الخميس، 4 مارس 2010

التقرب إلى الله - المحبة في الله ، طاعة الأمير



9- المحـبــة في اللــه

قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله " وقال: " ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه " وهما من السبعة الذين يظلهما الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ووجود هذه المحبة الصادقة، وهذا الود الصافي أمر طبيعي بين شباب الدعوة وهو دليل على التفاعل وحمل الدعوة بصدق، ومن كانوا كذلك فهم من أولياء الله حقا، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إن من عباد الله أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال متعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس
وقرأ هذه الآية:
( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) يونس (62).

وقد ذكر الله تعالى لنا طبيعة العلاقات بين المهاجرين والأنصار في قرآن يتلى على مدى الأيام إذ قال: ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر (9) ثم لما فرغ سبحانه من ذلك ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم من التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة ( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) الحشر (10).

لذا ينبغي تقوية الصلات بين شباب الدعوة والإكثار من التزاور فيما بينهم، وتفقد الأحوال والسؤال عن بعضهم البعض، وأن يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وأن يكونوا عند بعضهم البعض في الشدائد والحاجات فقد روى مسلم في صحيحه قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه معتكفا في مسجد الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام إذ رأى رجلا حزينا جالسا في طرف من المسجد، فأقبل عليه يسأله عن سبب حزنه، فلما علم بمشكلته قال له: قم معي وأنا أقضي لك حاجتك، فقال الرجل: أتترك اعتكافك في مسجد الرسول من أجلي؟ فبكى أبو هريرة وقال: سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب يقول: " لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه حتى يقضيها له خير من اعتكافه في مسجدي هذا عشر سنين ".

وعلى الشاب المسلم أن يترك غيبة أخيه وذلك بأن يذكره بالسوء من وراء ظهره، والصحيح أن ينشغل بعيوب الكفار والمنافقين وبيان ما يبيتون للإسلام والمسلمين.

قال سفيان بن حسين الواسطي: ذكرت رجلا بسوء عند إياس بن معاوية المزني قاضي البصرة - وهو تابعي يضرب المثل بذكائه - فنظر في وجهي وقال: أغزوت الروم؟ فقلت: لا، السند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفسلم منك الروم والسند والهند والترك ولم يسلم منك أخوك المسلم؟ قال سفيان: فلم أعد بعدها.

وعلى المسلم أن يترك إساءة الظن بإخوانه وأن يحمل فعلهم على الحسن مهما أمكن لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وإن سوء الظن قد يدعو إلى التجسس المنهي عنه،وعلى الشاب أن يستر عيبة أخيه ويتغافل عنها فإن ذلك من شيم أهل التقوى، قال عبد الله بن المبارك: "المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب الزلات " ومن المعروف أن منشأ التقصير في ستر العورات والمغري بكشفها هو الحقد والحسد، والمؤمن الحق أبعد ما يكون عن ذلك وعلى المسلم أن يدعو لأخيه في حياته وبعد موته بكل ما يدعو به لنفسه، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل " وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يدعو لخلق كثير من إخوانه يسميهم بأسمائهم، وكان أحمد بن حنبل رحمه الله يدعو في السحر لستة نفر. وقد ورد في ( الأدب المفرد ) حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " أسرع الدعاء إجابة دعاء غائب لغائب " وورد فيه أيضا أن أبا بكر الصديق قال: " إن دعوة الأخ في الله تستجاب ".

وعلى الشاب المسلم أن يخفض جناحه لإخوانه، وأن يذعن للحق ولا يتبع الهوى، وقد حذر الرسول الكريم من إعجاب المرء بنفسه ومن اتباع الهوى، وهو يقول في حديث ناهيا عن الكبر وداعيا إلى التواضع " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمص الناس " قال الشوكاني في معنى بطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا قاله النووي، وفي القاموس المحيط: بطر الحق أن يتكبر عنده فلا يقبله، والغمص أو الغمط قال النووي: هو احتقار الناس. وفي الإخلاص والتواضع يقول الشافعي رحمة الله " ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي ".
وفي نفس المعنى وفي مبلغ حب الخير للآخرين يقول ابن عباس رضي الله عنهما:
" إني لأتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي اعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل ويحكم بالقسط، فأفرح له وأدعو له، ومالي عنده قضية، وإني لأسمع بالغيث يصيب للمسلمين أرضا فأفرح به، ومالي بتلك الأرض سائمة ".



10- طـاعــــة الأميــر

الطاعة أمر أساسي لوجود الانضباط، وهي فرض أمر به الله تعالى وأمر به رسوله الكريم، ويجب الالتزام بها ولو لم يلاق المأمور به هوى في نفس المأمور حتى ولو كره ذلك، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " من كره من أميره شيئا فليصبر " وقال " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة " وها نحن نرى رسول الله يقرن بين تقوى الله وبين السمع والطاعة لأمر الأمير، وما ذلك إلا لخطر أمر الطاعة، ومتى استجابت النفس لوصية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الطاعة تصبح سجية من سجايا حملة الدعوة فلا تحدثهم بالتمرد على الأوامر ومخالفتها أو التوقف عن تنفيذها ولو خالفت آراءهم حتى ولو لم يقتنعوا بها ما لم تكن إثما وكل ذلك من أجل الانضباط والحفاظ على الكتلة التي أمر الله بإقامتها، وتمكين القيادة من تسيير شؤون الدعوة والتفرغ لمقارعة الكفر والعملاء.

جاء أبا ذر وهو في الربذة وفد من الكوفة يسألونه أن يرفع راية العصيان ضد الخليفة، فزجرهم بكلمات حاسمات: " والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو جبل، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورأيت ذلك خيرا لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت وصبرت ورأيت ذلك خيرا لي ".

حين ولي أبو هريرة رضي الله عنه ادخر مالا من مصادره الحلال وعلم عمر رضي الله عنه بذلك، فدعاه إلى المدينة، يقول أبو هريرة: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قلت: ما أنا بعدو لله ولا عدو لكتابه، لكني عدو من عاداهما، ولا أنا من يسرق مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قلت: خيل لي تناسلت، وعطايا تلاحقت، قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين، ودفع أبو هريرة المال إلى عمر، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " اللهم اغفر لأمير المؤمنين ".

ليست هناك تعليقات: