الاثنين، 3 أغسطس 2009

صلاحية الإسلام لكل زمان و مكان (1)



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

تمهيد
لم يكن يخطر ببال الصحابة رضوان الله عليهم أنّ أحكام الإسلام خاضعة للزمان والمكان. فلم يرد عنهم أنهم فهموا أنّ ما آتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أو ما نهاهم عنه هو لهم وليس لمن بعدهم.

نعم، هناك من النصوص ما يفهم منها ربط بعض الأحكام بالمكان أو الزمان:


من ذلك ما أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة: "لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا فإن هذا بلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة". فذكر تأبيد التحريم هنا جاء لرفع إشكال حل مكة لساعة من النهار.

ومن ذلك ما أخرج مسلم عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة". فذكر تأبيد التحريم هنا جاء لرفع إشكال الإذن بالاستمتاع لحين.

ومن ذلك أيضا ما روي عن سراقة بن مالك بن جعشم أنه قال في الاعتمار: "يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد" (رواه مسلم). فالسؤال عن الاعتمار هل هو لهذا العام فقط أم للأبد، سببه ما كان سائدا في الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، فجاء الجواب ليرفع هذا الإشكال.



وإذا تجاوزنا بعض الإشكالات التي كانت تحتم النظر في عموم الخطاب أو خصوصه، فإنّ الصحابة رضوان الله عليهم لم يقيّدوا أحكام الإسلام بمكان أو زمان، بل كانوا يأخذون الإسلام كلّه ويدعون إليه باعتباره الدّين الذي ارتضاه رب العالمين سبحانه وتعالى للناس كافة مهما اختلفت أمكنتهم وأزمنتهم، وكان شعارهم: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم". وهكذا تلقى التابعون ومن جاء بعدهم من القرون الخيرة الأولى هذا الدّين عن الصحابة وكلهم يقول: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها".

وأما اليوم، فقد ظهر فينا من يزعم أن الإسلام لا يناسب عصرنا، وأن تغير الزمان والمكان يقتضي تغير القوانين والأحكام؛ فما كان قابلا للتطبيق في زمن النبوة والخلافة الراشدة، أصبح مستحيل التطبيق في زمننا. وهكذا أصبح شعار هذا العصر عند بعض الناس: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بغير ما صلح به أوّلها".

ولا شكّ أنّ هذه الدعوة خطيرة قد ينتج عنها ترك الإسلام كليا أو جزئيا، الأمر الذي يتطلب منا التصدي لها ببيان بطلانها، وإقامة الحجة على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.



جوهر البحث

البحث في صلاحية الشيء يعني البحث في مناسبته وأهليته. وعليه، فالبحث في صلاحية الإسلام يعني البحث في مناسبته من خلال إثبات كونه يلائم الزمان والمكان، ويعني أيضا البحث في أهليته أي في قدرته على أن يلائم الزمان والمكان بما فيه من خصائص ومقومات.

وجوهر بحثنا يقوم على سؤال كثر طرحه في عصرنا هذا، وهو: هل يصلح الإسلام لعصرنا هذا؟

والجواب على هذا السؤال لا يتأتى إلا ببيان حقيقة الإسلام: فما هو الإسلام؟



الإسلام دين، "والدّين – كما قال الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسيره- حقيقته في الأصل الجزاء ثم صار حقيقة عرفية يطلق على مجموع عقائد وأعمال يلقنها رسول من عند الله ويعد العاملين بها بالنعيم والمعرضين عنها بالعقاب". فالدّين إذن يشمل العقائد والأعمال. فأما العقائد فأصلها الذي هو التوحيد واحد عند كل الأديان، قال تعالى: {شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحا}، وقال صلى الله عليه وسلم: "والأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد" (رواه الشيخان عن أبي هريرة) والمراد به أصل التوحيد وأصل طاعة الله تعالى. وأما الأعمال والشرائع الحاكمة لسلوك الناس والأنظمة المنظمة لحياتهم فمختلفة بين الأديان، ودليل ذلك قوله تعالى: {لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}.



وقد كانت الأديان مختصة بقوم دون سواهم، فكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة. قال تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا}، وقال: {وإلى عاد أخاهم هودا}، وقال: {وإلى مدين أخاهم شعيبا}. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة" (رواه البخاري عن جابر). وأما دين الإسلام فقد جعله الله سبحانه وتعالى للناس كافة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم للأحمر والأسود. قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، وقال: {وما أرسلناك إلا كافّة للناس بشيرا ونذيرا}. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" (رواه البخاري عن جابر)، وقال: "أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود..." (رواه مسلم عن جابر). كما جعل الله سبحانه وتعالى الإسلام خاتمة الأديان. قال عز وجلّ: {إنّ الدّين عند الله الإسلام} وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.

ومن هنا نعلم، أن الإسلام لم يرتبط بالمكان والزمان؛ فكونه للناس عامة يعني أنه غير مقيّد بحدّ المكان، وكونه خاتمة الأديان يعني أنه غير مقيّد بحدّ الزّمان.

ولما كان الإسلام غير مقيّد بحدّ المكان والزّمان، كان لا بدّ له أن يحوي في طيّاته من المقوّمات والخصائص ما يمكنّه من تجاوز مفهوم المكان والزّمان. فما هي هذه المقومات والخصائص؟

الكاتب: ياسين بن علي

يتبع إن شاء الله تعالى...

16 جمادى الأولى 1429هـ

ليست هناك تعليقات: