الخميس، 4 مارس 2010

التقرب إلى الله - إحسان العمل ، تلاوة القرآن الكريم



1- إحسان العمل

حتى يكون العمل حسنا لا بد فيه من إخلاص القصد لله، وأن يكون موافقا للشرع، ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الأصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) الملك (2) قال: أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وعن سعيد بن جبير قال: " لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ". وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه " اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا " وعن الإمام مالك أنه قال: " السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق" .

وحامل الدعوة يحرص كل الحرص على إحسان العمل وعلى أن لا يبتغي بدعوته عرضا من الدنيا، وإلا حبط عمله وكان من الخاسرين وقد ورد في الحديث الشريف " من تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار".

والعبرة بإحسان العمل لا بكثرته ولذلك قال تعالى ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )، ولم يقل ليبلوكم أيكم أكثر عملا، وقد ورد عن مالك بن دينار قوله " قولوا لمن لم يكن صادقا ( في عمله) لا تتعب " وعن أبي أمامة أنه مر برجل ساجد فقال " يا لها من سجدة لو كانت في بيتك " وعن الفضيل بن عياض أنه قال " كم ممن يطوف بهذا البيت وآخر بعيد عنه أعظم أجرا منه ".
ومن هنا يجب مراعاة الإخلاص وحسن النيات في جميع الأعمال، وكانت صحة الأعمال وقبولها عند رب العالمين بالنية. ولذلك لم يكن أمرا مستغربا أن يعتبر العلماء حديث " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " أحد ثلاثة أحاديث عليها مدار الإسلام. وكان المتقدمون من علماء السلف يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها.

وكان الإخلاص عندهم أن تستوي أفعال العباد في الظاهر والباطن، يقول الإمام الحارث المحاسبي " الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله " وعن الإمام أبي القاسم القشيري: " الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق أو أي معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى " .

يقول الحسن بن الربيع عن جهاد الإمام الجليل عبد الله بن المبارك " خرج فارس من المسلمين ملثم فقتل فارسا من العدو كان فعل بالمسلمين فكبر له المسلمون، فدخل في غمار الناس ولم يعرفه أحد، فتتبعته حتى سألته بالله أن يرفع لثامه، فعرفته فقلت: أخفيت نفسك مع هذا الفتح العظيم الذي يسره الله على يدك؟ فقال الذي فعلت له لا يخفى عليه ".
ويقول ابن قتيبه في كتابه عيون الأخبار: " حاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا، وكان في ذلك الحصن نقب - أي ثقب في الحائط - فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد! فجاء رجل من عرض الجيش - أي من عامته غير معروف - فدخله ففتح الله عليه الحصن، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الأذن فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى الآذن إلى مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثا: ألا تسودوا اسمه - أي لا تكتبوه في صحيفة إلى الخليفة - ولا تأمروا له بشيء ولا تسألوه ممن هو؟ أي من أي قبيلة هو، قال مسلمة: فذاك له، قال الرجل: أنا هو، فكان مسلمة بعد هذه لا يصلي صلاة إلا قال: " اللهم اجعلني مع صاحب النقب ".

وما اجمل قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو يشير إلى عاقبة الإخلاص لله تعالى " فإنما قدر عون الله للعباد على قدر النيات، فمن تمت نيته تم عون الله له، ومن قصرت نيته قصر عون الله له ".
ومن علامات الإخلاص الخضوع للحق وقبول النصح ولو ممن كان دونه في المنزلة، فلا يضيق صدره كيف ظهر الحق مع غيره، حكى الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة عبيد الله بن الحسن العنبري وهو أحد سادات أهل البصرة وعلمائها وكان قاضيها، قال عبد الرحمن بن مهدي تلميذه: كنا في جنازة فسئل عن مسألة، فغلط فيها، فقلت له: أصلحك الله، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة فقال: إذن ارجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل، رحمه الله.

ومن علامات الإخلاص أن لا يكون جريئا في الفتوى وإعطاء الأحكام، ولذلك كان الكثير من السلف الصالح يتحرز من الفتوى ويتمنى أنه لم يسأل، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذأ إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول "، والذي يحب أن يتصدر المجالس ويسأل ليس أهلا أن يسأل كما أفاد بذلك بشر بن الحارث رحمه الله. وكان الواحد من كبار العلماء لا يخجل من قوله: لا أدري، سئل الشعبي يوما عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أما تستحي من قولك لا أدري وأنت فقيه أهل العراقين قال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: ( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) البقرة (32).
جاء في طبقات الشافعية ما يلي:

حكى القاضي عز الدين الهكاري في مصنف له، ذكر فيه سيرة الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، أن الشيخ عز الدين أفتى مرة بشيء ثم ظهر له انه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ.



2- تـلاوة القرآن الكـريـم

الاشتغال بالقرآن الكريم من أفضل العبادات فهو كلام الله تعالى وأساس الإسلام، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) فاطر (29) وقد وصى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبا ذر بذلك فقال: " عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء " وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال " إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب " لذلك يجب تعاهد القرآن الكريم والحذر من تعريضه للنسيان لحديث الصحيحين " تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها " .

كان من عادته صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأمر أصحابه بحسن قراءة القرآن وكان يقرأ لهم ويقرئهم بحضوره، قال ابن مسعود: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبعين سورة من القرآن، وروى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لإبن مسعود وهو على المنبر: " اقرأ علي، قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً ) النساء (41) قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمل الناس على القرآن حملا ويفاضل بينهم بمنزلتهم من القرآن فهو يقول: " يؤم القوم اقرؤهم " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثا وهم ذوو عدد فاستقرأهم، فاستقرأ كل رجل منهم، يعني ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنا فقال: ما معك يا فلان؟ قال: معي كذا و كذا وسورة البقرة، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: اذهب فأنت أميرهم ".

وينبغي للقارئ أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع فهذا هو المقصود المطلوب، ويستحب البكاء، والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، والسنة التزام صفة تلاوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد كانت قراءته ترتيلا لا هذا ولا عجله بل مفسرة حرفا حرفا، وكان يقطع قراءته آية آية، وكان يقرأ القرآن قائما وقاعدا ومضطجعا ومتوضأ ومحدثا، وإذا قرأ بآية دعاء دعا، أو استغفار استغفر، أو سجدة سجد أو رحمة طلبها. وينبغي المحافظة على تلاوة القرآن ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصى عبد الله بن عمرو أن يختمه في كل أسبوع مرة، وكذلك كان جماعه من الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون كعثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وكان عثمان رضي الله عنه يفتتح ليلة الجمعة بالبقرة إلى المائدة، وليلة السبت بالأنعام إلى هود، وليلة الأحد بيوسف إلى مريم، وليلة الاثنين ب طه إلى القصص، وليلة الثلاثاء بالعنكبوت إلى ص، وليلة الأربعاء بالزمر إلى الرحمن، وليلة الخميس يكمل الختمة. ويستحب صيام يوم ختم القرآن إلا أن يصادف يوما نهى الشارع عن صيامه، كما يستحب الدعاء عند الختم بحضور الأهل وغيرهم فقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن، جمع أهله ودعا.

وهناك سور وآيات يستحب الإكثار من تلاوتها وهي: يس، الدخان، الواقعة، الملك، الإخلاص، المعوذتين، آية الكرسي، الآيتان الأخيرتان من البقرة، وسورة الكهف وميقاتها يوم الجمعة.

ليست هناك تعليقات: