الاثنين، 18 يناير 2010

النهضة صفحة 19-22


مسؤولية الدولة وليست مسؤولية الفرد

وهذه الأبواب الأربعة هي:_

1-إقامة الحدود :من المعروف أن الإنسان ليس ملاكاً، ولا كائناً آلياً، وإنما هو كائن اجتماعي ابتلي بالخير والشر فتنة. وفيه قابلية الافتنان، فقد تزل القدم، أو يطغيه شيطانه، أو شيطانه، فيرتكب مخالفة، أو يحمل إثماً، أو يقصر في فرد، أو يعتدي على غيره، فمن يضرب على يده؟ أو يوقفه عند حده؟ ويجبر كبوته؟ وهل يحق للأب أن يقيم الحد على ابنه الزاني أو السارق؟ لم يقل أحد من المسلمين بذلك. لأنه من المعروف من الدين بالضرورة، أن حفظ الجماعة وفض المنازعات، وحفظ الحقوق، وبيانها، وإلزام الأفراد بالانضباط ليست مسؤولية الفرد، بل مهمة من أنابه المسلمون عنهم، ليتولى هذه الأمور. أي مهمة النظام والقائمين على تنفيذ النظام. فهي فرض على المسلمين ككل. وأناب المسلمون عنهم خليفة يتولى عنهم تنفيذ ما فرض عليهم بوصفهم جماعة. فهو المسؤول عن تنفيذ قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}النور (2) . مع أن المخاطب بها جماعة المسلمين، ومثلها قوله تعالى:{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}المائدة (38) ، وهكذا. وليس لأي فرد الحق بإيقاع العقوبة، أو إقامة حد على أي مخالف إلا إذا كان نائباً عن المسلمين جميعاً، أو كلفه الخليفة بصفته نائباً عن المسلمين جميعاً في ذلك. فهي مسؤولية الخليفة حفظ هذا الجزء من العلاقات العامة وما تقوم عليه الجماعة حيث يقول تعالى:{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}البقرة (179).

2-رعاية شؤون الجماعة بوصفهم جماعة :
من المعروف أن للجماعة_المجتمع_ شؤوناً ومرافق لا بد من إيجادها ورعايتها. وقد فرضها الله على المسلمين بوصفهم جماعة، وجعلها من مسؤولية الراعي للجماعة لا من مسؤولية الفرد، ولا مسؤولية مجموعة من الأفراد، مثل إيجاد المرافق العامة كالطرق، وساحات البلدة والمدارس والمستشفيات ورعاية المصالح، كتأمين المواصلات كالبرق والبريد وتنمية الثروة وتوزيعها، كاستخراج الثروات الطبيعية والمعادن والنفط وغيرها. ورعاية أموال وممتلكات الجماعة، وغير ذلك مما هو من مرافق أو مصالح الجماعة. فهل يجوز للفرد أو يجب عليه مباشرة هذه الأمور، دون أن يكون في مركز المسؤولية. نائباً للمسلمين، أو أوكل إليه نائب المسلمين _ الخليفة_ مثل هذا الأمر؟ وحين استعرضنا مقومات الفرد ، هل كانت معرفة هذه الأمور ومباشرتها جزء من مقوماته ؟ وهل صلاح الفرد واستقامته يؤدي إلى تسيير هذه العلاقات وتأمين هذه المرافق والمصالح ؟ أم إنه لا بد من أجهزة يعينها من أنابه المسلمون عنهم_الخليفة_ تتولى هي رعاية هذه الشؤون وتأمين مرافق المسلمين.

3_حماية أمن المسلمين داخلياً و خارجياً:
هل هي مسؤولية الفرد ليقوم بحفظ الأمن في الداخل ؟ فيتولى دور الشرطة والقضاء، ويلاحق المجرمين والخارجين عن القانون ؟ أم إن هناك جهازاً خاصاً بهذا الأمر؟ فمن المعروف أن أي مجتمع مهما بلغ من السمو والرقي، لا بد وأن يوجد فيه من يخرج على ما اتفق عليه الناس من أعراف صيغت قوانين تنظم حياتهم، أو على احتمال وجود مثل هذا الأمر، فلا بد من وجود جهاز خاص يبعث الأمن و الطمأنينة في نفوس الناس، ليأمنوا على أنفسهم وممتلكاتهم وكرامتهم وحقوقهم. هذا من حيث الأمن الداخلي، وأما الأمن الخارجي وهو ما يسمى بحماية الثغور فإن أي كيان سياسي يقوم على قطعة من الأرض معلومة الحدود، يحيط به كيانات أخرى ومن طبيعة ذلك في حياة الناس والمجتمعات أن تجري منازعات وخصومات، قد تصل إلى حد الحروب و التطاحن. أو كما قيل (من لم يكن ذئباً أكلته الذئاب) فأي مجتمع لا يستطيع بوسيلة أو أخرى حماية حدوده وأمن ثغوره. فاجتياحه من دولة أخرى أو تقسيمه بين جيرانه، أو إخضاعه لسلطان إحداها أمر لا مفر منه. كما هو مشاهد محسوس اليوم أو عبر التاريخ. فهذه طبيعة الناس والمجتمعات. فهل من مقومات الفرد أن يكون هو جيشاً أو قوة تستطيع حماية حدود الكيان السياسي الذي ينتمي إليه؟ إن هذا كذلك لم يرد حين بحث مقومات الفرد وعوامل صلاحه. فالمسؤول عن حفظ الأمن داخلياً، وعن حماية الثغور خارجياً هو من أنابه المسلمون عنهم في القيام بما كلفوا به بوصفهم جماعة، فعليه مسؤولية إعداد جهاز الشرطة لحفظ الأمن في الداخل وعليه نفسه مسؤولية إعداد الجيش والإعداد لملاقاة العدو مع أن المخاطب في ذلك جماعة المسلمين بوصفهم جماعة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}الأنفال (60).

4_حمل الدعوة:
إن كل مجتمع مبدئي، بل كل إنسان يحمل فكرة صدق بها أو مبدءاً آمن به، فإن هذه الفكرة وهذا المبدأ لا يطيق أن يبقى حبيساً في نفس صاحبه، لأن المبدأ نفسه يحمل في ثناياه بل في أسسه وجوب نشره، وكيفية حمله للناس، وإيجاده في واقع حياتهم لأنه كما سبق وبينا مكونات المبدأ أي مبدأ، حين قلنا إن المبدأ هو عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام. وقلنا أيضاً إنه فكرة للعيش وطريقة للتنفيذ والفكرة فبه هي:_
أ_ عقيدة المبدأ.
ب_ المعالجات التي انبثقت عن عقيدة المبدأ لمعالجة مشاكل الحياة.
ج_ حمل الدعوة لاعتناق المبدأ والإيمان به.

وأما طريقة تنفيذه والحفاظ عليه فقد قلنا إنها:
أ_ المحافظة على عقيدة المبدأ.
ب_ كيفية تنفيذ كل معالجة من المعالجات التي جاء بها.
ج_ كيفية حمل الدعوة للناس.

ويتولى تنفيذ أحكام الطريقة، وتنفيذ ما جاءت به من معالجات، والقيام بأعباء الدعوة ونشرها للناس وحملها للعالم بأسره. يتولى تنفيذ ذلك الخليفة والأجهزة التي يعينها لذلك بصفته نائباً عن المسلمين.

إذن فالمبدأ هو الذي أوجب علينا حمله، وحدد لنا كيفية ذلك، فأوجب على حملته إخضاع الناس لأحكامه، ومعالجاته، ولا يتم ذلك إلا بالجهاد. ولم يترك المبدأ أسلوب نشره للأفراد ونشاطاتهم.هذه طبيعة المبدأ، وأساس من أسسه وجوب نشره بالكيفية التي حددها. وحمل الدعوة للناس هي الأساس في علاقات المسلمين كجماعة مع غيرهم من كيانات الكفر المحيطة بالمسلمين. فالسياسة الخارجية أو رعاية شؤون الإسلام والمسلمين خارجياً، أي العلاقات بين المسلمين وغيرهم من كيانات الكفر يتولاها أيضاً من أنابه المسلمون عنهم- الخليفة -.

والمبدأ نفسه هو الذي قسم العالم إلى دارين ، دار إسلام يمثلها الخليفة ، ودار الحرب أو دار الكفر المتمثلة بكافة كيانات الكفر . وقسم هذه الكيانات الكافرة إلى دول معاهدة ، وأخرى محاربة حكماً ، وأخرى محاربة فعلاً ، وحددت علاقات المسلمين بها بموجب ما قسمه المبدأ .

وما سار عليه رسول الله طيلة حياته في تنظيم هذه العلاقات الخارجية منذ وضع دستوره الأول في المدينة إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى .فقد عاهد نيابة عن المسلمين ورعى غير المسلمين تحت سلطانه ، وأخذ الجزية منهم ، وحارب كيانات ودولاً كانت تحيط به ، لكسر الحواجز المادية التي تقف بوجه بسط سلطان الإسلام على الناس . وعلى هذه الساسة سار صحابته الكرام ، وإلى آخر يوم من أيام الدولة الإسلامية ، فهل هذه مهمة الفرد أو تدخل تحت مقوماته وأسس صلاحه ؟.

هذه لمحة موجزة مقارنة بين ما هو من مقومات الفرد ومقومات المجتمع ، ولو أنها تحتاج إلى كثير من التفاصيل والإيضاح حتى يدرك القائمون على هذا الأمر ، والسائرون في هذا الطريق – طريق إصلاح الفرد ليصلح المجتمع إن عملهم هذا لن يوصل مطلقاً إلى ما يصبون إليه من صلاح المجتمع ، واستئناف الحياة الإسلامية ، والنهوض بالأمة إلى المستوى اللائق بها. لأن طريقتهم هذه تبدأ بالفرد وتنتهي بالفرد ولا تعدو ذلك مطلقاً.

والسبب الوحيد الذي أدى إلى هذا الخطأ الفاحش ليس سوى سوء فهم، وعدم إدراك للواقع الذي يريدون إصلاحه.أي فهم مكونات المجتمع ومقوماته. لذلك فإننا نتمنى عليهم أن يعيدوا النظر في فهم هذا الواقع، ومن السهولة بمكان التميز بين مجتمع قرية لا يتعدى سكانها ألف نسمة وركاب سفينة يعدون بالآلاف. فالقرية مجتمع كامل، أما ركاب السفينة فهم جماعة أفراد لا يشكلون مجتمعاً.

ولو كان كما يزعمون أن المجتمع هو مجموعة من الأفراد. إذن لتعددت المجتمعات في المجتمع الواحد ، ولتفككت وحدة كافة الكيانات السياسية القائمة بناء على هذا الفهم.

وكقاعدة أساسية لإصدار أي حكم على أي شيء لا بد من معرفة الواقع والتفقه فيه، قبل إصدار الحكم ووضع المعالجات.
ولم يقتصر الأمر على فئة واحدة من هذه الحركات العاملة على إنهاض الأمة بل تعددت الفئات وبأسماء مختلفة ومناهج متعددة ولكنها جميعها سارت في طريق واحد جرها إليه سوء الفهم لواقع المجتمع، وإنه وإن اختلفت أسماؤهم وتعددت مناهجهم ، فإنهم لم يخرجوا عن الخط الأول الذي تمت مناقشته آنفاً. إذ لا يوجد فروقات كبيرة بينها، وكلها تدور حول مقومات الفرد وسبل صلاحه، سواء منها من اقتصر على العبادات وحرم العمل السياسي ، ودعا إلى الانقطاع إلى الله في العبادة، أو من شمل حياة الفرد ككل . أو من يرى أن طريق إصلاح الفرد توصل حتماً لصلاح المجتمع، وإقامة كيان ودولة تتولى شؤون الجماعة وتعيد للمسلمين عزتهم ومجدهم.

والغريب في شأنهم أنهم يقولون بالوصول إلى إصلاح المجتمع وإقامة الدولة وليس لديهم أي تصور عن صلاح المجتمع لأنهم لم يدركوا مقوماته وليس لديهم أدنى صورة عن الدولة التي يريدون مع أن القاعدة العقلية، بل المسلمة البدهية تقول:( فاقد الشيء لا يعطيه).

أما شبهة الاهتمام بأمر الداعية، ومن يحمل فكرة الإصلاح ويعمل لها، فإنه من نافلة القول أن يكون الداعية، أو حامل الفكرة نسخة طبق الأصل عما يحمل من عقيدة، وما يدعو إليه من أفكار، وإلا كان سبة على ما يحمل، وإساءة لما يدعو إليه. فالمسألة هي هذه التكتلات الصالحة المؤمنة- وليس مجال طعن بأشخاص أو تصرفات أفراد أي الطريقين تسلك؟ طريق إصلاح المجتمع أم طريق إصلاح الفرد ؟ أما وجوب أن يكون الداعية صالحاً مؤمناً فهذا أمر مسلم به، ولا أظن أن هناك كتلة أو جماعة أو حزباً لا يهتم لتربية شبابه وإلزامهم بما يدعو إليه. وأن يقبل في صفوفه أشخاصاً ليسوا من جنس فكرته ودعوته. فمن يدعوا لقيادة الناس بفكرة معينة لا بد أن يكون مهيأً نفسياً وسلوكياً لما يدعوا إليه. كما أنه لابد أن يكون تنظيم سلوك الأفراد من ضمن الثقافة التي يتبناها ذلك الحزب أو الجماعة أو التكتل. ولذلك لا يصح أن تكون هذه الشبهة شبهة يختفي البعض وراءها. كقولهم: كان الصحابة يقولون كنا نتعلم العشر آيات فو الله ما نجتازها لغيرها حتى نعمل بها. وهنا أحب أن أسأل متى نزلت التكاليف الشرعية؟وأين الأعمال والتكاليف في السور المكية؟بل المقصود من قول الصحابة من أنهم كانوا لا يجتازون هذه الآيات حتى يفهموا معانيها ويحفظوها وينزلوها على الواقع المشخص أمامهم سواء في مهاجمة أفكار الكفر أو أئمة الكفر أو فساد العلاقات القائمة بين الكفار لأن هذه هي المواضيع التي كانت تعالجها السور والآيات.

إذن فالمسألة هي أي سبيل تسلك هذه التكتلات والأحزاب المؤمنة الملتزمة. أتسلك طريق إصلاح الفرد أم طريق إصلاح المجتمع؟ هذه هي المسألة ، أما الذين يدعون إلى إصلاح الفرد بعقيدته وعبادته. ليصلوا إلى صلاح المجتمع وبناء الأمة ، وإقامة الدولة، ويحرمون على أنفسهم العمل السياسي، ومحاسبة الحاكم، فإن مصيبتهم وبلوتهم أعظم {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}محمد(24). إننا ندعوهم لتدبر السور المكية التي هي بيت القصيد، والمدنية إن شاءوا . من حيث إن السور المكية هي التي عالجت مثل هذه المرحلة التي نعانيها ، مرحلة غياب الإسلام وهيمنة أحكام الكفر وحكامه على رقاب الناس. ليتدبروا السور والآيات وما جاءت به من مواضيع ومعالجات. ليروا بأعينهم، وليسمعوا بآذانهم ،ولتعي قلوبهم ما جاءت به تلك السور والآيات من مواضيع وما تضمنته من أفكار .

وبنظرة بسيطة في تلك السور ، ولكن بقلوب واعية نجد ما يلي :-
إنها تناولت ما في المجتمع من عقائد فاسدة وأفكار باطلة على اختلاف أنواعها ، فبينتها وبينت زيفها وبطلانها ، وأقامت على ذلك الحجج والبراهين ، ووضعت بدلها العقيدة الصحيحة ، والتفكير السليم فقد تعرضت لكل ما كان يدعيه العرب ، أو يعتقدونه ، وما يمارسون من عبادات وشعائر ، وما في مجتمعهم من مفاهيم وأفكار ، مجملة مرة ، ومفصلة مرات . سواء قولهم {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر }الجاثية(24) ، أو قولهم: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله }لقمان(25). أو قولهم :{وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }الزمر(3). أو تسميتهم الملائكة بأسماء الإناث {ليسمون الملائكة تسمية الأنثى}النجم(27) أو إنكارهم الخلق {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون }الطور(35) ، وتكررت الآيات التي تبين الاعتقاد الصحيح والتفكير السليم في عشرات السور ومئات الآيات . ولفت النظر لأعمال العقل في ملكوت السماوات والأرض ليدركوا عن نقل وبينه أن لهذا الوجود خالقاً خلقه وهو الله تعالى ، بصفاته وأسمائه التي وصف بها نفسه ، أي سار في ما في المجتمع من عقائد وأفكار باطلة بأسلوب وضع الخط المستقيم أمام الخط الأعوج . والاحتكام إلى المسلمات العقلية بطريقة تتناول تباين ما في المجتمع من عقائد فاسدة ، وأفكار باطلة ، من شيوعية واشتراكية ، ورأسمالية ، ورأسمالية مرقعة ، وديمقراطية ، وقومية ، وإقليمية ، ووطنية ، فتوضحها للناس وتثبت لهم بطلانها وتزعزعها في نفوس حملتها
ومن آمن بها ، لتضع بدلها عقيدة الإسلام صافية نقية كما جاءت من عند الله تعالى .

إنها تناولت ما في المجتمع من علاقات فاسدة ، ومعاملات باطلة ، وتصرفات خاطئة ، وعادات سيئة ، ويظهر ذلك جلياً ، وبوضوح كامل في سور واحدة لا تحتاج إلى عمق في التفكير ولا إمعان ولا إلى ذكاء خارق . فقد جاء في سورة الماعون : { أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون ويمنعون الماعون }الماعون. نرى في هذه الصور القصيرة أنها تعرضت لما يلي : -
{ أرأيت الذي يكذب بالدين} – عقيدة
{ فذلك الذي يدع اليتيم } – معاملة وعلاقة بين الناس.
{ ولا يحض على طعام المسكين } – معاملة وعلاقة بين الناس .
{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون }- عبادة وعلاقة مع الخالق.
{ الذين هم يراءون } صفة خلقية ومعاملة مع الناس.
{ ويمنعون الماعون } – معاملة وعلاقة مع الناس .
وقد تكرر مثل هذا الأمر في عشرات السور بل لا تكاد تخلوا سورة من ذلك من مثل قوله تعالى:
{ ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم }المطففين(2) تناولت علاقات عامة مرتبطة بعقيدة - أي باليوم الآخر.
ومن مثل قوله تعالى :{ وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت}التكوير(8). إلى غير ذلك.مما لا يحتاج إلى عمق في التفكير ، وإمعان نظر بل يحتاج إلى قلوب واعية، وعقول مفكرة فقط.
إنها تعرضت للقائمين على أمر الجماعة من السادة والحكام والأمراء، أئمة الكفر وأولياء الشيطان، من الذين يقفون في وجه الدعوة، ويمثلون رأس الكفر فمنهم من صرحت باسمه ، ومنهم من ذكرته بصفته ومنهم من كشفت فعلته أو مقالته. بل ردت على معظم ما كان يدعي. فقد تناولت بالاسم أبا لهب {تبت يدا أبي لهب وتب }المسد(1) .
وتناولت بالصفة الوليد بن المغيرة {عتل بعد ذلك زنيم}القلم(13) . وقوله تعالى: { ذرني ومن خلقت وحيدا} الآيات إلى قوله تعالى {سأصليه صقر}المدثر(11) .
وتناولت بالعمل الأخنس بن شريق { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى …} إلى قوله { كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة}العلق(9). أو في رواية عمرو بن هشام. أبا جهل.

كما وصفت تآمرهم في دار الندوة ليلة باتوا يتساءلون كيف يتصدون للدعوة، وما يقولون للناس عنها وعن رسول الله في سوق عكاظ. فبينت تفاصيل دقيقة عما جاء في تلك الجلسة وصورت الوليد بن المغيرة . وهو يقطع دار الندوة جيئة وذهاباً. يفكر ويقدر، يعبس ويبسر ، خصوصاً وأنه رد ما قاله الآخرون. من مثل قولهم نقول عنه ساحر، ونقول عنه شاعر ونقول عنه كاهن، وبين خطأ ما ذهبوا إليه وجاء الآن دوره ليقول كلمته. فقال فيه جل جلاله : {إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه صقر}المدثر(18).
كما وصفت من جاء ليقول لرسول الله من يحيي العظام وهي رميم بعد أن سحقها ونفخ بها في وجه رسول الله . فقال{وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ؟ قل: يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون }يس(78-80).

حتى أولئك الذين كانوا يقولون على الله غير الحق فيما بيتهم ولم يسمعهم رسول الله ولم يسمعهم أحد كانوا يتطاولون على الله ويقولون فليعذبنا الله إن كان محمد صادقاً. { لولا يعذبنا الله بما نقول}المجادلة(8) الآية.فكانت تأتي الآيات لتفضح ما كانوا يتحدثون به مقيمة الدليل على صدق نبوة محمد مثل قوله((لولا…)) الآية.

لفتت أنظار الناس إلى آلاء الله سبحانه وتعالى ، وخاطبت عقول البشر ليتوصلوا إلى الإيمان به وبالقرآن الكريم وبنبوة محمد ، والتسليم المطلق بما جاء في هذا القرآن ليتوصلوا إلى الإيمان بذلك عن عقل وبينة .

وصفت حقيقة الخلق وحقيقة هذا الإنسان {إن الإنسان لربه لكنود* وإنه على ذلك لشهيد وإنه بحب الخير لشديد }العاديات(6)،{إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا}المعارج(19) إلى عشرات الآيات التي تبين حقيقة النفس البشرية وما فيها من دوافع وما لها من جوعات وحاجات.

ذكرت من قصص الأنبياء السابقين ما يكفي ليشد عزيمة المؤمنين ويشحذهم. ويبين للرسول أن ما يلاقيه هو سنة الله في خلقه ، وما يلاقيه هو ما لاقاه إخوانه من الأنبياء والرسل السابقين {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك}فصلت(43)، {سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}الأحزاب(62) ونختم هذا بالقول بما قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}الإسراء(9). وقوله: { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}محمد(24).

وهناك من تجاهل هذا الوقع ولم يعن نفسه بمعرفته ولكنه يدرك أن هذا المجتمع مجتمع مريض ، فراح يبحث في أصناف متعددة من الأدوية المنتشرة في العالم ، مضبوعاً بما سمعه ، أو شاهده أو لقنه من تقدم ونهضة وازدهار في العالم المتقدم ، فأخذ منها ما بهرته أضواؤه وأعمت بصيرته أنواره وأصم أذنيه ضجيج آلاته ومصانعه ، وراح يقلد أولئك القوم في دعواهم ونظام عيشهم ، واعتبر أن ذلك علاج هذا المجتمع ما دام أنه سبب نهضة تلك المجتمعات والأمم فارتفعت الشارات وعلت الهتافات بوضع ما أتوا به موضع التنفيذ ، حتى نلحق بركب المدنية وأعلنوها حرباً ضروساً على مافي مجتمعها وأمتهم من أفكار ومفاهيم ، أو عادات و تقاليد ، فهم أعداء ماضي هذه الأمة بكل ما فيه من خير أو شر ، فهم يرونه كله شراً ، فهذا ينادي بالحرية ، ويرى أن الكبت والحرمان والتقيد بالعادات والتقاليد ، وما في المجتمع من قيم ، هي السبب في هذا الانحطاط وهذا البلاء .

وهذا ينادي بالديمقراطية فلا يعرف منها إلا أنها كلمة أجنبية أدت إلى نهضة الغرب والشرق وآخر يحاول التوفيق بين هذه والإسلام فيقول : إن الديمقراطية هي طريق إيجاد الإسلام في الحياة . وآخر يدعوا للاشتراكية أو الشيوعية ولم ينسى أن يحاول التوفيق بين الإسلام والاشتراكية هذا إن لم يصور أن الإسلام مصدر الاشتراكية فأبو ذر رضي الله عنه هو أول اشتراكي بعد رسول الله !! وأحزاب شيوعية كانت تفتتح جلساتها بتلاوة آيات من القرآن الكريم . إلى غير ما هنالك من شعارات وعبارات منمقة ليس هذا مجال للتعرض لها . ويكفي أن أقول لكل هؤلاء : إن من ينادي بالحرية عليه أن يعرف ماذا تعني هذه الدعوة وما هي أبعادها وهل تنطبق على هذا الواقع الذي نعيشه وتصلح لمعالجته .

وعليه أن يعرف هل هي نظام حياة أو أنها أسلوب من أساليب تنظيم الحياة ، وهل هناك مدلول حقيقي لهذه الكلمة أم أنها كذبة كبرى لا وجود لها في العالم ، وهل يمكن أن يقال هذا على مدلولها أي المجتمع بالرغم من جمع التعديلات التي أدخلت تجاوزاً على مدلولها . ألا يكفي لأحدهم أن ينظر لأي إنسان أو لأي مجتمع في الدنيا ، في الشرق أو في الغرب ، لينتفي من ذهنه أي وجود لهذا المعنى في العالم . وذلك لأننا نجد كل إنسان يعيش في مجتمع ما بحكم عيشه فيه ، فهو يخضع لما في من نظم وقوانين ، فلا يستطيع أن يتصرف أي تصرف إلا بالقانون الذي يجيزه ذلك البلد . فكل إنسان مجبر على السير ضمن ما تجيزه قوانين أنظمة البلد الذي يعيش فيه سواء أوافقت هواه أم خالفت رغباته . فسيره منضبط بالقانون وإلا كان معرض للعقوبة فلا وجود لهذا المعنى في الدنيا مطلقاً .أي معنى الحرّية.

وعلى من ينادي بالديمقراطية أن يعرف أن هذه الكلمة جوفاء ، لا وجود لمدلولها أو معناها في أي أمة أو مجتمع إلى في بطون الكتب وعلى أفواه المضلِّلين والمضلَّلين ، أو الذين يحاولون تحميلها معنى متخيل في أذهانهم ليس هو معناها الحقيقي . وإلا فهل هناك شعب أو مجتمع أو أمة تجتمع لتضع دستورها وتسن قوانينها ؟! . بل ولا حتى مادة واحدة من الدستور أو قانون واحد من القوانين فقلة قليلة أو نخبة من الناس لا تتعدى أصابع اليدين لتضع الدستور ، ومثلها فئة تسن القوانين ، وأقلية تختار الحاكم. فلا الأمة تضع دستورها ولا المجتمع يسن قوانينه ولا الشعب يختار حاكمه ، فأي انطباق لمعناها الذي وضعت له – حكم الشعب بالشعب وللشعب . إنها كذلك كذبة كبرى لابد من إدراكها .

والأسوأ من ذلك المنادون بالاشتراكية ، فلا يميزون بين ما هو إلغاء للملكية الفردية ويبن ما هو تحديد لها بالكم أو الكيف ، أو منع امتلاك بعض المواد والمصالح كأدوات الإنتاج ومثل ذلك ولا يدرون هل ذلك مقتصر على النظام الاقتصادي أم هي نظام حياة كامل . فإن كانت نظام حياة كامل فما هي عقيدتها وإن كانت نظام اقتصادياً فحسب فما هي العقيدة التي انبثق منها ؟
فإلى هؤلاء جميعاً نقول : قبل المناداة بعلاج ما ، عليكم معرفة ما تدعون إليه على أنفسكم وأهليكم ، فإن وجدتم فيه الخير لأنفسكم وأهليكم ، فحاولوا تشخيص المرض الموجود في المجتمع الذي تعيشون فيه ، أو تدعون لإصلاحه ، هل يناسبه هذا العلاج الذي تحملونه والذي عالجتم به أنفسكم فشفيت به أو شقيت به .


ليست هناك تعليقات: