السبت، 17 يناير 2015

كـذبـــــة اسمـــــــها «الإرهــــــــــــاب» (1)


بسم الله الرحمن الرحيم 
 
تتعدد وتتنوع أساليب ووسائل وخطط الغرب الخبيثة (الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها) في حربه على الإسلام ودعاته، وهو يستميت في ذلك ليحول دون عودة الإسلام ودولته دولة الخلافة الراشدة الثانية التي أظلَّ زمانها بإذن الله تعالى. فها نحن نراه يطلق سمومه ممثلة بمصطلحات ومفاهيم يصنعها صناعة في الغرف المعتمة والمشبوهة من وراء الكواليس كفكرة حقوق الإنسان، وسياسات السوق، والحوار بين الأديان، والأصولية، والعولمة، والوسطية، وأخيراً وليس آخراً: الإرهاب. نعم إنه المصطلح والفكرة والواقع الجديد الذي صنع منه صانعوه وأعد له معدوه وأخرج له مخرجوه لأن يلعب في فيلم الكاوبوي الأميركي دور الشبح والجن الذي يؤرق ويقضُّ مضاجع العالم، فتكون النتيجة احتلال مزيد من بلاد المسلمين، وقتل النساء والأطفال والشيوخ والشباب، وهدم وتدمير للشجر والحجر، ويكون هذا (الإرهاب) حجة وذريعة لاستعباد العباد واحتلال البلاد اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفكرياً. لقد بات الإرهاب الواقع الجديد القديم، والذي مازال حتى الساعة يقطف الغرب ثمرته ويضرب به البلاد والعباد، هذا وقد تناولت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة المحلية والدولية مصطلح الإرهاب لترسخ هذا المصطلح خدمة للأنظمة ومن ورائها الغرب الحاقد. وفي هذا المقال لن نسلط المجهر سوى على مصطلح الإرهاب الذي بات سرطاناً وجب على الأمة استئصاله واستئصال أمه المبدأ الرأسمالي واجتثاثه من جذوره واستبداله بمبدأ الإسلام؛ لتتعافى الأمة وتصبح خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ولكن كيف يتسنى لنا ذلك؟
وعلى ذلك، فسنبحر في هذا البحث ونتعمق في عدة محاور فيه تتمثل بـ: 1- تعريف الإرهاب لغة وشرعاً. 2- نشأة الإرهاب والغاية منه. 3- ماذا استفاد الغرب من فكرة الإرهاب؟. 4- صور من الإرهاب الغربي. 5- أسباب إخفاق الثورات. 6 - عوامل نجاحه 

ودعمه. 7- كيفية مواجهة الإرهاب ( فكراً وواقعاً) وعلاجه .

1- تعريف الإرهاب لغة وشرعاً:
الإرهاب لغةً: رَهِبَ بالكسر يَرهَبُ رهْبَةً ورُهباً بالضم ورَهَبَا بالتحريك أي خاف. ورهب الشيء رهباً ورهباً ورهبة: خافه. ويقال: رهبوت خير من رحموت، أي لأن تُرهب وتُخف خير من أن تُرحم.
والرهبة: الخوف والفزع، ترهب الرجل إذا صار راهباً يخشى الله، والراهب: المتعبد في الصومعة.
والإرهاب شرعاً: لا يوجد معنى في الشرع في الآيات والأحاديث يصرفه عن معناه في اللغة، وبالتالي يكون لغة وشرعاً بنفس المعنى، قال تعالى:((وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُون)) . أي فإياي فخافون. وقال تعالى: ((وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا)). أي يدعوننا قربة إلى الله وخوفاً من الله تعالى من الآخرة. وفي الحديث: «عليكم بالجهاد، فإنه رهبانية أمتي» يريد أن الرهبان وإن تركوا الدنيا وزهدوا فيها وتخلوا عنها فلا ترك وزهد ولا تخلٍّ أكثر من بذل النفس في سبيل الله، وكما أنه ليس عند النصارى عمل أفضل من الترهب، ففي الإسلام لا عمل أفضل من الجهاد؛ ولهذا ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله.
والإرهاب اصطلاحاً: هناك اصطلاح للإرهاب اصطلح عليه الغرب وأخفى غايته من هذا المصطلح الخبيث، والذي أصبح واقعاً 

 متجسداً في حياتنا ويعني به: قتل المدنيين وتخويفهم وإفزاعهم بدافع وغرض سياسي.

2- نشأته والغاية منه:
نشأ الإرهاب كمصطلح أسوة بأخواته فيما تقدم كالوسطية والعولمة والأصولية في الغرب، وبحسب الحاجة إليه وضعت الغاية له. أما مصطلح الإرهاب فقد نشأ في عام 1979م بعد مداولات ونقاشات بدأت منذ ما قبل عقد أو عقدين من ذلك التاريخ حتى توصلت إليه الاستخبارات الأميركية والبريطانية في ندوة عقدت لهذا الغرض، وقد سنت تشريعات وقوانين لتحديد الأعمال التي يمكن أن توصف بالإرهاب، وأنواع الحركات التي يطولها المصطلح بعيداً طبعاً عن إرهاب الدول الكبرى؛ لأنه حينها لا تكون له جدوى وفائدة، لأن واضعيه يريدون أن يخدم توجهات ومصالح هذه الدول الكبرى والمستعمرة للوصول إلى المزيد من خنوع وخضوع المسلمين للغرب، وهذا ما أدى بهم إلى جعل (الإرهاب) كلمة ضبابية يسهل اللعب بها هي وأخواتها بحيث يكون كل منها له مأربه ومقصده الاستعماري. فالإرهاب هو الكلمة التي لم يكن لها واقع، فأوجد لها الغرب واقعاً لتخدم مصالحه. وكذلك سواء أكانت الغاية من المصطلح الاستعمار الفكري أم الثقافي أم الاقتصادي أم السياسي... فهي تحقق له غاية، فما هي غايته؟
إن الغاية من أي فكرة أو أي عمل يعرف إما من الخبرة السياسية والمعلومات السابقة المربوطتين بالواقع المعاش، وهي أفضل من معرفتها عن طريق النتائج التي تتلو تنفيذ وتطبيق هذه الفكرة والعمل؛ لأنه حينها تكون قد وقعت الفأس بالرأس؛ لذلك كانت الطريق الأول أفضل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإفشال ما يمكن إفشاله من مشاريع قد تؤدي إلى إهلاك الحرث والنسل، فيا ترى: ما المصلحة والفائدة المرجوة لدى الغرب من استخدام هذه الفكرة؟ وأليست دول الغرب هي المستفيد الأول، وعلى وجه الخصوص أميركا. فماذا استفاد الغرب من شبح ما سماه بـ«الإرهاب»؟


3- ماذا استفاد الغرب من مصطلح «الإرهاب» فكراً وواقعاً:
لقد استفاد الغرب، وعلى رأسه أميركا، من استخدام مصطلح «الإرهاب» وتجلت هذه الاستفادات بـ:
1- احتلال أميركا للعراق ومن قبل أفغانستان، ونهب وسلب ثرواتهما، وفرض سيطرتها على ما حولها من بلاد وعباد.
2- هجوم أميركا على بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان واليمن بطائرات بدون طيار، وهو انتهاك للبلاد والعباد والبشر والشجر والحجر، وفرض إرهابها على هذه البلاد وقاطنيها بإذلالهم بهذه الضربات، وكذلك على جيران هذه البلاد على طريقة المثل القائل: «اضرب المربوط يخاف السائر».
3-فرض ضغوط سياسية واقتصادية على البلاد التي يوجد فيها ما يسمى بالإرهاب، وربطها باتفاقيات ومعاهدات تزيد من سيطرتها على هذه الدول؛ وذلك بإرسال قوات لتلك البلاد، وإقامة قواعد عسكرية فيها، وإرسال جيشها إليها بحجة التدريب ومكافحة الإرهاب والمساعدة في ذلك (وهو في ذلك احتلال عسكري ) وكذلك شراء وكسب قواد الجيوش لصالحها، وبيع هذه البلاد أسلحة بمبالغ هائلة وفي كثير من الأحيان أسلحة فاسدة لتكدس وتصدأ دون استخدام سوى على شعوبها، فمنذ متى لم تُحارِب هذه البلاد أعداءها؟؟ مرت عقود وعقود دون حروب، فما فائدة هذه الأسلحة سوى انتفاع الغرب منها، وقمع الشعوب بها، وإرسال خبراء (جواسيس) لتشتري الذمم وتحول الولاءات والعمالات لصالحها.
4-الضغط على هذه البلاد وإخافة دعاتها ومفكريها وأحزابها وإجبارهم على السير معها في فكرة ما يسمى بالإسلام المعتدل الذي يعترف بأجندة الغرب من الديمقراطية وحوار الأديان والحريات العامة، ويرضى بالغرب ويوجد له مبررات مفتراة من القرآن والسنة، والتلبيس على الناس بهذه الدلائل التي لا محل لها في الإسلام، وربط إقامة الخلافة الراشدة ورفع راية العقاب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإرهاب رغم أن المطلبين شرعيان وليسا مرتبطين بالحركات التي تتخذ العنف طريقة للتغيير بل بحزب التحرير الذي يدعو لهذا الهدف العظيم منذ أن نشأ في الخمسينات في عام 1953م، ولكن الإعلام المأجور للغرب لا يظهر هذا بل يكتمه، ويعتم على هذه الحركة الصافية النقية التي تدعو للإسلام النقي الصافي ولا تستخدم العنف تأسياً بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لتحقيق هذا الهدف العظيم، والذي يتوجب على كل مسلم أن يسعى لإيجاده في الواقع، فهو فرض، وفيه إنقاذ للأمة والعالم مما يعانيه من شقاء الرأسمالية. نعم إن الإعلام الفاسد يظهر الحركات الفاسدة ابتغاء تشويه الإسلام النقي وحملته مما يدل على أن هذه الحركات أعدت وجهزت لتقوم بدور مرسوم لها، سواء أكان ذلك بعلم أم بجهل منها، فتجد أميركا والغرب من ورائها ضالتها وذريعتها لاحتلال البلاد الإسلامية.
5- العمل على ضرب الإسلام النقي الصافي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بما تقوم به بعض الحركات من تفجير وأعمال عنف حيث ترفع شعارات حقة مثل راية لا إله إلا الله محمد رسول الله (راية العقاب)، ومن المناداة بإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة رغم أنها حق؛ إلا أن من يرفعها هم من يقومون بهذه الأعمال (العنف) فيشوهون هذه الراية وهذه الأعمال العظيمة التي يدعو لها دعاة الخلافة فيخلط الحابل بالنابل، والزبد بما ينفع الناس، وفكر الحق بفكر الباطل.
6- ربط أشخاص عملاء للغرب وللاستخبارات الأميركية ليقوموا بأعمال العنف هذه في بلاد المسلمين لتمتلك أميركا حجتها لضرب هذه الجهة في أي بلد وفي أي مكان وأي زمان بحجة الإرهاب؛ فيكون العالم كله قرية خاضعة لها بحجة هذا المصطلح الخبيث، فيفرض الغرب أوامره على البلد، فإذا كان تابعاً لها سكتت عنه، وإذا لم يكن كذلك ضغطت عليه بهدف أن يصبح موالياً لها، أو يحقق بعض مطالبها.
7- العزوف من قبل المسلمين عن أن يعملوا للتغيير مع الحركات الإسلامية عامة، لاعتبارهم أنها شوهت الإسلام، فتلك تقوم بالعنف، وتلك تجامل وتداهن وتعترف بالديمقراطية، وتلك ترفع شعارات الموت للأعداء وتقتل المسلمين، وتلك تهتم بالسنن وتترك الفروض وتسمي الحاكم ببلاد المسلمين بولي الأمر... وجل هذه الحركات لا تفهم الإسلام فهماً صحيحاً، ولا تطرح مشروعاً لحل المشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامية والعالم؛ وهذا ما أدى إلى نفور الناس والأمة من هذه الحركات وخاصة تلك التي ترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ومن ثم تقوم بالعنف فتشوه صورة وفكرة كل من يحمل هذا الراية العظيمة، سواء أكانت طريقته حقاً أم باطلاً.
8- محاولة إيجاد ما يسمى بالإرهاب الفكري وإلصاقه بدعاة الإسلام السياسي (الخلافة الراشدة) الذي يدعو إلى إيصال الإسلام لسدة الحكم، وتطبيقه في مناحي الحياة، وإيقاف التبعية للغرب وجعل الأمة مستقلة عنه، بل قائدة للأمم الأخرى...
يحارب هذا المشروع ويتهم ليُحْمَل المسلمون على نبذ الجهاد وجعله جهاد دفع وإلغاء جهاد الطلب (الفتوحات الإسلامية) الذي لولاه لما كنا مسلمين، وقبول العلمنة والديمقراطية والانتخابات وحصر الإسلام فقط في العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، وما يؤكد هذا هو ما دعت إليه السعودية مؤخراً من سن قانون يجيز اعتقال وتجريم كل من يدعو إلى الإسلام السياسي ليصبح في لائحة الإرهاب حسب قانونها امتثالاً لأوامر أميركا، وهذا قد أتى بعد الزيارات المتبادلة للمسؤولين الأميركان والسعوديين كزيارة أوباما للسعودية مؤخراً قبل شهر؛ ويمكن القول إن جهود الغرب وعملائهم من حكام المسلمين تنصب الآن على محاربة الإسلام السياسي الذي يعمل لإقامة الخلافة الراشدة، وهم في سبيل ذلك يطورون قوانينهم باستمرار حتى تلاحق هؤلاء أولاً بأول، ومن أساليب تطويرها المستحدثة إيجاد تلك الحالة الشاذة من الدعوة إلى الخلافة...
9-ضرب الإسلام السياسي الذي ينافس الرأسمالية ويهدد زوالها رغم أنه لا توجد له دولة. فبالدعوة إلى «محاربة الإرهاب» تستبق دول الغرب، وعلى رأسها أميركا، الأحداث وتضع معوقات ومزالق لتحول دون عودة الخلافة أو تأخير عودتها؛ فتشوهه من خلال الـ C.I.A وشركة البلاك ووتر الأمنية التابعة لأميركا؛ فتقوم بأعمال العنف هي وعملاؤها ومرتزقتها من جنسيات مختلفة من تفجير وقتل، وإظهار أن من يقوم بهذه الأعمال هم مسلمون ليلصق بالإسلام؛ فيكون رد الفعل عند الغرب ضرب البلاد الإسلامية محل إقامة هؤلاء الذين قاموا بالعنف.
10- إيجاد حالة من التوتر والبغض بين الجيش والأمة من جراء قيام الجيش بحملات تفتيش وقصف وقتل بالأسلحة والطائرات بطيار وبدون طيار ضد من يقوم بالتفجيرات والعنف؛ فيوقع فيها ضحايا وأبرياء ومدنيين ما يؤدي إلى أن ينقم أهالي الضحايا على هذه الحركات وعلى الجيش ليقوم أهالي الضحايا بالانتقام من الجيش، وكذلك تنشأ فتنة بين الناس على أساس العرق والطوائف والديانات والقوميات كما حدث في العراق بسبب هذه العمليات التي يجريها الجيش.
11- إنشاء منظمات والإيعاز إلى مراكز أبحاث، وتقديم ندوات وبرامج ثقافية وإخراج أفلام بعدة لغات تركز على خدمة أميركا وتعريفها لـ»لإرهاب» ويحدث هذا بدعم مالي منها.


4-صور من الإرهـــــاب الغـــربي :
عرَّف الغرب الإرهاب كما يريد وكما يشاء وفق مصالحه التي تعكس مبدأه القائم على فصل الدين عن الحياة. فبحسب تعريفه، الإرهاب هو القيام بقتل وإفزاع مدنيين بدافع سياسي. فلماذا عُرِّف بهذا التعريف؟ أليس لمصلحتهم؟ وهل يطبَّق هذا التعريف على الناس جميعاً سواء وافق مصالح الغرب أو تعارض معه، أو هناك ازدواجية في التعريف فينطبق على جهات ولا ينطبق على غيرها؟!.
نعم، إن الغرب عرَّف الإرهاب بهذا التعريف ليوافق مصلحته، ومصلحته هي القضاء على الإسلام العدو اللدود له بعد الاشتراكية، رغم أنه ليس له دولة، فما بالنا لو كان لنا دولة خلافة؟! لذلك كان المقصود بهذا الإرهاب الإسلامَ. وهو قد أوجد جماعات لتقوم بأعمال تشوِّه الإسلام، وتقوم بأعمال عدوانية يجد الغرب فيها ذريعة ليضرب الإسلام وبلاده ويحتلها. فبدون هذه الذرائع لا يتسنى له ذلك، وتأكيد هذا الكلام ما خرج من أفواه الغرب نفسه، فقد صرّح ريتشارد مايرز رئيس أركان القوات المسلحة الأميركية من خلال شهادته أمام لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ: «إن الإرهابيين في العراق يريدون إقامة خلافة إسلامية والعودة للقرن السابق» وكذلك تصريح جورج بوش في 8/10/2005م حيث قال» «يعتقد المقاومون المسلمون أنهم باستيلائهم على بلد واحد سيقودون الشعوب الإسلامية ويمكنونهم من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة، ومن ثم إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من أسبانيا إلى إندونيسيا». وفي مؤتمر صحفي مطوَّل عقده بوش يوضح كيف أنه متابع لما وصل إليه ملف الخلافة عند دعاتها ما أكده في مؤتمره الذي عقده في 11/10/2006م حيث قال: «إن وجود أميركا في العراق هو لمنع إقامة الخلافة الإسلامية التي ستمكن من بناء دولة قوية تهدد مصالح الغرب وتهدد مصالح أميركا في عقر داره. إن المتطرفين المسلمين يريدون نشر أيديولوجية الخلافة التي لا تعترف بالليبرالية والحريات؛ ولهذا يريدوننا أن نرحل؛ ولكننا باقون حتى لا نندم. وليعلم الشعب الأميركي حينئذ أن وجودنا في العراق كان يستحق المغامرة والرهان. هؤلاء المتطرفون يريدون إرهاب العقلاء والمعتدلين وقلب أنظمة حكمهم وإقامة دولة الخلافة. إن مغامرة الرحيل من العراق خطرة جداً إنها تعني التخلي عن جزء من المنطقة للمتطرفين الراديكاليين الذين سيمجدون النصر على الولايات المتحدة، وستمنحهم هذه المنطقة التي نخليها الفرصة للتآمر والتخطيط بمهاجمة أميركا، واستغلال الموارد التي ستمكنهم من توسيع رقعة دولة الخلافة» الله أكبر، الله أكبر، ماذا بعد هذا التصريح من عداء؟! ألد أعداء الإسلام بوش يصرح بهذا التصريح، فماذا بعد هذا التصريح من حقد على الإسلام، يا أمة الإسلام؟! فأين عقول المسلمين؟ وأين التدبر لخطورة هذا الكلام؟ أليس بوش هو الذي حدَّد أن عدوه الإسلام عندما قال إنها «حرب صليبية» قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ. نعم هناك رجال يعملون لهذه الخلافة، وهي لن تأتي من الله إلا بعد الإخلاص والوعي والسعي والتضحية والصبر... ولكن المدقق والممعن للنظر والمتدبر لهذا التصريح من بوش يجد أنه يؤكد على أن إحلال الواقع الذي يحاول أن ينكره ويرفضه، وهو الخلافة، قادم، وما هي إلا مسألة وقت. ألم يذكر أنها دولة قوية تهدد أميركا في عقر دارها؟ الله أكبر على الظالمين  وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . ومن هنا كان من الطبيعي أن يبقى بوش في العراق خشية إقامة الخلافة لأنه بإقامتها سيكون زوال استعماره وزوال حضارته. وستكون نتيجته كما صرح «حتى لا نندم». ثم ألم يمدح حكام البلاد العربية بقوله: «ويمكنونهم من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة» وبقوله: «هؤلاء المتطرفون يريدون إرهاب العقلاء والمعتدلين وقلب أنظمة حكمهم»؟ وهل يمدح هذا العدو اللدود للإسلام إلا من يحمل عقيدته وسياسته وفكرته وينفذ أوامره؟ وهل يمجد الكافر إلا عميله المنافق، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ. لقد وصف بوش هذه الدول، دول الضرار، بالاعتدال فأي اعتدال هذا؟ إنه السير وفق نهجه وعكس أحكام الإسلام؛ إذ التطرف والأصولية والراديكالية حسب وصف بوش هي بالسير وفق أحكام الإسلام؟ وإذا لم يكن بوش وأشباهه هم أعداء الله والإسلام فمن هم هؤلاء إذن؟! ألم يذم بوش الراديكاليين والمتطرفين ويتخذهم أعداء عندما قال إنهم سينتصرون على أميركا من خلال زيادة مواردهم والتي ستمكنهم من اتساع رقعتهم حسب وصفه؟ فأين أنتم أيها المسلمون من هذا العداء الصريح؟.


إن هذا يذكرنا بتكذيب وتشويه وحرب كفار قريش لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم عندما كانوا يقولون إن محمداً يزعم أنه يكلَّم من السماء. فلمَ لا يحوِّل الصفا والمروة ذهباً؟. وكذلك عندما كان يجادل أُبَيّ بن خلف بعدما جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا بَعْدَمَا أَرَمَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا وَيُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ». وكذلك الحال مع بوش، فهو يستهزئ ويشوِّه ويشنُّ حربه على الإسلام ويعمل على الصد عن الخلافة؛ لكن وعد الله وعد نافذ وأمره غالب... إن الله أنطق بوش بما أنطقه ليكون دافعاً لحمَلة الحق ودعاة الإسلام والخلافة لأن يجدُّوا من أجل السير من أجل تحقيق الغاية العظمى إرضاءً لله سبحانه وتعالى بإقامة الدين والخلافة الراشدة بعونه وحده.
إن «الإرهاب» الذي يقصده الغرب هو عينه الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه لمن الطبيعي أن يحارب بهذه الشراسة والحقد لأنه المنافس الحضاري الجدي لحضارته المتهاوية، وهو بعد أن قضى على الشيوعية فلا يريد دولة خلافة جامعة للمسلمين مستقلة عنه بل دولاً تابعة ضعيفة يسهل السيطرة عليها في كل مواردها السياسية والاقتصادية والفكرية والعسكرية ليحركها كيفما شاء ومتى شاء كما يفعل الآن حيث يسخرها لأهدافه في حربه على «الإرهاب» حسب التعريف المطاطي له، والذي لا يعد إرهاب الدول نحو المسلمين إرهاباً، بل دفاعاً عن النفس تجاه اعتداء الإرهابيين. ومن الجرائم الجسام العظام التي ارتكبتها الدول بحق الإسلام والمسلمين ولم تعدّ إرهاباً، بل اتهم الإسلام والمسلمون فيها بأنهم هم الإرهابيون نذكر:
1-قتلُ دكتاتور عصره الهالك ستالين لـ (11) مليون مسلم في روسيا وحدها.
2- احتلالُ يهود لفلسطين وارتكاب أبشع المجازر بحق أبنائها داخل فلسطين وخارجها من مثل مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها 3500 ضحية.
3- مذابحُ أهل البوسنة في يوغسلافيا كمذبحة مسجد فوجا (12) ألف شهيد. و6 آلاف مسلم في جسر فورا.
4-قتلُ المسلمين الإيغور في الصين منذ عام 1945م، وقتل العلماء وإتلاف المساجد وتعطيلها.
5-قتلُ المسلمين بالحبشة على يد الطاغية هيلاسيلاسي حتى أحرق الشيوخ والأطفال والنساء بالنار والبنزين في قرية جرسم. وقتل 1000مصلٍّ في رمضان بالرصاص من قبل اللعين منغستو مريام بمدينة رايرادار بإقليم أوجادين.
6- مذابح المسلمين في الفلبين وقتل وحرق وبقر البطون، والذبح بالخناجر وقطع الرؤوس وانتهاك الأعراض.
7-مذابح المسلمين في الهند في أحمد آباد في عام 1970م التي راح ضحيتها 15 ألف مسلم باعتراف إنديرا غاندي وحرق 300 مسلمة، ومذبحة آسام الشهيرة التي راح ضحيتها 50 ألف مسلم على يد ا لهندوس.
8- حرق المسلمين في تايلاند حيث أحرق 100 مسلم شاب.
9-مأساة قتل المسلمين في كشمير حيث تم تقريباً قتل 44000 مسلم، وجرح ،67000، واعتقال 40000 وهدم قرابة 129000 منزل ومسجد، واغتصاب آلاف النساء.
10-مأساة المسلمين في تايلاند وبورما وليبيريا وسريلينكا وكوسوفا والشيشان وإندونيسيا وأفريقيا الوسطى... حيث قتل مئات الآلاف وأحرق الآلاف و تم فصل الرؤوس عن الأجساد واغتصاب النساء...
11- مجازر عدو الله بشار في سوريا التي وصلت إلى أكثر من 250 ألف مسلم، والسكوت العالمي على هذه المجازر لأنها ترتكب بحق المسلمين. ألا يعد هذا كله إرهاباً وإجراماً؟!. نعم، إن الغرب الحاقد يغمض عينيه ويغفل عن هذا كله ولا يصفه إرهاباً، إنها مآسٍ تدمي القلوب وتفطر الأكباد. إلا أنه لا يكفي أن يتألم القلب وتدمع العيون ونملأ الدنيا عويلاً وصراخاً إن لم نحرك ساكن النفوس، ونجعل من كل ذلك ناراً تحرق كل باطل، ونوراً يعيننا على التغيير فتبرأ ذمتنا أمام الله، عسى أن يطفئ ذلك غضب الله علينا بعد أن قصرنا طوال هذه السنين.
إن أميركا وحدها قامت باعتقال رئيس دولة بنما وحاكمته وسجنته، وقاتلت في فيتنام (15) سنة وارتكبت هناك أبشع الجرائم، وقصفت ليبيا مرتين، وضربت أفغانستان واحتلتها، وضربت ملجأ العامرية الذي استشهد فيه أكثر من (300) فرد حينها معظمهم أطفال، وضربت هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية حيث قتل فيها 200 ألف شخص، وغزت كوبا في خليج الخنازير، وقتلت أكثر من مليوني عراقي، ألا يُعدُّ هذا كله إرهاباً في حق الإنسان الذي تدعي، زوراً وبهتاناً، المحافظة على حقوقه!
وهكذا نرى أن أميركا والغرب أصحاب غرض في حربهم على الإرهاب بحيث ينصب جله على الإسلام الحق وعلى أصحاب المشروع الإسلامي، ويتغاضى عن إرهاب الدول التي تسير وفق مفهومها للإرهاب. وإلا فلماذا اعتبرت أميركا تفجير مبنى مكتب التحقيقات الفيدرالي في أوكلاهوما إرهاباً عندما حسبته من فعل المسلمين، ولكن عندما تبين لها أن وراءه منظمات أميركية غيرت رأيها وأصبح عملاً إجرامياً، وليس بإرهابي. وكذلك اعتبار أميركا لحركة ثوار نيكاراغوا حركة مقاومة، وكذلك جيش التحرير الأيرلندي، بينما تعتبر على النقيض من ذلك الحركات الجهادية الإسلامية حركات إرهابية... هذه هي الازدواجية في المعايير، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل دلالة واضحة على حربها الضروس على الإسلام، وعلى استخدام الإرهاب تارة وتعطيله تارة أخرى وفق مصالحها. أي إن «الإرهاب» هو الذي لا يتماشى مع مصالحها. والـ «لا إرهاب» هو الذي يسير وفق مصالحها. نعم هذه هي عدالة أميركا التي تقود العالم بمبدئها الرأسمالي الكافر الظالم!


بقلم: أ.ع  
المصدر: مجلة الوعي

ليست هناك تعليقات: