الأحد، 12 ديسمبر 2010

المرأة في الاعلام



بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن تعبير "حقوق المرأة" تعبيراً بريئاً، ولم يُنحت هذا الشعار استرداداً لحق فقدته المرأة من الرجل، بل من النظام القائم، وهو في حقيقته مظهراً من مظاهر التمرد على أحكام الله، والانعتاق من هذه الأحكام شيئا فشيئا، تمهيداً لأن تنخلع هذه المرأة المسلمة من منظومة القيم التي تنتظم حياتها، وتقود سلوكَها فيها. وكان ترحيلاً لمشكلة المرأة التي كانت واقعة في حياة الغرب قبل ما سمي بعصر نهضتهم. فهم كما رحّلوا إلينا مشكلة الفصام والصراع العنيف بين الدين والعلم التي عاشوها في تاريخهم فألصقوها بنا ظلما وعَدْواً ، رحّلوا إلينا مشكلة المرأة.استنساخا لمشاكلهم حتى نتقمص تاريخهم ونعيشه ونسير على هداهم ووفق مسعاهم تقليدا لهم واتباعا وتشبها واقتداءً.

ولقد كان من جرّاء تمكن الكفار المستعمرين، من بلاد المسلمين وسعيهم لتمكين الكفر من قلوب المسلمين وترسيخه في علاقاتهم، وكذلك، من جرّاء استحكام عقدة النقص عند فئات منهم، وشعورِهم بأن الغرب لم يتفوق عليهم، إلا لأمر موجود عنده غير موجود عندنا، وهو طراز عيشه ونمط تفكيره وتسييره لنظام الحياة. فالتقى الماء على أمر قد قدر، مكرٌ يراد بالأمة لحرفها عن دينها من قِبل عدوها، وعجز مستحكم فيها بعد هزيمتها، أفضيا إلى التأسي بالأجنبي وتقليده، في ظل هذه الأجواء الملبدة نشأ مفهوم "تحرير المرأة" و"حقوق المرأة"، بل وصار للمرأة قضية تذكر وتثار.


ولقد بدأ هذه القضية أعلامٌ في الفكر والسياسة والفقه عرفوا بميلهم للأجنبي أو افتتانهم بمناهجه، أو التلقي عنه أو التأثر به، في الوقت الذي كانت الأمة ضعيفة ضعفاً يجعلها تشعر شعورا عميقاً بتفوق الكافر عليها، وتقدمِه في كافة مظاهر الحياة، لأن مبعث التميز الذي يتقدم به المسلمون وهوَ فهمُ دينهم وتسيير حياتهم بموجبِه، لم يكن حاضراً في حياتهم، بل كانت حياتهم من هذا كله خالية، مما يسّر أن يمتلئ الفراغ بما يتاح وهو الفكر الغربي الذي كان حاضراً، تدفعُ به دولٌ كافرة مستعمرة يهمها أن تزرع في نفوس المسلمين كل ما يبقيها في منصب الإمامة من عقولهم وقلوبهم، والقوامة على حياتهم وسلوكهم.

وبزوال سلطان الإسلام عن الوجود، وهو الذي كان يقيم دين الله في الأرض، كان لا بد من تيسير انفلات الناس رجالاً ونساءً من أحكام الله، لكن الناس مؤمنون موحّدون، فلا بد إذن من استخدام الحيلة معهم، وإيهامهم بأسلوب خبيث أن المرأة في الإسلام مظلومة ولا حقوق لها وان الرجل وما أسموهم بالمجتمعات الذكورية في بلاد المسلمين هي التي تظلمها . ولكن كيف السبيل إلى إقناع المرأة المسلمة بهذه الأفكار المسمومة ؟ فكان لا بد من آلية إعلامية ضخمة تعمل عمل السحر في عقول النساء حتى تعميهم وتحرفهم عن الطريق المستقيم . فتبنت وسائل الإعلام قضية المرأة المسلمة بكل حذافيرها وحولتها من قضية مزيفة وهجوم شرس على الإسلام إلى قضية العصر الحديث و قضية للمرأة الناهضة العصرية التي خلعت ثوب التخلف.. والحقيقة هم يريدون سلخها عن هويتها الإسلامية.

ودأب الإعلام على صنع قالب غربي وضع فيه المرأة المسلمة وعمل جاهدا على الإيحاء لها بأن هذه هي الحياة الصحيحة الجديدة حياة تبدل حياتها القديمة البالية التي تركها جميع الناس في هذا العصر الجديد. وقد فعل ذلك من خلال المسلسلات الهابطة وتضخيم وتعظيم الحريات وإعطائها أكبر من حجمها الحقيقي وتغيير واقعها من معصية الله عز وجل إلى تجديد الإسلام والإسلام المعتدل والحوار بين الأديان فساوى بين الأحكام الشرعية وبين الحرية وساوى بين التقيد والإلتزام وبين الإنحلال والتفسخ فاظهر المحجبة في الكليبات والمسلسلات لا تختلف عن الأخريات فهي إنسانة لها إحتياجات يجب أن تشبع بأي طريقة ولا بأس بترتب الآثام عليها.

حتى اللباس الشرعي الذي فرضه الله تعالى قد حرِّف إلى بنطال الجينز واللبس الغربي وجعل منه مجرد قطعة قماش صغيرة الحجم يغطى به الرأس. واتبع الإعلام نفس الأسلوب مع كل الأحكام الشرعية فهاجم أحكام مثل حكم التعدد وربطه بأنه مهانة للزوجة الثانية وخيانة للزوجة الأولى وركز على هذه النقاط ليتلاعب بمشاعر الناس ممن يتابعون وسائل الإعلام التي تمثل عندهم مصدر لمعلوماتهم وإستغل ثقتهم في المادة التي يقدمون وفي الضيوف الذين يستضيفون بالذات ذوي اللحى من علماء الفضائيات المنضبعين بالثقافة الغربية يروجون لها من خلال إعلام فاسد.

والإعلام كالساحر الذي يعمي الابصار والقلوب بأساليب التكرار والإصرار على تكرار المفاهيم الفاسدة التي يريد ترويجها بين الناس. كما يتلاعب بالألفاظ حتى تتغير معانيها فجعل من الأم وربة المنزل إمرأة محبوسة في بيتها لا عمل لها غير تربية أولادها وزرع في أذهان الناس أنها المظلومة المغلوبة على أمرها، من كثر ما بثت بذلك البرامج الحوارية والمسلسلات الهابطة، وبينما صور المرأة المتحررة المنفتحة والتي تزاحم الرجال في أعمالهم صورها بالانيقة العصرية الراقية، والحقيقة أنه نزع عنها ثوب العفة والنقاء وجعلها عاصية لأمر ربها وسافرة بدون زيها الشرعي مختلطة بالرجال إختلاط يحرمه الشرع. وصور أن دور الأم وتربية الأولاد دور تافه وقزمه تقزيم شديد فلم يعط الأمهات حقهن وهن عند الله كالمجاهدات في سبيله بعملهن هذا.

وكما أغفل أن الأم وربة المنزل وكل النساء في الإسلام هن عرض يجب ان يصان، فهتك هذا العرض غير مبال بالحرمات وإقتحم كل الخصوصيات في حياة المرأة المسلمة وتدخل بينها وبين زوجها وبينها وبين أخيها وبل وبينها وبين أبيها وجعل منهم أعداء لها فحرضها على عدم طاعة الزوج بحجة الحرية الشخصية وحرضها على تحدي أخيها بحجة المساواة بين المرأة والرجل وحرضها بشراسة ضد أبيها وطاعته أيضا بحجة العصرنة والفرق بين الأجيال في الأفكار القديمة والأفكار الجديدة مهاجما الاباء والأمهات بحجة أنهم يريدون فرض عادات وتقاليد قديمة وواهية ويجي ان تتغير في العصر الحديث وهم يقصدون مهاجمة ما تبقى من أحكام شرعية عند المسلمين. وإنتزع بذلك من المرأة الحياة الهانئة المطمئنة في كنف أسرتها الصغيرة بجعلها عدوة لزوجها ومتمردة عليه لا تقبل منه قوامة. وحتى معنى القوامة في الشرع قد حرفه الإعلام وتلاعب بالألفظ وجعل منه مصطلح يرعب به المرأة .. بينما قوامة زوجها عليها هو حقها في رعايتها والقيام بكل شؤونها.و كذلك أفسد الإعلام عليها حياتها السعيدة المستقرة أيضا وهي في كنف بيت والدها الذي يحميها ويصونها.

وفعليا إزدادت نسب الطلاق وإرتفعت أعداد المتمردات على الأحكام الشرعية كحكم الإختلاط والخلوة وتعدد الزوجات وبات سفور المرأة المسلمة مقبول بل يشجع المجتمع عليه. وما ذلك إلا لأن الإعلام قد لعب دور قذر في إزدياد الإنحطاط الفكري عند المرأة المسلمة بالذات. بل وأكثر من ذلك خدع الإعلام المرأة التي صدقت أنها سلعة تباع وتشترى بعرض جسدها وبياض وجهها وسواده، وإستغلال جمالها للربح المادي من خلال دعايات تجارية. والملاحظ تقليد الإعلام العربي للإعلام الغربي في قضية المرأة خطوة بخطوة فطرح القضايا التي تهمها وتهم الأمة الإسلامية جميعا من زاويا غربية وكافرة بحتة وتجاهل أن المرأة المسلمة يهمها وجه نظر الشرع في كل مناحي حياتها وهذا ما تبحث عنه عندما تلجأ للإعلام لحل مشكلة أو للتقصي والبحث ولكن الإعلام تعمد أن يستهزأ بها وبعقلها وبأفكارها وأن يتلاعب بمشاعرها، فأغفل الشرع مرارا وتكرارا ما تنتمي إليه هذه المرأة المسلمة، وحتى من إختارهم ليبرزوا وجهة نظر الشرع في القضايا يكونون من المتأمركين ومن الوسطيين ومن المعتدلين ممن يحرفون الإسلام النقي الذي يسميه الإعلاميون بألفاظ كثيرة إلا بمعناها الحقيقي في الفقه وفي الشرع.

ولم يركز الإعلام ابدا على إبراز نماذج قوية للمرأة غير التي يريد الغرب الكافر الترويج لها! فغيب الإعلام تماما تاريخ المرأة المسلمة المشرق. فغيب مثلا نماذج قوية ذات فكر مستنير كأمهات المؤمنين السياسيات اللاتي أسسن لنهضة الإسلام بإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة وما بعد ذلك إستمرت هذه الدولة الإسلامية تحكم العالم كله ولمئات السنين. ودائما ما يحدثنا التاريخ عن نماذج لنساء مسلمات عالمات حملن الأمانة وكن شقائق الرجال ولكن لم يذكرهن الإعلام وكأنهن غير موجودات! وتعمد إظهار هذا التاريخ على أنه قد فات وولى ولن يرجع مرة أخرى بينما الإسلام الذي أنقذ الإنسانية كلها من وحل الإنحطاط وخط هذا التاريخ المشرق ما زال موجودا. بل جعلت وسائل الإعلام من المرأة المتدينة إمرأة معقدة ينفر منها الناس لكثرة وعظها وجعل منها إمرأة لا تعلم شيئا عن الدنيا غير أن تصلي وتسبح ولا دخل لها بقضية الأمة الإسلامية المصيرية، فتجاهل دورها في نهضة الأمة الإسلامية. كما تجاهل حاملات الدعوة للإسلام المخلصات لله تعالى والعاملات لتغيير الواقع الفاسد بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وعمل فقط على تعظيم زوجات ساسة الأنظمة العربية والإسلامية الذين لا يحكمون بالإسلام مطلقا واللاتي مرة أخرى يروجون للحياة الغربية ولتقليد نساء الغرب الكافر في أسلوب حياتهم ولا يمتون بأي صلة للإسلام والمسلمين ولا دخل لهم بأحكام شرعية وتقيد وإلتزام بمنهج الحياة الإسلامية المستقيمة.

وأخيرا نقول أنه لا شك أن للإعلام العربي التابع للإعلام الغربي دور كبير جدا في إنجاح الحملة الشرسة التي شنها الغرب الكافر على المرأة المسلمة في كل حالاتها. ولا يجب ان نغفل أبدا هذا الدور الذي يخضع لسياسات الأنظمة الفاسقة التي تحكم بلاد المسلمين بغير ما أنزل الله تعالى. وهي مؤامرة قديمة جديدة ضد الإسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم. ولذلك كان لا بد من العمل على فضح تواطوء الإعلام بكل وسائله مع الحكام حتى يحذر المسلم منها وخصوصا المرأة المسلمة التي يجب أن تنظر لهذه الرسائل الإعلامية المكثفة ضدها وضد دينها العظيم، بعين الناقدة الثاقبة فتمحص وتبحث عن الحق، من زاوية العقيدة الإسلامية حتى لا ينجح الإعلام في تضليلها. ولا حل لهذا الإعلام الفاسد إلا بتغيير الأنظمة التي تتحكم فيه وتوجه الرأي العام من خلاله وتقوده للضلال. فإقامة شرع الله تعالى في العالم بإقامة الخلافة الراشدة والتي يكون إعلامها ملتزما بقضايا الأمة وهدفه إعلاء كلمة الله تعالى وقيادة البشرية إلى الجنة هي سبيل الخلاص الوحيد للإنسانية جميعا.

حاملة دعوة

الجمعة، 12 نوفمبر 2010

الإسلام : في عيون الغرب


بسم الله الرحمن الرحيم

إنها مواقف مقررة مسبقاً في فكر الغرب وعقول قادته.. يمارسها الغربيون وأتباعهم عن تصميم واقتناع كامل، وإرادة واعية تماماً، عن عمدٍ، فليس هذا حديثاً يفترى, وليست أقوالاً حديثة, بل العداء كامن متأصل في نفوس الكفار ضد المسلمين. عهد وصفه القرآن، فقال فيهم: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم 46]، وجاهر به الأعداء منذ قرون. فحين كان يلبس جنديهم بذة الحرب قادماً لاستعمار بلاد الإسلام كان ينادي بأعلى صوته:
«أماه.. أتمي صلاتك.. لا تبكي.. بل اضحكي وتأملي.. أنا ذاهب إلى طرابلس.. فرحاً مسروراً.. سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.. سأحارب الديانة الإسلامية.. سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن».
لقد بنى الغرب علاقاته معنا على أساس واحد هو أن الحروب الصليبية لا تزال مستمرة.

إن عداء الغرب للعالم العربي والإسلامي عداء ديني حضاري متأصل في نفوس الغرب وأعوانه، وحربهم قائمة مستمرة علينا حتى لا يخرج المارد الإسلامي. ففي كتاب: «الإسلام على مفترق الطرق» يقول محمد أسد (ليوبولد فايس): «... ولقد كانت هذه البغضاء تغمر الشعور الشعبي كلما ذكرت كلمة مسلم. ولقد دخلت في الأمثال السائرة عندهم حتى نزلت في قلب كل أوروبي رجلاً كان أو امرأة. وأغرب من هذا كله أنها ظلت حية عندهم بعد جميع أدوار التبدل الثقافي... وبعدئذ جاء زمن أخذ الشعور الديني بالخبو، ولكن العداء للإسلام استمر... إن الاحتقار التقليدي أخذ يتسلل في شكل تحزب غير معقول إلى بحوثهم العلمية، ثم أصبح احتقار الإسلام جزءاً أساسياً من التفكير الأوروبي». هذا ما نطقت به ألسنتهم وما تخفي صدورهم أعظم:
- يقول صموئيل زويمر رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين المنعقد عام 1935م: «إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له: ألا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات.. إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات، أيها المبشرون: إن مهمتكم بهذا تتم على أكمل الوجوه».

- ويقول أشعياء بومان في مقالة نشرها في مجلة العالم الإسلامي التبشيرية: «لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً. إن الإسلام هو الخطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل».

- ويقول المبشر تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تماماً، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً».

- ويقول المبشر وليم جيفورد بالكراف: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه».

- ويقول لورنس براون: «إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبى».

- ويقول مورو بيرجر في كتابه "العالم العربي المعاصر": «إن الخوف من العرب، واهتمامنا بالأمة العربية ليس ناتجاً عن وجود البترول بغزارة عند العرب، بل بسبب الإسلام».

- يقول غاردنر: إن الحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ القدس، إنها كانت لتدمير الإسلام.

- وصرَّح الكاردينال بور: «إن المسيحيين لا بد لهم من التعاون مع اليهود للقضاء على الإسلام وتخليص الأرض المقدسة». (نشرة التعايش المشبوه - ص 4).

- وقال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة، في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس: «إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة باتباع ما يلي»:

- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليُعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين .
- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً، وإنطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب».
- ويقول جب (كبير المستشرقين الإنكليز): «لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محددة، وقد تم معظم هذا التطور تدريجياً عن غير وعي وانتباه، وقد مضى هذا التطور الآن إلى مدى بعيد، ولم يعد من الممكن الرجوع فيه، لكن نجاح هذا التطور يتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، وعلى الشـباب منهم خاصة. كل ذلك كان نتيجة النشـاط التعليمي والثقافي العلماني».
- الإنكليز يصفون حملتهم العسكرية على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى بأنها صليبية: يقول باترسون سميث في كتابه "حياة المسيح الشعبية": «باءت الحروب الصليبية بالفشل، لكن حادثاً خطيراً وقع بعد ذلك، حينما بعثت إنكلترا بحملتها الصليبية الثامنة، ففازت هذه المرة، إن حملة اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى هي الحملة الصليبية الثامنة والأخيرة؛ لذلك نشرت الصحف البريطانية صور اللنبي وكتبت تحتها عبارته المشهورة التي قالها عندما فتح القدس: اليوم انتهت الحروب الصليبية».

ونشرت الصحف أن هذا الموقف ليس موقف اللنبي وحده بل موقف السياسة الإنكليزية كلها، قالت الصحف: هنأ لويد جورج وزير الخارجية البريطاني الجنرال اللنبي في البرلمان البريطاني، لإحرازه النصر في آخر حملة من الحروب الصليبية، التي سماها لويد جورج الحرب الصليبية الثامنة.

- والفرنسيون أيضاً ليسوا عن الصليبية غرباء، فملة الكفر واحدة: فالجنرال غورو عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق، توجه فوراً إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله بقدمه وقال له: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ويؤكد صليبية الفرنسيين ما قاله مسيو بيدو وزير خارجية فرنسا عندما زاره بعض البرلمانيين الفرنسيين وطلبوا منه وضع حد للمعركة الدائرة في مراكش أجابهم: "إنها معركة بين الهلال والصليب".

- واليهود الملعونون في كل وقت وحين: عندما دخلت قوات (إسرائيل) القدس عام 1967م تجمهر الجنود حول حائط المبكى، وأخذوا يهتفون مع موشي دايان: هذا يوم بيوم خيبر... يالثارات خيبر. واستغلت (إسرائيل) صليبية الغرب فخرج أعوانها بمظاهرات قبل حرب الـ1967م تحمل لافتات في باريس، وسار تحت هذه اللافتات جان بول سارتر، وكتبت على هذه اللافتات، وعلى جميع صناديق التبرعات لـ(إسرائيل) جملة واحدة من كلمتين هما: "قاتلوا المسلمين".
فالتهب الحماس الصليبي الغربي، وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط... لتقوية الصهاينة الذين يواصلون الرسالة الصليبية الأوروبية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين.

وفي امتداد واحد لا يختلف نفث الحقد الصليبي فيه مع امتداد الزمن:
- يقول أيوجين روستو (رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية ومساعد وزير الخارجية الأميركية، ومستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م): «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية. لقد كان الصراع محتدماً ما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي». ويستطرد.. «إن الظروف التاريخية تؤكد أن أميركا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي، فلسفته، وعقيدته، ونظامه، وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي، بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أميركا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها». إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل، هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمراراً للحروب الصليبية.

- ويقول ويلي كلايس (أمين عام حلف الناتو في بداية التسعينات من القرن الماضي): «لقد حان الوقت الذي يجب علينا أن نتخلى فيه عن خلافاتنا وخصوماتنا السابقة، وأن نواجه العدو الحقيقي لنا جميعاً، وهو الإسلام».

- ويقول جون كالفان (القائد الأعلى لقوات حلف الناتو في العام 1994م): «لقد ربحنا الحرب الباردة، وها نحن نعود بعد 70 عاماً من الصراعات الضالة إلى محور الصراع القائم منذ 1300 سنة، إنه صراع المجابهة الكبيرة مع الإسلام».

- وينصح رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه "سفر آسيا" الحكومة الأميركية أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره.

- ويقول كيسنجر (وزير خارجية أميركي أسبق، وأحد أهم منظري السياسة الاستراتيجية، وهو يهودي الأصل): «إن الجبهة الجديدة التي يتحتم على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الإسلامي، باعتبار أن هذا العالم هو العدو الجديد للغرب».

- وقد ذكر نيكسون الرئيس الأميركي الأسبق وأحد كبار الاستراتيجيين الأميركيين في كتابه الفرصة السانحة «إن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو أساس لحضارة كبرى». ويقول: «إن الإسلام والغرب متضادان، وإن نظرة الإسلام للعالم تقسمه إلى قسمين: «دار الإسلام» و"دار الحرب" حيث يجب أن تتغلب الأولى على الثانية». وعن الأصوليين يقول: «وهم مصممون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي، ويهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وينادون بأن الإسلام دين ودولة، وبالرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هداية للمستقبل».

- ويقول صامويل هنتنجتون في كتابة "صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي": «العلاقات بين الإسلام والمسيحية... كانت عاصفة غالباً. كلاهما كان "الآخر" بالنسبة للآخر. صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر والعميق بين الإسلام والمسيحية». ويقول: «الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك، وقد فعل ذلك مرتين على الأقل». وعن مكونات الصراع بين الإسلام والغرب للمرحلة المقبلة يذكر خمسة مكونات:
1- النمو السكاني الإسلامي خلف أعداداً كبيرة من الشبان العاطلين والساخطين الذين أصبحوا مجندين للقضايا الإسلامية...
2- أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
3- جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته... والتدخل في الصراعات في العالم الإسلامي ولد استياء شديداً لدى المسلمين.
4- سقوط الشيوعية أزال عدواً مشتركاً للغرب والإسلام، وترك كلاً منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر.
5- الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساساً بهويته الخاصة، وكيف أنها مختلفة عن هوية الآخر.
هذه هي المكونات الخمسة الرئيسية للصراع بين الغرب والإسلام والتي تسير قدماً نحو حدوث الصدام.

- وصل بوش الابن إلى أفغانستان في 16/12/2008م في زيارة وداعية لحليفه كارزاي بعد زيارته للعراق الذي تعرض فيه لحادث "الحذاء" المهين. ومما قاله «أريد أن أشكر الرئيس كارزاي، وأبلغ الشعب الأفغاني أن الولايات المتحدة تدعمهم، وستواصل دعمهم في معركتهم الطويلة ضد الإرهاب، باعتبار أن المعارك العقائدية تستغرق الكثير من الوقت». هذا غيض من فيض التصريحات التي تكشف خبيئة النفوس الخبيثة والحاقدة لدى الغرب.

الغرب وسقوطه الحضاري:
ولكن في خضم هذه المعاداة الشرسة من الغرب للإسلام، عقيدة وشريعة، حدث في العام 2008م سقوط مدوٍّ للنظام الاقتصادي الرأسمالي ليضاف إلى السقوط الأيديولوجي. وأعلن الغرب إفلاسه في هذا الجانب، ومن باب المفارقة فإنه في الوقت الذي يوصف فيه الإسلام بالرجعية والظلامية والتأخر وعدم التحضر... وأنه يجب تطويره... ترتفع أصوات من هناك من عقر دارهم تعلن أن الإسلام هو الذي سينقذ العالم، وتعلن أنهم «بحاجة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بمصارفنا». وتعلن من باب التساؤل: «هل تأهلت وول ستريت لاعتناق مبادئ الشريعة الإسلامية». وتشير إلى أهمية «التمويل الإسلامي» ودوره في إنقاذ الاقتصاد الغربي. وحتى بابا روما الذي لم يمضِ على تهجمه على الإسلام أشهراً فإذا بصحيفة تابعة لسياسته "رومانو أوبسرفاتور" تعلن ضرورة الاستفادة من طريقة الإسلام في تمويل القروض البعيدة كل البعد عن الربا والمقامرة. نعم إن الغرب الذي أعلن حربه المسعورة على الإسلام، قد أعلن مسؤولون سياسيون ومفكرون فيه أن المستقبل في هذا الصراع ستكون للإسلام وأن الغرب ستسقط حضارته...

- يقول نيكسون في كتابه "ما وراء الإسلام": «ما يهدد العالم فعلاً هو أن بلدنا قد يكون غنياً بالبضائع، ولكننا فقراء في الروح. فالتربية والتعليم الرديئان، والجرائم المتزايدة، والعنف المتصاعد، والانقسامات العرقية النامية، والفقر المستشري، وآفة المخدرات، والثقافة المنهارة في وسائل التسلية، والانحدار في تأدية الواجب المدني والمسؤولية، وانتشار الفراغ الروحي، ساهمت جميعاً بفض الأميركيين وتغريبهم عن بلادهم ودينهم وعن بعضهم بعضاً».

- ويقول زبغنيو بريجنسكي وهو مستشار سابق للأمن القومي الأميركي: «إن المجتمع المنغمس في الشهوات (المجتمع الأميركي) لا يستطيع أن يسن قانوناً أخلاقياً للعالم، وأي حضارة لا تستطيع أن تقدم قيادة أخلاقية سوف تتلاشى».

- أما صامويل هنتنغتون فإنه بعد أن يعدد النواحي الاقتصادية والسكانية كأسباب تجعل الحضارة الأميركية الغربية تتحرك من على مسرح الدولة العالمية إلى مسرح الانهيار يذكر أن هناك ما هو أهم منها وهي: مشكلات الانهيار الأخلاقي، والانتحار الثقافي، والتفكك السياسي في الغرب. أما عن تجليات الانهيار الخلقي فيذكر:

- زيادة في السلوك غير الاجتماعي مثل الجريمة وتعاطي المخدرات وأعمال العنف بشكل عام.

- التفكك الأسري ويشمل ارتفاع نسب الطلاق والأطفال غير الشرعيين، وحمل الفتيات الصغيرات، وزيادة عدد الأسر المكونة من والد واحد.

- الضعف العام في "أخلاقيات العمل" وصعود توجهات الانغماس الاجتماعي.

- تناقض الالتزام بالتعليم والنشاط الفكري، ويظهر ذلك في المستويات المتدنية للتحصيل الدراسي في الولايات المتحدة.
ثم يذكر أن هذه التوجهات السلبية هي التي تؤدي بالطبع إلى تأكيد التفوق الأخلاقي للمسلمين... ورفض الاندماج، ومواصلة الالتزام بقيم وعادات وثقافات مجتمعاتهم الأصلية والترويج لها. وعندما يفشل الاستيعاب والاندماج ففي مثل هذه الحالة ستصبح الولايات المتحدة دولة مشققة أو مصدعة مع كل ما يستتبع ذلك من احتمالات الصراع والتفكك الداخلي».

- نشرت جريدة الوطن الكويتية في عددها الصادر في 18/10/2006م خبراً نقلته عن «فاينانشل تايمز» اللندنية بقلم ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية تحـدث فيه عن أن قرار حـرب العراق كان أول أسباب انتهاء العصر الأميركي في المنطقة، ومما جاء فيه: «اليوم بعد حوالى 80 سنة من سقوط الإمبراطورية العثمانية و50 سنة على نهاية الفتـرة الاسـتعمارية، وأقل من 20 ســنة على انتهـاء الحـرب الباردة، يمكن القول أيضاً إن العصر الأميركي في المنطقة انتهى هو الآخر. بيد أن الأحلام التي كانت تداعب مخيلة البعض حول قيام شرق أوسط مسالم مزدهر وديمقراطي مثل أوروبا لن تتحقق، وذلك لأن الاحتمال المرجح هو بروز شرق أوسط جديد يثير الكثير من الأذى لنفسه وللعالم. لقد تمتعت الولايات المتحـدة في العصـر الأميركي الذي بدأ عقب سقوط الاتحاد السوفياتي بنفوذ وحرية في العمل غير مسـبوقين، إلا أن هذا العصـر لم يسـتمر لأقل من عقـدين لجـملة من الأسباب، أولها قرار إدارة الرئيس مهاجمة العراق وأسلوب توجيه هذه العملية ثم ما نجم عن الاحتلال، لقد انتهى العراق الذي كان يهيمن عليه السنة، وكان قوياً بما يكفي لإحداث توازن مع إيران. وظهرت عوامل أخرى على مسرح الأحداث منها: انتهاء عملية السلام في الشرق الأوسط، فشل الأنظمة العربية التقـليدية في التصـدي لجـاذبية الإسـلام الراديكالي، ثم العولمة التي جـعلت الطـريق أسـهل أمام الراديكـاليين في الحصــول على التمويل، السـلاح، الأفكار والمجندين. وسوف تواجه واشنطن تحديات متزايدة من لاعبين آخرين أبرزهم الاتحاد الأوروبي، الصين وروسيا، إلا أن الأمر الأكثر أهمية من كل هذا هو التحديات التي ستنبعث من دول المنطقة والمجموعات الراديكالية فيها».

- أكد باتريك بوكنان الذي كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية في مقال له حول الحرب التي تتزعمها أميركا ضد ما تسميه بالإرهاب تحت عنوان: «هل ستندلع حرب الحضارات» أن «الإسلام غير قابل للتحطيم، وخلص متحسراً بناءً على حتمية مصير أي صراع عقائدي إلى انتصار المد الإسلامي... ولكن لا يمكن أن نقضي على الإسلام مثلما قضينا على النازية والفاشية والروح العسكرية اليابانية والبلشفية والسوفياتية. لقد استطاع الإسلام البقاء على مدى 1400 سنة تقريباً كما أنه العقيدة المهيمنة على 57 بلداً، غير أنه غير قابل للتحطيم... من حيث المادة الغرب متفوق، ومهما قلنا فإن التفوق المادي لم يمنع سقوط الإمبراطورية السوفياتية. وإذا كان عامل العقيدة حاسماً فإن الإسلام نضالي حركي بينما المسيحية جامدة. والإسلام ينمو بينما المسيحية تذبل. والمحاربون المسلمون مستعدون لمواجهة الهزيمة والموت بينما يتحاشى الغرب تكبد الخسائر. واختتم مقالته بالقول: «لا تستهينوا بالإسلام، إنه الديانة الأسرع انتشاراً في أوروبا... ولكي تهزم عقيدة فإنك تحتاج إلى عقيدة. ما هي عقيدتنا نحن؟ النزعة الفردية؟».

وقد نشر لهذا السياسي مرة أخرى في 23/06/2006م في "مؤسسة مناهضة الحرب" مقالاً قصيراً بعنوان: «فكرة آن أوانها» تحدث فيها بأن فكرة الحكم بالإسلام تتوطد عراها بين المسلمين، وذكر أنه عندما نشاهد القوات المسلحة الأميركية وهي تحارب السنة الثائرة على السلطة والمجاهدين الشيعة والجهاديين في العراق، وطالبان الخارجة على القانون وهم يبتهلون إلى الله، يتبادر إلى أذهاننا كلمات فيكتور هيجو: «إن قوة أي جيش لا تضاهي انبعاث فكرة آن أوانها». ويضيف: «إن الفكرة التي يعاديها كثير من المناوئين هي فكرة تفرض نفسها، فهم يعتقدون أن هناك إلهاً واحداً هو الله وأن محمداً رسول الله. وأن الإسلام أو الخضوع للقرآن هو الطريق الوحيد إلى الجنة، وأن المجتمع الرباني يجب أن يحكم بواسطة الشريعة أي قانون الإسلام، وبعد اختبار طرق أخرى أدت إلى الفشل فقد عادوا مجدداً إلى موطن الإسلام... إن عشرات الملايين من المسلمين بدؤوا يعودون إلى جذورهم بإسلام أكثر نقاءً، وإن جَلَدَ الإيمان الإسلامي مدهش حقاً. لقد بقي الإسلام على قيد الحياة رغم مضي قرنين على الهزيمة والذل الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية والقضاء على الخـلافة في عهد (أتاتورك)، كما تحمّل الإسلام حكم الغرب لعدة أجيال... لقد أثبت الإسلام على أنه أكثر تحملاً من قومية عرفات أو صدام. ما يتوجب على أميركا أن تدركه هو شيء غير اعتيادي بالنسبة لنا، من المغرب إلى باكستان: لن تنظر لنا الأغلبية بعد الآن على أننا أناس طيبون. إذا كان الحكم الإسلامي فكرة تتوطد عراها بين الجماهير المسلمة، فكيف باستطاعة أقوى الجيوش على الأرض أن توقفها؟ أولسنا بحاجة إلى سياسة جديدة؟!».

- نقلت مجلة المجتمع الكويتية العدد 119 تاريخ 5/3/1996م أن جيم ميران عضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي ذكر لمدير المجلة: «أنا أعتقد أن القرن القادم هو قرن الإسلام، وقرن الثقافة الإسلامية، وستكون هذه فرصة لإحلال مزيد من السلام والرفاهية في كل بقاع العالم».

معالم انحراف الفكر الغربي



بسم الله الرحمن الرحيم

الفكر الغربي هو الفكر الأوروبي الذي نشأ نتيجة الصراع بين مفكري أوروبا والكنيسة على مدى سنوات طويلة، بداياته كانت تتجلى بسيطرة النظام الإقطاعي والملوك والأمراء -بالإضافة إلى الكنيسة- على حياة البشر، فتحولت الحياة في أوروبا إلى قهر وظلم وجهل وتخلف وإصرار على محاربة العلم والعلماء وكلّ فكر جديد حتى سميت تلك الفترة عصر الظلمات.
غير أنّ ظلام التخلف عندهم أخذ ينقشع مع ظهور المفكرين الذين عملوا على النهضة والتغيير، والذين وجدوا أنّ عدو التغيير هو الدين ممثلا بالكنيسة، وأنّ الملوك والإقطاعيين الذين يخضعون لرغبة الكنيسة هم مظهر من مظاهر سيطرتها، فدخلوا في صراع فكري سِمته الرئيسة ردّ الفعل على الكنيسة والدين، وقد أنتجوا أبحاثاً كثيرة تتعلق بالإنسان والمجتمع والدولة والاقتصاد والملكيات والحريات، وكان يمكن للمفكرين الغربيين أن يحققوا نهضة صحيحة تخدم البشرية لولا انحرافهم عن المسار الصحيح في الفكر والبحث.

