الجمعة، 24 أبريل 2009

هل ستكون لك بصمة؟

الحمد لله حمدا حمدا، والصلاة والسلام على الحبيب دائما أبدا... الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً،

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً سرمدين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد:

عباد الله: عندما نرى واقعها المرير وانحدارها السريع...


عندما نتأمل حالها وما آل إليه أمرها من ذل وهوان وتخبط وضياع...
وعندما نراها تُقاد بعد أن كانت تقود...
عند ذلك يعترينا الألم وتعتصرنا الحسرة لوضعها البائس.. فنحاول جاهدين للتغيير شرط أن يكون تغييرا شرعيا صحيحا، فنبرأ الذمة ونعتق رقابنا من ميتة الجاهلية. قال صلى الله عليه وسلم: (...وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ ‏بَيْعَةٌ ‏مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً) رواه مسلم
لنعيد لأمتنا نبضها من جديد، فنحاول ولو بترك بصمة يكون لها أثر كبير في سبيل التغيير... فلكل منا بصمته الخاصة والمميزة وموهبة يتفرد بها عن من حوله.. ويتكامل ذلك إن سخره لخدمة الدين وتغيير الأمة نحو ما ارتضاه الله لها أن تكون عليه، قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران 110
وهذا يعني أن هذه الأمة أرادها الله أن تقود الأمم الأخرى، وتحمل لها الرسالة، وتوجه العالم لتنقله من الظلمات إلى النور.
ولكنا نراها اليوم ممزقة مغلوبة ذليلة مقلدة تلهث وراء الأمم الكافرة ألا يؤثر فيك، أيها المسلم، هذا الواقع المخزي، ألا يحرك فيك شعور المؤمن ونخوة المسلم، لترفض ما أراده لك الكفار، وتسعى لتتبوأ المنزلة التي أرادها لك الله، واسطة العقد وقائدة الأمم: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ البقرة 143
عباد الله: اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، والله سائلنا عن ما استرعانا واستخلفنا فيه، فما الذي سنتركه من أثر بعد رحيلنا؟ وأين هو ما غيرناه في هذه الحياة الدنيا؟ هل حاولنا أن تغذ السير نحو التغيير الجذري لهذه الأمة المنكوبة لنرتقي بها وبالعالم أجمع؟ هل بلّغنا رسالة ربنا بالطريقة التي أمرنا بها عز وجل؟
كي يكون الأثر باقٍ وليغيير الكثير من بعدنا لابد أن يكون لنا هدف سامٍ نعيش من أجله ونموت عليه بعد أن نقوم بكل ما بوسعنا في تحقيقه، فنترك تلك البصمة التي ستُحفر في صحائفنا أولاً ثم تُغيّر ملامح الدنيا ثانياً، ونذهب عن الدنيا مخلفين وراءنا أثراً باقٍ يغيّر الكثير من بعدنا ويذكروننا به..
ولو تأملنا في سير سلفنا الصالح لرأينا أن أهدافهم كانت كثيرة ومتجددة فكلما وصلوا إلى هدف طمحوا إلى غيره إلى أن وصلوا إلى القمة وانتهت رحلتهم هناك لكن بقيت آثارهم وما غيروه خالدا ومشهودا لهم حتى يومنا هذا..
وقبل كل هذا كان ديننا الحنيف الداعي الأول للتخطيط وتحديد الأهداف، فقد خلق الله تعالى الإنسان لهدف وغاية واحدة خلقنا لعبادته واستخلفنا في الأرض لعمارتها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات 56
الهدف هو دوماً احدى عوامل النجاح، فمن لا يضع هدفاً يسير باتجاهه سيتخبط خبط عشواء في كل الاتجاهات ليصل إلى لا شيء، ويبتلع الفشل سنين عمره التي مضت هباءً منثوراً.
فهذا الحسن البصري رحمه الله يقول: (أرى أن الإسلام يوم القيامة ينظر في وجوه الناس ويقول: هذا نصرني، وهذا خذلني، هذا نصرني، وهذا خذلني... حتى يرى عمر بن الخطاب فيأخذ بيده ويقول: يا رب لقد كنت غريبا حتى أسلم هذا الرجل).
يا الله... هذا هو الفاروق
هذا هو عمر رضي الله عنه ترك الدنيا وراءه وقد عمّرها بالعدل والحق، حمل هم الأمة جميعا، عمر الذي شهد له أعداءه بعدله وزهده، وشهدت له البشرية جمعاء بالخيرية، يقف الاسلام شاهدا على بصمته وأعماله ومواقفه للاسلام ونصرة أهله، وكفى بالله شهيداً وهو خير الشاهدين.
فانتبه يا عبد الله:
إن موقف الحشر موقف مكروب ذليل يثير الفزع والخوف، فما ظنك بمن يؤخذ بناصيته ويقاد، وفؤاده مضطرب، ولبه طائر، وفرائصه ترتعد، وجوارحه تنتفض، ولونه متغير، ولسانه وشفتاه قد نشَفا، وقد عضّ على يديه، وضاقت عليه أرض المحشر كأضيق من سَمّ الخِياط، مملوء من الرعب والخجل من علّام الغيوب، وقد أتي يتخطى رقاب الناس ويخترق الصفوف، يُقاد كما يقاد الفرس المجنوب وقد رفع الخلائق إليه أبصارهم حتى انتهِيَ به إلى عرش الرحمن، فرموه من أيديهم، وناداه الواحد الديان فدنى بقلب محزون خائف وجل، وطرف خاشع ذليل، وفؤاده متحطم متكسر، وأعطي كتابه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. فكم من حكم بما أنزل الله عُطّل وهو ساكت عنه فتذكّره، وكم من منكر رآه فلم ينكره، وسفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول: "إني لأرى المنكر فلا أتكلم، فأبول دمًا"، رحمه الله تعالى اشتغل بإنكاره واهتم له، فصاحبه في أكله وشربه، ونومه وقعوده وفي كل شؤونه؛ حتى بال الدم من شدة الهَمِّ والغَمِّ لوجود هذا المنكر. وكم من صرخة "وا معتصماه" خرجت من أفواه نساء المسلمين في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والشيشان فكان عنها أعمى وأصم، وكم من أعراضٍ انتهكت تحت سمعه وبصره فلم يفكر في نصرتها وقال لا أسمع لا أرى لا أتكلم، وكم وكم وكم... فليت شعري بأي قدم يقف بين يدي الله، وبأي لسان يجيب، وبأي قلب يعقل ما يقول، وبأي يد يتناول كتابه، بل وبأي عين ينظر لرب العالمين.
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ً لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) مريم 95
عباد الله:
ما كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه أن يفرّ منه الشيطان لولا جرأته في قول الحق ولو كان مراً.
وما كان لصهيب الرومي رضي الله عنه ان ينال وسام قول النبي صلى الله عليه وسلم له: "ربح البيع ابا يحي" لولا تضحيات جمّة عظيمة.
وما كان لسمية رضي الله عنها أن تشم رائحة الجنة لولا ثباتها على الحق في وجوه الظلمة.
وما كان لانس بن النضر رضي الله عنه ان يبرَّ الله بقسمه لولا ثباته على تقطيع قريش لجسده الطاهر.
وما كان بلال رضي الله عنه لينال شرف السيادة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بلال سيدنا" لولا صبر على رمضاءٍ حمها اذاب ظهره.
وما كان لسعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه أن يهتز عرش الرحمن لموته، لولا نصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد 7
وخلف من بعد ذلك الخلف الكريم خلف أضاعوا دين الله واحتكموا الى شرعة الطاغوت، فتآمروا على المسلمين وفرقوا جماعتهم ومزقوا بلادهم الى دويلات كرتونية تحول دون وحدتها وعودتها من جديد تحت كيان دولة واحدة وامام واحد، فلم تعد الارض تحكم بالاسلام وشرع الله غائب ومعطل، فلا جهاد ولا فتوحات ولا تطبيق لاحكام الاسلام، وتاه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها يبحثون عن مخرج أو ملجأ أو مُدخلا. فعربد الكافر في بلادنا وصال وجال، وما استأسد البغل إلا لما خبت رؤوس الضياغم، وعاثوا في الارض فسادا وتقتيلا وسامونا سوء العذاب، فذبحوا أبنائنا واستحيوا نسائنا ومسّنا بذلك عذاب أليم. وتخبط بعض الشباب في دوامة من الضياع في أمواج متلاطمة، ضاعت أهدافهم وسادت التفاهات والسخافات فاحتلت أولوياتهم، وأصبح العبث بعقول شبابنا وحرفهم عن الطريق السوي هدفهم وتصدرت دور الأزياء والموضة همومهم، ثم غدا تحدي الأصوات بالغناء والرقص في المحافل شغلهم الشاغل فضاعت بيت المقدس ولحقتها أفغانستان والشيشان ودجلة والفرات ولا ندري أين المصيبة ستكون غداً.. فأصبحت الأمة في حالة من الضعف والهوان، وكل ذلك أن ولي أمرنا حكام لا يستنون بسنتة المصطفى عليه السلام ولا بهديه، أضاعوا الدين واتبعوا الشهوات، فكانوا للمخلصين العاملين لاعادة عزّهم ومجدهم خصيما مبيناً.
ومن بين أطلال هذا الضياع واليأس وسيادة الصمت ما زال في الأمة الخير الكثير من شباب آخر صاعد بهمة متوقدة وعزيمة مشتعلة تتوق للأمجاد وتسعى إلى الانتصارات، فنفوسهم موصولة بالجنان، وضعوا بصماتهم في مشارق الأرض ومغاربها، أرّقوا حكامهم الخونة ومن وراءهم قادة الغرب، يسعون للتحرير من هيمنة شرعة الطاغوت والانعتاق من ربقة الكافر المستعمر، وحكم العالم ولا أقول الأمة الاسلامية فقط، العالم أجمع، حكمه بالاسلام لنعود منارة الدنيا، وبيضة القبان.
هكذا ارتضى الله سبحانه وتعالى لنا أن نكون أيها الناس، فأنتم لستم شعباً يتيماً، بل أنتم جزء عريق كريم من أمة عظيمة كريمة، هي خير أمة أُخرجت للناس، وهي أمة قادرة على التحرير وعلى ما فوق التحرير، ألا وهو تحقيق السعادة للبشرية جمعاء من خلال مبدأ الإسلام العظيم. فاعملوا لتكونوا شركاء في تحقيق وعد الله تعالى وبشرى رسوله الكريم (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، فإن خليفة المسلمين هو الذي سيقود جحافل الفتح والتحرير قريباً بإذن الله تعالى وسيضع بصمة الأمة على سطح الأرض برّها وبحرها ومشارقها ومغاربها، وما ذلك على الله بعزيز.
فكن أخي المسلم ممن يضعون بصماتهم في تغيير هذه الحقبة الزمنية العسيرة، وليسبق عملك فكر واع على الاحكام الشرعية ووعي سياسي يرعى شؤون أمته كي لا يقطف ثمار بصماتك أعداء الأمة. وانفض عنك أخي المسلم غبار اليأس وثق بأنك إن كنت مع الله كان الله معك: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ﴾.
واخلع عنك رداء الأنانية واعلم أن مصلحتك الحقيقية هي بالتضحية في سبيل الله ما عندكم ينفذ وما عند الله باق.
واقلع عن كل تبعية لأي فكر غير الفكر الإسلامي وتحدَّ أفكار الكفر ولا تسكت: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
لا تبقَ وحيداً في عملك، بل لا بد أن تضع يدك بيد الفئة المؤمنة العاملة معاً فالعمل الفردي لا ينتج: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾. والعَمَلْ لا يكون لأجل العَمَل فقط، بل لأجل تحقيق غاية واضحة محدَّدَة كما اسهبنا وهي إعادة الإسلام إلى واقع الحياة.
فاختر لنفسك أخي المسلم، إما أن يُشير إليك الاسلام يوم القيامة فيقول يا رب: هذا خذلني!! أو يقول: يا رب هذا نصرني!!!
إما أن تعيش بلا معنى أو غاية، وتكون مجرد زيادة عدد في هذه الدنيا، ليس لديك هدف ولا إنجاز، فتذهب عن هذه الدنيا وكأنك لم تكن، بل زدت رصيد سيئاتك ضغثا على ابالة، أو تعيش بهدف سامٍ وغاية نبيلة، تسعى لاستئناف الحياة الاسلامية من جديد بإقامة دولة الخلافة الاسلامية، فتكون كعمر وسعد وخالد وصلاح الدين، أؤلائك الأخيار الأبرار الذين حُفرت بصماتهم في تاريخنا حفرا إلى يوم الدين، وعندها ان مت تكن آثارك بيّنة وبصمتك واضحة.. وسيرتك محمودة عطرة تتخللها رحمة يرسلها إليك داعٍ لك ممن يذكرونك وأنت تحت التراب والجنادل، وقد انقطع عملك وصرت بين يدي الله عز وجل يسألك عن شبابك فيم ضاع وعمرك فيم أفنيته... وقل اعملوا وتيَقنوا فلسوف يَحصُدُ من بَدَر.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) التوبة 105

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم عبد الرحمن المقدسي (تراب)