الخميس، 4 مارس 2010

التقرب إلى الله - السخاء والإيثار ، الإكثار من النوافل



5- الســخـاء والإيـثــار

من سجايا المسلمين بعامة وحملة الدعوة بخاصة السماحة والبذل وبسط اليد، فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة بمدح الكرم والإنفاق وذم البخل والإمساك، قال الله تعالى: ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ((17 ) السجدة.

وورد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله: " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا " وقال أيضا لبني سلمه: " من سيدكم؟ قالوا: الجد بن قيس على إنا نبخله، قال: وأي داء ادوأ من البخل؟ بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور " وعن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: " ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه ".

وعن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " ما بقي منها؟ قالت: ما بقي إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها ".

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وأنه ما سئل شيئا قط فقال: لا، وأن رجلا سأله فأعطاه غنما بين جبلين، فأتى الرجل قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
سمع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول له يوما: " يا ابن عوف إنك من الأغنياء وإنك ستدخل الجنة حبوا، فأقرض الله يطلق لك قدميك " ومنذ أن سمع عبد الرحمن ذلك وهو يقرض ربه قرضا حسنا، باع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار ثم فرقها جميعها في أهله من بنى زهرة وعلى أمهات المؤمنين، وفقراء المسلمين، وقدم في يوم 500 فرسا في سبيل الله، وقدم في يوم آخر 1500 راحلة، وعند موته أوصى ب50 ألف دينار وأوصى لكل من بقي ممن شهد بدرا بأربعمائة دينار، حتى أن عثمان بن عفان أخذ نصيبه من الوصية رغم ثرائه وقال: إن مال عبد الرحمن حلال صفو، وإن الطعمة منه عافيه وبركة.

اشترى عبد الله بن عامر من خالد بن عقبة داره التي في السوق بتسعين ألف درهم، فلما كان الليل سمع بكاء أهل خالد، فقال لأهله، ما لهؤلاء؟ قالوا: يبكون على دارهم، قال: يا غلام ائتهم فأعلمهم أن الدار والمال لهم جميعا.

ومرض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال: أخزى الله مالأ يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر مناديا ينادي: من كان عليه لقيس حق فهو منه في حل، قال: فانكسرت درجته بالعشي لكثرة من عاده.

ومادام السخاء من شيم المؤمنين ومن طبائعهم الأصلية فإنه لا يتوقف على الغنى وسعة ما في اليد، أنظر إلى قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام: " سبق درهم مئة ألف درهم، فقال رجل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: رجل له مال كثير أخذ من عرضه مئة ألف درهم تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به" وهذا رجل من الأنصار فقير يقال له أبو عقيل يحدث عن نفسه في غزوة تبوك فيقول: لقد بت الليلة أعمل في نشل الماء مقابل صاعين من التمر انقلبت بإحداهما إلى أهلي يتبلغون به، وجئت بالأخر أتقرب به، فأمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ينثره في الصدقة، فعابه المنافقون لقلة ما أعطى وقالوا: لقد كان الله غنيا عن صاع أبي عقيل، فأنزل الله تعالى قوله: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة (79).

وأرفع درجات السخاء الإيثار، وليس بعده درجه في السخاء، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإيثار فقال: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) الحشر (9) وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة قصة أبي طلحة لما آثر ذلك الرجل المجهود بقوته وقوت صبيانه.

واستشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام وجماعة من بني المغيرة، فأتوا بماء وهم صرعى فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه رحمهم الله تعالى.

ولله در الشاعر العربي حيث يقول:
تــراه إذا ما جئته متـهـللا كـأنـك تعطيـه الذي أنت سـائـله



6- الإكثـار من النـوافـل

وذلك مثل قيام الليل فإن فضله عظيم وهو السبيل إلى المقام الموعود، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد، وفي الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء "، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام " إن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا آتاه إياه، وذلك كل ليله "، وإذا استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات كما أخبر الرسول الكريم بذلك، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: لم أجد من العبادة شيئا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.

ومن النوافل الاعتكاف وخاصة في رمضان حتى ولو كان قصيرا، ومنها صلاة الضحى، وصلاة التراويح وصلاة الوتر، والاستخارة في الأمور كلها، والإكثار من الصدقات وأداء العمرة وصوم التطوع في الأيام التي حددها الشارع، وغير ذلك كثير وقد كان السلف الصالح يكثرون من فعل النوافل ويرجون من الله أن يكون ذلك طريقا إلى التوفيق وتحقيق الغايات، ففي يوم الاثنين 19 جمادى الأولى سنة 757 هـ، 28 أيار سنة 1453 م ندب السلطان محمد الفاتح جنده لصيام ذلك اليوم تقربا إلى الله، وتزكية لنفوسهم استعدادا للهجوم النهائي الذي قرر أن يشنه في اليوم التالي على القسطنطينية، وما أن أذنت شمس يوم الاثنين بالمغيب وأدى المجاهدون صلاة المغرب، أقبلوا يتناولون إفطارهم، ثم دعا السلطان مجلس حربه، وقادة جيشه إلى الاجتماع الأخير قبل بدء الهجوم، وخطب فيهم خطبة، جاء فيها ما يلي:

" إذا أعاننا الله عز وجل ففتح علينا القسطنطينية فسيتحقق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعجزة من معجزاته العظام، وسيكون من حظنا ما تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التقدير والتشريف، فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا نصب عيه، فلا يصدر عن أي واحد منهم ما ينافي هذه التعاليم، وليتجنبوا الكنائس والمعابد، ولا يمسوها بأذى، وليدعوا القساوس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون ".

وحين تنزل نصر الله عز وجل كان أول عمل بدأ به السلطان محمد الفاتح أن خر ساجدا على الأرض شكرا لله على ما أفاء على المسلمين من نصر مؤزر مبين، وما كاد العثمانيون يدخلون المدينة حتى وثب العديد منهم إلى أعالي الأسوار يزيلون الرايات البيزنطية من فوقها ويرفعون مكانها الرايات الإسلامية العثمانية، وفي تلك الأثناء كان العشرات من المجاهدين يرفعون أصواتهم بالأذان من فوق أسوار المدينة، ولما بلغ الفاتح منتصف المدينة، توقف عن المسير وقرأ بلغة عربية فصحى البشارة النبوية الكريمة " لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش ".

لما أبطأ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه " أما بعد فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله تعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر ( الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود، عبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد ) وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف إلا أن يكون غيرهم ما غير غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس و حضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس وأمر الناس أن يكونوا لهم صدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم ".

فلما أتى عمرا الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبوا إلى الله ويسألوه النصر ففتح الله عليهم.

ليست هناك تعليقات: