الأحد، 12 سبتمبر 2010

الفرد والمجتمع تميزّ وسعادة


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الطريقة الخاصة بالمجتمع المسلم هي التي تضفي عليه صبغة هذا المجتمع ذو الطراز المتميز على هذا الفرد فيصبغ هذا الفرد بصبغة هذا الدين وصدق الله العظيم {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} البقرة138، فالصبغ المادي هو الذي يُلون الثياب بلونه وكذلك الدين صبغة، لان هيئته تظهر بالمشاهدة من اثر الطهارةِ والصلاة والصوم والحج والزكاه وغيرها في قوله تعالى {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} الفتح29، فكان هذا الايمان الذي يحمله المسلم هو صبغة الله تعالى ليبين ان المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله لعباده وبين الدين الذي اختاره المبطل، ظاهرةٌ جلية كما تظهر المباينة بين الاصباغ لذي الحس السليـم الـذي يميز بين الصبغ الابيض والصبغ الاسـود.وصدق الله العظيم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم30، فالشرع يحافظ على كرامة الفرد ولا يمتهنها حتى يبقى الفرد واثقاً بنفسه من انه مكون اساسي ومهم وله اعتباره ومجاله الذي يُحترم من قبل المجتمع من ناحية عزته وكرامته.

ان الايمان حين يلامس شغاف القلب يرق هذا القلب رقة تؤثر في الجوارح تأثيراً مباشراً في قوله تعالى{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر23، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) فكان الانسجام والتناسق بين الاعتقاد وبين التصرف حاصل لا تعارض فيه ولا اختلاف وهذا الامر لا يوجد الا عند المؤمن فلا يحمل المؤمن الضدين بين اعتقاده وتصرفه وهذا هو المقصود بالتميز.

اما على مستوى المجتمع المسلم فإننا وكما نعلم ان المجتمع يتكون من افراد وافكار ومشاعر واحاسيس ونظام وهنا ايضاً تميز آخر في هذا المجتمع فكما ان الفرد المسلم يتميز عن غيره فكذلك المجتمع اذ لا تناقض ولا اختلاف ولا انحراف بين مكوناته فالنظام ايضا يصبغ المجتمع بصبغته، وهذا النظام من عند الله عز وجل وهذه القوانين ان شئت تسميتها فانها احكام شرعية نلتزم بها ونستقبلها ونتعاطى معها كما نتعاطى مع الصوم والحج وصدق الله العظيم {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82.

إن الاحكام الشرعية قد جاءت للعلاج وليس للتطبيب والفرق واضح بيّـن، فالعلاج: هـو الطريقة الشرعية للتعاطي مع كل امر او كل مشكلة ويؤخذ بالتسليم المطلق {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء82، وأما التطبيب فإنه يخضع للتجربة ولنظرية الاحتمالات فقد ينجح ويحصل الشفاء وقد لا ينجح وهذا هو الفرق بين نظام انزله الله ونظامٍ وضعه البشر فلا يُسمع قول القائل بالتجربة الاسلامية واطلاقها كمفهوم فالاسلام لا يخضع للتجربه.

ان نظام الاسلام وأحكامه التي تضبط المجتمع وتصبغه لا تخضع للتخمين بل هي التي عينها الله عز وجل وهي السبيل القويم الموصل حتماً لنوال رضوانه في الآخره وللسعادة في هذه الدنيا في قوله تعالى{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء9، على عكس النظم والقوانين التي يفهمها البشر فما كان صالحا منها ليوم في نظرهم غير صالح في يومٍ آخر وما هو عدل بالنسبة للبعض هو ظلم بالنسبة للبعض الآخر، فترى ان من افراد المجتمعات الاخرى من لا يرى العدل في مجتمعه، ومنهم من يرى العدل في جانب ويرى الظلم في جانب آخر ومنهم من يرى العدل في زمن ولا يراه في زمنٍ آخر، بعكس المجتمع المسلم فإن الانسجام كله موجود بين النظام وبين افراد هذا المجتمع لانهم يعتقدون انهم يعبدون الله ويطلبون طاعته بتنفيذ امره ونهيه بتطبيق اوامره ونواهيه وهنا تكمن قوته.

نعم إن قوة الدولة لا تكمن في عدد جيشها او قوة الحاكم والملأ ولا تخضع قوةً وضعفاً تبعاً للغنى والفقر مطلقاً فكلها متغيرات والمتغير لا يعتبر قاعدةً يبنى عليها.

إن قوة المجتمع المسلم تنبع من انصهار الافراد بالافكار حتى يتوحد الجميع في قضية الفرح والحزن وتنبثق المشاعر والاحاسيس عن هذه الافكار وليس غيرها وأن يكون تطبيق الاحكام الشرعية هو مطلب الجميع طاعة لله عز وجل، وأن الدولة بنظر الافراد هي الاب والام.

إن القوة إن نسبت لغير الفكر فإنها تعتبر قوة نسبية أو تذوي إن أتى عليها الزمن، يعني أن مظهر القوة لا يعني وجودها حتماً بل إن مظاهر القوة في بعض الاحيان والحالات قد يعني الضعف او اخفاء هذا الضعف فالاتحاد السوفيتي مثلا كانت تبرز فيه مظاهر القوة لتخفي ضعف الفكر الموجود فهوى مرةً واحدةً دون سابق انذار وايضـا فرعون عندما كان في اوج قوته بنظـر نفسـه دفعته للقول ( انا ربكم الاعلى ) ثم اخبرنا ربنا عز وجل فقال {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الأعراف130، واما القوة المعينة لنا من الله عز وجل فهي ان تحمل هذا الاعتقاد حملاً قوياً فلقد خاطب ربنا عز وجل موسى فقال {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} الأعراف145، وقوله تعالى {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ} البقرة93.

وهـذا ما تعلمنـاه من سيد الخلق من قوته في حمل دعوةِ الله حين حاربه أهله فقال ( والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ) فكانت قوته صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته مستمدة من الفكر الذي يحملونه اعتقاداً لا شك فيه يفيض على جوارحهم حتى يقول قائلهم :
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي

فكانت قوة الدولةُ المستمدةُ من عقيدتها وشرع ربها قوة لا تضعف ولا يأتي عليها عامل الزمن بل هي قوة مضطردة يحملها الخلف عن السلف، تدفع للعمل بالإتجاه الذي يرضى عنه الله.

إن الإسلام مبدأ عقيدة وأحكام شرعية فلا يمكن الفصل بين هذه وتلك وهذا ما فهمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال ( والله لأحاربن من يفرق بين الصلاة والزكاة ) فكما ان العقيدة الإسلامية تصبغ المجتمع بصبغتها وكذلك الأحكام الشرعية فإنها تصبغ العلاقات بين الناس في المجتمع المسلم بصبغتها، إذ أنه لا يتأتى للمجتمع المسلم أن تكون العلاقات بين الناس فيه على غير أساس الأحكام الشرعية، فالبيع والاجارة والشركات والزواج وغيرها من العلاقات لا بد أن يكون ضابطها الأحكام الشرعية التي ينفذها الفرد على أساس أنها دين الله ويعبد الله بإتباعها، وكذلك لا يجوز للدولة التي تصف نفسها بالإسلامية إن طبقت غير شرع الله، فعلاقة الدولة بالرعية وعلاقة الرعية بالدولة وعلاقات الرعية بعضهم مع بعض لا تقوم داخل المجتمع المسلم إلا على أساس الأحكام الشرعية.

إن الأحكام الشرعية قد شرعها ربنا لتنظيم حياتنا وتحديد علاقاتنا حتى نحيا في هذه الحياة الدنيا ضمن دائرة مرضاته تعالى وطاعته، فلا توصف الأحكام بأنها شرعية إلا إذا كانت موصولة بالعقيدة، فقد توجد أحكام ولكنها لا تسمَّى شرعية لعدم إتصالها بالعقيدة والقانون الذي يفرضه الغاشم بقوته وقهره وبطش جنده لا يسمَّى شرعياً لإنقطاعه عن الوحي ولو كان خلف هذا القانون مشايخ السلطان وأتباعه.

إن أخص خصائص الألوهية هي الحاكمية وإنها له وحده عز وجل وهي التي تؤثر في المجتمع قوةً وضعفا، وأن شرعه الذي سنه للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له، وهي التي يجب أن تحكم هذه الارض، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس، فالمسألة مسألة إيمان وكفر أو إسلامٍ وجاهلية ولا وسط في هذا الأمر ولا صلح، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله ولا يحرفونَ منه حرفا ولا يبدلونه، والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله.

أما الناس فإما ان يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضائه في أمورهم فهم مؤمنون.... وإلا فما هم بالمؤمنين ولا وسط بين هذا الطريق ولا ذاك ولا حجة ولا معذرةَ ولا إحتجاج بمصلحة، فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية.... وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم او شريعة،وليس لأحد من عباده ان يقول إني أرفض شريعة الله أو أنني أبصر بمصلحة الخلق من الله..... فإن قالها بلسانه او فعلها فقد خرج من نطاق الايمان.

قال الطبري : إن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين يهودي خصومة في أرض فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان المنافق مبطلا فأبى من ذلـك وقـال : إن محمداً يحيف علينا فلنحكّم كعب ابن الأشرف فنزلت{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{47} وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ{48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ{49} أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} النور: 47 - 52.

إن دافع تقوى الله عند المؤمن داخل المجتمع المسلم يجعله يقف عند حدود الله فلا يتجاوزها طاعة له عز وجل وليس خوفا من غاشم... في إطار علاقته مع نفسه وعلاقته مع غيره وعلاقته مع الدولة، وكذلك الامر بالنسبة للدولة فإن علاقتها مع الرعية لا تقوم على أساس القمع والبطش وإنما تقوم على أساس الرعاية والحفظ، فأمير المؤمنين يسوس رعيته لما ينفعهم في الدنيا ويصلح شأنهم، وليدخلوا الجنة في أخراهم وليس كما نرى اليوم من أن مغتصب السلطة الغاشم يأخذ الناس بالبطش والتنكيل ليطيعوه خوفاً ولا يعبأ بهم أدخلوا النار ام دخلوا الجحيم فالمهم عنده أن لا يخرجوا عليه وأن ينقادوا له.

فكان الامر داخل المجتمع الاسلامي يختلف اختلافاً بعيداً عما نراه ونعيشه اليوم فهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه عكرمة عن ابن عباس (المسلمونَ تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم ) هذا بالنسبة للأفراد وأما بالنسبة للخليفه فيقول الماوردي ( إن الخلافة موضوعة لخلافة النبوة.... موضوعة لحراسة الدين والدنيا..... وهي نظام واجب بالإجماع، وأول إختصاصٍ للخليفةِ حفظ الشرع، فتعيين الإمام واجب على الجماعة الاسلامية).

إن أمير المؤمنين بوصفه ولي أمر يرعى الشؤون ليوصل من يرعاهم من المسلمين لجنة عرضها السموات والارض وهذه هي السعادة بنيل رضوانه عز وجل – ولا ينصب همه لكي تستقيم له أمور دولته أو تستقر حالته ولا يعنيه أشقيت به الرعية أم سعدت، بل إنه يرعى شؤون حياتهم في الدنيا بأمر الله ونهيه لتستقيم امور آخرتهم، فزجره... لجبرهم في الآخرةِ وليس لعذابهم وقهرهم وإفقارهم في الدنيا.

إن عمل أمير المؤمنين الذي يرعى الشؤون لتحقيق السعادة لرعيته في الدنيا والآخرة، ليس كعمل مدرب فريق الرياضة، فالمدرب ينصب كل همه على أن يفوز فريقه بغض النظر عن كون اللاعبين سعداء أم تعساء في بيوتهم حافظوا أم خالفوا الأحكام الشرعيه صاموا أم لم يصوموا فلا تهمه هذه الامور مطلقا بل إن كل همه أمر واحد هو فوزهم في المباراة وبعد ذلك فلا ضير عنده إن ذهبوا الى الجحيم.

أما أمير المؤمنين الذي هو الراعي الذي يذود عن غنمه ويرعاها ليس لأجل حليبها ولحمها ونتاجها.... بل يرعاها لتستقيم على منهج الله، فإنه يعبد الله برعايتهم وهم يعبدون الله بطاعته.

إن السعادة للمسلم لا تتحقق إلا داخل دولته وفي كنف الخليفة فإنها في الدنيا السعي في طريق طلبها بالتقيد بأمر الله ونهيه وإقامة شرعه والوقوف عند حدوده والرضى بقضاءه والصبر عند البلاء وشكره على نعمه ودوام الدعاء والتضرع له حتى إذا وصلنا إلى الآخرة كان رضاه عنا هو السعادة التي ليس بعدها سعادة وهي النعيم المقيم الدائم الذي لا يزول.

إن هناك فرق بين طلب رضوان الله ونيل رضوانه فالسعادة في الدنيا كذلك غير السعادة في الآخرة.... وهنا لابد أن ندرك أن طلب رضوان الله في الدنيا بالتزام أمره ونهيه هو السير في الطريق الموصلة لرضوانه عز وجل، إذ أن رضوانه لا يناله أحداً إلا عبر هذا الطريق وصدق الله العظيم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28، وهذه هي سعادة الدنيا لأن الله جل وعلا قد هدانا للطريق الموصل لنيل رضوانه.

إن رضى المسلم واطمئنان قلبه هو أصل سعادة المؤمن في الدنيا ولا يكون هذا الأمر إلا في كنف أمير المؤمنين فكان العمل لإيجاد الخلفيه طلباً لنيل رضوان الله عز وجل، فلا يهنأ المؤمن ولا يسعد ولا يطمئن قلبه وهو يحكم بغير ما أنزل الله ولا يطمئن قلبه ولا يسعد وهو يرى دماء المسلمين تسيل بسبب وبغير سبب في الصباح والمساء.

ومع الأسف فإن كثيراً من الناس يجهلون طريقها ويخطئون في طلب السعادة من غير أسبابها ووسائلها فيقعون في متاهات كثيرة وتخونهم الأماني فلا يجدونَ ما ينشدون وتتكشف لهم بعد فوات الأوان أنهم كانوا يطلبون الشراب من السراب، ويرجونَ الأمن من متن العباب وبدا لهم أنهم كانوا يحرثون في الماء ويبذرونَ في الهواء

فمن تصور أن السعادة بالمال أو الجاه أو بكثرة الولد أو بالمجد حتى إذا ظفر بما تصوره سعادة لم يكن إلا شقاءَّ أو زيادة أعباء وما أحسَّ لا بهناءة عيش ولا اطمئن له قلب.

ان المؤمن الذي أدرك وآمن أن الجنة قد حفَّت بالمكاره وأن النار قد حُفَّت بالشهوات ليدرك وهو يسير في طريق السعادة لنيل رضوان الله أن المكاره التي تُلمُّ به والأذى الذي يصيبه لا يخرجه عن كونه سعيداً بالطريق التي يترسمها لأنه قد أدرك أن لذة السعادة بإطمئنان قلبه لقضاء الله عز وجل يهوّن عليه هذا الاذى.

الكاتب: جواد عبد المحسن الهشلمون

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

صفات الامة الاسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) صدق الله العظيم

فهل لا زلتم على ما وصفكم الله به؟

- كنتم خير امة يوم كنتم امة واحدة عربا وعجما واتراكا واكرادا لا فرق بين ابيض واسود ولا اصفر ولا احمر الا بالتقوى ، تعتصمون بحبل الله جميعا، سلما بينكم حربا على اعدائكم ، بعضكم اولياء بعض ، ينصر بعضكم بعضا تقاتلون عدوكم صفا واحدا.

- كنتم خير امة يوم كنتم تحملون رسالة الاسلام لاخراج اهلها من الظلمات الى النور فيعتنقون عقيدتكم ويتلسنون بلغتكم ويصيرون جزءا منكم لهم مالكم وعليهم ما عليكم.

- كنتم خير امة يوم كنتم دولة واحدة لا يفصل بين ولاياتها حدود او سدود، ثغورها محصنة بالمرابطين والمجاهدين، ودعوة الاسلام عامة للعالمين ، تستظلون بنظام الاسلام وتحتكمون الى القرآن ، بهذا كنتم خير امة اخرجت للناس.

فلما تركتم الاحتكام الى كتاب ربكم وركنتم الى قوانين اعدائكم تنازعتم ففشلتم وذهب ريحكم فغدوتم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ، فحال حالكم وتغيرت احوالكم ودالت دولتكم وزال سلطانكم ، ورسخت فيكم نعرة القومية فجزئت بلادكم فغدوتم دويلات قومية متعددة واقطارا متباعدة ، وصرتم عربا وعجما متصارعين متحاربين واتراكا واكرادا متقاتلين ، وصار العربي اجنبيا في تركيا ، والتركي اجنبيا في البلاد العربية ، فضعفت فيكم رابطة الاخوة الاسلامية، وعمقت لديكم الوطنية الاقليمية ، فصرتم اردنيين وفلسطينيين ومصريين وسوريين وصار ولائكم للوطن بعد ان كان ولائكم للاسلام، وصار المسلم اذا اعتدى عليه عدوه في بلده لا ينصره اخوه المسلم في القطر الآخر بحجة انه ليس من ابناء وطنه، فحلت رابطة الوطنية محل رابطة الاخوة الاسلامية ، ففقدتم ميزاتكم التي جعلكم الله بها خير امة اخرجت للناس :

1- كان اولى ميزاتكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن الامر بالمعروف حمل الاسلام والدعوة اليه والجهاد في سبيله.فتخاذلتم وصارت الامم تحمل اليكم مبادئها وتغرض عليكم حضارتها وتنشر بينكم مفاسدها ، فحلت الخمرة في دياركم وصار الربا عمدة اقتصادكم ، وغزاكم عدوكم بالحرية التي تفرض على المرأة المسلمة خلع حجابها وابداء زينتها ومفاتنها. والزمكم بالديمقراطية التي تجعل الحاكمية لمجلس الامة اي للطاغوت بدل ان تكون الحاكمية لله. وصار التمسك بشرع الله او بتركه خاضعا لغالبية الاصوات، فصار الدين موضع مساومة ، فان قررت غالبية الاصوات ترك شرع الله ، وجب على القلة المتمسكة بشرع الله ان تتركه لانها رضيت من الاصل بحكم غالبية الاصوات فخاضت معركة الانتخابات وهذا خروج من الملة.

2- وثاني ميزاتكم النهي عن المنكر ومن المنكر منعكم من حيازة اسلحة الدمار الشامل وتركه بأيدي عدوكم، والله تعالى يقول( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وبدلا من ان تنكروا رضيتم به، ومن المنكر الدعوة للعولمة والخصخصة وبدلا من انكارهما استجبتم لهما فبعتم اموال الامة العامة لاعدائها يستغلونها ويرفعون اسعارها على الرعية ، وفتحتم اسواق بلادكم لسلع اعدائكم لتنافس سلعكم فتكسدها ويزداد فقركم.

3- وثالث ميزاتكم ان جعلكم الله امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس اي عدولا في الشهادة على الامم انكم بلغتموهم الاسلام ، فهل بلغتموهم؟ وما هو جوابكم حينما تسألون يوم القيامة ؟

قد يقول واحدكم نعم وصلهم البلاغ بواسطة الاذاعات ووسائل الاتصالات وبواسطة الافراد والجماعات .

فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هكذا علمتم كيف يكون التبليغ ولا هكذا كانت رسلي تبلغ قادة الامم والشعوب، ولكن علمتم ان يكون التبليغ لافتا للنظر بحيث لا يجعل لهم الخيار في قبول الاسلام او عدم قبوله وكفى، بل كان التبليغ مصحوبا بالاستعدادات العسكرية ، اما اعتناق الاسلام واما الخضوع للحكم تحت سلطان الاسلام مع دفع الجزية ، واما القتال وفقا لقوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).

فهل اعددتم العدة لتكونوا قادرين على ابلاغ الامم الاسلام بشكل لافت للنظر؟

لا، بل الامم الآن تبلغكم مبادئها وتلزمكم العمل بمفاهيمها كالسلام العادل الشامل وحقوق الانسان والعولمة والخصخصة، فصار الجور عندكم عدلا والذل عزا والهزيمة نصرا والحق باطلا والصلح مع العدو مصلحة وربحا.

4- ورابع ميزاتكم ايمانكم بالله تعالى ، وهذا يقتضي ان يكون هوى كل منكم ورغبتكم فيما اتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله( لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) ولقد جاءنا الرسول بشرع الله والحكم بما أنزل الله ، فاذا لم يكن شرع الله وحكمه هواك ومطلبك فاعلم ان ايمانك لا زال ضعيفا، واذا لم تحزن لمصائب المسلمين وتمتعض من الظلم والظالمين فتحسس قلبك ستجد انك خالفت قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى.

5- وخامس ميزاتكم هي ان الله تعالى احل لكم الغنيمة من الاعداء والغنيمة لا تكون الا نتيجة الانتصار في القتال ، والقتال لم يشرع الا لنشر الاسلام ولحماية دار الاسلام ونصرة المسلمين، وها انتم قد تركتم الجهاد وتخاذلتم في الدفاع عن ديار المسلمين في فلسطين وافغانستان والشيشان وكشمير وغيرها من ديار المسلمين وليت الامر وقف عند هذا، بل رضيتم بان يكون الداعي الى الاسلام خارجيا والمجاهد ارهابيا.

6- وسادس ميزة هي ان الله تعالى جعل كتابها معجزا وناسخا لما سبقه من الكتب السماوية ليكون التشريع الاسلامي التشريع الوحيد للبشرية، فضمنه قواعد كلية واحكاما عامة ليتسع التشريع الاسلامي لحل المشاكل الانسانية جميعها قال تعالى( تبيانا لكل شيء) ولكي لا يلحقه التبديل او التغيير كما لحق ما سبقه من الكتب تعهد الله بحفظه فقال تعالى( انا نحن نزلنا الذكروانا له لحافظون) فلم يكن حفظه ونسخه لغيره من الكتب عبثا ، بل كان من اجل العمل به، لذلك امر الله رسوله ان يحكم به بين الناس فقال تعالى( وان احكم بينهم بما انزل الله) ولكي لا يظن احد ان الرسول وحده هو المكلف بالعمل به، بين بما لا يدع مجالا للشك ان العمل به واجب على كل حاكم او قاض يفصل الخصومات بين الناس فقال تعالى( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الظالمون )

7- وسابع ميزاتكم ان الله تعالى جعل من رحمته بهذه الامة انه اذا ارتكب واحد منها اثما ثم تاب الى الله بالاستغفار اليه والندم على ما فعل في حق الله اسقط عنه العقوبة ، واذا كان الاعتداء على حق من حقوق الناس وجب عليه الى جانب التوبة والاستغفار ان يعيد لصاحب الحق حقه لكي يقبل توبته ويغفر له، بخلاف اليهودي فقد كانت توبته لا تقبل الا بعد قتل نفسه. قال تعالى( واذ قال موسى لقومه انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم)

واذا ارتكب المسلم حدا من حدود الله بان قتل شخصا خطأ او قطع منه عضوا او جرحه او سرق سرقة او ارتكب فاحشة او ارتكب اثما دون الحد فعوقب على اثمه بالحكم الشرعي سواء بتطبيق الحد عليه ان كان من الحدود، او طبق عليه حكم التعزير، ان كان اقل من الحد، يسقط عنه الاثم في الدنيا والاخرة، لان الله تعالى لا يعاقب على الاثم عقوبتين.

8- ولذلك كان تطبيق الحكم الشرعي رحمة بالمسلمين، قال تعالى( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لأن يقام حد في الارض خير لاهل الارض من ان يمطروا اربعين صباحا) فاذا كان الخير في العمل بحكم واحد من احكام الله يعادل الخير الذي يحصل من نزول المطر اربعين صباحا، فكم وكيف يكون الخير فيما لو كان العمل بكل احكام الله. لذلك لا عجب ولا غرابة ان ترى ان الخير اخذ ينقص على المسلمين وينتابهم الجوع والفقر منذ تركوا العمل بكتاب الله، وكلما ازدادوا بعدا كلما زادوا قحطا وفقرا.

لقد خسرت الامة كل هذا الخير منذ توقفت عن العمل بكتاب الله. هذا في الحياة الدنيا، واما في الآخرة فخسرانها وعذابها اشد واعظم ، ولقد قال الاعرابي مخاطبا ولده مسعود:

ان دام هذا الحال يا مسعود لا ناقة تبقى ولا قعود

ولما لم يكن في استطاعة الامة ان تحقق هذه الميزات الا بوجود الدولة الاسلامية كان عليها ان تعمل لاقامة الدولة وفقا للقاعدة التي تقول ( ما لا يتوصل الى الواجب الا به فهو واجب)

بقلم: يوسف السباتين

معتقلوا غوانتنامو


بسم الله الرحمن الرحيم

أما لهذا الظلم ان ينتهي وللعدل ان ينتصر

تمر السنة الخامسة على معتقلي غوانتنامو في ظل ظروف غير انسانية تهدر فيها انسانية الانسان وكرامته وآدميته، وتدمر قدراته العقلية والنفسية قبل القدرات الجسدية ليصبح كيانا محطما لا يصلح الا للموت ، ويقوم على التعذيب دولة تدعي انها تحترم القيم الانسانية والديمقراطية والحرية وانها تريد فرض هذه المفاهيم على الناس في كافة ارجاء الارض ، دولة تدعي انها دولة القانون والمؤسسات فاذا بها دولة وحشية منحطة في فكرها وثقافتها وانسانيتها.

المعتقل المذكور يضم بين قضبان زنازينه أكثر من 500 محتجز– وفقا للأرقام الرسمية الأميركية - ينتمون لأكثر من 35 جنسية معظمها من العرب خاصة من بلدان كالمملكة العربية السعودية واليمن ومصر والجزائر.

في غوانتنامو تستخدم اساليب قذرة في انتزاع اعترافات المعتقلين ومن بينها إهانة القرآن ولف المعتقلين بعلم إسرائيل.

وكان من المرات النادرة التي اطلع فيها الرأي العام العالمي على بعضٍ مما يحدث داخل غوانتنامو ما نشرته مجلة نيوزويك الأميركية عام 2005 نقلا عن شهود عيان من معتقلين مسلمين أفرج عنهم، حيث ذكرت المجلة أن محققين وجنودا أميركيين من العاملين في المعتقل قد دأبوا على رمي نسخ من المصحف الشريف في المراحيض أو التبول عليها أمام المعتقلين كنوع من أنواع الضغط والإذلال النفسي

هذه القصة الخاصة بالمعاملة مع القرآن الكريم من قبل الجنود والمحققين الأميركيين في غوانتنامو تأتي لتضاف إلى قصص أخرى رددها من أفرج عنهم وكلها تتعلق بأساليب وأشكال مختلفة من الضغوط النفسية، من أبرزها الإغراءات الجنسية التي حاولت بعض المحققات الأميركيات أن تُعرِّض المعتقلين المتدينين إليها.

احتجز أحد المعتقلين في زنزانة مظلمة في سجن تابع لسلاح البحرية في جوانتانامو ثم نقل إلى معسكر دلتا فلم يدل بأية معلومات خلال الاستجواب، حيث نقل إلى معسكر أكس راي ووضع داخل كوخ خشبي وصرخ المستجوبون في وجه هذا المعتقل، وانتهك احدهم حرمة القرآن لإجباره على الإدلاء بمعلومات.

لف معتقل آخر بالعلم الاسرائيلي واغلق فم آخر بالشريط اللاصق لمنعه من تلاوة القرآة الكريم، وغالبا يكون المعتقلون في غرف التحقيق مكبلين بالسلاسل من الأيدي والأرجل ومقرفصين على الأرض بدون ماء أو طعام أو كرسي، حيث تبول معظمهم أو تبرزوا على أنفسهم وتركوا في مكانهم على مدار 18 و24 ساعة أو أكثر. كما يتم خفض مكيفات الهواء لأدنى درجة ثم يترك المعتقل حافي القدمين إلى أن يرتعد من البرد، و في مرات أخرى تغلق المكيفات حتى ترتفع درجة الحرارة عن 100 درجة، حيث كان يرتمي المعتقل على الأرض مغشيا عليه.

كما يستخدمون الكلاب بطريقة عدوانية لترهيب المعتقلين في السجن البحري واستجوابهم على مدى 24 ساعة متواصلة، ويقوم المحققون بالمرور فوق نسخة من القرآن بينما معتقلون مكبلون في كراسي وآخرون مكبلون في سلاسل

كما اجبر محقق معتقلا على ارتداء ملابس نسائية ووضع مواد تجميل والرقص مع إحدى الحارسات في المعتقل.

بقول احد العائدين من المعتقل وهو كرامه سعيد خميس خمسان :

في الحقيقية مورست ضدنا أساليب كثيرة من صنوف التعذيب منها انتهاك العرض وحلق اللحية ونتف الحواجب والرأس وتعريتنا من كافة ملابسنا بما فيها الملابس الداخلية والتشديد بالكلبشات (القيود) حتى تصل إلى العظم وتسببت في إخراج اللحم والقيح ومازالت آثارها موجودة في جسدي وكذا الضرب المبرح وكانوا يدخلون علينا ليلاً ويقومون بالاعتداء علينا بالضرب ويستخدمون الكلاب البوليسية ضدنا لإرهابنا ويدوسون القرآن الكريم بأرجلهم ويأمرونا بالانبطاح أرضاً ويمشون على أجسادنا بأحذيتهم ومازلت أعاني إلى الآن من آثار ذلك التعذيب ومنها التهابات في القلب وأذكر أيضاً من أساليب التعذيب التي مورست ضدنا أنهم كانوا يفرضون علينا السهر الإجباري ويجعلونا ننام بدون ملابس "عرايا" في شدة البرد ويدخلون علينا قوات الشغب لإرعابنا ويضعون وجوهنا في الخلاء( الحمام) ويمارسون شتى أنواع الضرب ضدنا.

ولم تقتصر معاناة المعتقلين في غوانتنامو على من هم خلف القضبان، بل امتدت لتشمل أفراد أسرهم من آباء وأمهات وزوجات وأبناء، حيث قص الكثير من هؤلاء قصصا مؤثرة عن المعاناة النفسية التي عاشوها طوال فترات اعتقال أبنائهم في غوانتنامو فضلا عن الحاجة الاقتصادية التي ألمت ببعض هذه الأسر بعد اعتقال عوائلها."

وقد بات معروفا كذلك -من واقع شهادات بعض من أفرج عنهم وتقارير منظمات حقوق الإنسان- أن الولايات المتحدة استعانت بخبرات بعض الدول التي اشتهرت بتعذيب السجناء لانتزاع اعترافات بعض معتقلي غوانتنامو خاصة ممن صنفتهم سلطات الأمن الأميركية بأنهم "خطر"، فقد تحدث من أفرج عنهم مؤخرا عن إرسال بعض زملائهم إلى مصر والأردن وتونس لبعض الوقت ثم عودتهم مرة أخرى إلى غوانتنامو.

هذه هي الحضارة الأمريكية خاصة والحضارة الرأسمالية عامة فمتى ينتهي هذا الظلم ومتى تنتهي مأساة عضو من هذه الامة ؟ ان من لا يشعر بهمهم ولا يحس باوجاعهم ولا يتحرك لنجدتهم وهو قادر على ذلك ليس من الامة؟ لان الامة كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى والسهر.

على الامة ان تطالب ولاة امورها باجبار امريكا على الافراج عنهم ، ولا يقبل منهم التعلل بالضعف لانهم قادرون على ذلك، قادرون على تحرير رعاياهم لو ارادوا . قادرون على مراوغة امريكا وتعطيل خططها وتفجير الارض من تحت قدميها اذا اقترب منهم خطر امريكا. فاذا كان الامر كذلك، فهم اقدر على اجبار امريكا على الافراج عن رعاياهم.

وان من ابسط مظاهر السيادة في الدول التي تحترم نفسها، انها لا تسلم ابنائها لدولة اخرى لتحاكمهم، بل تحاكمهم هي اذا اجرموا، وان الذين ارسلتهم دولهم للقتال في افغانستان ليسوا مجرمين ليعتقلوا ويحاكموا.

بقلم: نجاح السباتين

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

استقبال العيد عند حاملة دعوة ما بين الأمس واليوم


بسم الله الرحمن الرحيم

في مثل هذه الأوقات من كل عام وفي أواخر رمضان ، تكون الأجواء مليئة بالاستعداد للعيد ، وهذا الاستعداد يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لغيره ..
وهنا سأتكلم عن نفسي وعن تلك الاستعدادات عندي ما بين الأمس واليوم ..
طبعا كنت وما زلت والحمد لله مسلمة موحدة مؤمنة تؤدي الفروض والعبادات كما أمر الله تعالى ،،
ولكن سبحان الله ، شتان ما بين الأمس واليوم في كثير من الأشياء .. ومنها استقبال العيد واالتحضير له .
كيف كان هذا الاستعداد وكيف صار !!
ماذا كانت الاهتمامات وكيف تغيرت !!
وكيف ولماذا حصل هذا التغير ؟!

فيما مضى كنت انشغل في هذه الأوقات بالتفكير في ماذا اشتري للعيد من ملابس وأشياء !!
أين سنذهب من أماكن ورحلات للترفيه عن أنفسنا والاستمتاع بأجواء العيد !!
ما هي الحلويات والأطعمة التي سنعدها في أيام العيد !!
كيف سأتابع الحلقات الأخيرة من مسلسلات رمضان وأنا في انشغال بالعيد !!
ماذا سأشتري " بالعيدية " بعد انتهاء العيد وكيف سأنفقها في متع الدنيا المباحة ؟!
و و و و من اهتمامات فارغة مليئة بحب الدنيا والرغبة بالاستمتاع بمباهجها قدر الإمكان ..

كنت كذلك أفكر بالناس وبحال الفقراء والذين لا يستطيعون التمتع بالعيد لقلة المال معهم ، وأحاول مساعدة بعضهم إن استطعت ، ولكن كان هذا محصوراً في منطقة سكني ومعارفي وربما المدينة ، ومن منظور فردي حسب وجهة نظري في النظرة للأمور من ناحية دينية وأخلاقية بحتة .
ماذا بالنسبة لبقية فقراء المسلمين في العالم ؟ ماذا بخصوص أوضاع المسلمين في كل مكان ؟
لم يكن هذا ضمن دائرة اهتمامي وتفكيري فكل دولة بها أناس وجمعيات عندهم الأخلاق الإسلامية والوازع الديني الذي سيساعدون غيرهم من الفقراء والمساكين .

كنت أحرص على أداء العبادات والنوافل والتسابق في كم مرة أختم قراءة القرآن الكريم خلال هذا الشهر الفضيل ، ولكنها مجرد قراءة وتلاوة بدون تفكر كبير وتدبر في الآيات . والحرص على الذهاب للمسجد لأداء الصلاة خاصة التراويح وكأنها فرض ، مع أنها حتى ليست مندوبة للنساء ، ولا أحرص على أداء صلاة العيد وهي المندوبة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وخلال العشر الأواخر وخاصة آخر الأيام فمعظم الوقت كان يُهدر نهاراً في التنظيف وعمل الحلويات للعيد ، وليلاُ في الذهاب للأسواق لأن أحلى الموديلات لا تكون في الأسواق إلا قبل العيد بأيام قليلة ، وما أدراكم ما الأسواق في هذه الأيام وما يكون فيها من تجاوزات شرعية أراها وأقول في نفسي بما أنني لا أتجاوزها فما لي ولغيري وأخشى عن نصحتهم أن يأخذوا مني موقفاً ويقاطعونني فألزم الصمت .

ولنأت إلى هذه الأيام وبعد حملي للدعوة ..
العيد هو العيد ، والناس حولي هم نفس الناس تقريبا في سلوكياتهم واهتماماتهم .
فماذا تغير ؟! وماذا طرأ من تبديل ؟!
تغيرت أفكاري ومفاهيمي وبالتالي سلوكياتي ، تغيرت نظرتي إلى الأمور ..
باختصار تغيرت الشخصية وأصبحت شخصية إسلامية بعد أن أنعم الله علي بحمل الدعوة .
طبعا بقيت أمور الاهتمام بالبيت واستعدادات العيد العادية ولكن لم تعد هي محور الاهتمام بل ضمن المعقول وبدون مبالغة ..
لم يعد شراء الملابس الجديدة وارتياد الأسواق من الأشياء المهمة في هذه الأيام ، بل بالعكس أصبح هناك توعية للغير من النساء عن توافه هذه الأمور وأنها تأخد من وقتهن الكثير والعمر يمضي وكل دقيقة محسوبة علينا فلا نضيعها في غير مرضية الله تعالى ..
أصبحت العشر الأواخر قدر الإمكان تطبيقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخصيصها بأعمال لا يعملها في بقية هذا الشهر، وذلك لفضلها وخصوصيتها ، ولاحتوائها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

حتى النظرة المحلية المحدودة بالنسبة للمسلمين تغيرت ، فأصبح الاهتمام بالمسلم الذي لا يستطيع تدبير نفقات العيد في الباكستان أو كشمير أو لبنان أو الكويت نفس الاهتمام به في منطقة سكني ، فكلنا مسلمون والرابطة الحقيقية المتينة هي الإسلامية وليست الوطنية أو القومية .
والأكثر من هذا كله التغيير في النظرة المحدودة للحل لمصائب المسلمين ولعدم قدرة الفقراء على شراء طلبات العيد ، وأن الحل لا يكون بالحلول الترقيعية والفردية والصدقة الفردية والزكاة ، بل بالتغيير الجذري وإعادة تحكيم شرع الله بدل تحكيم البشر الفاسد .

فلا أملك إلا أن أقول الحمد لله ثم الحمد لله على نعمة حمل الدعوة التي بها تغيرت أمور كثيرة للافضل وأسأل الله القبول .
وتقبل الله الطاعات .. وعيد سعيد للجميع أعاده الله علينا بعز دولة الإسلام .. وكل عام ونحن لله أقرب

مسلمة

مواقف وعبر من غزوة بدر الكبرى


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كرم الله شهر رمضان بأعظم المعارك كمعركة بدر التي وصفها الله بالفرقان لأنها فرقت بين الحق و الباطل و بين الايمان و الكفر، و بين العبودية للطاغوت المتمثل في قريش و كل ألوان الجاهلية التي تمثلها، من الأشخاص و الأهواء و الشرائع و القوانين الوضعية و العادات و التقاليد، و بين العبودية لله الواحد القهار الذي لا إله إلا هو و لا رب سواه و لا حاكم دونه و لا مشرع إلا هو. فانعتقت البشرية من عبادة العباد وتوجهت لعبادة خالق العباد و أصبحت لا تخضع إلا لشرع الله و حكمه.

إن مواطن العبر من معركة بدر كثيرة، نذكر بعضها للتأسي و الإقتداء حيث قال سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}.



إحقاق الحق و تحطيم الباطل لا يكون إلا بسلطان

بخلاف غيرها من الغزوات و المعارك، كانت غزوة بدر من أولها إلى آخرها من تدبير الله و قضاءه. فقد خرج الرسول صلى الله عليه و سلم في جيش قوامه ثلاثمائة مقاتل لتعقب قافلة أبي سفيان (غير ذات الشوكة) ليغنمها و لم يجهز نفسه لقتال، وكان الصحابة يريدون العير،‎ ولا يريدون القتال، وقد اقرهم الله على ذلك ولم يذمهم، فقال : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)، و لكن إرادة الله و تدبيره كانت خلاف ذلك فهيأ عوامل و ظروف المعركة بشكل لا يمكن معه التخلف، من ذلك أنه جمع الجيشين في مكان واحد و زمان واحد بدقة متناهية، فقد كان جيش المسلمين بالعدوة الدنيا و هو ضفة الوادي القريب من المدينة و كانت قريش بالعدوة القصوى و هي الضفة الثانية من الوادي ولا تفصل بينهما إلا ربوة، حتى لو أن بينهم موعدا لما اجتمعا بتلك الدقة التي قدرها الله و دبرها حيث يقول واصفا هذا الموقف: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). ومن تدبيره سبحانه و تعالى أن أغرى كلا الفريقين لخوض المعركة، حيث أرى الله سبحانه و تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في منامه جيش الكفار قليلا لا وزن له و لا عدة، حتى يستبشروا و يتشجعوا على القتال و حتى لا يفت في أعضد المؤمنين فيختلفوا و يتنازعوا فيما بينهم و هذا من أخطر ما يصيب جيشا يواجه عدوا، قال تعالى ( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

و زيادة في إغراء الفريقين لخوض القتال، تكررت الرؤيا النبوية الصادقة على أرض الواقع حين التقى الجمعان و ذلك بالمعاينة الحسية من كلا الطرفين، حيث بقول تعالى ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، فالمؤمنون كانوا يرون الكفار قليلا لأنهم يرونهم بعين الإيمان، والكفار يرون المؤمنين قليلا لأنهم يرونهم بعين الغرور و العنجهية و الاستكبار. و قد أخبرنا الله سبحانه عن حكمته ومقصده من تدبيره للمعركة في قوله : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) و هذه حقيقة إلهية لا تتغير و لا تتبدل وهو أن الحق لا يحق وأن الباطل لا يبطل في المجتمع البشري بمجرد البيان النظري و النقاش الفكري، بل لا بد للحق من دولة تطبقه على أرض الواقع حتى يدرك الناس عدله و صدقه بالمعاينة الحسية و أن الباطل لا يبطل إلا بجيش تقوده دولة في ساحات القتال لتحطيم الباطل و إزالته من أرض الوجود ليحل محله الحق الإلهي المتمثل في شرعه حتى ينعم الناس بنور عدل الإسلام و شرعه.

الاستعداد للموت في سبيل حماية الدعوة الإسلامية

لما علم النبي صلى الله عليه و سلم بمقدم جيش المشركين استشار أصحابه في قتال قريش، فأدلى أبو بكر و عمر برأيهما، ثم قال المقداد بن عمرو: (يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لدالدنا معك من دونه حتى تبلغه) و سكت المسلمون، فقال صلى الله عليه و سلم : أشيروا علي أيها الناس، و كان يريد بكلمته هذه الأنصار الذين بايعوه يوم العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم و نساءهم، بايعوه على محاربة الأحمر والأسود من الناس، بايعوه على فناء الأموال و قتل الأشراف من أجل حماية الدعوة الإسلامية و صاحبها، و كان صلى الله عليه و سلم يخشى أن تكون بيعة العقبة تعني بالنسبة للأنصار حمايته في داخل المدينة إذا دهمه عدو و ليس خارجها، فرد عليه سعد ابن معاذ رضي الله عنه أرضاه: لكأنك تريدنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه و سلم: أجل، فقال سعد :فقد امنا بك و صدقناك، و شهدنا أن كا جئت به هو الحق، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة،فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، و ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لدبر في الحرب، صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك)، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه و سلم و قال:(أبشروا فقد وعدني الله إحدى الطائفتين، و الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم).

هذا هو موقف المسلمين رغم قلة عددهم وعُددهم، لأنهم نذروا أنفسهم لنصرة الإسلام وإعزازه منذ أن أسلموا ونصروا الرسول، فانجلت غزوة بدر الكبرى عن انتصار الفئة المسلمة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة بإذن الله، قال تعالى:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}، وقال تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}.

و من روائع المواقف التي شهدتها معركة بدر ما قاله عمير بن الحمام الأنصاري عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخٍ بخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قول بخٍ بخٍ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله. [أخرجه مسلم والإمام أحمد]. فعمير كان متيقناً أنه سيقتل في المعركة ومع ذلك دخل المعركة وقاتل حتى قتل.

إن هذه المواقف من الصحابة الكرام ترينا كيف أنهم باعوا أنفسهم لله حتى أصبح همّ أحدهم أن يموت شهيداً في سبيل الله حتى استشهد أكثرهم في الغزوات. وكان من تفوته الشهادة في معركة يتمنى أن يرزق الشهادة في معركة أخرى. ولم تكن الدنيا ولا ملذاتها تشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم، وكان من يحصل على قوت يومه وهو في صحة وأمن فإنه قد نال حظه الأوفر لأنهم آمنوا بما سمعوه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم من قوله: ‹‹من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا›› فلم يكن للقصور العظيمة ولا للمراكب الفارهة ولا للمآكل الدسمة والملابس الفاخرة والملذات الآسرة أي أثر في نفوسهم، فهانت الدنيا في أعينهم واسترخصوا المهج والأرواح في سبيل الله وإعلاء كلمته. حتى كانوا يتسارعون إلى الغزوات ولو لم يجدوا زاداً أو راحلة، قال تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون}، ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنهم كانوا يخرجون وليس معهم شيء حتى أكلوا ورق الشجر وكانوا يخرجون ما لا خلط له، أي كما يخرج البعير. فهمهم الأوحد هو إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وبذلك مكنهم الله في الأرض، وفتح لهم الدنيا وأخضع لهم رقاب الدول، وهم القلة لأنهم صدقوا الله ما وعدوه، فتحقق لهم ما وعدهم به من الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتحقيق الأمن والطمأنينة لهم، حيث قال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.

إن لنا في تسارع صحابة رسول الله في البذل والعطاء والتضحية، وفي عظم طموحهم في ان يصلوا أقاصي الأرض، عبرة و عضة لنا تجعلنا نتأسى فنكون أمة مجاهدة، بحيث تصبح روح القتال والجهاد سجية من سجايانا.

التفريق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات

و لما التقى الجمعان نزل النبي صلى الله عليه وسلم عند أدنى ماء بدر فقال له الحباب بن المنذر :‎يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا انزله الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال"‎بل هو الرأي والحرب المكيدة"قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فاني اعرف غزارة مائه بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"‎فقد أشرت بالرأي". إن قول الحباب ابن المنذر رضي الله عنه كان يدرك أن الأمور التي مصدرها الوحي و هي الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية لا يجوز للمسلم أن يتقدم فيها أو أن يتأخر و لو رأى العقل خلاف ذلك، و لذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم بأن هذا من الأمور التي يجوز أن يدلي فيها المرء برأيه إذ هي من الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها، عند ذلك أعطى رأيه. و هذا يبين لنا أن هناك فرق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها فالأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون وما شاكلها يجوز أن يقررها العقل ما لم تخالف الإسلام كما يجوز أخذها حتى من غير المسلمين وأما الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية فلا يجوز للعقل إلا أن يكون لها خادما أي أن دوره فيها هو فهم الحكم من مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة او مما ارشد اليه الكتاب والسنة، و لا يجوز على الإطلاق أن يؤخذ من غير الإسلام و إن ما يدعم هذا ما رواه مسلم من ان النبي صلى الله عليه وسلم قال"انما انا بشر مثلكم اذا أمرتكم بشيء من أمور دينكم فخذوا به واذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فانما انا بشر"وما روى عن عائشة وانس معا ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا يصلح، قال فخرج شيصا"اي بسرا رديئا"فمر بهم فقال ما لنخلكم ؟ قالوا قلت كذا وكذا قال"‎انتم أدرى بأمور دنياكم".

وجوب اقتران العمل بالدعاء

لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر بين العمل و الدعاء، فقد نظم الجيش و حرضه على القتال و في نفس الوقت رفع يده إلى السماء يطلب المدد من الله و يلح في الدعاء، حيث يقول سبحانه:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) و هذا من لطف الأدب مع الله، إذ لا يجوز للمرء أن يطلب أي عطاء من الله دون أن يسعى إليه سعيه و يبذل فيه جهده. و لذلك كان على المسلمين أن يدركوا أن فلسطين و سائر بلاد المسلمين لا تحرر بالدعاء وحده، بل بجيش يقوده أمير صالح كعمر و صلاح الدين، و أن الخلافة الإسلامية لا تقوم بالدعاء و إن كان رجاء الخير خير بل لا بد أن يقترن به عمل فكري و سياسي ضخم يستهدف الأمة الإسلامية بمجموعها و يتأسى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة الكرام.

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

و تبقى هذه الحقيقة القرآنية الخالدة أن النصر ليس مرده إلى العدد والعدة بل مرده إلى الله وحده فهو سبحانه مالك الملك، و هو المحيي و المميت و هو المعز و المذل، قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وما على المسلمون إلا الأخذ بشروط النصر المطلوبة شرعاً كالتقوى والصبر عند اللقاء وذكر الله و الاتصال به عند القتال وطاعة الله ورسوله و تجنب الشقاق و النزاع و الصبر على تكاليف المعركة و الحذر من البطر و الرياء وإعداد القوة اللازمة، قال الله تعالى: {بلى إن تتقوا وتصبروا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين}، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

بقلم : شاكر حليم