال: {وهو خلقكم أوّل مرّة وإليه ترجعون}.

"وكلّ من كان له عقل يدرك من مجرّد وجود الأشياء التي يقع عليها حسّه، أنّ لها خالقا خلقها. ذلك أن الأصل في الأشياء المدركة أن تكون ممكنة لذاتها، أو مستحيلة لذاتها، أو واجبة لذاتها. فالممكن لذاته، حكم على شيء يوصف بمقتضى العقل بأنه ممكن وجوده أو عدمه لذاته. وهذا الحكم أي حكم إمكان الوجود يقابله حكم وجوب الوجود واستحالته. من ذلك وقوع حسّ الإنسان على طاولة، يثبت أحكاما عقلية بديهية متعلّقة بوجود الطاولة، إذ هي بالنسبة لذاتها ممكنة الوجود؛ لأنّ وجودها مرتبط بصانعها. وأمّا الصانع بالنسبة للطاولة، فحكمه وجوب الوجود؛ لأنّ وجوده سبب لوجود الطاولة. وهكذا، فإنّ الكون والإنسان والحياة من قبيل الممكن وجوده، ووجودها يدلّ على وجوب وجود من أوجدها. وواجب الوجود هو الخالق، وهو الله سبحانه وتعالى.

وإيمان الإنسان المخلوق بوجود خالق، يقتضي البحث في وجود علاقة للخالق بالمخلوق. ولمّا كان الإنسان عاجزا عن تحديد طبيعة علاقته بالخالق، فإنّ العقل يقتضي أن يتوقف الإنسان عن تحديدها، وأن يترك أمر تحديدها إلى الخالق ذاته. وقد عيّن الخالق سبحانه وتعالى كيفية ربطه لعلاقة بالمخلوق، فبعث الرسل إلى البشرية، ومنهم موسى إلى قومه، وعيسى إلى قومه، ومحمد إلى الناس كافة.

وللتّأكد من صدق رسالة الرّسول ونبوّته، فإنّ العقل يقتضي إقامة البرهان من الرسل على رسالتهم، فتطلب ذلك إظهار المعجزات التي ليس للبشر القدرة على الإتيان بها عادة. فكانت معجزات من موسى، ومن عيسى ومن غيرهما من الأنبياء، إلاّ إنّها معجزات نقلية خبرية لا واقع لها الآن، والمعجزة الوحيدة التي يقع عليها حسّ الإنسان، ولا زال التّحدي قائما بها، هي المعجزة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم من الله وهي القرآن.

والتثبت من المعجزة يكون بطريقتين: بالإدراك المباشر أو الاستدلال. من ذلك لما انقلبت عصا موسى عليه السلام إلى حية تسعى، أدرك السحرة أنّ هذا معجزة وليس بسحر، فوقفوا على المعجزة بأنفسهم، وتيقنوا من صدق موسى. وأمّا غير السحرة، فوقفوا على المعجزة من عجز السحرة على الإتيان بمثلها وتسليمهم لموسى بها، فكان طريق الاستدلال سبيلهم إلى الإيمان. وكذلك الشأن بالنسبة للقرآن، إمّا أن يقف المرء مباشرة على كونه معجزا لا يمكن الإتيان بمثله، أو يستدلّ بعجز العرب جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، على الإتيان بمثله مع تحدّيه لهم.

ثمّ إنّ القرآن إمّا أن يكون من العرب، أو من محمد، أو من الله تعالى. وقد بطل أن يكون من العرب؛ لأنّهم لم ينسبوه إلى أنفسهم، وعجزوا عن الإتيان بمثله مع تحدّيه لهم. وبطل أن يكون من محمد؛ لأنّه عربي فيصدق عليه ما يصدق على العرب كلّهم. ثمّ إنّ محمدا تكلّم بكلام كثير، ومن كلامه ما روي من أحاديث متواترة، ولو كان القرآن من كلامه لأدّعى الإعجاز في كلامه كلّه، لا في بعضه، إذ لا معنى أن يدّعي الإعجاز في جزء مع قدرته عليه في الكلّ. وبما أنّه بطل أن يكون القرآن من العرب، أو من محمد، فيكون قطعا من الله تعالى، ويكون معجزة لمن أتى به".

وعليه، فإنّ الإيمان بالله سبحانه وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم أي الإيمان بالعقيدة الإسلامية ثابت بأدلة تقنع العقل في كل مكان وزمان.

3. شمولية العقيدة
تتصف العقيدة الإسلامية بالشمولية من وجهين:

الوجه الأول، أنها عقيدة موجهة لكل البشر، وليست محصورة في قوم دون سواهم كالعقيدة اليهودية مثلا. قال تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعا}.

والوجه الثاني، أنها عقيدة تتعلّق بشؤون الآخرة كما تتعلّق بشؤون الدنيا، أي عقيدة ترعى شؤون الدنيا والآخرة معا، وهذا بخلاف العقيدة النصرانية مثلا التي ترعى شؤون الآخرة دون شؤون الدنيا. فالعقيدة الإسلامية لا تتضمّن أحكاما أخروية فقط من مثل الجنة والنار ويوم القيامة، بل تتضمّن أيضا أحكاما دنيوية منبثقة عنها تتعلّق بشتى شؤون الحياة مثل الحكم والاقتصاد والسياسة والعقوبات وغبر ذلك. قال الله تعالى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين}، وقال: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون}. وعليه، فإن العقيدة الإسلامية من هذه الجهة أيضا عقيدة صالحة لكل زمان ومكان.

الكاتب: ياسين بن علي
يتبع إن شاء الله تعالى...
18 جمادى الأولى 1429هـ

ليست هناك تعليقات: