الأحد، 30 يناير 2011

تأملات




بسم الله الزحمن الرحيم

تأملت في أحوال أمة الإسلام، فوجدتها كما وصفها الشاعر:

شعوبك في شرق البلاد وعرضها كأصحاب كهف في عميق سبات

ثم نظرت أخرى، فرأيتها على رغم عقود طويلة من التخلف والتخبط، والانحطاط والضياع، والتمزق والتشرذم، قد أخذت تتململ من سباتها العميق وتستيقظ من إغفاءتها الطويلة، وبدأ يسري في عروقها نبض الحياة، وتدب في أوصالها نسمات الروح والحرية.

إن ما شهدته أمتنا بالأمس، وما تشهده اليوم من سعي الغرب الحثيث للقضاء على كينونتها، ومحاولة بلبلة أفكارها، وحرف عقيدتها، وضرب مفاهيمها، وطمس هويتها، وتشويه تاريخها، والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها، وما سبق ذلك وما تلاه من مصائب وويلات، وكوارث وهزات بمثابة المنخس الذي ينخس جوانبها ليل نهار عشية وابكار كيما تستفيق من غفلتها، وتنتبه من ذهولها، وتتحرر من كسلها وشرودها، فتقوم لتنفض عنها غبار الهزيمة واليأس والقنوط، وتطرح عنها ما اعتراها من تيه وشرود، وما علق بها من مذلة لازمتها لعقود، فتشمر عن ساعد الجد، وتعمل لإعادة عزتها والمجد.

لقد نظرت بالأمس، فوجدت الأمة قد وقعت بعدما فقدت وحدتها وسيادتها فريسة للاستعمار، بل الاستخراب إن شئت، ثم تاهت بعد ذلك في دوامة من الأفكار القومية حينا، والوطنية حينا آخر، ثم غرقت في أوحال الاشتراكية لتجرفها بعد ذلك الرأسمالية بعولمتها وعلمانيتها وحرياتها وديمقراطيتها، فمكثت الأمة ردحا من الزمن تائهة تتغنى بشعارات جوفاء ثبت طوال قرن أو يزيد عدم صلاحيتها، بل إن بعضها قد تخلى أربابها عنها من مثل الأمة العربية والقومية العربية والاشتراكية العربية والبعث العربي والصراع الطبقي، ثم بعد ذلك تغنت بالديمقراطية والعلمانية والليبرالية والحريات ، لقد أتى على الإنسان العربي حين من الدهر كانت هذه الأفكار ملء سمعه وبصره، بل غذاؤه اليومي وقوته الفكري.

لقد تبدلت أفكار الأمة وحق لها أن تتبدل، وهي اليوم في انتظار التغيير، ولو لم تفعل ذلك لحق عليها قانون الاستبدال الإلهي، وليس ذلك على الله بعزيز، فالناظر إلى واقع الأمة اليوم، وواقعها قبل عقود خلت، يلحظ أن ثمة تيارا واعيا قد بدأ يحرف بوصلة الأمة نحو وجهتها الصحيحة، فلم تعد تنطلي عليها ألاعيب الحكام، ولا مكايد المستعمرين، ولا دسائس المستشرقين، ولا مؤامرات المغرضين، ولا أراجيف المثبطين، يشهد على ذلك شواهد كثيرة في شتى المجالات، فلقد شهدنا في السنوات الخمس الأخيرة نماذج فريدة للتضحية واستعدادا كبيرا لبذل المهج والنفوس في سبيل نصرة قضايا الأمة وخياراتها، خذوا صمود غزة مثالا، وانتصارات المقاومة في لبنان، وهبات المسلمين دفاعا عن الحجاب وذبا عن حياض رسول البشرية الأكرم (r) بعدما تجرأت على حضرته الشريفة أيدي العابثين، ولا ننسى مؤخرا هبة أبطال الحرية -وما أصابهم في عرض البحر- نصرة لإخوانهم المحصورين في القطاع المنكوب.

يمكن القول إذن أن الأمة قد بدأت تصحو من رقدتها، وتفيق من ذهولها، ولكن ما جدوى صحوة لا تتجسد في دولة قادرة على رد الصفعة صفعات، وكيل اللطمة لطمات، وما فائدة إفاقة لا تترجم إلى أفعال بدلا من ردود أفعال هزيلة من دول تسمي نفسها ذات سيادة.

إن المدقق في مظاهر صحوة هذا العملاق الإسلامي الذي يتمطى بين الشرق والغرب متوسدا أرخبيل الجزر الاندونيسية وغاسلا أخمصيه عند شواطئ الأطلسي ليجد أنها صحوة تؤذن بانبلاج فجر جديد، وإفاقة تنبي عن خير مديد، وإن من يزعم أن الأمة قد عقمت عن إنجاب الرجال، وعدمت إلا عن حلوم الأطفال و عقول ربات الحجال، أو أنهالم تعد قادرة على النهوض مرة أخرى من كبوتها لتقتعد مكانها من جديد بين الأمم لهو امرؤ واهم وذاهل عن حقيقة هذه الأمة، وعن قدراتها وإمكاناتها، فقد آن الأوان لأمة الإسلام بعد أن مكثت تغلي أكثر من نصف قرن أن تفور لتسكب ما يسري في عروقها من أفكار الإسلام العظيم، وما يغلي في شرايينها من مشاعر العزة والأنفة ، ولتعلم هذه الأمة أنها على أبواب تغيير جذري شامل متجسد مع وعده تعالى وبشاراته (r) بالنصر والتمكين.

وإن من لم يدرك من أبناء هذه الأمة حتى الآن أن المستقبل للإسلام، وأن الدين ينتصر، وأن الغرب الكافر ينحدر وينحسر، ورأسماليته العفنة تترنح وتندثر، وأن أميركا ما هي إلا ورق على صورة نمر، وأن أبواقها من أرباب الأقلام العلمانية المأجورة والمأفونة سوف تؤول إلى مزابل التاريخ، لهو امرؤ جاهل، وعن إرهاصات وبشائر التمكين ذاهل.

وأخيرا لتعلم الأمة أنها تمرض لكن لا تموت، وتضعف لكن لا تنتهي، وتحزن لكن لا تقنط ولا تيأس، وأن الطرقات التي تهشم الزجاج تصقل الحديد، وأن الضربات التي لا تميتنا تزيدنا قوة وصحوة، وأنه سوف يأتي اليوم الذي سيسود فيه الإسلام مرة أخرى، وتزحف جيوشه إلى ميادينها تترى، وتتعلو راياته خفاقة فوق الذرى، حتى ينقذ البشرية مما تتخبط فيه من شقاء وظلم، ومهما اشتد الكرب وعمت الظلمة، فإن الله سيخرج من رحم الظلام فجرا تشرق به الوجوه، وتبسم له الشفاه، وتفرح القلوب، وتسر النفوس، وتقر الأعين، وتثلج الصدور، وتبتهج الأفئدة، وتهنأ به البشرية جمعاء، نصرا تتضعضع به أركان الكفار، وتتزلزل أقدامهم، وتطيش سهامهم، وتطير قلوبهم، وترتعد منه فرائصهم، فيولون مدبرين، حينئذ يفرح المسلمون بنصر الله (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا)، (ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).

بقلم: منير عدوان

ليست هناك تعليقات: