الجمعة، 11 ديسمبر 2009

مكانة ذوي الإحتياجات الخاصة في الإسلام



عَمِد الغرب على تخصيص يوم للمرأة ويوم للعمال ويوم للأم ويوم للأطفال ويوم للمعاق وما شابه ذلك مما أفرزه النظام الرأسمالي، فكان هذا التخصيص ترقيعا جراء إهمال المبدأ لهذه القيم الإنسانية فخصصوا لكل من هؤلاء يوماً جراء إهمالهم لهم طوال العام.

وفي الوقت الذي يتم فيه الإحتفال بيوم المعاق في كل عام مرة،يتم فيه ضرب الأطفال في العراق وفلسطين والباكستان وباقي بلدان العام الإسلامي، وإيجاد مزيد من بني البشر المصابين بالتشوهات الخَلقية المختلفة جراء استعمال الأسلحة المختلفة التي تسبب الأمراض المختلفة ؛ فقد ورد في موقع شبكة الرشيد تحت عنوان

"حالات السرطان، والولادات المشوهة، ومشاكل الأمراض الأخرى التي أخذت بالارتفاع بشكل حاد، بسبب التلوث الناجم عن استخدام الأسلحة في سنوات الحروب بالعلاقة مع إهمال (حكومة الاحتلال) فحص ومعالجة هذا التلوث الحاصل، وفق رسميين عراقيين. ذكر جواد العلي- أختصاصي علم الأورام "شاهدنا أنواعاً جديدة من السرطان لم تُسجل في العراق قبل الحرب العام 2003، وأنواعاً من السرطان الليفي- الأنسجة الليّنة- وسرطان العظام.. وهذه تُشير إلى أن الأسباب تتركز على الإشعاعات!"

تشهد مدينة الفلوجة- غرب العراق- التي كانت بعد العام 2003- مسرحاً لأشرس معركتين بين القوات الأمريكية المحتلة والمقاومة الوطنية العراقية، ارتفاعاً في عدد المواليد الجدد: ولادات ميّتة، ولادات مشوّهة، ولادات مشلولة.. حالات أثارت وتُثير قلق الأطباء والعائلات..

استخدام اليورانيوم المنضب من قبل القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في حرب الخليج العام 1991 والغزو/ الاحتلال العام 2003، موثّقة جيداً، لكن إقامة صلة بين هذا المعدن المشع وبين المشاكل الصحية المنتشرة في العراق، تواجه الصعوبات، حسب الرسميين.. كما أن الخدمات الصحية العراقية محدودة، وعملية حفظ الإحصاءات الدقيقة خلال سنوات المجازر الطائفية بفعل الغزو/ الاحتلال، كانت مهمة مستحيلة..".

أضف إلى ذلك استعمال الفوسفور الأبيض في حرب فيتنام وفي حرب غزة هاشم ؛الفسفور الأبيض الذي يشتعل لدى ملامسته الأكسجين، ويستمر في الاحتراق على درجة حرارة 1500 فهرنهايت (816 درجة مئوية) حتى لا يتبقى منه شيء أو حتى انقطاع الأكسجين عنه، وحين يلامس الفسفور الأبيض الجلد فهو يؤدي إلى حروق كثيفة، تتسبب في تشوهات دائمة.

إن الحضارة الغربية التي تنادي بالحرية الشخصية وبحقوق الإنسان وبحقوق المعاقي تهيئ كل الأجواء لإيذاء الإنسان والتعرض إليه.

والإسلام أتى بتشريعاته وأحكامه لمعالجة الإنسان في معاشه ومعاده وفي كل شؤون حياته السياسية والإجتماعية والإقتصادية.وهذه الأحكام جاءت لمعالجة شؤون الناس جميعا ؛ مسلمين وغير مسلمين، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58.

رسالة الإسلام التي تقضي على التفرقة بين الناس، ويرفض أي مقياس للتفاضل بين البشر غير تقوى الله – عزوجل-، وهذا واضح في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13.

واهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالمعاقين وأولاهم رعاية وعناية خاصة، فقد كرم الإسلام هذه الفئة من الناس،وبرز هذا جليا واضحا في قصة الصحابي الجليل عبد الله بن أم مكتوم، وهو رجل أعمى، جاء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وكان عنده كبراء القوم من المشركين يدعوهم إلى الإسلام، فأعرض عنه، فنزلت في حقه آيات عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وردت في سورة «عبس»، وبعد هذه الحادثة كان النبي - صلى الله عليه وسلم يبسط رداءه لابن أم مكتوم ويقول له مداعباً: «أهلاً بمن عاتبني فيه ربي». بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يسند له شؤون المدينة المنورة عندما كان يخرج للغزو في سبيل الله، مما يثبت أن المعاقين وذوي الإحتياجات الخاصة هم جزء مهم لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي، وأن رعايتهم والعناية بهم وتقديم الخدمات المتميزة لهم، هي من أهم أسس المبدأ الإسلامي ورسالة الإسلام الخالدة.

وأيضاً الصحابي عمرو بن الجموح، كان أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربع وكانوا يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد، فلما كان يوم «غزوة أحد» أرادوا حبس أبيهم عن الخروج، فقالوا له: قد عذرك الله «ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج»، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه «ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة»، فأخذ عمرو بن الجموح سلاحه وخرج فلما صفت الصفوف استقبل القبلة، وقال: اللهم أرزقني الشهادة ولا تردني إلى أهلي، وقاتل فكان ممن قتل شهيداً يوم أحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده أن منكم من لو أقسم على الله لأبره، وإن عمرو بن الجموح منهم، ولقد رأيته يطأ الجنة بعرجته».

عندما كان عمر بن الخطاب معاوناً لخليفة المسلمين الأول أبي بكر الصديق، حيث خرج عمر يبحث عن حال الرعية هل هنالك أحد لا تصله خدمات الدولة، فوجد امرأة عجوزاً في طرق المدينة وهي كفيفة البصر فسألها عمر رضي الله عنه كيف تأكلين وكيف تشربين وأنت لايوجد لك جارٌ قريب أو قرابة لك فقالت له العجوز، إن شيخاً يأتيني في الصباح الباكر بالطعام والماء وينظف خيمتي ويذهب، فسألها عمر هل تعرفينه فقالت لا، فتأكد رضي الله عنه من موعد حضوره وبعد أن صلى الفجر مع خليفة المسلمين أبي بكر الصديق أسرع خلف الخيمة لينظر من هذا الذي يرعى هذه المرأة فإذا بخليفة المسلمين أبي بكر الصديق يحمل طعاماًُ وماءاً لهذه المرأة فقال عمر: ماهممت بخير إلا وجدت أبا بكر سبقني إليه.

فمن المسؤول عن ذوي الإحتياجات الخاصة وغيرهم من بني البشر؟
المسؤول بل المسؤولون هم المسلمون، وذلك لتقاعصهم –إلا من رحم ربي - عن الواجب الملقى على عاتقهم بإقامة سلطانهم ودولتهم التي تقوم بواجب الرعوية، وهو واجب من أهم واجبات الراعي؛ فدين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه،

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ

رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ

رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسِبُ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ}

فهذا واجب الرعوية الذي يميز الأمة الإسلامية بعظمة القيم التي تؤمن بها وتعمل بها، فكان منه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (... وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، وقد أوجب الإسلام علينا حفظ هذه الأحكام وقيمها، وجعل وجود السلطان واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه، مُعَافى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا)، ومن أهم أسس الإسلام توفير الحاجات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين مع توفيرالأمن والتطبيب والتعليم مجانا للجميع.

وقد حضّ الإسلام على توفيرها للرعية؛ فالجائع يجب أن تطعمه الدولة، والذي ليس له مسكن يجب على الدولة أن توفره له، فكلها مربوطة بالرعاية على سبيل الوجوب ؛ توفره لمن عجز عن سد حاجاته الأساسية.

وفي هذه الأيام وبعد غياب حكم الإسلام أصبح العالم كله محكوماً بالنظام الرأسمالي القائم على الجشع والطمع والإحتكار والذي يحرص على مصالح الرأسماليين فيه، فيملأ جيوبهم على حساب باقي الناس، وقسم العالم إلى فئتين: فئة لا تصل إلى 5% من الناس تملك أكثر من 80% من مقدرات العالم وثرواته، والأخرى 95% من الناس، ولا تكاد تملك 20% من الثروة، بل إنه يحرم الملايين من لقمة العيش ليحقق الرفاهية للرأسماليين.

النظام الرأسمالي الذي ليس فيه مسؤولية الرعاية من قبل الدولة، لذلك وُجدت المنظمات التي تعمل لسد النقص من الغذاء والدواء والمسكن وغيرها فكانت أكبر المنظمات منظمة الأمم المتحدة بكل فروعها الأمنية والطبية والتعليمية وغيرها مثل اليونسيف واليونيسكو والفاو ومجلس الأمن وغيرها، وأصبحت هذه المنظمات الراعي الفعلي لكثير من الناس في بلدان العالم الإسلامي، وقد صرحت مسؤولة في المجلس القومي للطفولة في السودان قائلة: "إن أطفال دارفور وغيرهم أصبحوا تحت رحمة هذه المنظمات وليس تحت رعايتنا".

فالواجب أن تقوم الدولة برعاية شؤون الناس في أي مكان، والذي جعله الإسلام مسؤولاً عن رعاية الجماعة هو سلطان المسلمين الذي يرعى بحق الإسلام الذي جاء بأحكامه لرعاية الإنسان، ومن تلك الرعاية ضمانة الحاجات الأساسية لكل فرد من أبناء المجتمع من مأكل وملبس ومسكن، وذلك بقيامه بعمل، فان لم يجد عملاً، وكان قادراً عليه، وجب على الدولة أن توفر له فرص العمل، لأنها مسؤولة عن رعايته، بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته".لذلك كان إيجاد العمل لمن لا عمل له، من واجبات الدولة وجزء من رعايتها للأفراد.

أما إذا عجز الفرد مسلما أو غير مسلم عن العمل بسبب المرض أو الشيخوخة، أو غيرذلك، وعجز هو أيضا عن توفير النفقة له ولأهله الذين تلزمهم نفقتهم، وجبت على أقاربه ومحارمه، قال تعالى : {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وقوله " وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ" أي على الوارث مثل المولود من حيث النفقة عليه لسد هذه الحاجة، وليس المراد بالوارث الذي يرث فعلا، بل هو كل من يستحق الإرث في جميع الأحوال.وإذا رفض الأقارب دفع النفقة لقريبهم العاجز، فإن الدولة تجبرهم على دفعها له.

أما إذا لم يكن له أقارب ومحارم، فإن نفقته تنتقل إلى بيت المال لتوفير جميع حاجاته الأساسية، وإشباعها إشباعا كليا، لان بيت المال كافل للمحتاجين والعاجزين، ولأن رئيس الدولة "راع، وهو مسؤول عن رعيته" سواء أكان هذا الإنفاق من باب الزكاة أم من غير ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام :" من ترك مالا فلورثته، ومن ترك ضياعاً فاليَّ وعليَّ".
ومن هنا، تسعى الدولة لتوفير الحاجات الأساسية لكل من عجز الحصول عليها استجابة لقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}.

من هذه الأحكام أن من دفع الجزية في شبابه وغناه وكسبه وقوته، ثم تقدمت به السن وعجز عن العمل ولم يستطع أن يدفع الجزية سقطت عنه، وجاء ذلك عن كل من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه. فعن عمر أنه رأى رجلاً شيخاً كبيراً يتكفف ويسأل الناس، فقال: (ما شأنك يا رجل؟! قال: أنا رجل من أهل الجزية عجزت عنها، فأنا أتكفف الناس لأجمعها، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: والله ما أنصفناك إن أكلنا شبابك وأفنيناك، ثم أضعنا كبرك وشيخوختك)، وأسقط عنه الجزية، وفرض له رزقاً من بيت مال المسلمين. وذكر أبو يوسف في كتاب الخراج أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه رأى رجلاً كبيراً ومعه أولاده، وهو يتكفف الناس ويسألهم، فقال: (ما بالك يا رجل؟! قال: أنا من أهل الجزية وعجزت عنها، فأنا أسأل الناس لأقدمها، فقال كلمة عمر : والله! ما أنصفناك )، وأسقط عنه الجزية، وفرض له من بيت مال المسلمين ما يكفيه ويكفي أولاده، لأنه كان معه عياله، ففرض له ولعياله من بيت مال المسلمين ما يكفيهم.

هذه هي الرعاية الحقيقية التي يجب على المسلمين إقامة من يطبقها وهو خليفة المسلمين وبأسرع وقت ممكن، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال :" واللـــه لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولا عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة".


{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46


بقلم:عاهد ناصرالدين

عواقب الظلم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد:

الظلم في لغة هو وضع الشيء في غير موضعه. قالت العرب (من استرعى الذئب فقد ظلم) لأنه وضع الشيء في غير موضعه. والظلم هو مجاوزة الحد أي الجور.

يقول عز وجل:{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة229، فالحد الذي وضعه الله تعالى في العقوبات لا يجوز مخالفته، وتجاوز ذلك ظلم. والظلم هو الميل عن القصد.

يقول عز وجل:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}الأنعام153،فالذي يحصل له العلم بأن صراط الله هو السبيل ثم يميل عنه يكون ظالما. والله اعتبر أن الشرك به من الظلم العظيم، فقال عز وجل:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان 13.


يقول الفخر الرازي في هذه الآية: "أما أنه ظلم فهو أنه وضع العبادة في غير موضعها، وهي غير وجهة الله وسبيله."
إن الله عز وجل حرم على نفسه الظلم. ففي الحديث القدسي فيما يروي الرسول عن ربه:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" (رواه مسلم)...
نعم حرم الله الظلم عن نفسه ونفاه سبحانه بقوله:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} الكهف 49. ثم إن الله نفى خوف العباد من أن يظلمهم جل وعلا، فقال:{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً } طه 112...

ولذلك نجد أن الله نفى أن يعذب أقواما لم يرسل إليهم رسلا يبينون لهم ما يأخذون وما يتركون، فقال تعالى:{مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} الإسراء 15، وقال:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} القصص59....
ومن آمن بالله ربا خالقا وجب عليه التقيد بما أمر به الله تعالى، فإن قصر بفعلها فقد ظلم نفسه وتعدى، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} النساء 13.

والظلم أنواع:

الأول: أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى:وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13 وإياه قصد بقوله: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} سورة هود 18.

الثاني:ظلم بينه وبين الناس: يقول الله عز وجل عن هذا:{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} سورة الشورى 40.

الثالث: ظلم بين العبد وبين نفسه: وفيه قصد عز وجل في قوله:{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } النمل 44، وإياه قصد بقوله:{فمنهم ظالم لنفسه} سورة فاطر 32.

وكل هذه الأنواع الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه. قال الذهبي: «الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء»، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، عدد صورًا من الظلم منها: أخذ مال اليتيم المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر.
ومن الظلم الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر. وقد وردت النصوص تذم الظلم:قال تعالى:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } سورة الكهف 59، وقال:{والله لا يحب الظالمين} سورة آل عمران 57، وقال:{ولا يظلم ربُك أحدًا} سورة الكهف 49، وقال:{وما ربك بظلام للعبيد} سورة فصلت 46، وقال:{ألا إن الظالمين في عذاب مقيم}سورة الشورى 45.

والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } فاطر 32، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } الشورى 42.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته" (رواه البخارى ومسلم)، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود 102، وفي الحديث:"اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (رواه مسلم)، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين" (رواه البخاري ومسلم)، وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا" (رواه الترمذي)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره " (رواه مسلم)، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ثلاثة لا يرد دعاؤهم الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوةالمظلوم" (رواه أحمد والترمذي)، وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذ ابن جبل الى اليمن، فقال:"اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" (رواه البخاري ومسلم).

وقد وعى الصحابة والعلماء معاني الظلم وعواقبه: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم"، وقال رضي الله عنه:"إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى"، وقال أبو العيناء:"كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة،" فقال:{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة 249، وقال يوسف بن أسباط:"من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه"، وكان يزيد بن حاتم يقول:"ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك"، وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: "أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة"، ونادى رجل سليمان بن عبد الملك، وهو على المنبر:"يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له:ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى:{ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} الأعراف 44"، وقال عمر رضي الله عنه:"واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة"، وقال ابن تيمية:"إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة"، وقال:"إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة".

إن اسباب الظلم كثيرة، ومرجعها الهوى والنفس الأمارة بالسوء، ودعوة الشيطان.
قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} الكهف 28،
وقال:{إن النفس لأمارة بالسوء} سورة يوسف 53،
وقال:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} المجادلة 19.

أما ما يعين على ترك الظلم فيكون بتذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم،
قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}آل عمران 182،
وقال: {وما الله يريد ظلما للعالمين}سورة آل عمران 108.

ويكون ترك الظلم بالنظر في سوء عاقبة الظالمين،
قال سبحانه:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود 117،
وقال:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ}سورة الأنعام 47.
ويكون بعدم اليأس من رحمة الله، قال تعالى:{إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف 87.

ويكون علاج الظلم باستحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة،
قال تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} الزمر 69.
ويكون بالذكر والاستغفار، قال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران 135.

وأخيراً يكون علاج الظلم بكف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها، فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب، ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.

إن الظلم يجلب غضب ربنا سبحانه، فيتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، والظلم يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، قال تعالى:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} سورة الكهف 35-36، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى:{فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وقال تعالى عن فرعون:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} سورة القصص 40، وقال عن قوم لوط:{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} هود 82، وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، قال عز وجل:{فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سورة العنكبوت 40.

وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى:{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} سورة الفرقان 27.
والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فيقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي:"وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين" (البخاري والطبراني). وعن ابي موسى رضى الله عنه قال: قال رسول الله: "إن الله عز وجل يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته،" (متفق عليه) ثم قرأ قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} هود 102، فلنتق الله، ولنسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد لنا من الله.قال أبو العتاهية:

أمــا والله إن الظلـم لـؤم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم

ورحم الله الشاعر حين قال:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبهة يدعو عليك وعين الله لم تنم

إننا نحن المسلمين ظلمنا أنفسنا حين قبلنا أن تهدم دولة الإسلام، ويسود حكم الرويبضات، ونحن اليوم نظلم أنفسنا من حيث ندري ولا ندري: نظلم أنفسنا حين نقبل أن لا يطبق نظام الإسلام في حياتنا، ونظلم أنفسنا حين نطبق الرأسمالية المجرمة، ونظلم أنفسنا حين لا نتلبس بالعمل في جماعة تعمل من أجل عودة الإسلام في دولته، ونظلم أنفسنا إن نحن أيدنا الفجار والظلام، وسكتنا عنهم، والله تعالى يقول:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} النساء 105، ويقول:{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} هود 113،
و يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب" (متفق عليه).
إننا نظلم أنفسنا إن لم نأمر بالمعروف وننكر المنكر. يقول عليه الصلاة والسلام:"من رأى منكم سلطانا جائرا، ناكثا لعهد الله، مستحلا لحرم الله، عاملا في عباد لله بالإثم والعدوان، ولم ينكر عليه بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله" (الطبري:تاريخ 4/304)، فبالله عليكم: من منكم يريد و يحب أن يكون ظهيرا للمجرمين؟ يقول عليه السلام عن هؤلاء والموقف منهم:"يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدركهم فلا يكونن لهم عريفا ولا شرطيا ولا حاجبا ولا خازنا."

إننا قد نخطئ وقد نرتكب المعاصي ونظلم أنفسنا، ومع هذا، فإن ظلمنا لأنفسنا لا يخرجنا من جنة الإيمان، لقوله تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء 110، فباب التوبة مفتوح، فالله تعالى يقول:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران 135.

ربنــا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، سبحانك ربنا فقنا عذاب النار، ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار، ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


دكتور حازم عيد بدر

العملاق النائم .. متى يستفيق !؟



في أحد الأيام ومن خلال جولاتي الصحفية تسنى لي زيارة مدينة بعشيقة في أقصى شمال العراق، وبعشيقة ذات التعدد الطائفي والديني فيها الكثير من الأشياء التي تستحق الذكر، فليس زيتونها هو المميز عن قريناتها من المدن، بل هناك ميزة أخرى هي أنه بجانب كل جامع تجد هنالك كنيسة! زيارتي تلك كانت في يوم جمعة فشاهدت جموع المسلمين وهم يتجهون الى المساجد لأداء صلاة الجمعة، بباب أحد الجوامع، قبل دخولي لأداء الصلاة، وقفت متأملاً منظر الكنيسة المجاورة له، خصوصاً بعد ان أخذت أجراسها تعلن بداية قداس جديد، فأحتشد النصارى، ممن كفل المسلمون حقوقهم على مر الزمان، من كل حارة وفرع وشارع لتغص بهم الكنيسة قبل ان يتفرقوا بعد انتهاء مراسيمهم الدينية، بعد أن سبقهم المسلمون في نهاية مراسم صلاة الجمعة.

هذا المشهد لم أره في بلد غربي أو شرق آسيوي أو أفريقي، بل في بلدي العربي صاحب الديانة الإسلامية، والذي يحوي شعباً إسلامياً لم يبخس الآخرين دينهم وكنائسهم ومعابدهم، سيراً على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي حفظ لليهود وغير اليهود حقوقهم الدينية والمدنية، وسيراً على نهج الخلفاء وحكام الأمة الإسلامية مثلما فعل عمر بن الخطاب رضوان الله تعالى عنه يوم حمى حقوق النصارى من جور رافعي راية الصليب أنفسهم، ورفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا تصبح سُنة يطبقها المسلمون من بعده، حفاظاً على حقوق الديانات الأخرى في أرض الإسلام!

تأملت حال المسلمين اليوم، والذين يشكل تعدادهم مليار ونصف المليار ويزيد في كل بقاع الأرض، أي ربع سكان العالم، أي من كل أربعة آدميين هناك واحد منهم يدين بدين الحق الآلهي، دين الإسلام، الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه، لكن من ينظر الى حال هذه الأمة العظيمة يرى العجب العجاب، فأراضيها مستباحة، وخيراتها منهوبة، وأبناؤها بين نائم في سبات عميق، أو غارق في السجون والمعتقلات، وبين من يجلس في بيته لا حول له ولا قوة ، قبل أن تنتقل آفة هذا الخنوع والذل الى البلدان التي تتواجد فيها الجاليات الإسلامية، فالدين الذي أمسى اليوم الديانة الثانية في كثير من البلدان الأوربية ممتهن، وأتباعه مهانون، وحقوقهم مسلوبة، فدول الغرب التي أنهت الخلافة الإسلامية وحاربت ملة الإسلام بكل الطرق والوسائل تذبح بالمسلمين من الوريد إلى الوريد، تذبح بهم في العراق، تذبح بهم في أفغانستان، في فلسطين، في الصومال، في الهند، في الصين، في بورما والفلبين وباكستان والسودان مثلما تم ذبحنا سابقاً في الشيشان وصربيا والبوسنة والهرسك.

الأمة الإسلامية اليوم فقدت قيادتها وفقدت خليفتها وتشرذمت، وهو ما مهد لدول كانت بالأمس القريب لا تستطيع رفع عينها بوجه الدولة الإسلامية، لتغتصب حقوقنا نحن المسلمين، وتستأسد على أمتنا الإسلامية، وتعتدي علينا، أن لم يكن في عقر دارها ففي عقر دارنا، فهاهي بلجيكا التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون مسلم تجبر المسلمين على النطق بالكفر وعلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلما يحدث في سجونهم، حيث يتم إجبار السجين المسلم على النطق بالكفر وإهانة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد أصبحت هذه الممارسات نهجاً يُمارس في السجون البلجيكية، حتى أصبحت تلك الممارسات تفوق ما كان يجري في معتقل (أبو غريب) ذائع الصيت والسمعة بالعراق، وهو ما اعترف به وزير العدل البلجيكي ستيفان دي كيلرك بنفسه الذي حدد سجن (فوريست) وسماه بالاسم، والموجود في العاصمة بروكسل، كما قام هذا البلد الأوربي بطرد مسلمتين من عملهما كونهما محجبتين ليس إلا!

بلجيكا ليست البلد الغربي الوحيد الذي أعلن الحرب على المسلمين جهاراً نهاراً، بل كان لألمانيا نصيب من هذه الحرب، فهاهي المحاكم الألمانية تمنع ذبح الأضاحي في أعياد المسلمين تحت ذريعة حماية حقوق الحيوان، متناسين أن جنودهم المحتلين في أفغانستان يسومون المسلمين ألوان العذاب، ويُشربونهم كأس الهلاك، ويقتلونهم ليل نهار، وهم يتشدقون بأن للحيوان حقوقاً، وكأن القتل والتعذيب والاحتلال، ونحر البشر كالنعاج على الطريقة الهوليودية، حينما يتعلق بالشعب المسلم فأن الأمر فيه وجهة نظر، بل هو من المحببات في قواميسهم وتشريعاتهم الصليبية ما دام الهدف ليس الحيوان بل أمة الإسلام.
وفي ألمانيا كذلك تتعرض المسلمات الى أساليب الإهانة والذل وانتهاك الحقوق كما حدث في مدينة (غوتينغن) التي تعرضت فيه طالبة طب مسلمة تبلغ من العمر لاعتداء من قبل مجهولين على خلفية ارتدائها الحجاب، قبل ان يدوسوها بأقدامهم وسط الشارع.

أما عدوة الإسلام الأولى أميركا التي أعلنت حربها اللعينة والعلنية على الإسلام والمسلمين، حينما خاطب رئيسها السابق العالم اجمع وهو يقول لهم (أنها حرب صليبية أخرى)، فقد دنست القرآن الكريم وجعلته هدفاً لرصاصات جنودها في العراق وفي أفغانستان وفي كل مكان تحتله من أرض الإسلام، ولم تكتف بقتل المسلمين وأسرهم واعتقالهم ومحاربتهم بكافة الطرق والوسائل، بل وصلت بها الجرأة إقامتها قبل أيام نصباً تذكارياً لكلب، لقتله إمام مسجد مسلم في إحدى ولاياتها، وراحت الجمعيات الشوفينية، النازية، الفاشية، العنصرية تجمع الأموال الطائلة لإقامة الصرح التذكاري لكلبهم أخزاهم الله، ليس هذا فقط، بل وحظرت على المسلمين الصلاة في أماكن العمل والدراسة أثناء فترات الاستراحة بين ساعات العمل والدراسة، والأدهى أنهم فصلوا طالبة مسلمة من الدراسة بمدينة (لويستون) جنوب شرق ولاية (مين) لا لسبب سوى لأنها كانت تصلى بشكل سرى أثناء فسحة الغداء، فحينما اكتشف مسؤولو المدرسة أن الفتاة كانت تصلي أثناء فترات الفسحة تم فصلها من المدرسة!

ثم تأتي حملة الصحف الدنماركية لتعتلي الموجة من خلال نشرها رسوماً مهينة لنبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، في إساءة وإهانة وتحدٍ للعالم الإسلامي، بل وتُقدم بعض البرلمانات الأوربية على تكريم رسامي الكاريكاتير الذين يسيئون أكثر لأمة الإسلام ولرموزها، وتكريم الصحف التي تقوم بنشر هذه الرسوم المسيئة، ويمنحونهم الميداليات الذهبية والمبالغ الطائلة احتفاءً بهم وبأفعالهم التي لا يُقدم عليها إلا حاقد على الإنسانية جمعاء لا على الإسلام فقط! ولم تشذ عن هذه القاعدة فرنسا التي ترى في الحجاب (علامة استعباد) وأن ارتداءه (غير مرحب به) عندها، وتسن القوانين المقيتة ضد من تقدم على ارتدائه.
لقد وصل الحال بالغرب الى أن يقتلوا المسلمين حتى في محاكمهم وأمام قضاتهم الذين يكتفون بالتفرج، ومنح الأحكام المخففة للمجرمين، في تحد سافر لمشاعر أمة المليار ونصف المليار، وسط صمت مقيت من كافة الدول الإسلامية مثلما حدث مع شهيدة الحجاب (مروة الشربيني) التي انتفضت لكرامة دينها، الذي هو من كرامتها، ورفعت دعوى قضائية ضد أحد كلاب الغرب الذي حاول نهش لحمها والاعتداء عليها في الشارع، كونها مسلمة وتضع الحجاب الشرعي، في وقت تدخل الأنظمة والجيوش والشعوب الإسلامية في استنفار وحالة إنذار قصوى للعبة كرة قدم تشوه صورة المسلمين وتجعل منهم كرة تتقاذفها أرجل أعدائها.

أإلى هذه الدرجة بات دم المسلم لا قيمة له، حتى ما عاد يساوي درهماً في السوق الأسود، وكل يوم قتل ونهب واستهزاء وحقد أصفر يصيب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والصامتون لا تحركهم أنات الثكالى ولا دمعات الأطفال اليتم، ولا تهزهم مسلمة مفجوعة وهي تنادي أغيثوني!

أن من ينظر لأمة الإسلام اليوم يرثي حالها، فأجزاء منها محاصرة، وأخرى تحت القصف، وثالثة للقتل والسلب والنهب مرتع، ورابعة تحت خط الفقر تشكو الى بارئها جوع المسلمين وغنى السلاطين.
أهكذا بات مصيرنا بيد الطغاة والعتاة والجناة، أما لهواننا من خاتمة، أما لهذا الجرح من اندمال، أما لهذا الظلم من نهاية ؟! متى تنتفضي يا أمة الإسلام، ماذا تنتظرين فقد وصلت السكين حد العظم، فالعرض اُنتهك، والأرض اُغتصبت، و الحناجر بلغت الحلقوم، فمتى ندرك أن لا خلاص لنا مما نحن فيه إلا بأيدينا، لا بأيدي أعدائنا، متى يستفيق الحكام والولاة والأمراء والسلاطين والرؤساء ويدركوا أن عزتهم بدينهم لا بدنيا عدوهم؟! متى يدركوا أن بقاءهم لُعباً كارتونية بيد أجهزة المخابرات الغربية لن تزيدهم إلا ذلاً ومهانة، متى يدركوا أن عزهم في إسلامهم وفي وطنهم وفي حارات مدنهم لا في دهاليز مخابرات أعدائهم، متى يدركوا أن عروشهم ستظل متهرئة تهتز، لا طرباً كما تجري عليه العادة، بل خشية السقوط ما دامت مقاليد الحكم في أيدي أعدائهم؟!

متى يدرك شبابنا أنهم مستغفلون، وان الإعلام المسيس والذي تديره أبواق غربية، بلغة عربية، هو أساس الوباء والبلاء.. متى يدركون ان صمتهم على ما يجري لأبناء أمتهم مرده إليهم وفي نحرهم، وأنهم مسائلون عنه يوم العرض على الرحمن؟!
جيوشنا تعدادها بالملايين، لكنها، وحينما يحمى الوطيس، يصيبها الخنوع، وتصبح كدقيق في يوم عاصف نثروه، لا حياة فيها، ولا روح، لا يرف لها جفن، أو تقشعر لها نخوة المعتصم لنصرة النساء والشيوخ والأطفال، فأن تحركت الجبال من مكانها فلن تتحرك جحافلها، والأطفال أمامها تقتل بيد أعداء الإسلام وأشلاؤهم تتطاير، والبيوت تهدم على رؤوس ساكنيها، والحرائر يفتك بهن صباح مساء، ومن يسعى لنجدة إخوانه وأهله وأبناء جلدته من غير المنتمين لتلك الجيوش، ممن حركتهم غيرتهم وحميتهم الإسلامية على إخوانهم، نرى الكثير يصمهم بكل نقيصة، ويصفهم بكل سيئ، والأكثر من ذلك أن يُسعى لقتلهم، أو ألقائهم خلف قضبان الزنازين، مبررين جرائمهم باستخفاف عقول الجهلاء, وأن هؤلاء المسلمين، الغيارى على الدين، (إرهابيون)، وما إلى ذلك من مصطلحات يهودية حاقدة، فأصبحت توجه الى صاحب الغيرة، المدافع عن الدين والعرض والشرف، عبارات مصدرها أعداء الإسلام لتشويه وتضليل أفكار الجهلاء من أبناء جلدتنا، كي يقفوا بوجه المخلصين ومحاربتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا أمة الإسلام، أن الذل الذي تعيشينه في حاضرك باقية أنت فيه ما دمت لم تتبايعي بالعينة، ولم تأخذي بأذناب البقر، وما دمت لم ترضي بالزرع، وما دمت قد تركتي الجهاد في سبيل الله، فكيف يرفع الله شأنك وينزع ذلاً ما لم ترجعي دينك، هكذا قد قال رسولك ونبيك!

فأين نحن من المكانة التي وضعنا الله فيها، ومن الرسالة التي كٌلفنا بحملها، أين نحن من تطبيق أحكام الله، أين المسلمون منا، ونحن نذبح في رمح الله وجمجمة العرب العراق، ونقتل في بلاد بيت المقدس، ودماؤنا تسيل في كابل، وتُراق في وزيرستان، وكأنها رخيصة لا قيمة لها.. ألا من نهضة ووقفة للحفاظ على أعراضنا ودمائنا ومقدساتنا وحرماتنا، ووحدة بلادنا، أما آن الأوان لهذه الأمة أن يتحرك حنينها إلى العزة، وتعود لعصرها الذهبي، يوم كانت تحكم مشارق الأرض ومغاربها، أين ذاك الخوف المرعب الذي يداهم كل من يفكر في التجرؤ على حدود قرية مسلمة؟!
فيا أمة الإسلام ألا من هارونٍ رشيدٍ ليقول للغمامة (أمطري حيثما شئتي فسوف يأتيني خراجك)، ألا لصلاح الدين من عودة، ألا لسيف الله المسلول من نهضة، ألا لسعد بن أبي وقاص من كرة ، ألا للقعقاع من صرخة مدوّية أخرى، فقد جاوز الظالمون المدى، أما حق الجهاد وحق الفدا!؟

أما آن لأمة الإسلام أن تنتفض من جديد، وتعيد لنا مجيدنا التليد، أما، أما، أما يا مسلمون!؟

بقلم حسين المعاضيدي

hussein.almaadidi@gmail.com

المصدر :