وسيتم هنا توضيح بعض معالم انحراف الفكر الغربي عن الصواب أثناء بحثه عن نظام بديل للكنيسة والإقطاع، من غير خوض في فروع الفكر الغربي وإنّما التعرض لأمور أساسية جوهرية. كما أنه لن يتم التحدّث عن الفكر الاشتراكي/ الشيوعي لأنّه سقط ولم يعد له وجود لا سياسي ولا اقتصادي ولا حتى فكري.

إن الحديث إذاً سيكون عن العلمانية عقيدة المبدأ الرأسمالي الذي يسيطر على العالم بقوة السلاح وبالدجل الفكري والإعلامي، والذي حوّل الدول التي تعتنقه إلى دول مستعمرة تمتص دماء الشعوب وتدجّل عليهم، ولا تُستثنى هنا الشعوب الأوروبية ولا الشعب الأميركي من زمرة الشعوب التي تتعرّض للتضليل والتي تعيش في شقاء وظلم، وإن كان هذا الظلم وهذا الشقاء متفاوتاً بين الشعوب ويأخذ أشكالاً مختلفة.

وأمّا معالم انحراف الفكر الغربي فهي:
- عدم حل العقدة الكبرى في الفكر الإنساني.
- سيطرة الطريقة العلمية في التفكير (المنهج العلمي في البحث) على المفكرين الغربيين وإهمالهم الطريقة العقلية في التفكير (المنهج العقلي في التفكير) وخطأ فكرة التناقض بين العلم والدين.
- وأخيراً انحراف الغربيين في فهم واقع الإنسان ويظهر ذلك في نقطتين:
- سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية).
- عدم تنظيم الفكر الغربي لسلوك الإنسان في إشباعه للغرائز والحاجات العضوية مع حرصهم على التنظيم.

أ- عدم حل العقدة الكبرى في الفكر الإنساني:

والعقدة الكبرى هي مجموعة التساؤلات حول الكون والإنسان والحياة، هل هي أزلية أم مخلوقة؟ ومن هو الخالق؟ وماذا قبل الخلق؟ وهل يوجد حياة بعد الموت؟ لماذا أنا موجود؟ إلى غير ذلك من تساؤلات تصحب الإنسان طوال حياته وتقلقه وتسبب له الضياع الفكري حتى يحلها. وحاجة البشرية إلى حلّ هذه التساؤلات حاجة ملحة، ولا يستطيع الإنسان إلا أن يحصل على حلٍّ لها ولو كان حلاً سطحياً أو منحرفاً أو خاطئاً.

والذي حصل أنّ الغربيين لم يبحثوا في هذه العقدة الفكرية الإنسانية ولم يعملوا على حلّها وإنّما تجاوزوها، ويتمثّل هذا التجاوز في اتّفاق الغربيين اتّفاقاً ضمنياً - سببه ردة الفعل السلبية تجاه الدين المسيحي- على فصل الدين عن الحياة أو فصل الدين عن السياسة، وهذه هي (العلمانية) التي أصبحت عقيدة المبدأ الرأسمالي.
هذه العقيدة ليست فكراً يراد منه حلّ تساؤلات العقدة الكبرى في الفكر الإنساني، وإنّما هي قفزة على هذه التساؤلات وهروب منها، وهذا هو أساس انحراف الفكر الغربي الرأسمالي؛ لأنّ أي مبدأ أو عقيدة أو فكر أساسي يجب أن يبنى على حل هذه التساؤلات.

فالعلمانيون لم يبحثوا أثناء صراعهم مع الدين المسيحي كون الإنسان مخلوقاً أم لا، ولم يبحثوا إن كان هناك خالق أم لا، وإذا كان هناك خالق فهل التشريع له أم للإنسان؟ لم يبحثوا هذا والسبب في ذلك العبءُ العقلي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي كان على عاتق الناس والذي كان سببه الدين المسيحي، فكان هاجسُ المفكرين التخلصَ من هذا الدين وأعبائه وليس الدخولَ معه في مجادلات فكرية، خاصة وأنّ المفكرين أنفسَهم من ميكافيللي (ت1527م) حتى نيتشه (ت 1900م) وسارتر( ت 1980م) اختلفوا في نظرتهم إلى الدين ولكنهم لم يختلفوا في ضرورة استبعاده من حياتهم:

فميكافيللي والذي كان له دور هام في تطور الفكر السياسي الغربي، إذ إنه أسس منهجاً جديداً في السياسة، يتمثّل بتجاوز الفكر الديني، كان يرى الدين وسيلة يمكن استغلالها سياسياً وليس شيئاً يجب أن نؤمن به ولا أن نتخلّص منه، فهو يقول في كتاب الأمير: «إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس». ويقول: «من واجب الأمير أحياناً أن يساند ديناً ما ولو كان يعتقد بفساده». وبينما اعتبر المفكرون الملحدون الدين وباء يجب استئصاله، فقد قال جون لوك ( ت1745م) في كتابه رسالتان للحكومة: «فنّ الحكم لا ينبغي أن يحمل في طياته أية معرفة عن الدين الحق» وهو يقصد بذلك اعتبار جميع الأديان سواء، وأن الحكم يجب أن يتجاوزها جميعاً. وطالب مونتسيكيو (ت1755م) «بوضع السياسة والتاريخ كعَلَمين بعيداً عن التصورات الأخلاقية والميتافيزيقية» وهو يعني ترك التفسير الديني للكون. واعتبر فولتير ( ت1778م) «إنّ فلسفة التاريخ تقوم على أساس فكرة التطور التقدمي للمجتمع في استقلال عن إرادة الله» وهذه دعوة إلى فصل الدين عن السياسة، وأما نيتشه فقد تميز بنقده الحاد للدين وباعتراضه على فكر القطيع الذي يسيطر على البشر وأنّ على الإنسان أن يحرر عقله من أوهام الدين حسب رأيه. ويوافقه ماكس فيبر (ت1920م) على هذا حين تكلم عن عقلنة العالم وإن كان يحترم الاتجاه البروتستانتي الذي ساهم في العقلنة ونشوء الرأسمالية كما ذكر في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية بينما يُعلي سارتر (ت1980م) في فلسفته الوجودية من قيمة الإنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحبُ تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه.

وبالرغم من هذا الاختلاف من الإلحاد إلى الاستغلال إلى الإبعاد والإهمال، فقد اجتمعوا على القاسم المشترك بينهم جميعاً وهو ضرورة فصل الدين عن الحياة والدولة وترك أمر الإيمان والكفر إلى الأفراد بصفتهم الفردية، وأنّ هذا الإيمان ما دام تعبدياً كنسياً فردياً لا يحدد العلاقات مع الآخرين فلا ضرر منه مع اعتبار تصوراته عن الكون والإنسان والحياة (الميتافيزيقية) غير علمية وغير مسلّم بها، كما لا ضرر من الإلحاد إذا كان على النمط نفسه، وهذا ليس فكراً وإنّما حل وسط بين مجموعة من الآراء المتناقضة حول الدين المسيحي.

وهكذا نرى أنّ العلمانيين لم يُعملوا عقلَهم في البحث في أصل الدين ولا في وجود الخالق أو عدم وجوده أو في كون الإنسان مخلوقاً أم لا، ويمكن الحكم على العلمانية من خلال ما سبق بما يلي:
- العلمانية ليست فكراً بقدر ما هي ردة فعل سلبية على دين باطل كان ينغّص على الناس حياتهم.
- العلمانية لم تجب على تساؤلات العقدة الكبرى في فكر البشر وإنّما قفزت عنها تاركة أتباعها في حيرة وقلق.
- العلمانية فكرة متناقضة قائمة على الحل الوسط بين آراء فكرية مختلفة ومناهج متناقضة.
- العلمانية تعتمد التعميم في الحكم على الأديان مع أنّ الحكم القائم على التعميم لا يكون صحيحاً.

ب - سيطرةُ الطريقة العلمية في التفكير (المنهج العلمي في البحث) على المفكرين الغربيين وإهمالُهم الطريقة العقلية في التفكير (المنهج العقلي في البحث) وفكرة التناقض بين العلم والدين.
أما الطريقة العلمية أو المنهج العلمي في البحث فهو منهج يهدف إلى معرفة حقيقة المادة وخصائصها الكيميائية والفيزيائية عن طريق الملاحظة والتجربة بعد إخضاع المادة لظروف وأحوال غير ظروفها الطبيعية وذلك في المختبر، و لهذا يلزم التخلي عن الآراء السابقة لاحتمال وجود قابلية الخطأ فيها. فهي تختص في البحث في خصائص المادة في المختبر، ولا تبحث في وجود المادة أو عدم وجودها، ولذلك فمن شروط البحث العلمي وجود المادة المراد معرفة حقيقتها الفيزيائية أوالكيميائية، وأن يكون هناك امكانية لإخضاع هذه المادة للبحث المخبري.

وهذا المنهج العلمي هو منهج مهم وضروري ولكن يجب حصره في مجاله وهو المادة من حيث خصائصها الفيزيائية والكيميائية والوصول إلى حقائق علمية والتطبيق لها فيما يسمى بالتكنولوجيا.
أما الطريقة العقلية أو المنهج العقلي في البحث فهو يقوم على أساس نقل الإحساس بالواقع (معلومات عن المادة) إلى الدماغ مع وجود معلومات سابقة عن الواقع نفسه والحكم عليه.
فيلزم للطريقة العقلية حتى تتم وجود المادة، ووجود إحساس بها، ووجود معلومات عنها، ثم عملية التحليل والتفكير التي تكون في الدماغ والخروج بالحكم أو النتيجة.

وهذه الطريقة العقلية يمكن أن يكون لها أكثر من اتجاه في التعامل مع الواقع:
الأول: البحث في أصل المادة (الكون، الإنسان، الحياة) من حيث كونها مخلوقة أم لا، فإننا نستجمع معلوماتنا عن هذه المادة بالإضافة إلى المعلومات السابقة، ومن خلال الإحساس الذي ينقل المعلومات إلى الدماغ الذي يعمل على الربط والتحليل فيقرر احتياج المادة ومحدوديتها وعجزها، وهذا تفكير مستنير يربط المادة بما حولها أي بما يتعلّق بها بعد التعمق في فهمها فيتوصل في بحث عقلي بعيد عن التعقيد إلى وجود الخالق. وهذا البحث لا يمكن أن يكون بحثاً علمياً لأنّه ليس بحثاً في خصائص المادة، وإنّما هو بحث في كونها أزلية أم لا، في كونها مستندة في وجودها إلى غيرها أم لا، أي مخلوقة أم لا. وهنا انحرف الغربيون عن الصواب عندما أقحموا العلم في هذا البحث العقلي المجرّد فقالوا: ما الدليل العلمي على وجود الخالق؟ وكان الأصل أن يقولوا: ما الدليل العقلي على وجود الخالق؟ لأنّ هذا البحث ليس مخبرياً وليس بحثاً في خصائص المادة، فتصوروا أنّ هناك تناقضاً بين العلم والدين من هذه الناحية، كما أنّ فهم الغرب العميق للمادة لم يُربط بما يحيط بها أي لم يتحوّل إلى فكر مستنير وبالتالي إلى فهم حقيقتها من ناحية الخلق.

الثاني: البحث في الفكر من حيث كونه صحيحاً أي مطابقاً للواقع أم لا وذلك مثل:
واقع الإنسان من حيث إنه عقل وغرائز وحاجات عضوية، وإنه يحتاج إلى العقائد والتعريفات مثل: المجتمع، العقل، اللغة، الفقه والقانون، التاريخ، النهضة... إلخ، أي كل ما لا يمكن إخضاعه للتجربة المخبرية.
وهنا انحرف الغربيون أيضاً فعندما قاموا بدراسة الإنسان (الفرد والمجتمع) درسوه دراسة علمية بما يسمى علم النفس وعلم الاجتماع، وبالرغم من أنّ هذه الأبحاث ليست علمية بل هي قائمة على أساس الملاحظة وجمع المعلومات والمقارنة -وهذا جزء من الطريقة العقلية في التفكير- فقد خلطوا العلم بالعقل عندما أقحموا الطب الذي هو علم في أبحاث النفس واعتبروا بعض الأمراض نفسية مع أنها داخلة في الطب كالصرع وانفصام الشخصية الناتج عن خلل في الدماغ، وفي المقابل فقد اعتبروا سبب الشذوذ مثلاً في إشباع غريزة النوع (اللواط) طبياً نتيجة خلايا معينة في الدماغ مع أنّ إشباع الغرائز مردّه إلى الفكر، والشذوذ الذي يحصل فيه سببه انحراف في الفكر. فبدل أن يكون البحث سلوكياً فكرياً جعلوه طبياً جسمياً (تشريحياً) وقس على هذا الكثير من القضايا.

وأمّا علم الاجتماع فقد خلطوا فيه علم الآثار والأبحاث الميدانية لإصباغ صفة العلمية عليه، وقد فشلوا في ذلك، فالأبحاث الميدانية هي عبارة عن جمع معلومات ثم تحليلها ودراستها، أمّا جمع المعلومات فلا خلاف عليه، وأمّا التحليل والدراسة واستخلاص النتائج فقد انحرفوا فيها بشكل كبير بسبب إدخال النظريات (العلمية) فيها كنظرية التطور لداروين، والفرضيات غير المثبتة والتي يمكن اعتبارها آراء خاصة بأصحابها، وكنظريات أبحاث (علم) النفس.

وقد فسروا بعض الحقائق التي أظهرها علم الآثار بشكل منحرف وذلك بسبب الإصرار على فكرة التطور والإلحاد العلمي فمثلاً: أثبتت الآثار أنّ البشر في جميع المجتمعات القديمة التي وجدت آثار لها وفي جميع أنحاء الأرض كانت تعبد إلهاً وكان لها دور عبادة، فبدل أن يقولوا إنّ التدين أمر غريزي في الإنسان وجزء من تكوينه بغض النظر عن الزمان أو المكان وإنّ هذا يشير إلى احتياج الإنسان إلى الخالق الذي خلقه, قالوا هذه سمة من سمات المجتمعات البدائية ومرحلة من مراحل تطور الفكر البشري.

وبعدما وجدوا بعض العظام التي تعود إلى ملايين السنين أو مئات آلاف السنين والتي لا تطابق البنية البشرية، فبدل أن يقرّوا بأنّ الإنسان لم يتطوّر وأنّ هناك مخلوقات كانت قبله، وبسبب هيمنة نظرية دارون الأثيمة عليهم اعتبروا أنّ الإنسان الحالي تطور عن مخلوقات مغايرة مع أنّ العلم الحديث (التشريحي والجيني) يثبت أنّها ليست من الجنس البشري. وهكذا نجد أنّ الانحراف في الفكر والحكم على الأشياء سمة أساسية للفكر الغربي.

وهنا يجب الانتباه إلى الاختلاف بين (البحث العلمي) و(البحث العقلي) بالرغم من وجود التشابه من حيث الملاحظة والتجربة والاستنباط، وهذا يدل على أمرين:
الأول: إنّ الطريقة العقلية هي أساس التفكير وإنّ الطريقة العلمية متفرّعة عنها.
الثاني: إنّ الملاحظة والتجربة والاستنباط للمادة وخصائصها إن لم يكن مخبرياً لا يعتبر البحث حينئذ علمياً.

أمّا التناقض بين العلم والدين: فإنّه وإن كان الحديث السابق عن طريقة التفكير العقلية وطريقة التفكير العلمية كافياً لبيان أن لا تناقض بين العلم والدين الصحيح، إلاّ أنه يزاد عليه قليلاً فيقال:
1- إنّ تناقض الدين المسيحي مع العلم لا يجوز أن يُحمل على الدين الإسلامي.
2- إنّ العلم له مجاله الذي يجب حصره فيه، فمجاله البحث في المادة من حيث خصائصها الكيميائية والفيزيائية، وليس البحث في كون المادة مخلوقة أم لا.
3- إنّ الدين الصحيح وهو الإسلام يقوم على العقل، والعقل لا يمكن أن يتناقض مع العلم، فالعقل يبحث في أصل وجود المادة، ولذلك فإنّ الإسلام وقد بيّن أنّ المادة مخلوقة فقد بيّن أيضا أنّها مسخّرة للإنسان، والتسخير والاستفادة من المادة يقتضي وجود البحث العلمي الصحيح وتاريخ المسلمين يدل على هذا.
4- إنّ النظريات التي تتناقض مع الإسلام كنظرية دارون مثلاً ليست علماً، وإنّما هي افتراض مسبق ونظري وغير مثبت، وحيث إنّ العقل أثبت كون الإنسان مخلوقاً فهذا يعني تناقض نظرية دارون وأمثالها مع العقل، وبالتالي يستحيل أن يثبت العلم في يوم من الأيام صحة هذه النظرية.

ج - انحراف الغربيين في فهم واقع الإنسان.
ويظهر ذلك في نقطتين:
1- سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية).
2- عدم تنظيم الفكر الغربي لسلوك الإنسان في إشباعه للغرائز والحاجات العضوية مع حرصهم على التنظيم.

النقطة الأولى: سعيهم للتشريع ووضع القوانين (الديمقراطية): إنّ الخطأ الجذري في الفكر الغربي وهو تجاهل حل العقدة الكبرى أي عدم البحث في وجود الخالق وبالتالي نفي علاقة الخالق بالمخلوق من حيث التشريع، وقد جرّهم هذا إلى وضع التشريعات وسنّ القوانين، وهنا انحرف الغربيون انحرافاً كبيراً آخر عندما لم يبحثوا صلاحية الإنسان للتشريع وقدرته على سنّ القوانين أو عدم صلاحيته لذلك. بل أخذوا يشرّعون ويضعون الأنظمة، مع أنّهم لم يفهموا واقع الإنسان بشكل صحيح من أنّه جسم مادي وعقل وغرائز وحاجات عضوية يحتاج إلى إشباعها وقيم يحتاج إلى تحقيقها، وصحيح أنّهم يقرون بوجود العقل والغرائز إلاّ أنّهم لا يفهمون واقع ذلك بشكل صحيح وبالتالي فقد بنيت تشريعاتهم على أساس عدم فهم الإنسان، ولو فرضنا جدلاً أنهم يفهمون واقع الإنسان فهذا لا يعني أنّهم قادرون على سنّ القوانين والتشريع لتفاوت البشر في نظرتهم للأمور مما يعني الاختلاف في الفهم والتناقض في الحكم على الأشياء والأفعال ويساعد على هذا تأثر الإنسان الحتمي بالبيئة، فبعض المجتمعات ترى الزنا جريمة وأخرى تحث عليه، وكان الفراعنة يقدّسون النيل لحاجتهم لمياهه، بينما قدّس بعض الآسيويين جبال البراكين العظيمة خوفاً منها، وفيما فرضت قسوة الصحراء على العرب قيماً معينة من كرم وإغاثة ملهوف ورابطة قبلية وصراع على موارد نادرة رسم هيكل العلاقات الجاهلية، لم يكن لهذه القيم اعتبار يذكر في المجتمع اليوناني مثلاً، وبينما يعتبر كشف الرجال وجوههم في البيئة المعتدلة أمراً طبيعياً، يعتبر عيباً عند رجال الصحراء الحارقة في أفريقيا (الطوراق)، وإذن لا يستطيع البشر أن يضعوا لأنفسهم نظاماً ينظم إشباع غرائزهم وحاجاتهم العضوية.

النقطة الثانية: ما وضعه الغرب من تشريع لا يعتبر تنظيماً لإشباع الغرائز والحاجات العضوية:
وذلك لأنّ التشريع حتى يعتبر تنظيماً للغرائز والحاجات العضوية لا بدّ أن تتوفر فيه ثلاثة أمور:
1- فهم واقع الغريزة المراد تنظيمها، وهذا أمر لم يصل إليه الفكر الغربي، والدليل على ذلك اختلافهم في تعريف الغريزة وفي عدد الغرائز وفي تكوين الشخصية، والأبحاث التي تتجدد كلّ يوم ينقض آخرُها أوّلَها؛ حتى صار لما يسمى بعلم النفس أكثر من خمسين فرعاً مملوءة بنظريات ينقض بعضها بعضاً.
2- تحقيق الإشباع الصحيح، وهذا يعني حصول الإشباع بكيفية صحيحة مثل: الزواج، وشرب الماء.
3- منع الإشباع غير الصحيح مثل: منع الزنا واللواط، ومنع شرب الخمرة.
والناظر في التشريع الغربي لا يرى هذا، لأنّ التشريع الغربي الذي بني على الحريات يتناقض مع فكرة التنظيم، فالتنظيم معناه آمِن واكفر: آمن بوجود الله ولا تؤمن بتعدد الآلهة، افعل ولا تفعل: بع واشترِ ولا تتملك بالربا، ويجب أن تفعل ولا يجوز أن تفعل: يجب أن تصلي لله بكيفية معينة ولا يجوز أن تزني، ويجب أن تقول الحقّ ولا يجوز أن تكفر بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهكذا، وهذا يتناقض مع حرية الاعتقاد والتعبير والتصرف والتملك، وبالتالي فإنّ التشريع الغربي قد أطلق الحبل على الغارب في هذا الموضوع حتى صارت فوضى الإشباع هي السمة الغالبة على المجتمع الغربي وهذا ليس تنظيماً.
وأما إشباع جميع الغرائز فإنّ حالة فوضى الإشباع الناتجة عن غياب التنظيم ووجود الحريات قد حققت الإشباع الزائد لبعض المظاهر الغريزية مع تحقيق أقلّ للإشباع لمظاهر أخرى إن لم يكن حرمانها، مما أنتج حالة طغيان مظهر غريزي على آخر وسبب الضياع للإنسان الغربي الذي يحقق إشباعاً زائداً لغريزة الجنس مثلاً، حتى وصل إلى الشذوذ، بينما يعاني من الحرمان فيما يتعلّق بغريزة التدين مما دفع ويدفع بالكثير من الناس في المجتمع الغربي إلى محاولة الإشباع من خلال الأديان والعقائد الوثنية مثل البوذية والهندوسية، وهذا يمثل انحطاطاً في المجتمع الغربي ورجعية غير مسبوقة في الفكر الإنساني. وهذا يؤكد خطأ قيام البشر بوضع تشريعات لعدم قدرتهم على ذلك؛ لأنّهم، وهم يضعون التشريعات، لا ينظمون الغرائز ولا الحاجات العضوية.

الخلاصة: إنّ عقيدة الفكر الغربي عقيدة باطلة لأنها تقوم على أساس غريزي هو ردّ الفعل ولا تقوم على الفكر، وإنّ القفز عن إعطاء الرأي حول وجود الخالق لم يكن سوى تغيير لطبيعة المشكلة الفكرية في أوروبا وليس حلاً لمشكلة اعتقاد أوروبا لدين باطل، كما أنّ تعميم رؤية أوروبا نظرتها للدين المسيحي قد حرمها من رؤية الإسلام الرؤية الواضحة والصادقة فحملت العداء له. إنّ ما تعانيه شعوب أوروبا اليوم (والعالم من خلفها) من فراغ روحي، وشعور بالضياع، وغياب للقيم، وإشباع بهيمي للغرائز والحاجات العضوية وبحثها عن عقيدة غير العقيدة المسيحية، ومشاكلهم في الاقتصاد والاجتماع... كلّ ذلك وغيره يوجب على المسلمين أن يسارعوا إلى حمل رسالتهم رسالة الإسلام إلى هذه الشعوب الضائعة، وذلك بعد أن يقيموا دولة الخلافة التي تؤهلهم لحمل هذه الرسالة العظيمة.

بقلم :

خالد الدويك - القدس

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

رسالة إلى النائمين في العالم الإسلامي



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الرسالة أكتبها للغافلين و النائمين في العالم الإسلامي على امتداده العريض محذراً من هذه الغافلة التي أصابت الشعوب الإسلامية و ما عادت تسيطر عليها قضايا أمتها و لا دينها و أصبحت الدنيا مرتع لأهل الإسلام، يفعلون فيها كل شيء إلا الدفاع عن الدين و عن أرض الإسلام، هاهو العالم الإسلامي ينسلخ يوماً بعد يوماً. و بدلاً من دولة مترامية الأطراف أصبحنا بلا دولة بعد سقوط آخر خليفة للمسلمين في عام 1924، و تمزقت الدولة الإسلامية إلى دول عديدة و أصبح القاسم المشترك بينهما هو الإغراق في المشاكل المحلية و ترك الدين و قضاياه عرضة لهجمة شرسة من أتباع اصحاب كل دين يريدون ليطفئوا نور الله و إن كان الله متم نوره كما وعد فلا يكون لمن ضيع و فرط في الدين نصيب من الأجر بل تصحبهم سيئات ما كسبوا.

يا أمة الإسلام: لقد وجدت الصحف و الفضائيات في العالم الإسلامي تحتفل بالعيد و بمباهج العيد و لاتشعر بالنكبات التي تتعرض لها فقبل العيد بأيام، بيعت القدس من قبل النظام المصري و اقترح الرئيس المصري أن تكون القدس عاصمة للدولتين مقابل سكوت أمريكا عن عملية التوريث المزمع حدوثها في مصر، و هو الحل الذي تريد أمريكا فرضه لحل قضية فلسطين، و قبل أيام حدثت فيضانات في باكستان و كان العالم الإسلامي كعادته لم يكن على مستوى الحدث نظراً لأن أمريكا استغلت الحدث لفرض وجودها في كل أراضي باكستان، و قبل العيد كانت التهديدات بحرق نسخ من القرآن من قبل قس أمريكي في ذكرى أحداث سبتمبر، و لم نسمع صوتاً واحداً لواحد من زعماء العالم الإسلامي مندداً او مهدداً بل أكل الصمت ألسنتهم.و احتفل المسلمون بالعيد و كأنهم أصحاب انتصارات لا هزائم و نكبات.

يا أمة الإسلام: أندلس جديدة تقتطع من أرض المسلمين، و ليس لها معتصماً أو صلاح الدين، كلينتون تقول (إن إنفصال جنوب السودان حتمي) و الدبلوماسية البريطانية بدأ تحركاتها لضمان نجاح الإستفتاء في يناير 2011 لإقرار الفصل، لنبدأ بعد ذلك قي إلقاء الخطب و الأشعار و البكاء علي دولة السودان الموحد لتعود لنا عائشة الحرة مجدداً لتقول لنا كما قالتها من قبل لإبنها أبو عبد الله الصغيرآخر ملوك غرناطة الذي أضاع الأندلس (أبكوا كالنساء ملك لم تحفظوا عليه كالرجال).

يا أمة المليار مسلم: بالأمس كانت فلسطين و من بعدها تيمور الشرقية و اليوم العقبة و غداً مصر و الجزائر و المغرب، و لا يتحرك أحد، و انشغلت الأنظمة الحاكمة بالحرب على الإرهاب تنفيذاً لتعليمات أمريكا ضماناً لإستمرارهؤلاء في الحكم و ضماناً لإستمرار العائلات الحاكمة في الحكم سواء كانت في النظم الملكية أو الجمهورية.

يا أمة الإسلام: هل لنا أن نتعلم من التاريخ و نعرف الحقيقة المرة أن مصر فقدت كثيرا من نفوذها على السودان منذ انقلاب يوليو وقدم "الزعيم الخالد" عبد الناصر السودان على طبق من ذهب للكنيسة وأمريكا والغرب حينما وافق على انفصال السودان عن مصر تنفيذا لرغبة أمريكا ولم يكن فى مقدوره أن يرفض لهما طلبا!! وكيف يرفض وأمريكا هي التى ساعدته فى انقلابه "الأبيض" وساندته حتى تخلص من جميع رفاقه واحدا تلو الآخر حتى أصبح ديكتاتورا وقدم سيناء هدية للصهاينة - ولم تكن فى يوم من الأيام تلك رغبة من المصريين أو السودانيين لأن مصر والسودان منذ قديم الأزل بلدا واحدا.

إن المؤامرة التي استهدفت السودان لم تكن وليدة اليوم إنما مخطط له من زمن بعيد منذ أن وقعت البلاد في أيدي بريطانيا عدوة الإسلام الأولى و لم يكن الهدف جنوب السودان فقط بل السودان و مصر و إقتلاع الإسلام من جذورها في هذه البلاد فالسودان هوأكبر الدول الإسلامية مساحة و يقع عند حدوده تسع دول فكان لابد من تفتيته وتقسيمه وإغراقه فى الحروب الأهلية وتم وضع الخطط الكفيلة بذلك منذ بداية عصر الكشوف الجغرافية وبدأ التنفيذ بعد الإحتلال البريطانى لمصر وتعيين جوردون حاكما عاما على السودان باسم مصر!!

وكان جوردون هذا منصرا يتبع الكنيسة فحاول تنصير أهل السودان الذين ثاروا ضده وقتلوه وقالت عنه ملكة بريطانيا: - " لقد فقدنا واحدا من أشد المخلصين للمسيحية "..!!

لم تهدأ محاولات بريطانيا لتنصير السودان فاتجهت جنوبا حيث القبائل الوثنية في خطوة لفصله عن الشمال والهدف الأكبر هو اجتثاث الإسلام من جذوره في أفريقيا ومنع انتشاره عبر السودان واتخاذ الجنوب السودانى رأس حربه فى هذه الحرب التى لا هوادة فيها، لقد قامت بريطانيا فى سبيل دعم الانفصال بتأسيس مراكز مسيحية على كافة مناطق إلتماس بين الإسلام والوثنية فى جنوب السودان وهو ما يعرف باسم "سياسة طرد الإسلام" من مناطق السودان غير المسلمة ومنع انتشاره بين الوثنيين وبدأت بعد ذلك مرحلة إنشاء ونشر المدارس الكاثوليكية والإرسالية والجاليات في مختلف ربوع السودان بهدف تنصير السودانيين جمعيا وتغيير طابع المدن السودانية الإسلامية إلى الطابع المسيحى.

وبدأت فى شراء قطع الأراضى ذات المواقع المتميزة بأسعار مبالغ فيها لبناء الكنائس عليها بخلاف المدارس السابق ذكرها كما شرعت فى بناء أندية مسيحية تفوق بكثير جدا عدد السودانيين الذين تم تنصيرهم ولكنها الرغبة فى كسب أرضية مسيحية فى السودان حتى لو كان ذلك مظهرا فقط لا أكثر ولا أقل!!

وفى طريق مواز – وكما يحدث فى مصر- بدأت الكنائس العشوائية تنتشر فى المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة وبدأت فى توزيع الكتب المسيحية بأسعار زهيدة للغاية وكذلك الكتب ذات المظهر الإسلامي ولكنها فى الحقيقة كتب تشكك فى العقيدة الإسلامية وتسب نبي الإسلام.. وساهم فى ذلك كله وجود مطابع سرية يديرها منصرون غربيون وكشف بعضها البوليس السودانى وأغلقها.
وحينما أعلن نميرى عن تطبيق الشريعة الإسلامية ثار الإنفصاليون فى الجنوب بدعم ديني من الكنيسة ودعم سياسي من بريطانيا ودعم عسكرى من أمريكا وإسرائيل!!

وحينما تم لهم ما أرادوا وبدأ الجنوب أولى الخطوات على طريق الانفصال كان إثارة النعرات القومية لدى السودانيين فى دارفور!!

كان وصول البشير إلى الحكم و إعادة إنتخابه مرة ثانية في انتخابات غير نزيهة لضمان تنفيذ المخطط الأمريكي - الأوربي وكأنه ما استولى على الحكم فى السودان إلا لتنفيذ مخطط أمريكا والكنيسة بفصل الجنوب عن الشمال وقريبا يتم فصل الغرب عن الخرطوم ليتفتت السودان الذى تبلغ مساحته مساحة كل من السويد والنرويج والدنمارك وبريطانيا وايطاليا واسبانيا وفرنسا والبرتغال.

أن وصول الزعيم الصليبي جون جارنج إلى منصب نائب أول رئيس السودان بعد اتفاقية السلام ليس نتيجة كفاح وثورة ولكنه نتيجة خيانة ومخططات مؤسسات التنصير ومؤامرات تفتيت الدولة ووضع الحواجز لمنع انتشار الإسلام فى افريقيا وعما قريب سيصبح سلفا كير خليفة جارنج رئيسا لدولة جنوب السودان سواء اتفاقا أو انقلابا أو انتخابا.

وبذلك يصبح جنوب السودان دولة مسيحية بعد أن يتم تغيير الدستور وتصبح مصر هى المحطة التالية حيث يبدأ فصل جديد يستهدف الضغط عليها بقطع مياه النيل التي سيكون السماح بها مقابل تنفيذ املاءات الغرب والكنيسة والصهيونية ونتصور أن يكون ذلك بتوصيل مياه النيل إلى الصهاينة فى فلسطين وتغيير الدستور المصرى وعدم ذكر الشريعة الإسلامية فى بنوده - وهى مطالب تبنتها منظمات مسيحيى المهجر والكنيسة فى مصر- وإطلاق يد المنظمات التنصرية المسيحية فى البلاد ومساعدتهم فى إقامة دولة لهم غرب البلاد تكون عاصمتها الفيوم ووادى النطرون وتشمل الإسكندرية وصعيد مصر..!!

إن هذا المخطط بدأ منذ ثلاثة قرون من الزمان ويزيد ولم يكن أحدا يتخيل أن يتم تنفيذه، ولم يكن أحد يتخيل أن بضعة أفراد من الصهاينة يطردون العرب من فلسطين ولكن كل الأحلام تتحقق طالما هناك خطط توضع وتنفذ ولا أحد من العرب يقرأ.. واذا قرأ يتثاءب ويترك العبء للأجيال التى تليه؟!

بقلم: محمود الطرشوبي

الأحد، 12 سبتمبر 2010

الفرد والمجتمع تميزّ وسعادة


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الطريقة الخاصة بالمجتمع المسلم هي التي تضفي عليه صبغة هذا المجتمع ذو الطراز المتميز على هذا الفرد فيصبغ هذا الفرد بصبغة هذا الدين وصدق الله العظيم {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} البقرة138، فالصبغ المادي هو الذي يُلون الثياب بلونه وكذلك الدين صبغة، لان هيئته تظهر بالمشاهدة من اثر الطهارةِ والصلاة والصوم والحج والزكاه وغيرها في قوله تعالى {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم} الفتح29، فكان هذا الايمان الذي يحمله المسلم هو صبغة الله تعالى ليبين ان المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله لعباده وبين الدين الذي اختاره المبطل، ظاهرةٌ جلية كما تظهر المباينة بين الاصباغ لذي الحس السليـم الـذي يميز بين الصبغ الابيض والصبغ الاسـود.وصدق الله العظيم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم30، فالشرع يحافظ على كرامة الفرد ولا يمتهنها حتى يبقى الفرد واثقاً بنفسه من انه مكون اساسي ومهم وله اعتباره ومجاله الذي يُحترم من قبل المجتمع من ناحية عزته وكرامته.

ان الايمان حين يلامس شغاف القلب يرق هذا القلب رقة تؤثر في الجوارح تأثيراً مباشراً في قوله تعالى{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر23، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) فكان الانسجام والتناسق بين الاعتقاد وبين التصرف حاصل لا تعارض فيه ولا اختلاف وهذا الامر لا يوجد الا عند المؤمن فلا يحمل المؤمن الضدين بين اعتقاده وتصرفه وهذا هو المقصود بالتميز.

اما على مستوى المجتمع المسلم فإننا وكما نعلم ان المجتمع يتكون من افراد وافكار ومشاعر واحاسيس ونظام وهنا ايضاً تميز آخر في هذا المجتمع فكما ان الفرد المسلم يتميز عن غيره فكذلك المجتمع اذ لا تناقض ولا اختلاف ولا انحراف بين مكوناته فالنظام ايضا يصبغ المجتمع بصبغته، وهذا النظام من عند الله عز وجل وهذه القوانين ان شئت تسميتها فانها احكام شرعية نلتزم بها ونستقبلها ونتعاطى معها كما نتعاطى مع الصوم والحج وصدق الله العظيم {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82.

إن الاحكام الشرعية قد جاءت للعلاج وليس للتطبيب والفرق واضح بيّـن، فالعلاج: هـو الطريقة الشرعية للتعاطي مع كل امر او كل مشكلة ويؤخذ بالتسليم المطلق {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء82، وأما التطبيب فإنه يخضع للتجربة ولنظرية الاحتمالات فقد ينجح ويحصل الشفاء وقد لا ينجح وهذا هو الفرق بين نظام انزله الله ونظامٍ وضعه البشر فلا يُسمع قول القائل بالتجربة الاسلامية واطلاقها كمفهوم فالاسلام لا يخضع للتجربه.

ان نظام الاسلام وأحكامه التي تضبط المجتمع وتصبغه لا تخضع للتخمين بل هي التي عينها الله عز وجل وهي السبيل القويم الموصل حتماً لنوال رضوانه في الآخره وللسعادة في هذه الدنيا في قوله تعالى{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء9، على عكس النظم والقوانين التي يفهمها البشر فما كان صالحا منها ليوم في نظرهم غير صالح في يومٍ آخر وما هو عدل بالنسبة للبعض هو ظلم بالنسبة للبعض الآخر، فترى ان من افراد المجتمعات الاخرى من لا يرى العدل في مجتمعه، ومنهم من يرى العدل في جانب ويرى الظلم في جانب آخر ومنهم من يرى العدل في زمن ولا يراه في زمنٍ آخر، بعكس المجتمع المسلم فإن الانسجام كله موجود بين النظام وبين افراد هذا المجتمع لانهم يعتقدون انهم يعبدون الله ويطلبون طاعته بتنفيذ امره ونهيه بتطبيق اوامره ونواهيه وهنا تكمن قوته.

نعم إن قوة الدولة لا تكمن في عدد جيشها او قوة الحاكم والملأ ولا تخضع قوةً وضعفاً تبعاً للغنى والفقر مطلقاً فكلها متغيرات والمتغير لا يعتبر قاعدةً يبنى عليها.

إن قوة المجتمع المسلم تنبع من انصهار الافراد بالافكار حتى يتوحد الجميع في قضية الفرح والحزن وتنبثق المشاعر والاحاسيس عن هذه الافكار وليس غيرها وأن يكون تطبيق الاحكام الشرعية هو مطلب الجميع طاعة لله عز وجل، وأن الدولة بنظر الافراد هي الاب والام.

إن القوة إن نسبت لغير الفكر فإنها تعتبر قوة نسبية أو تذوي إن أتى عليها الزمن، يعني أن مظهر القوة لا يعني وجودها حتماً بل إن مظاهر القوة في بعض الاحيان والحالات قد يعني الضعف او اخفاء هذا الضعف فالاتحاد السوفيتي مثلا كانت تبرز فيه مظاهر القوة لتخفي ضعف الفكر الموجود فهوى مرةً واحدةً دون سابق انذار وايضـا فرعون عندما كان في اوج قوته بنظـر نفسـه دفعته للقول ( انا ربكم الاعلى ) ثم اخبرنا ربنا عز وجل فقال {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الأعراف130، واما القوة المعينة لنا من الله عز وجل فهي ان تحمل هذا الاعتقاد حملاً قوياً فلقد خاطب ربنا عز وجل موسى فقال {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} الأعراف145، وقوله تعالى {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ} البقرة93.

وهـذا ما تعلمنـاه من سيد الخلق من قوته في حمل دعوةِ الله حين حاربه أهله فقال ( والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ) فكانت قوته صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته مستمدة من الفكر الذي يحملونه اعتقاداً لا شك فيه يفيض على جوارحهم حتى يقول قائلهم :
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي

فكانت قوة الدولةُ المستمدةُ من عقيدتها وشرع ربها قوة لا تضعف ولا يأتي عليها عامل الزمن بل هي قوة مضطردة يحملها الخلف عن السلف، تدفع للعمل بالإتجاه الذي يرضى عنه الله.

إن الإسلام مبدأ عقيدة وأحكام شرعية فلا يمكن الفصل بين هذه وتلك وهذا ما فهمه أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما قال ( والله لأحاربن من يفرق بين الصلاة والزكاة ) فكما ان العقيدة الإسلامية تصبغ المجتمع بصبغتها وكذلك الأحكام الشرعية فإنها تصبغ العلاقات بين الناس في المجتمع المسلم بصبغتها، إذ أنه لا يتأتى للمجتمع المسلم أن تكون العلاقات بين الناس فيه على غير أساس الأحكام الشرعية، فالبيع والاجارة والشركات والزواج وغيرها من العلاقات لا بد أن يكون ضابطها الأحكام الشرعية التي ينفذها الفرد على أساس أنها دين الله ويعبد الله بإتباعها، وكذلك لا يجوز للدولة التي تصف نفسها بالإسلامية إن طبقت غير شرع الله، فعلاقة الدولة بالرعية وعلاقة الرعية بالدولة وعلاقات الرعية بعضهم مع بعض لا تقوم داخل المجتمع المسلم إلا على أساس الأحكام الشرعية.

إن الأحكام الشرعية قد شرعها ربنا لتنظيم حياتنا وتحديد علاقاتنا حتى نحيا في هذه الحياة الدنيا ضمن دائرة مرضاته تعالى وطاعته، فلا توصف الأحكام بأنها شرعية إلا إذا كانت موصولة بالعقيدة، فقد توجد أحكام ولكنها لا تسمَّى شرعية لعدم إتصالها بالعقيدة والقانون الذي يفرضه الغاشم بقوته وقهره وبطش جنده لا يسمَّى شرعياً لإنقطاعه عن الوحي ولو كان خلف هذا القانون مشايخ السلطان وأتباعه.

إن أخص خصائص الألوهية هي الحاكمية وإنها له وحده عز وجل وهي التي تؤثر في المجتمع قوةً وضعفا، وأن شرعه الذي سنه للناس بمقتضى ألوهيته لهم وعبوديتهم له، وهي التي يجب أن تحكم هذه الارض، وهي التي يجب أن يتحاكم إليها الناس، فالمسألة مسألة إيمان وكفر أو إسلامٍ وجاهلية ولا وسط في هذا الأمر ولا صلح، فالمؤمنون هم الذين يحكمون بما أنزل الله ولا يحرفونَ منه حرفا ولا يبدلونه، والكافرون الظالمون الفاسقون هم الذين لا يحكمون بما أنزل الله.

أما الناس فإما ان يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضائه في أمورهم فهم مؤمنون.... وإلا فما هم بالمؤمنين ولا وسط بين هذا الطريق ولا ذاك ولا حجة ولا معذرةَ ولا إحتجاج بمصلحة، فالله رب الناس يعلم ما يصلح للناس ويضع شرائعه لتحقيق مصالح الناس الحقيقية.... وليس أحسن من حكمه وشريعته حكم او شريعة،وليس لأحد من عباده ان يقول إني أرفض شريعة الله أو أنني أبصر بمصلحة الخلق من الله..... فإن قالها بلسانه او فعلها فقد خرج من نطاق الايمان.

قال الطبري : إن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين يهودي خصومة في أرض فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان المنافق مبطلا فأبى من ذلـك وقـال : إن محمداً يحيف علينا فلنحكّم كعب ابن الأشرف فنزلت{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{47} وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ{48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ{49} أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} النور: 47 - 52.

إن دافع تقوى الله عند المؤمن داخل المجتمع المسلم يجعله يقف عند حدود الله فلا يتجاوزها طاعة له عز وجل وليس خوفا من غاشم... في إطار علاقته مع نفسه وعلاقته مع غيره وعلاقته مع الدولة، وكذلك الامر بالنسبة للدولة فإن علاقتها مع الرعية لا تقوم على أساس القمع والبطش وإنما تقوم على أساس الرعاية والحفظ، فأمير المؤمنين يسوس رعيته لما ينفعهم في الدنيا ويصلح شأنهم، وليدخلوا الجنة في أخراهم وليس كما نرى اليوم من أن مغتصب السلطة الغاشم يأخذ الناس بالبطش والتنكيل ليطيعوه خوفاً ولا يعبأ بهم أدخلوا النار ام دخلوا الجحيم فالمهم عنده أن لا يخرجوا عليه وأن ينقادوا له.

فكان الامر داخل المجتمع الاسلامي يختلف اختلافاً بعيداً عما نراه ونعيشه اليوم فهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه عكرمة عن ابن عباس (المسلمونَ تتكافئ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم ) هذا بالنسبة للأفراد وأما بالنسبة للخليفه فيقول الماوردي ( إن الخلافة موضوعة لخلافة النبوة.... موضوعة لحراسة الدين والدنيا..... وهي نظام واجب بالإجماع، وأول إختصاصٍ للخليفةِ حفظ الشرع، فتعيين الإمام واجب على الجماعة الاسلامية).

إن أمير المؤمنين بوصفه ولي أمر يرعى الشؤون ليوصل من يرعاهم من المسلمين لجنة عرضها السموات والارض وهذه هي السعادة بنيل رضوانه عز وجل – ولا ينصب همه لكي تستقيم له أمور دولته أو تستقر حالته ولا يعنيه أشقيت به الرعية أم سعدت، بل إنه يرعى شؤون حياتهم في الدنيا بأمر الله ونهيه لتستقيم امور آخرتهم، فزجره... لجبرهم في الآخرةِ وليس لعذابهم وقهرهم وإفقارهم في الدنيا.

إن عمل أمير المؤمنين الذي يرعى الشؤون لتحقيق السعادة لرعيته في الدنيا والآخرة، ليس كعمل مدرب فريق الرياضة، فالمدرب ينصب كل همه على أن يفوز فريقه بغض النظر عن كون اللاعبين سعداء أم تعساء في بيوتهم حافظوا أم خالفوا الأحكام الشرعيه صاموا أم لم يصوموا فلا تهمه هذه الامور مطلقا بل إن كل همه أمر واحد هو فوزهم في المباراة وبعد ذلك فلا ضير عنده إن ذهبوا الى الجحيم.

أما أمير المؤمنين الذي هو الراعي الذي يذود عن غنمه ويرعاها ليس لأجل حليبها ولحمها ونتاجها.... بل يرعاها لتستقيم على منهج الله، فإنه يعبد الله برعايتهم وهم يعبدون الله بطاعته.

إن السعادة للمسلم لا تتحقق إلا داخل دولته وفي كنف الخليفة فإنها في الدنيا السعي في طريق طلبها بالتقيد بأمر الله ونهيه وإقامة شرعه والوقوف عند حدوده والرضى بقضاءه والصبر عند البلاء وشكره على نعمه ودوام الدعاء والتضرع له حتى إذا وصلنا إلى الآخرة كان رضاه عنا هو السعادة التي ليس بعدها سعادة وهي النعيم المقيم الدائم الذي لا يزول.

إن هناك فرق بين طلب رضوان الله ونيل رضوانه فالسعادة في الدنيا كذلك غير السعادة في الآخرة.... وهنا لابد أن ندرك أن طلب رضوان الله في الدنيا بالتزام أمره ونهيه هو السير في الطريق الموصلة لرضوانه عز وجل، إذ أن رضوانه لا يناله أحداً إلا عبر هذا الطريق وصدق الله العظيم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28، وهذه هي سعادة الدنيا لأن الله جل وعلا قد هدانا للطريق الموصل لنيل رضوانه.

إن رضى المسلم واطمئنان قلبه هو أصل سعادة المؤمن في الدنيا ولا يكون هذا الأمر إلا في كنف أمير المؤمنين فكان العمل لإيجاد الخلفيه طلباً لنيل رضوان الله عز وجل، فلا يهنأ المؤمن ولا يسعد ولا يطمئن قلبه وهو يحكم بغير ما أنزل الله ولا يطمئن قلبه ولا يسعد وهو يرى دماء المسلمين تسيل بسبب وبغير سبب في الصباح والمساء.

ومع الأسف فإن كثيراً من الناس يجهلون طريقها ويخطئون في طلب السعادة من غير أسبابها ووسائلها فيقعون في متاهات كثيرة وتخونهم الأماني فلا يجدونَ ما ينشدون وتتكشف لهم بعد فوات الأوان أنهم كانوا يطلبون الشراب من السراب، ويرجونَ الأمن من متن العباب وبدا لهم أنهم كانوا يحرثون في الماء ويبذرونَ في الهواء

فمن تصور أن السعادة بالمال أو الجاه أو بكثرة الولد أو بالمجد حتى إذا ظفر بما تصوره سعادة لم يكن إلا شقاءَّ أو زيادة أعباء وما أحسَّ لا بهناءة عيش ولا اطمئن له قلب.

ان المؤمن الذي أدرك وآمن أن الجنة قد حفَّت بالمكاره وأن النار قد حُفَّت بالشهوات ليدرك وهو يسير في طريق السعادة لنيل رضوان الله أن المكاره التي تُلمُّ به والأذى الذي يصيبه لا يخرجه عن كونه سعيداً بالطريق التي يترسمها لأنه قد أدرك أن لذة السعادة بإطمئنان قلبه لقضاء الله عز وجل يهوّن عليه هذا الاذى.

الكاتب: جواد عبد المحسن الهشلمون

الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

صفات الامة الاسلامية


بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) صدق الله العظيم

فهل لا زلتم على ما وصفكم الله به؟

- كنتم خير امة يوم كنتم امة واحدة عربا وعجما واتراكا واكرادا لا فرق بين ابيض واسود ولا اصفر ولا احمر الا بالتقوى ، تعتصمون بحبل الله جميعا، سلما بينكم حربا على اعدائكم ، بعضكم اولياء بعض ، ينصر بعضكم بعضا تقاتلون عدوكم صفا واحدا.

- كنتم خير امة يوم كنتم تحملون رسالة الاسلام لاخراج اهلها من الظلمات الى النور فيعتنقون عقيدتكم ويتلسنون بلغتكم ويصيرون جزءا منكم لهم مالكم وعليهم ما عليكم.

- كنتم خير امة يوم كنتم دولة واحدة لا يفصل بين ولاياتها حدود او سدود، ثغورها محصنة بالمرابطين والمجاهدين، ودعوة الاسلام عامة للعالمين ، تستظلون بنظام الاسلام وتحتكمون الى القرآن ، بهذا كنتم خير امة اخرجت للناس.

فلما تركتم الاحتكام الى كتاب ربكم وركنتم الى قوانين اعدائكم تنازعتم ففشلتم وذهب ريحكم فغدوتم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ، فحال حالكم وتغيرت احوالكم ودالت دولتكم وزال سلطانكم ، ورسخت فيكم نعرة القومية فجزئت بلادكم فغدوتم دويلات قومية متعددة واقطارا متباعدة ، وصرتم عربا وعجما متصارعين متحاربين واتراكا واكرادا متقاتلين ، وصار العربي اجنبيا في تركيا ، والتركي اجنبيا في البلاد العربية ، فضعفت فيكم رابطة الاخوة الاسلامية، وعمقت لديكم الوطنية الاقليمية ، فصرتم اردنيين وفلسطينيين ومصريين وسوريين وصار ولائكم للوطن بعد ان كان ولائكم للاسلام، وصار المسلم اذا اعتدى عليه عدوه في بلده لا ينصره اخوه المسلم في القطر الآخر بحجة انه ليس من ابناء وطنه، فحلت رابطة الوطنية محل رابطة الاخوة الاسلامية ، ففقدتم ميزاتكم التي جعلكم الله بها خير امة اخرجت للناس :

1- كان اولى ميزاتكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن الامر بالمعروف حمل الاسلام والدعوة اليه والجهاد في سبيله.فتخاذلتم وصارت الامم تحمل اليكم مبادئها وتغرض عليكم حضارتها وتنشر بينكم مفاسدها ، فحلت الخمرة في دياركم وصار الربا عمدة اقتصادكم ، وغزاكم عدوكم بالحرية التي تفرض على المرأة المسلمة خلع حجابها وابداء زينتها ومفاتنها. والزمكم بالديمقراطية التي تجعل الحاكمية لمجلس الامة اي للطاغوت بدل ان تكون الحاكمية لله. وصار التمسك بشرع الله او بتركه خاضعا لغالبية الاصوات، فصار الدين موضع مساومة ، فان قررت غالبية الاصوات ترك شرع الله ، وجب على القلة المتمسكة بشرع الله ان تتركه لانها رضيت من الاصل بحكم غالبية الاصوات فخاضت معركة الانتخابات وهذا خروج من الملة.

2- وثاني ميزاتكم النهي عن المنكر ومن المنكر منعكم من حيازة اسلحة الدمار الشامل وتركه بأيدي عدوكم، والله تعالى يقول( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) وبدلا من ان تنكروا رضيتم به، ومن المنكر الدعوة للعولمة والخصخصة وبدلا من انكارهما استجبتم لهما فبعتم اموال الامة العامة لاعدائها يستغلونها ويرفعون اسعارها على الرعية ، وفتحتم اسواق بلادكم لسلع اعدائكم لتنافس سلعكم فتكسدها ويزداد فقركم.

3- وثالث ميزاتكم ان جعلكم الله امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس اي عدولا في الشهادة على الامم انكم بلغتموهم الاسلام ، فهل بلغتموهم؟ وما هو جوابكم حينما تسألون يوم القيامة ؟

قد يقول واحدكم نعم وصلهم البلاغ بواسطة الاذاعات ووسائل الاتصالات وبواسطة الافراد والجماعات .

فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هكذا علمتم كيف يكون التبليغ ولا هكذا كانت رسلي تبلغ قادة الامم والشعوب، ولكن علمتم ان يكون التبليغ لافتا للنظر بحيث لا يجعل لهم الخيار في قبول الاسلام او عدم قبوله وكفى، بل كان التبليغ مصحوبا بالاستعدادات العسكرية ، اما اعتناق الاسلام واما الخضوع للحكم تحت سلطان الاسلام مع دفع الجزية ، واما القتال وفقا لقوله تعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).

فهل اعددتم العدة لتكونوا قادرين على ابلاغ الامم الاسلام بشكل لافت للنظر؟

لا، بل الامم الآن تبلغكم مبادئها وتلزمكم العمل بمفاهيمها كالسلام العادل الشامل وحقوق الانسان والعولمة والخصخصة، فصار الجور عندكم عدلا والذل عزا والهزيمة نصرا والحق باطلا والصلح مع العدو مصلحة وربحا.

4- ورابع ميزاتكم ايمانكم بالله تعالى ، وهذا يقتضي ان يكون هوى كل منكم ورغبتكم فيما اتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله( لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) ولقد جاءنا الرسول بشرع الله والحكم بما أنزل الله ، فاذا لم يكن شرع الله وحكمه هواك ومطلبك فاعلم ان ايمانك لا زال ضعيفا، واذا لم تحزن لمصائب المسلمين وتمتعض من الظلم والظالمين فتحسس قلبك ستجد انك خالفت قوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى.

5- وخامس ميزاتكم هي ان الله تعالى احل لكم الغنيمة من الاعداء والغنيمة لا تكون الا نتيجة الانتصار في القتال ، والقتال لم يشرع الا لنشر الاسلام ولحماية دار الاسلام ونصرة المسلمين، وها انتم قد تركتم الجهاد وتخاذلتم في الدفاع عن ديار المسلمين في فلسطين وافغانستان والشيشان وكشمير وغيرها من ديار المسلمين وليت الامر وقف عند هذا، بل رضيتم بان يكون الداعي الى الاسلام خارجيا والمجاهد ارهابيا.

6- وسادس ميزة هي ان الله تعالى جعل كتابها معجزا وناسخا لما سبقه من الكتب السماوية ليكون التشريع الاسلامي التشريع الوحيد للبشرية، فضمنه قواعد كلية واحكاما عامة ليتسع التشريع الاسلامي لحل المشاكل الانسانية جميعها قال تعالى( تبيانا لكل شيء) ولكي لا يلحقه التبديل او التغيير كما لحق ما سبقه من الكتب تعهد الله بحفظه فقال تعالى( انا نحن نزلنا الذكروانا له لحافظون) فلم يكن حفظه ونسخه لغيره من الكتب عبثا ، بل كان من اجل العمل به، لذلك امر الله رسوله ان يحكم به بين الناس فقال تعالى( وان احكم بينهم بما انزل الله) ولكي لا يظن احد ان الرسول وحده هو المكلف بالعمل به، بين بما لا يدع مجالا للشك ان العمل به واجب على كل حاكم او قاض يفصل الخصومات بين الناس فقال تعالى( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الظالمون )

7- وسابع ميزاتكم ان الله تعالى جعل من رحمته بهذه الامة انه اذا ارتكب واحد منها اثما ثم تاب الى الله بالاستغفار اليه والندم على ما فعل في حق الله اسقط عنه العقوبة ، واذا كان الاعتداء على حق من حقوق الناس وجب عليه الى جانب التوبة والاستغفار ان يعيد لصاحب الحق حقه لكي يقبل توبته ويغفر له، بخلاف اليهودي فقد كانت توبته لا تقبل الا بعد قتل نفسه. قال تعالى( واذ قال موسى لقومه انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم)

واذا ارتكب المسلم حدا من حدود الله بان قتل شخصا خطأ او قطع منه عضوا او جرحه او سرق سرقة او ارتكب فاحشة او ارتكب اثما دون الحد فعوقب على اثمه بالحكم الشرعي سواء بتطبيق الحد عليه ان كان من الحدود، او طبق عليه حكم التعزير، ان كان اقل من الحد، يسقط عنه الاثم في الدنيا والاخرة، لان الله تعالى لا يعاقب على الاثم عقوبتين.

8- ولذلك كان تطبيق الحكم الشرعي رحمة بالمسلمين، قال تعالى( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب لعلكم تتقون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لأن يقام حد في الارض خير لاهل الارض من ان يمطروا اربعين صباحا) فاذا كان الخير في العمل بحكم واحد من احكام الله يعادل الخير الذي يحصل من نزول المطر اربعين صباحا، فكم وكيف يكون الخير فيما لو كان العمل بكل احكام الله. لذلك لا عجب ولا غرابة ان ترى ان الخير اخذ ينقص على المسلمين وينتابهم الجوع والفقر منذ تركوا العمل بكتاب الله، وكلما ازدادوا بعدا كلما زادوا قحطا وفقرا.

لقد خسرت الامة كل هذا الخير منذ توقفت عن العمل بكتاب الله. هذا في الحياة الدنيا، واما في الآخرة فخسرانها وعذابها اشد واعظم ، ولقد قال الاعرابي مخاطبا ولده مسعود:

ان دام هذا الحال يا مسعود لا ناقة تبقى ولا قعود

ولما لم يكن في استطاعة الامة ان تحقق هذه الميزات الا بوجود الدولة الاسلامية كان عليها ان تعمل لاقامة الدولة وفقا للقاعدة التي تقول ( ما لا يتوصل الى الواجب الا به فهو واجب)

بقلم: يوسف السباتين

معتقلوا غوانتنامو


بسم الله الرحمن الرحيم

أما لهذا الظلم ان ينتهي وللعدل ان ينتصر

تمر السنة الخامسة على معتقلي غوانتنامو في ظل ظروف غير انسانية تهدر فيها انسانية الانسان وكرامته وآدميته، وتدمر قدراته العقلية والنفسية قبل القدرات الجسدية ليصبح كيانا محطما لا يصلح الا للموت ، ويقوم على التعذيب دولة تدعي انها تحترم القيم الانسانية والديمقراطية والحرية وانها تريد فرض هذه المفاهيم على الناس في كافة ارجاء الارض ، دولة تدعي انها دولة القانون والمؤسسات فاذا بها دولة وحشية منحطة في فكرها وثقافتها وانسانيتها.

المعتقل المذكور يضم بين قضبان زنازينه أكثر من 500 محتجز– وفقا للأرقام الرسمية الأميركية - ينتمون لأكثر من 35 جنسية معظمها من العرب خاصة من بلدان كالمملكة العربية السعودية واليمن ومصر والجزائر.

في غوانتنامو تستخدم اساليب قذرة في انتزاع اعترافات المعتقلين ومن بينها إهانة القرآن ولف المعتقلين بعلم إسرائيل.

وكان من المرات النادرة التي اطلع فيها الرأي العام العالمي على بعضٍ مما يحدث داخل غوانتنامو ما نشرته مجلة نيوزويك الأميركية عام 2005 نقلا عن شهود عيان من معتقلين مسلمين أفرج عنهم، حيث ذكرت المجلة أن محققين وجنودا أميركيين من العاملين في المعتقل قد دأبوا على رمي نسخ من المصحف الشريف في المراحيض أو التبول عليها أمام المعتقلين كنوع من أنواع الضغط والإذلال النفسي

هذه القصة الخاصة بالمعاملة مع القرآن الكريم من قبل الجنود والمحققين الأميركيين في غوانتنامو تأتي لتضاف إلى قصص أخرى رددها من أفرج عنهم وكلها تتعلق بأساليب وأشكال مختلفة من الضغوط النفسية، من أبرزها الإغراءات الجنسية التي حاولت بعض المحققات الأميركيات أن تُعرِّض المعتقلين المتدينين إليها.

احتجز أحد المعتقلين في زنزانة مظلمة في سجن تابع لسلاح البحرية في جوانتانامو ثم نقل إلى معسكر دلتا فلم يدل بأية معلومات خلال الاستجواب، حيث نقل إلى معسكر أكس راي ووضع داخل كوخ خشبي وصرخ المستجوبون في وجه هذا المعتقل، وانتهك احدهم حرمة القرآن لإجباره على الإدلاء بمعلومات.

لف معتقل آخر بالعلم الاسرائيلي واغلق فم آخر بالشريط اللاصق لمنعه من تلاوة القرآة الكريم، وغالبا يكون المعتقلون في غرف التحقيق مكبلين بالسلاسل من الأيدي والأرجل ومقرفصين على الأرض بدون ماء أو طعام أو كرسي، حيث تبول معظمهم أو تبرزوا على أنفسهم وتركوا في مكانهم على مدار 18 و24 ساعة أو أكثر. كما يتم خفض مكيفات الهواء لأدنى درجة ثم يترك المعتقل حافي القدمين إلى أن يرتعد من البرد، و في مرات أخرى تغلق المكيفات حتى ترتفع درجة الحرارة عن 100 درجة، حيث كان يرتمي المعتقل على الأرض مغشيا عليه.

كما يستخدمون الكلاب بطريقة عدوانية لترهيب المعتقلين في السجن البحري واستجوابهم على مدى 24 ساعة متواصلة، ويقوم المحققون بالمرور فوق نسخة من القرآن بينما معتقلون مكبلون في كراسي وآخرون مكبلون في سلاسل

كما اجبر محقق معتقلا على ارتداء ملابس نسائية ووضع مواد تجميل والرقص مع إحدى الحارسات في المعتقل.

بقول احد العائدين من المعتقل وهو كرامه سعيد خميس خمسان :

في الحقيقية مورست ضدنا أساليب كثيرة من صنوف التعذيب منها انتهاك العرض وحلق اللحية ونتف الحواجب والرأس وتعريتنا من كافة ملابسنا بما فيها الملابس الداخلية والتشديد بالكلبشات (القيود) حتى تصل إلى العظم وتسببت في إخراج اللحم والقيح ومازالت آثارها موجودة في جسدي وكذا الضرب المبرح وكانوا يدخلون علينا ليلاً ويقومون بالاعتداء علينا بالضرب ويستخدمون الكلاب البوليسية ضدنا لإرهابنا ويدوسون القرآن الكريم بأرجلهم ويأمرونا بالانبطاح أرضاً ويمشون على أجسادنا بأحذيتهم ومازلت أعاني إلى الآن من آثار ذلك التعذيب ومنها التهابات في القلب وأذكر أيضاً من أساليب التعذيب التي مورست ضدنا أنهم كانوا يفرضون علينا السهر الإجباري ويجعلونا ننام بدون ملابس "عرايا" في شدة البرد ويدخلون علينا قوات الشغب لإرعابنا ويضعون وجوهنا في الخلاء( الحمام) ويمارسون شتى أنواع الضرب ضدنا.

ولم تقتصر معاناة المعتقلين في غوانتنامو على من هم خلف القضبان، بل امتدت لتشمل أفراد أسرهم من آباء وأمهات وزوجات وأبناء، حيث قص الكثير من هؤلاء قصصا مؤثرة عن المعاناة النفسية التي عاشوها طوال فترات اعتقال أبنائهم في غوانتنامو فضلا عن الحاجة الاقتصادية التي ألمت ببعض هذه الأسر بعد اعتقال عوائلها."

وقد بات معروفا كذلك -من واقع شهادات بعض من أفرج عنهم وتقارير منظمات حقوق الإنسان- أن الولايات المتحدة استعانت بخبرات بعض الدول التي اشتهرت بتعذيب السجناء لانتزاع اعترافات بعض معتقلي غوانتنامو خاصة ممن صنفتهم سلطات الأمن الأميركية بأنهم "خطر"، فقد تحدث من أفرج عنهم مؤخرا عن إرسال بعض زملائهم إلى مصر والأردن وتونس لبعض الوقت ثم عودتهم مرة أخرى إلى غوانتنامو.

هذه هي الحضارة الأمريكية خاصة والحضارة الرأسمالية عامة فمتى ينتهي هذا الظلم ومتى تنتهي مأساة عضو من هذه الامة ؟ ان من لا يشعر بهمهم ولا يحس باوجاعهم ولا يتحرك لنجدتهم وهو قادر على ذلك ليس من الامة؟ لان الامة كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى والسهر.

على الامة ان تطالب ولاة امورها باجبار امريكا على الافراج عنهم ، ولا يقبل منهم التعلل بالضعف لانهم قادرون على ذلك، قادرون على تحرير رعاياهم لو ارادوا . قادرون على مراوغة امريكا وتعطيل خططها وتفجير الارض من تحت قدميها اذا اقترب منهم خطر امريكا. فاذا كان الامر كذلك، فهم اقدر على اجبار امريكا على الافراج عن رعاياهم.

وان من ابسط مظاهر السيادة في الدول التي تحترم نفسها، انها لا تسلم ابنائها لدولة اخرى لتحاكمهم، بل تحاكمهم هي اذا اجرموا، وان الذين ارسلتهم دولهم للقتال في افغانستان ليسوا مجرمين ليعتقلوا ويحاكموا.

بقلم: نجاح السباتين

الاثنين، 6 سبتمبر 2010

استقبال العيد عند حاملة دعوة ما بين الأمس واليوم


بسم الله الرحمن الرحيم

في مثل هذه الأوقات من كل عام وفي أواخر رمضان ، تكون الأجواء مليئة بالاستعداد للعيد ، وهذا الاستعداد يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لغيره ..
وهنا سأتكلم عن نفسي وعن تلك الاستعدادات عندي ما بين الأمس واليوم ..
طبعا كنت وما زلت والحمد لله مسلمة موحدة مؤمنة تؤدي الفروض والعبادات كما أمر الله تعالى ،،
ولكن سبحان الله ، شتان ما بين الأمس واليوم في كثير من الأشياء .. ومنها استقبال العيد واالتحضير له .
كيف كان هذا الاستعداد وكيف صار !!
ماذا كانت الاهتمامات وكيف تغيرت !!
وكيف ولماذا حصل هذا التغير ؟!

فيما مضى كنت انشغل في هذه الأوقات بالتفكير في ماذا اشتري للعيد من ملابس وأشياء !!
أين سنذهب من أماكن ورحلات للترفيه عن أنفسنا والاستمتاع بأجواء العيد !!
ما هي الحلويات والأطعمة التي سنعدها في أيام العيد !!
كيف سأتابع الحلقات الأخيرة من مسلسلات رمضان وأنا في انشغال بالعيد !!
ماذا سأشتري " بالعيدية " بعد انتهاء العيد وكيف سأنفقها في متع الدنيا المباحة ؟!
و و و و من اهتمامات فارغة مليئة بحب الدنيا والرغبة بالاستمتاع بمباهجها قدر الإمكان ..

كنت كذلك أفكر بالناس وبحال الفقراء والذين لا يستطيعون التمتع بالعيد لقلة المال معهم ، وأحاول مساعدة بعضهم إن استطعت ، ولكن كان هذا محصوراً في منطقة سكني ومعارفي وربما المدينة ، ومن منظور فردي حسب وجهة نظري في النظرة للأمور من ناحية دينية وأخلاقية بحتة .
ماذا بالنسبة لبقية فقراء المسلمين في العالم ؟ ماذا بخصوص أوضاع المسلمين في كل مكان ؟
لم يكن هذا ضمن دائرة اهتمامي وتفكيري فكل دولة بها أناس وجمعيات عندهم الأخلاق الإسلامية والوازع الديني الذي سيساعدون غيرهم من الفقراء والمساكين .

كنت أحرص على أداء العبادات والنوافل والتسابق في كم مرة أختم قراءة القرآن الكريم خلال هذا الشهر الفضيل ، ولكنها مجرد قراءة وتلاوة بدون تفكر كبير وتدبر في الآيات . والحرص على الذهاب للمسجد لأداء الصلاة خاصة التراويح وكأنها فرض ، مع أنها حتى ليست مندوبة للنساء ، ولا أحرص على أداء صلاة العيد وهي المندوبة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وخلال العشر الأواخر وخاصة آخر الأيام فمعظم الوقت كان يُهدر نهاراً في التنظيف وعمل الحلويات للعيد ، وليلاُ في الذهاب للأسواق لأن أحلى الموديلات لا تكون في الأسواق إلا قبل العيد بأيام قليلة ، وما أدراكم ما الأسواق في هذه الأيام وما يكون فيها من تجاوزات شرعية أراها وأقول في نفسي بما أنني لا أتجاوزها فما لي ولغيري وأخشى عن نصحتهم أن يأخذوا مني موقفاً ويقاطعونني فألزم الصمت .

ولنأت إلى هذه الأيام وبعد حملي للدعوة ..
العيد هو العيد ، والناس حولي هم نفس الناس تقريبا في سلوكياتهم واهتماماتهم .
فماذا تغير ؟! وماذا طرأ من تبديل ؟!
تغيرت أفكاري ومفاهيمي وبالتالي سلوكياتي ، تغيرت نظرتي إلى الأمور ..
باختصار تغيرت الشخصية وأصبحت شخصية إسلامية بعد أن أنعم الله علي بحمل الدعوة .
طبعا بقيت أمور الاهتمام بالبيت واستعدادات العيد العادية ولكن لم تعد هي محور الاهتمام بل ضمن المعقول وبدون مبالغة ..
لم يعد شراء الملابس الجديدة وارتياد الأسواق من الأشياء المهمة في هذه الأيام ، بل بالعكس أصبح هناك توعية للغير من النساء عن توافه هذه الأمور وأنها تأخد من وقتهن الكثير والعمر يمضي وكل دقيقة محسوبة علينا فلا نضيعها في غير مرضية الله تعالى ..
أصبحت العشر الأواخر قدر الإمكان تطبيقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخصيصها بأعمال لا يعملها في بقية هذا الشهر، وذلك لفضلها وخصوصيتها ، ولاحتوائها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

حتى النظرة المحلية المحدودة بالنسبة للمسلمين تغيرت ، فأصبح الاهتمام بالمسلم الذي لا يستطيع تدبير نفقات العيد في الباكستان أو كشمير أو لبنان أو الكويت نفس الاهتمام به في منطقة سكني ، فكلنا مسلمون والرابطة الحقيقية المتينة هي الإسلامية وليست الوطنية أو القومية .
والأكثر من هذا كله التغيير في النظرة المحدودة للحل لمصائب المسلمين ولعدم قدرة الفقراء على شراء طلبات العيد ، وأن الحل لا يكون بالحلول الترقيعية والفردية والصدقة الفردية والزكاة ، بل بالتغيير الجذري وإعادة تحكيم شرع الله بدل تحكيم البشر الفاسد .

فلا أملك إلا أن أقول الحمد لله ثم الحمد لله على نعمة حمل الدعوة التي بها تغيرت أمور كثيرة للافضل وأسأل الله القبول .
وتقبل الله الطاعات .. وعيد سعيد للجميع أعاده الله علينا بعز دولة الإسلام .. وكل عام ونحن لله أقرب

مسلمة

مواقف وعبر من غزوة بدر الكبرى


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كرم الله شهر رمضان بأعظم المعارك كمعركة بدر التي وصفها الله بالفرقان لأنها فرقت بين الحق و الباطل و بين الايمان و الكفر، و بين العبودية للطاغوت المتمثل في قريش و كل ألوان الجاهلية التي تمثلها، من الأشخاص و الأهواء و الشرائع و القوانين الوضعية و العادات و التقاليد، و بين العبودية لله الواحد القهار الذي لا إله إلا هو و لا رب سواه و لا حاكم دونه و لا مشرع إلا هو. فانعتقت البشرية من عبادة العباد وتوجهت لعبادة خالق العباد و أصبحت لا تخضع إلا لشرع الله و حكمه.

إن مواطن العبر من معركة بدر كثيرة، نذكر بعضها للتأسي و الإقتداء حيث قال سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}.



إحقاق الحق و تحطيم الباطل لا يكون إلا بسلطان

بخلاف غيرها من الغزوات و المعارك، كانت غزوة بدر من أولها إلى آخرها من تدبير الله و قضاءه. فقد خرج الرسول صلى الله عليه و سلم في جيش قوامه ثلاثمائة مقاتل لتعقب قافلة أبي سفيان (غير ذات الشوكة) ليغنمها و لم يجهز نفسه لقتال، وكان الصحابة يريدون العير،‎ ولا يريدون القتال، وقد اقرهم الله على ذلك ولم يذمهم، فقال : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)، و لكن إرادة الله و تدبيره كانت خلاف ذلك فهيأ عوامل و ظروف المعركة بشكل لا يمكن معه التخلف، من ذلك أنه جمع الجيشين في مكان واحد و زمان واحد بدقة متناهية، فقد كان جيش المسلمين بالعدوة الدنيا و هو ضفة الوادي القريب من المدينة و كانت قريش بالعدوة القصوى و هي الضفة الثانية من الوادي ولا تفصل بينهما إلا ربوة، حتى لو أن بينهم موعدا لما اجتمعا بتلك الدقة التي قدرها الله و دبرها حيث يقول واصفا هذا الموقف: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ). ومن تدبيره سبحانه و تعالى أن أغرى كلا الفريقين لخوض المعركة، حيث أرى الله سبحانه و تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في منامه جيش الكفار قليلا لا وزن له و لا عدة، حتى يستبشروا و يتشجعوا على القتال و حتى لا يفت في أعضد المؤمنين فيختلفوا و يتنازعوا فيما بينهم و هذا من أخطر ما يصيب جيشا يواجه عدوا، قال تعالى ( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

و زيادة في إغراء الفريقين لخوض القتال، تكررت الرؤيا النبوية الصادقة على أرض الواقع حين التقى الجمعان و ذلك بالمعاينة الحسية من كلا الطرفين، حيث بقول تعالى ( وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)، فالمؤمنون كانوا يرون الكفار قليلا لأنهم يرونهم بعين الإيمان، والكفار يرون المؤمنين قليلا لأنهم يرونهم بعين الغرور و العنجهية و الاستكبار. و قد أخبرنا الله سبحانه عن حكمته ومقصده من تدبيره للمعركة في قوله : ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) و هذه حقيقة إلهية لا تتغير و لا تتبدل وهو أن الحق لا يحق وأن الباطل لا يبطل في المجتمع البشري بمجرد البيان النظري و النقاش الفكري، بل لا بد للحق من دولة تطبقه على أرض الواقع حتى يدرك الناس عدله و صدقه بالمعاينة الحسية و أن الباطل لا يبطل إلا بجيش تقوده دولة في ساحات القتال لتحطيم الباطل و إزالته من أرض الوجود ليحل محله الحق الإلهي المتمثل في شرعه حتى ينعم الناس بنور عدل الإسلام و شرعه.

الاستعداد للموت في سبيل حماية الدعوة الإسلامية

لما علم النبي صلى الله عليه و سلم بمقدم جيش المشركين استشار أصحابه في قتال قريش، فأدلى أبو بكر و عمر برأيهما، ثم قال المقداد بن عمرو: (يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لدالدنا معك من دونه حتى تبلغه) و سكت المسلمون، فقال صلى الله عليه و سلم : أشيروا علي أيها الناس، و كان يريد بكلمته هذه الأنصار الذين بايعوه يوم العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم و نساءهم، بايعوه على محاربة الأحمر والأسود من الناس، بايعوه على فناء الأموال و قتل الأشراف من أجل حماية الدعوة الإسلامية و صاحبها، و كان صلى الله عليه و سلم يخشى أن تكون بيعة العقبة تعني بالنسبة للأنصار حمايته في داخل المدينة إذا دهمه عدو و ليس خارجها، فرد عليه سعد ابن معاذ رضي الله عنه أرضاه: لكأنك تريدنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه و سلم: أجل، فقال سعد :فقد امنا بك و صدقناك، و شهدنا أن كا جئت به هو الحق، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة،فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، و ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لدبر في الحرب، صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك)، فأشرق وجه النبي صلى الله عليه و سلم و قال:(أبشروا فقد وعدني الله إحدى الطائفتين، و الله لكأني أنظر إلى مصارع القوم).

هذا هو موقف المسلمين رغم قلة عددهم وعُددهم، لأنهم نذروا أنفسهم لنصرة الإسلام وإعزازه منذ أن أسلموا ونصروا الرسول، فانجلت غزوة بدر الكبرى عن انتصار الفئة المسلمة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة بإذن الله، قال تعالى:{ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}، وقال تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم}.

و من روائع المواقف التي شهدتها معركة بدر ما قاله عمير بن الحمام الأنصاري عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض قال نعم قال بخٍ بخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قول بخٍ بخٍ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله. [أخرجه مسلم والإمام أحمد]. فعمير كان متيقناً أنه سيقتل في المعركة ومع ذلك دخل المعركة وقاتل حتى قتل.

إن هذه المواقف من الصحابة الكرام ترينا كيف أنهم باعوا أنفسهم لله حتى أصبح همّ أحدهم أن يموت شهيداً في سبيل الله حتى استشهد أكثرهم في الغزوات. وكان من تفوته الشهادة في معركة يتمنى أن يرزق الشهادة في معركة أخرى. ولم تكن الدنيا ولا ملذاتها تشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم، وكان من يحصل على قوت يومه وهو في صحة وأمن فإنه قد نال حظه الأوفر لأنهم آمنوا بما سمعوه من الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم من قوله: ‹‹من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما زويت له الدنيا›› فلم يكن للقصور العظيمة ولا للمراكب الفارهة ولا للمآكل الدسمة والملابس الفاخرة والملذات الآسرة أي أثر في نفوسهم، فهانت الدنيا في أعينهم واسترخصوا المهج والأرواح في سبيل الله وإعلاء كلمته. حتى كانوا يتسارعون إلى الغزوات ولو لم يجدوا زاداً أو راحلة، قال تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون}، ويقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إنهم كانوا يخرجون وليس معهم شيء حتى أكلوا ورق الشجر وكانوا يخرجون ما لا خلط له، أي كما يخرج البعير. فهمهم الأوحد هو إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله، وبذلك مكنهم الله في الأرض، وفتح لهم الدنيا وأخضع لهم رقاب الدول، وهم القلة لأنهم صدقوا الله ما وعدوه، فتحقق لهم ما وعدهم به من الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتحقيق الأمن والطمأنينة لهم، حيث قال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا}.

إن لنا في تسارع صحابة رسول الله في البذل والعطاء والتضحية، وفي عظم طموحهم في ان يصلوا أقاصي الأرض، عبرة و عضة لنا تجعلنا نتأسى فنكون أمة مجاهدة، بحيث تصبح روح القتال والجهاد سجية من سجايانا.

التفريق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات

و لما التقى الجمعان نزل النبي صلى الله عليه وسلم عند أدنى ماء بدر فقال له الحباب بن المنذر :‎يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزلا انزله الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال"‎بل هو الرأي والحرب المكيدة"قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فاني اعرف غزارة مائه بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم"‎فقد أشرت بالرأي". إن قول الحباب ابن المنذر رضي الله عنه كان يدرك أن الأمور التي مصدرها الوحي و هي الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية لا يجوز للمسلم أن يتقدم فيها أو أن يتأخر و لو رأى العقل خلاف ذلك، و لذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما علم بأن هذا من الأمور التي يجوز أن يدلي فيها المرء برأيه إذ هي من الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها، عند ذلك أعطى رأيه. و هذا يبين لنا أن هناك فرق بين الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية وبين الأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون والصناعات والاختراعات وما شابهها فالأفكار المتعلقة بالعلوم والفنون وما شاكلها يجوز أن يقررها العقل ما لم تخالف الإسلام كما يجوز أخذها حتى من غير المسلمين وأما الأفكار المتعلقة بالعقائد والأحكام الشرعية فلا يجوز للعقل إلا أن يكون لها خادما أي أن دوره فيها هو فهم الحكم من مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة او مما ارشد اليه الكتاب والسنة، و لا يجوز على الإطلاق أن يؤخذ من غير الإسلام و إن ما يدعم هذا ما رواه مسلم من ان النبي صلى الله عليه وسلم قال"انما انا بشر مثلكم اذا أمرتكم بشيء من أمور دينكم فخذوا به واذا أمرتكم بشيء من أمور دنياكم فانما انا بشر"وما روى عن عائشة وانس معا ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال لو لم تفعلوا يصلح، قال فخرج شيصا"اي بسرا رديئا"فمر بهم فقال ما لنخلكم ؟ قالوا قلت كذا وكذا قال"‎انتم أدرى بأمور دنياكم".

وجوب اقتران العمل بالدعاء

لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر بين العمل و الدعاء، فقد نظم الجيش و حرضه على القتال و في نفس الوقت رفع يده إلى السماء يطلب المدد من الله و يلح في الدعاء، حيث يقول سبحانه:( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) و هذا من لطف الأدب مع الله، إذ لا يجوز للمرء أن يطلب أي عطاء من الله دون أن يسعى إليه سعيه و يبذل فيه جهده. و لذلك كان على المسلمين أن يدركوا أن فلسطين و سائر بلاد المسلمين لا تحرر بالدعاء وحده، بل بجيش يقوده أمير صالح كعمر و صلاح الدين، و أن الخلافة الإسلامية لا تقوم بالدعاء و إن كان رجاء الخير خير بل لا بد أن يقترن به عمل فكري و سياسي ضخم يستهدف الأمة الإسلامية بمجموعها و يتأسى فيه بالنبي صلى الله عليه وسلم و الصحابة الكرام.

وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

و تبقى هذه الحقيقة القرآنية الخالدة أن النصر ليس مرده إلى العدد والعدة بل مرده إلى الله وحده فهو سبحانه مالك الملك، و هو المحيي و المميت و هو المعز و المذل، قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وما على المسلمون إلا الأخذ بشروط النصر المطلوبة شرعاً كالتقوى والصبر عند اللقاء وذكر الله و الاتصال به عند القتال وطاعة الله ورسوله و تجنب الشقاق و النزاع و الصبر على تكاليف المعركة و الحذر من البطر و الرياء وإعداد القوة اللازمة، قال الله تعالى: {بلى إن تتقوا وتصبروا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين}، وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين)، وقال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.

بقلم : شاكر حليم

السبت، 21 أغسطس 2010

مشاريع هدم الأسرة المسلمة من التخطيط إلى التنفيذ

بسم الله الرحمن الرحيم

كانت الأسرة المسلمة ـ ولا تزال ـ تمثل قاعدة الاجتماع الإسلامي، وكانت ـ ولا تزال أيضاً ـ تمثل حصن هذا الاجتماع وقـلعته، ومـنذ أن اكتشف الغـرب بحضارتـه (النصرانية ـ اليهودية) أنه لا يمكنه أن يخترق الأمة الإسلاميـة أو يـُجهِز عليها بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية التي كان آخرها الحروب الصليبية؛ فإن الغرب سعى إلى تغيير وسائله، فتحول عن المواجهة العسكرية إلى المواجهة الـفـكـرية والسلوكية وهو ما يعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ "الغزو الفكري" وكانت أهم أدواتــه في ذلك إنشاء جيش من المنصِّرين والمستشرقين، وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية التـي تسـتهدف اكتشاف العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه.

وبـلـغ شأو هذه الجيوش الاستشراقية والتنصيرية حداً سجن العالم الإسلامي سجناً كبيراً، فلم تـدع شــيـئاً إلا دسَّت أنفها فيه حتى دخلت مخادع النساء ـ بتعبير "محمود شاكر" في رسالته القيمـة: "الـطـريـق إلـى ثقـافـتنا" ـ وكانت جيوش المنصرين والمستشرقين هم طليعة الاستعمار "الاستخراب" الغربي للعالم الإســلامي ـ كـمـا كانت هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة الجـاسـوسـيـة والـمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي.

وبـعــد انتـهـــاء الاستعـمــــار "الاستخراب" العسكري ظل العالم الإسلامي ـ بحكم موقعه الاستراتـيـجـي وبـحـكـم مـوارده، وبحكم ما يمثله من امتلاك الثروة الحضارية والروحية الهائلة والمتثملة في الإســلام ـ ظـــل موضع اهتمام لما يمكـن أن نطلـــق عليه: "الاستشراق الجديد". والاستشراق الجـديـد لا يـعـتـمـد فـي دراســته عن العالم الإسلامي على جنوده وأبنائه من الغرب، بل سعى إلى وجود مستشرقين من أبـنـاء العالم الإسلامي نفسه؛ بحيث تقوم علاقة ترابط قوية بين المراكز الاستشراقية في الخارج وبـيـن أطــــرافـهـــا وذيولها في الداخل.

وتمثل ظاهرة "الأبحاث المشتركة" عن الاجتماع الإسلامي فيما يتصل بمظاهر قوته الخاصة بالـصـحـــــوة الإسلامية، واللغة العربية، والأزهر، والأسرة المسلمة، والحجاب، وانتشار السلوك الإســلامي ـ تمثل موضوعات هامة للاستشراق المحلي المرتبط بالاستشراق الجديد في الخارج؛ فـلـم يـعـد الذين يرصدون الظواهر التي تمثل مظاهر قوة في المجتمع الإسلامي من الغربيين وإنما هم من جلدتنا وأبنائنا ويتحدثون بألسنتنا. ووُجِدت نخبة متغربة تتبنى قيم الغرب نمطاً للـحـيــــاة بـديــلاً عن نمط الحياة الإسلامي، وقد استطاعت هذه النخبة السيطرة على مراكز صناعة القرار وخاصة الإعلام والفكر والكتابة، وصارت الذراع الفكرية التي تحمي النظم الحاكمة وتسوِّغ لـهـــــا الاندفاع في التبعية للأفكار والقيم الغربية: تارة باسم التقدم، وتارة باسم "الوراثة". وبلغت الرغبة في الاختراق حداً مريعاً؛ إذ وصل الأمر بالإصرار على اختراق المؤسسة الدينية ذاتـهــا؛ وكأن الغرب يريد أن يقول: إنه لا توجد مؤسسة مهما كان شأنها عصية على الاختراق. وبالطبع فإن دراسة الوقائع الميدانية للعالم الإسلامي تمثل مدخلاً هاماً لصناع القرار السياسـي فـي الـغـرب وخاصة في أمريكا؛ حيث تعتبر أمريكا ما تطلق عليه: "فهم الطابع القومي للشعوب" أحـــــــد أهم مداخل سياستها الخارجية تجاه العالم الإسلامي بالذات.

وبـعـــــد سقوط الاتحاد السوفييتي ـ غير مأسوفٍ عليه ـ فإن أمريكا صارت القوة الوحيدة الـمهيمنة على العالم، وطرحت ما أطلقت عليه: "النظام العالمي الجديد" ثم نظام "العولمة" ورغـم أن الـمـصـطـلـح الأول اتخذ طابعاً تبشيرياً يشير إلى وجود نظام عالمي مرجعي واحد للعالم؛ بحيث تتلاشـى الخصوصيات والصراعات، وتتوحد المعايير في التعامل مع المواقف المتشابهة؛ إلا أن الوقـائـع أثـبـتـت فـشـــل المصطلح. أما المصطلح الثاني فرغم أنه حاول المراوغة بالحديث عن نظام اقتصادي تبادلـي تـيـسـره الثورة التقَنيَّة إلا أنه استبطن فرض منظومة قيمية فيما يتصل بالسياسة والثقافة والاجتماع.

ويـبـدو أن الــغـرب بــدأ يشعر بأنـه حقق ما أراده بالنسبة إلى العالم الإسلامي فيما يتصل بالسياسة بسيطرته على الـنـظـــم الحاكمة وفرض ما يريده عليها، وأن شهيته الآن بدأت تتجه إلى نظم الاجتماع والثقافة بفــرض نظام موحد في الاجتماع والثقافة وهو ما يمكن أن نطلق عليه: "عولمة الاجتماع والثـقـافــة" فالاجتماع أساسه الأسرة، والثقافة أساسها القيم الدينية، وفي حالة العالم الإسلامي فــإن القيم الإسلامية هي التي تصوغ الاجتماع والثقافة وحياة البشر والناس.

إن الغـرب شــعـر أن النظـم الحاكمة قدمت عبوديتها وولاءها؛ لكن الناس والبشر في العالم الإسلامي لا تزال تأبى إلا أن تـجـعـــــل عبوديتها وولاءها لله؛ ومن هنا كان اقتحام عالم الأسرة التي تمثل أساس الاجتماع الإسلامي.

وبشكل عام فإن الغرب وأمريكا خاصة تتبنى "سياسة تفكيك المجتمعات" أي جعل أهلها شيعاً وأحزاباً ـ وهي السياسة الفرعونية التي تعـبر عن الطاغوتية والاستعلاء، ولكي تفكك هذه المجتمعات فإنها تسعى إلى ضرب مــواطـن القوة التي تحول دون اختراق المجتمعات الإسلامية. وأحد أهم مواطن القوة في العالم الإســلامي نـظــام الأسرة الذي يحفظ للمجتمع قوته وتماسكه. وتبدو الهجمة الغربية (الأمريكية) الآن عبر تـسـيـدهــــا وهيمنتها وشرائها للنخب العنكبوتية، واحتفائها بجمعيات ضغط نسائية منتفعة، وعبر جمــعـيــات حقوقية نسائية وحقوقية عامة، وعبر تمويل هذه الجمعيات وكأنها فيها تفرض ولو بالقـــوة أجندة خـاصـــــة، وتأتي الأسرة والمرأة وقضاياها ذات الأولوية من الهجمة الغربية الأمريكـيــة الجديدة، وهذه الهجمة تؤكد أن الغرب ووكلاءه في المنطقة ينتقلون من التخطيط والإعداد للغزو الفكري والقيمي للعالم الإسلامي إلى التنفيذ منتهزين لحظة تاريخية ـ إنما هي القوة المتسيدة للغرب وضعف العالم الإسلامي.

تعميم الحالة المصرية:

في مصر حـيــث يـعـتبر الأزهر المؤسسة الإسلامية الأولى وأحد المرجعيات السنِّية الأعلى في العالم الإسلامي ـ في مـصــــــر هذه تم "إقرار قانون الأحوال الشخصية الجديد" وهو قانون أعدته بالأساس وزارة العدل الـمـصـريـة. ووفق معلوماتنا فإن مشروع القانون جاء استجابة لتلبية مطالب "اللوبي النسائي المصري" الـذي يرتـبـط بالـتـيـار النسوي الغربي وهو التيار الذي صاغ أجندة مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عــــــام 1994م، ثم أجندة"وثيقة مؤتمر بكين" الذي عقد ببكين في الصين عــــــام 1995م، وهي سلسلة مؤتمرات بدأت في السبعينيات تبنتها الأمم المتحدة، وتستهدف بشكل أساس "إعادة الهندسة الاجتماعية للأسرة وللاجتماع الإنساني والبشري". وهذه المؤتمرات وأفكارها تسـتـمـد قوتها من أمريكا والأمم المتحدة والعالم الغربي الذي يريد أن يفرض عولمة الاجتماع الإنســـاني وفق منظومة القيم الغربية مستظهراً دعاوي حقوق الإنسان وحماية المرأة؛ حيث إن العالم الغربي لم يعد يرى أن ترتيب قواعد الاجتماع البشري مسألة داخلية تخص أبناء دين أو مـجتمع بعينه؛ وإنما هي مسألة كونية عالمية تفرض القيم الغربية، وتستدعي حمايتها ولو بالتدخل الذي يحمل صفة إنسانية.

ووفق معلوماتنا فإن الغرب وأمريكا لم تكن بعيدة عن مطالبة وزارة العدل الـمـصـريـة بطرح مـشـــــــروع القانون الخاص بالأحوال الشخصية، وفرض مواد موضوعية فيها وهي المواد الخاصة "بالـخـُـلــــع" "وسفر الزوجة" و "قبول طلاق المتزوجة عرفياً"؛ فقد كان مشروع القانون الذي عرض عـلـى مجلس الشورى المصري عام 1998م إجرائياً بحتاً؛ لكن إضافة هذه المواد عليه نقلته من كونه قانوناً للإجراءات إلى قانون موضــــوعي؛ والهدف من ذلك كسر قوامة الرجل بالسماح لزوجته بالسفر دون إذنه، وتفكيك الأســـــرة المسلمة عن طريق إعطاء المرأة "حق الخلع" أي الحرية بالمفهوم النسوي لإنهاء العلاقة الــزوجية متى شاءت دون أن يكون هناك أي عوائق يتطلب إثباتها مثل "الضرر".

ولأن القانون يدخل في نسيج العلاقات الخاصة أولاً، ويتدخل في منطقةٍ فَصَل الإسلامُ فيها باعـتـبار أن التشريع لها حق لله وحده ثانياً، ولأن هذه المنطقة من التشريع لا تزال البقية الباقــيـــة من القوانين القائمة الآن ومرجعيته الإسلام، لكل هذه الاعتبارات أراد واضعو المشروع أن يحصلوا على موافقة الأزهر، فعرض على مجمع البحوث الإسلامية الذي رده مرتين اثنتين بعد مناقشات وتمحيص، ثم عرض على مجلس الشعب؛ حيث تمت الموافقة عليه بعد حذف مادة حق الزوجة في السفر بدون إذن زوجها، وبقيت مادة الخلع.

والذي لم يجرِ الالتفات إليه في قانون الأحوال الشخصية الجديد بمصر؛ أنه ألغى لائحة ترتيب المحـاكـم الـشــرعــيــــة وهي آخر ما كان باقياً للإسلام من أثر حاكم ومرجعي في القوانين؛ ومن ثم فإن القانون الجديد رغـم المعارضة الإسلامية والشرعية له فإنها معارضة في الفروع وليس في الدفاع عن المـرجـعـيـة الإسلامية ذاتها ـ أي أنه قانون مرجعيته مدنية علمانية، والقصد من ورائه هو تعميم هذه الـتـجـربـــة في قوانين البلدان العربية الأخرى؛ بحيث يكون هناك قانون موحد للبلدان العربية للأحــــوال الشخصية وتكون مرجعية هذا القانون الموحد مدنية علمانية، وهو جزء من المشروع الـغـربــــي لعولمة الاجتماع الإسلامي وعلمنته، وتواكب الحديث ـ مع إخراج قانون الأحوال الشخـصـيـــة الجديد في مصر عن تعديل المادة 240 في قانون العقوبات التي تساوي بين المرأة والرجـــل إذا وجد أي منهما الآخر متلبساً بالزنا؛ فالمادة الحالية تجعل الرجل الذي يقتل زوجــتـــه إذا رآها متلبسة بالزنا مع آخر في فراشه تجعله متهماً بجنحة باعتباره دفاعاً عن شرفـه؛ بينما إذا حدث ذلك بالنسبة للمرأة فإنها تكون جريمة خيانة وهي مادة مأخوذة من القــانون البلجيكي ـ لكن الفكرة المهيمنة على النائبة التي طالبت بتعديل المادة هي فكرة الـمـســاواة بين المرأة والرجل رغم أن الـمـنــاط مختلف؛ فقد تكون المرأة التي رأتها الزوجة مع زوجها زوجته الثانية وليست خدينة له، بينما في حالة المرأة لا يمكن أن يكون من معها زوج لها؛ لأنها لا تجمع بين زوجين في آنٍ واحد.

لـكـن الـمـطـالـبــة بتعديل المادة هو جزء من حملة نسوية تطرق على الحديد وهو ساخن؛ وبالمنهج نفسه والاستراتيجية ذاتـهــا بـدأ تحـــرك الجمـعـيات النسوية المصرية المشبوهة لتأسيس اتحاد فيما بينها على طريق تنظيم صفوفها لطرح مـطـالـبـهـا النسوية ذات الطابع الشاذ والعنصري. وعلمنا أن المحرِّكة لفكرة تأسيس اتحاد نسوي هي "نــوال الـسـعداوي" التي قامت بعقد مؤتمر صحفي دعت إليه الوكالات الغربية العاملة في مصر وحدها مـطـلع هـــذا الشهر؛ حيث طالبت بتشريعات نسوية علمانية لا يكون لله فيها أي سلطان أو حق على حد تعبيرها، ومعلوم أن الجمعيات النسوية المصرية والعربية قد تفككت عُراها بسبب اتهامات بسرقات تمويل هذه الجمعيات من الجهات الأجنبية. وآخر ما أمكننا رصده مما يمكن أن نطلق عليه: "توابع قانون الأحوال الشخصية المصري" ما تقدم به النائب "محمد خليل قويطة" من اقتراح مشروع قانون لتعديل قانون العقوبات، بحيث يتناول التعديل في مادته 290 جــواز قيام النيابة بالإذن بإجهاض الفتاة التي تحمل سفاحاً بناءاً على تقرير الطـبـيـب الـشـرعي. وقال النائب: إن الاقتراح يخفف من متاعب الجنين عليها، ويزيل مخاوفها من رعاية طفل فرضته جريمة الاغتصاب.

ولا بد مـن ذكــر الـمـظاهرة النسوية التي سبقت إخراج (مشروع) قانون الأحوال الشخصية والتي تمثلت في المؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في مصر في الذكرى المئوية الأولى لصدور كتاب قـاسـم أمين "تحرير المرأة" الذي صدر عام 1899م ـ وذلك في الفترة من 23 ـ 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1999م؛ وفـي تـجـمـع لـنـســاء أخفقن في حياتهن الزوجية أو العجائز والمقعدات ليعبرن بصراحة عن محادة الله ورسوله والدعوة إلى تبني القيم النسوية الغربية والـتـخـلــص مـمـــا أسموه: (القيود الدينية) ـ في ذلك المؤتمر طالب هؤلاء النسوة بالمساواة بين الـرجـل والمرأة في الميراث وبحق المرأة المطلَق في الحرية بجسدها، وبحقها في كسر أي قـيـود للرجل عليها. وبلغ التطرف النسوي العربي حداً دفع بعض المشاركات إلى رفض هذا التطرف للمرأة العربية، وانـسـحـبـت المحـجـبات من الجلسات التي بالغت في الهجوم على الإسلام والدعوة الصريحة للعري وإلى التبذل المحرم، كما امتنع ممثلو التيار الإسلامي (ممن دعي) من الحضور لاقتناعهم أن النسـوة الذيـن تـم مشاركتهن لا يعبرن عن تيار حقـيـقـي فـي الـعــالم العربي والإسلامي وأنهن فئات مهمشة ومهووسة بتقليد الغرب ومنسحقة أمـام قـيـمـه؛ فالحالة المصرية تستجمع قوتها النسوية للتنفيذ والإعلان عما كان مخبوءاً.

وبـيـنـمــــــا كان الصخب حول مشروع قانون الأحوال الشخصية على أشده في القاهرة إذا بالرباط تتجاوب معها؛ حيث انتقل الصخب إلى هناك حول ما أطلق عليه المغاربة: (خطة الـحـكـومـــة لتفعيل مشاركة المرأة في التنمية) وحكاية التفعيل هذه هي أحد بنود الأجندة النســـوية القومية لجعل المرأة أكثر فعالية. ومعنى فعاليتها عندهم هو تأخير سن زواجها، وانخراطها في العمل بعيداً عن أسرتها باعتباره ـ وفق قيم الغرب ـ يدر دخلاً، ومن ثَمَّ فهو العمل المحترم حتى لو كان من البغاء ـ بينما يُنظر للمرأة التي تعمل في البيت بأنها خارج الإطار ولا تعمل عملاً منتجاً. وفـي الــــواقع فإن مسألة الاندماج في التنمية بالمغرب ليست سوى ستار لإقــرار قــانـون أحــوال شخصية جديد هناك شبيه بقانون الأحوال الشخصية الذي تم صكه في مصر ووافق عـلـيـه شـيـخ الأزهر ورئيس جامعته. ومن قبل في لبنان ثار موضوع "الزواج المدني"؛ حيث تكون مؤسسة الزواج لا تقيم أي اعتبار للـدين أو العقيـدة؛ بحيث يمكـن للمسلمة أن تتزوج كافـراً أو مشركاً، وتصبح العلاقة الأسرية علاقة مدنية يحكمها عقد ينظمها بعيداً عن المودة والرحمة التي يفرضها الالتزام بالإسلام. وفي الكويت شهدت مسألة حقوق المرأة السياسية صراعاً بين العلمانيين والإسلاميين، وتم التصويت ضدها في مجلس الأمة الكويتي. ويهدف الذين يتبنون قانون الحقوق السياسية للمرأة في الكويت إلى كسر الحجاب بين المرأة والرجل وفرض الاختلاط بشكل مطلق؛ وهو ما يعد تهديداً لتقاليد المجتمع الكويتي. وفي الإمارات دعوة إلى اقتحام المرأة للوزارة.

إن مـا يحدث الآن هو التلاعب بقواعد الاجتماع الإسلامي وطرح قواعد جديدة مستلهَمة من الرؤيــة الغربية إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها انتشارها وذيوعها كما كان الحال بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية ـ وتكون هذه الأيديولوجية عابرة للقارات؛ بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى هي محورها! إنها الحرب الجديدة ولا شيء سوى كونها حرباً حقيقية تحتاج إلى وعي وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الإسلامي؛ فهو آخر خطوط دفاعنا عن حصوننا.

كمال حبيب

عن مجلة البيان