السبت، 3 يوليو 2010

الصحوة الإسلامية: تنوع في المظاهر، وتسارع في النمو




بسم الله الرحمن الرحيم

(الصحوة الإسلامية، المد الإسلامي، البعث الإسلامي، التيار الإسلامي، العملاق الإسلامي) كلها مصطلحات تصف حالة الأمة اليوم وقد دبت فيها الحياة بعد سنين من التراجع والضعف على كافة المستويات، ومن أجل تشويه هذه الحالة بدأ الغرب يصف الصحوة الإسلامية بمصطلحات عديدة (كالتطرف الإسلامي) و(الإرهاب ) و(الأصولية)... إلخ.


يخطئ الكثيرون عندما يعتبرون أن بدايات الصحوة الإسلامية الحديثة ترجع في أصولها إلى أواخر القرن التاسع عشر معتبرين أن جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده هما أصحاب الفضل في الصحوة الإسلامية، بيد أن محاولة هؤلاء وغيرهم في التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية والتي باءت بالفشل إضافة إلى الوثائق التي كشفت ارتباطاتهم مع بريطانيا خلال فترة الاستعمار الإنجليزي لمصر والسودان كل ذلك كفيل بأن يثبت زيف هذا الادعاء.


عند الحديث عن الصحوة الإسلامية الحديثة يجب أن نضع هذه الصحوة المباركة في سياقها العقائدي والتاريخي، ومن أجل ذلك لابد من لفت النظر إلى أمرين هامين:


أولاً: إن الصحوة الإسلامية بكافة أشكالها ومظاهرها وتعدد الأحزاب والحركات فيها هي حالة طبيعية لخير أمة أخرجت للناس قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران 110]، و‏عن ‏ ‏أبي هريرة‏ ‏‏عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ‏ ‏قال: «‏إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِ مائةِ سنةٍ من يجددُ لها دينَها». فالوضع الطبيعي أن تكون الأمة في ديمومة من التجديد والرقي الفكري المنبثق عن العقيدة الإسلامية، وليس المقصود بالتجديد ذلك التجديد الذي يروج له الغرب اليوم والذي انزلق فيه الكثيرون وللأسف ممن ينتسبون إلى الحركات الإسلامية، فقد كان ذلك التجديد مخالفاً في جوهره لأبجديات الإسلام.


ثانياً: ليس المهم أن نجزم بالتاريخ الحقيقي لبدايات الصحوة الإسلامية الحديثة، ولكن الأهم من ذلك هو أن الصراع الذي شهده العالم الإسلامي مع الغرب منذ القرن التاسع عشر، والنجاح الذي حققه الغرب في القضاء على الخلافة الإسلامية وما تلا ذلك من الغزو الفكري والثقافي والعسكري والمصائب والويلات التي ابتليت بها أمة الإسلام هي عوامل مجتمعة أدت إلى الرد الطبيعي عند الأمة في أن تنفض غبار الهزيمة واليأس وتشمر عن ساعد الجد، وأن تختار التمسك بدينها والعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله, قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف 8].


وعند الحديث عن مظاهر الصحوة الإسلامية المباركة لابد من الإشارة إلى الخطأ الذي وقع فيه الكثير من الباحثين مسلمين وغيرهم، ذلك الخطأ يتمثل في حصر مظاهر الصحوة الإسلامية في (انتشار الحجاب، وتزايد ارتياد الشباب للمساجد، واهتمام الشباب بإعفاء اللحية، وانتشار الكتب والمؤلفات والتسجيلات الإسلامية، وتزايد الحضور الدعوي الإسلامي في الفضائيات...) فإن كل هذه المظاهر رغم أهميتها هي جزء من مظاهر الصحوة الإسلامية الحقيقية وجوهرها فهناك مظاهر أخرى تكملها وتجعلها صحوة مباركة على الإسلام كله.


إن الأمة اليوم تشهد حالة من الصحوة الإسلامية لم تشهدها منذ قرنين من الزمن، وهذه الحالة أخذت تفرض نفسها على الساحة الدولية ويحسب لها الغرب الكافر ألف حساب، ويمكن تصنيف هذه المظاهر في المجالات الآتية:


1- في المجال الفكري والثقافي:


منذ بدايات السبعينات من القرن المنصرم أخذت تتهاوى الأفكار القومية والوطنية والشيوعية التي غزت الأمة الإسلامية محاولة حرف الأمة عن منهاج الله تعالى. وبسقوط الاتحاد السوفياتي وانكشاف الفساد الاقتصادي والأخلاقي للحضارة الغربية الرأسمالية شهدت الأمة حالة من الفراغ الفكري استطاعت أن تملأه، وبحمد الله، بالعودة الجادة والحقيقية للإسلام، فلم يعد أحد يسمع اليوم بشعارات فارغة طالما تاجر الكثيرون بها على حساب مستقبل الأمة ونهضتها مثل شعارات: الأمة العربية، والقومية العربية، والاشتراكية العربية، والبعث العربي، والصراع الطبقي، والديموقراطية، والحريات، وغيرها... وأصبحت الحركات والأحزاب الإسلامية تغزو الساحة بأفكار الإسلام، فانتشرت الأفكار الإسلامية في صفوف أبناء الأمة مثل: فكرة الخلافة، والجهاد، والحكم بما أنزل الله، والاقتصاد الإسلامي، والنهضة الإسلامية، والأمة الإسلامية الواحدة... في وقت تخوض الأمة الإسلامية صراعاً فكرياً حامي الوطيس بينها وبين الغرب، فبالرغم من أن الأمة الإسلامية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت تتلقى حلول مشاكلها من الغرب في قوالب جاهزة منبهرة بما عنده من أفكار ونظريات كانت ترى فيها الأمل الوحيد للخروج من الهاوية السحيقة التي رماها فيها الغرب نفسه، وبالرغم من الأموال والأقلام والجهود الضخمة التي بذلها ويبذلها الغرب لتمييع الأمة الإسلامية وصهرها بالثقافة الغربية من خلال الإعلام والجامعات والمدارس، بالرغم من ذلك كله نجحت الحركات والأحزاب الإسلامية في غزو الغرب فكرياً في عقر داره، فصدمت مراكز الأبحاث الغربية وهي تتابع بقلق بالغ مدى الخطورة التي يمثلها الإسلام والصحوة المتنامية عند الأمة الإسلامية على مصالحها ووجودها، فأخذت تحذر من أسلمة أوروبا وخطر الخلافة القادم على لسان الكثيرين من المسؤولين السياسيين فيها. وتزامناً مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي اكتوى الغرب بنارها أخذت عيون الرأي العالمي في أوروبا تنظر بانبهار شديد إلى الحلول التي يقدمها أبناء التيارات الإسلامية من خلال بيان النظام الاقتصادي في الإسلام.


2- في المجال السياسي:


حاول الغرب، ومازال يحاول عن طريق حكامه، احتواء الصحوة الإسلامية بطرق مختلفة متنوعة، فعمل على استدراج الحركات الإسلامية إلى اللعبة الديموقراطية لإفشالها أولاً، ولإجبارها لتقديم مزيد من التنازلات عن أفكار الإسلام، ورغم وقوع الكثير من الحركات الإسلامية في مثل هذه الفخاخ الخبيثة في الجزائر وتركيا والأردن وفلسطين وغيرها، إلا أن الأمة الإسلامية لا تنظر بعين الرضا لهذه النماذج، ولا تعتبر هذه النماذج في تلك البلدان تلبي الحد الأدنى من آمالها وأحلامها وغاياتها، وهذا مظهر مهم من مظاهر الصحوة الإسلامية، فقد أدركت الأمة أن الحل الناجع لكل مشاكلها لا يكون في وصول حركة إسلامية إلى الحكم هنا أو هناك، وانغماسها في مستنقع الدساتير الغربية التي لا تطبق على الأمة إلا حضارة الغرب وأفكاره، بل يكون في بناء دولة إسلامية واحدة لا تطبق في أحكامها إلا أحكام الإسلام.


3- في مجال المقاومة والجهاد :


إن مظاهر الصحوة في هذا المجال كان لها التأثير البالغ على الأمة حيث إن حركات المقاومة الإسلامية والجهاد في كل من فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها... والأفعال البطولية التي قامت بها في التصدي للعدوان الأميركي و(الإسرائيلي) والأوروبي كل ذلك يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مظاهر الصحوة الإسلامية تتسارع وتتجسد في الأمة وتنقل الأمة من حالة الضعف إلى القوة، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الجمود إلى الحركة والفعل والانتصار، وأهم هذه المظاهر:


أولاً: سريان الروح الاستشهادية في الأمة منذ انتفاضة الأقصى مروراً بالاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق ثم الحرب (الإسرائيلية) على لبنان وأخيراً على غزة المحاصرة, ففي هذه الحقبة الهامة من تاريخ صراع الأمة مع أعدائها أثبتت هذه الحركات للأمة أولاً ولأعدائها ثانياً أن المفاهيم العقائدية والجهادية عند الأمة هي السلاح الأكثر حسماً للصراع، هذا السلاح الذي لاتملكه إلا أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).


ثانياً: نجحت هذه الحركات في حرمان أميركا و(إسرائيل) من تحقيق انتصار حقيقي في إطار حربهما على (الإرهاب) أي على الإسلام، وأفشلت هذه الحركات كثيراً من المشاريع التي روج لها الغرب وعلى رأسه أميركا مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير والمشاريع الاستسلامية مع كيان يهود وغيرها، وهذا كله أثبت عملياً للأمة أن بمقدورها أن تحقق الانتصار الكاسح على الغرب إذا ما توفرت لها دولة الإسلام القادمة إن شاء الله.


ثالثاً: أخذت الكثير من الحركات الإسلامية الجهادية بالانقلاب والتبرؤ من بعض الشخصيات المحسوبة على الحركات الإسلامية التي نجح الغرب في استدراجها وعقد الاتفاقيات التي تلبي مصالحه معها مثل ما حصل من رفض حركات الجهاد في الصومال لمواقف شيخ شريف أحمد الذي تخلى عن سلاح المقاومة وانصهر في المشاريع الأميركية.


رابعاً: نجحت الحركات والأحزاب الإسلامية في زرع مفاهيم العقيدة الإسلامية المتعلقة بالنصر والرزق والموت، والمفاهيم المتعلقة بالصبر والثبات والشهادة والتراحم والتآزر بين المسلمين, هذه المفاهيم مجتمعة تؤسس لبيئة إسلامية تجعل الأمة تنصهر بشكل متسارع في بوتقة العقيدة الإسلامية، وتستعد لاحتضان الحركات الإسلامية والتفاعل معها, وما استطلاعات الرأي التي ينشرها الإعلام إلا مؤشر على أن ميول الأمة يسير نحو إسلام الحكم ودولة الخلافة.


4- في المجال الاجتماعي:


وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى المظاهر الآتية:


1- انتشار فكرة الحجاب الإسلامي بشكل متسارع في العالم الإسلامي وفي الغرب، واستطاعت الأمة أن تثبت وجودها وإصرارها وتنتصر في معركة الحجاب في أوروبا وتركيا ومصر وغيرها.


2- لم تعد الأمة تتعاطى مع الأفكار التي تروج لها المؤسسات النسوية المدعومة من الغرب والتي تحاول نشر الحضارة الغربية وإفساد الأسرة المسلمة وحرفها عن منهاج ربها، وبقيت هذه المؤسسات المشبوهة في عين الأمة كالخلايا السرطانية التي لابد من استئصالها.


3- اهتمام الأسرة المسلمة بتعليم أبنائها للقرآن الكريم حفظاً وتفسيراً وترتيلاً, وبسنة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) إضافة إلى انتشار التربية الإسلامية في الأسرة المسلمة، هذا كله كان نتاج الوعي عند الوالدين وإدراكهما للمسؤولية التي يلقيها الإسلام عليهما لإخراج جيل مؤمن يسعى لرفعة أمته وللفوز في الدنيا والآخرة.


4- نشطت المرأة المسلمة في مجال الدعوة الإسلامية بشكل متزايد متحملة الأذى في سبيل القيام بهذا الواجب العظيم، وأدركت أنها تقف جنباً إلى جنب مع الرجل المسلم للعمل الجاد لإقامة دولة الاسلام.
هذه جملة من مظاهر الصحوة الإسلامية التي تؤذن بانبلاج فجر جديد، وإن الأمة بناء على هذه المظاهر التي تسري فيها سريان الدم في الجسم تدرك أنها على أبواب التغيير الجذري الشامل, متجسداً مع وعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن ‏ ‏ثوبان ‏ ‏قال: قال رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏: «إنَّ اللهَ ‏‏زوى‏ ‏لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وإنَّ أمتي سيبلغُ ملكُها ما ‏‏زُوِيَ‏ لي منها» نسأله تعالى أن يكون ذلك قريباً فهو ولي ذلك والقادر عليه.



ابو البراء المقدسي



المصدر : مجلة الوعي

ليست هناك تعليقات: