السبت، 1 أغسطس 2009

الرأسمالية و حقوق الإنسان



هل الرأسمالية أعادت للإنسان مكانته وتكريمه الذي كرمه الله على سائر المخلوقات ؟! أم أنها دفعته للإنحدار الى أسفل سافلين ؟! وهل كفلت الرأسمالية للإنسان حقوقه ووفرت له أسباب العيش الكريمة ؟! أم انتهكت حقوقه وكرامته وأوردته موارد الهلاك وحرمته من أدنى أسباب العيش ؟! وهل سعت الدول الرأسمالية إلى تطبيق إعلان حقوق الإنسان طوال 60 عاماً أم كان لها من ورائه مآرب وغايات أخرى ؟!


في عام 1948 أطلت علينا الدول الكبرى آنذاك ببدعة جديدة اسمتها بإعلان حقوق الإنسان وهو إعلان منبثق عن عقيدة فصل الدين عن الحياة ويرتكز الى النظرة الرأسمالية لهذه الحقوق المبنية على فكرة الحقوق الطبيعية التي نادى بها الفيلسوف (( لوك )) و المستمدة من فكرة (( القانون الطبيعي )) وهو القانون الذي يستمد من طبيعة الإنسان والأشياء ، حيث يتوصل الإنسان بعقله ، بعد دراسة خاصيات الإنسان ، إلى وضع التشريعات الكفيلة بصيانة حقه الفردي وإسعاده في هذه الدنيا ، فإعلان حقوق الإنسان من حيث أساس نشأته يفترض به أن يكون خاصاً بمن يحمل وجهة النظر الغربية وما إلباسه لباس العالمية إلا لأجل فرض وجهة النظر هذه على بقية البشر على إختلاف عقائدهم وأفكارهم .

دعا هذا الإعلان بزعم واضعيه-في بعض بنوده الثلاثين- الى (حماية كرامة الإنسان وعدم الإعتداء عليه وعدم تعريضه للتعذيب و عدم تعرضه للإعتقال التعسفي والتكفل بتوفير أسباب الحياة الكريمة له وضمان الحريات للإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه كما نص الإعلان على أن إرادة الشعب هي أساس السلطة...ألخ) ، فهل وفرت الدول الرأسمالية للبشر أياً من هذه المزاعم ام أنها انتهكتها جميعاً بلا استثناء ؟! وهل وفرت هذه الدول الأمن والاستقرار للشعوب المنكوبة ام أنها كانت دوماً صاحبة لواء الحرب والتخريب والدمار ؟! وهل وفرت هذه الدول للبشر أسباب الحياة الكريمة أم كانت صاحبة السبق في سرقة ثروات الشعوب وأموالها ؟! وهل حافظت هذه الدول على حرية الشعوب أم أنها استعبدتها وسخرتها لخدمة مصالحها ولإشباع نهمها الحيواني -الذي لا يشبع- بإسم العولمة وغيرها؟!

تساؤلات كثيرة لكنها ليست برسم الإجابة لأن الإجابة عليها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولا تكاد تخفى إلا على أعمى البصيرة أو مكابر معاند رضي لنفسه التبعية وناضل لأجلها بل سخر حياته لها .

إن المبدأ الرأسمالي ، المتحكم في العالم اليوم عبر دوله مجسدة في أمريكا وأوروبا ، لا يقيم وزناً لغير القيمة المادية ولا يعتبر القيم الإنسانية والخلقية والروحية قيماً حتى يهتم بها ، ولقد كان إعلان حقوق الإنسان منذ لحظة ولادته مطية من المطايا التي تركبها الدول الكبرى لتحقيق مآربها ومخططاتها السياسية ، فهي تعمد الى تسليط اتهام خرق هذا الإعلان لكل من يغرد خارج سربها فتنفذ من خلاله الى التدخل في شؤون البلد المعني وتقوم بشراء الذمم والكيد والمكر وفي كثير من الأحوال الى قلب الأنظمة السياسية والتدخل في الطبقة السياسية فتبرز من تشاء وتقصي من تشاء ، فهذا الإعلان وإدعاء خرقه ليس سوى ذريعة للإستيلاء على مواطن القرار وأداة إستعمارية صرفة ، وإلا فهذه الدول هي صاحبة أكبر رقم قياسي في خرق هذه الحقوق ، فهي التي ارتكبت اعظم الجرائم الإنسانية بحق البشرية بأسرها ، فمن ذا الذي خاض حروباً عالمية أودت بحياة الملايين من البشر جرياً وراء مصالحهاً سوى الدول الرأسمالية الكبرى ؟! ومن ذا الذي تآمر وشارك في مجازر زائير التي أودت بحياة ما يقارب المليون إنسان وسبرينتسا في البوسنة والهرسك ومدن إقليم كوسوفا ، ومن ذا الذي سكت وأقر بمجازر صبرا وشاتيلا ومن قبلها تهجير أهل فلسطين عام 48 و67 وها هو يؤازر من يحاصر أهل غزة الثكالى والجوعى والنساء والشيوخ والرضع ، ومن ذا الذي قتل أسرى سجن بلغرام وهم مقيدون بلا رحمة ولا شفقة ومن ذا الذي مارس أقبح التصرفات بحق السجناء في سجن أبو غريب ومن ذا الذي ابتكر وانفرد بأسوء سجن على وجه البسيطة (غوانتاناموا) ومن ذا الذي ... والقائمة تطول ...سوى الدول الرأسمالية الكبرى صاحبة إعلان حقوق الإنسان ؟!

هذا هو إعلان حقوق الإنسان على الحقيقة بعيداً عن الكذب والخداع والشعارات البراقة ، وهذا هو واقع الرأسمالية التي ما انفكت تورث البشر البلايا والكوارث على مختلف صعد الحياة الاقتصادية والانسانية والإجتماعية والبيئية .


وفي مقابل هذا الإعلان (المطية) نجد الإسلام الذي يمثل المشروع الوحيد البديل للبشر ليخلصهم مما هم فيه ، نجد انه وفر للإنسان-على الحقيقة بعيدا عن الكذب والخداع- حقوقاً تكفل له العيش الكريم العزيز في ظل دولة تطبق أنظمته على رعاياها بغض النظر عن دينهم أو جنسهم او لونهم وتحمل عقيدته لبقية البشر لتنقذهم من الجور الذي يعيشون فيه الى عدل ونور الإسلام.

فقد كفل الإسلام للإنسان حقوقاً شرعية نصت عليها النصوص والادلة الشرعية وجعلت تطبيقها وتوفيرها مرهوناً بالدولة التي تعمل على صيانتها وحمايتها من عبث العابثين وفساد المفسدين ، ومن استعراض الأدلة الشرعية واستقرائها نجد أن الإسلام قد قسم هذه الحقوق-وفق ما يفهمها الكثير من فقهاء الأمة القدامى والمعاصرين- الى ضروريات وحاجيات وتحسينات .

فالضروريات ويقصد بها تلك المصالح التي تتوقف عليها حياة الفرد الكريمة ، وقيام المجتمع الصالح المستقر ، بحيث إذا لم تتحقق اختل نظام حياة الإنسان ، وساد الناس الفوضى والفساد ، ولحق بهم الشقاء والتعاسة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة ، وهذه الضروريات ثمانية ، وهي -بعيداً عن الشرح والتفصيل فيها وسرد أدلتها الشرعية والنصوص التي دلت عليها - : حفظ الدين ، وحفظ النفس ، وحفظ العقل ، وحفظ النسل ، وحفظ المال ، وحفظ الكرامة ، وحفظ الأمن ، وحفظ الدولة.

وأما الحاجيات : فهي الأمور التي يحتاجها الناس لرفع الحرج عنهم ، ولتخفيف أعباء التكاليف عليهم ، ففي العبادات كلفهم بما يستطيعون ، وشرع لهم الرخص تخفيفاً عليهم إذا كان تنفيذ الحكم في ظرف من الظروف ، أو في حالة من الحالات مشقة لهم ، ففي العبادات أباح للمسافر أو المريض أن يفطر في رمضان ، وأباح للعاجز عن القيام أن يصلي قاعداً وهكذا .وفي المطعومات أحل لهم الطيبات ، وحرم عليهم الخبائث ورخص للمضطر أن يأكل ما حرم عليه حفظاً لحياته من الهلاك، قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .وفي العقوبات وضع لهم قواعد : ( تدرأ الحدود بالشبهات ) وشرع الدية على العاقلة في القتل الخطأ تخفيفاً عن القاتل ، وغير ذلك من الأحكام التي تشمل المسلم وغيره ، وما ذكر من الأمثلة كانت على سبيل تقريب الصورة والمثال لا الحصر.

وأما التحسينات : فهي الأمور التي تحسن حال الناس ، وتجعلها على وفاق ما تقتضيه الحياة الكريمة ، من مروءة ومكارم أخلاق . ففي العبادات شرع الطهارة للبدن والثوب والمكان وندب أخذ الزينة عند كل مسجد أي كل صلاة.

وفي المعاملات حرم الغش والتدليس والخداع ، وحث على السماحة والأمانة.

وفي الحرب حرم قتل الرهبان والصبيان والنساء غير المحاربات ، ونهى عن المثلة والغدر وقتل الرسل ، وقتل غير المحاربين كالمزارعين والأجراء.

وفي العقوبات حرم التعذيب لإثبات التهمة ، وأمر بإحسان تطبيق العقوبة.

وفي الأخلاق طلب الاتصاف بالصدق والعفة والأمانة ، ونهى عن الكذب والفحش والخيانة ، مما يوجد الود والاحترام والثقة بين أفراد المجتمع.

والجاجيات والتحسينات تكمل الضروريات وتعززها ، مما يساعد رعايا الدولة أن يعيشوا حياة آمنة كريمة عزيزة.

وهكذا نجد ان الرأسمالية التي زعمت وأدعت حقوق الإنسان قد أوردت الإنسان المهالك وأورثته النكبات والمصائب وحطمت الأرقام القياسية في إلحاق الأذى والضرر بالإنسان بل كان إعلان حقوق الإنسان مجرد أداة رأسمالية استعمارية تستخدمها الدول الكبرى متى شاءت لتحقيق مخططاتها ومآربها المصلحية التي لا تقيم وزناً للحياة والكرامة البشرية ، بينما نجد الإسلام قد كفل للإنسان-على الحقيقة- حقوقاً توفر له العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة .

وعليه فلا بد للمسلمين إذا أرادوا النهوض والرقي ، والعيش بطمأنينة وكرامة أن يعودوا إلى دينهم الحق ، يستنطقون مصادره ونصوصه ، في كل ما يعترضهم من مشكلات ، وفي كل ما يستجد من أحداث ومصطلحات ، ليجدوا فيه العلاج الشافي لها ، والقول الفصل فيها ، وعليهم أن لا يخدعوا بالشعارات الزائفة ، وبالمصطلحات الغربية البراقة ، فالفكر الإسلامي ، فكر سامٍ ، منبعه الوحي الإلهي ، بينما الفكر الغربي الرأسمالي ، فكر وضعي بناه البشر على عقيدة فصل الدين عن الحياة ، وشتان ما بين الفكرين ، قال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ * وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) .

وعلى البشر إن أرادوا الخلاص مما هم فيه أن ينبذوا الفكر الرأسمالي ويزيحوا عن كاهلهم هذه النظم المتحكمة فيهم وأن يلجأوا الى حيث العدل والنور والحياة الكريمة ولن يطول الزمن حتى تتجسد هذه الحياة في أرض الواقع فتبزغ الشمس على أرض عمتها الظلمة ويسود العدل بعد أن طغى الظلم وعلا.

بقلم: علاء أبو صالح



ليست هناك تعليقات: