وما الذي جعل آل ياسر يصبرون على أذى قريش وقد وكِّل أمر تعذيبهم إلى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا ؛ ياسر وسمية وعمار كل يوم إلى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبّون عليهم جحيم العذاب ألوانا وفنونا؟؟!!
وما الذي جعل سمية التي نالت نصيبا فادحا رهيبا من العذاب أن تثبت ثبوت الجبال الراسيات ؟؟؟..
وهذا أبو بكر - رضي الله عنه - يردد , والمشركون يتناولونه بالأذى ; ويضربون وجهه – رضي الله عنه- بالنعال, وهو يردد " رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك ! رب ما أحلمك !... "
وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول , وقد تناوله المشركون بالأذى - لأنه أسمعهم ما يغيظهم من القرآن في عقر دارهم في ناديهم إلى جوار الكعبة - حتى تركوه وهو يترنح لا يصلب قامته ! كان يقول بعد كل هذا الأذى الذي ناله:"والله ما كانوا أهون عليّ منهم حينذاك ! ".
وعبد الله بن مظعون - رضي الله عنه - يقول , وقد خرج من جوار عتبة بن ربيعة المشرك , لأنه لم يستسغ لنفسه أن يحتمي بجوار مشرك ليكف عنه الأذى , وإخوان له في الله يؤذَوْن في سبيل الله. وقد تجمع عليه المشركون - بعد خروجه من جوار عتبة - فآذوه حتى أصابوا عينه فذهبت ، كان يقول لعتبة وهو يراه في هذه الحال فيدعوه أن يعود إلى جواره:" لأنا في جوار من هو أعز منك ! " وكان يرد على عتبة إذ قال له:" يا ابن أخي لقد كانت عينك في غنى عمَّا أصابها ! " يقول" لا والله ، وللأخرى أحق لما يصلحها في سبيل الله ! " كان يعلم أن جوار وحماية ربه – عز وجل- أعز من جوار وحماية المخلوقين العاجزين.
إنه المستيقن أن ربه لا يتخلى عنه , فهو يعمل في سبيل الله ويقول:" لا والله. وللأخرى أحق لما يصلحها في سبيل الله "..
ثم ماذا كان بعد احتمال الأذى من صناديد المشركين ؟؟؟
ماذا بعد هذا الثبات ؟؟؟
وسؤال آخر ما الذي جعل الأخ يواجه أخاه والابنُ أباه والأبُ ابنَه، وبنو العم يواجهون بني عمهم.
أبو عبيدة عامر بن الجراح يقتل أباه ، وعمر بن الخطاب واجهه خاله العاص بن هشام فضربه عمر بن الخطاب ؛نعم، ضرب خاله ضربة صرعه بها ، ومصعب بن عمير أسر أخاه أحدُ الأنصار،والأخ يستنجد بأخيه فقال مصعب بن عمير: عليك به فإن له أما تفديه، قال أهذه وصافك بأخيك يا مصعب، قال: أنت لست بأخي بل الأنصاري أخي من دونك فأنزل الله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }المجادلة22
لماذا هذا كله ؟؟ ولماذا يقف الصحابة رضوان الله عليهم هذه المواقف ؟
لماذا يدفع صهيب الرومي ماله لكفار قريش شامخاً.
هؤلاء وغيرهم الكثير الكثير من أبناء الأمة الإسلامية وعلى مر العصور كان ولاؤهم لله وحده وهم سائرون في طريق الدعوة إلى الله. لقد كان الواحد منهم واثقاً أن الله خالقه ومالك نفسه لا يعجز عن عقاب أعدائه وتدميرهم واستئصال شأفتهم.
كان واثقاً أن ربه لا يتخلى عن أوليائه ! ذلك لأنه استصغرهم ؛ فهو في معية الله ولي المؤمنين الصابرين الثابتين على الحق.
واليوم وبعد أن فقد المسلمون دولتهم أراد لهم أعداؤهم أن لا يسيروا على إسلامهم ولا تكون لهم وجهة واضحة فتم إدخال ونقل مفاهيم الحضارة الغربية إلى بلاد المسلمين ليحملها المسلمون بدلا عن دينهم. وفي الوقت نفسه يعمد أعداء الأمة لصبغ العالم بصبغة الحضارة الرأسمالية ، وصياغة شخصية المسلم صياغة جديدة ، بحيث لا يجد غضاضة في ترك الواجب وفعل الحرام ، ثم إفساد الذوق الإسلامي لديه ، وقتل الحمية للإسلام في نفسه ، فلا يبغض الكفر والكافرين ، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ، وبالتالي هدم الإسلام في نفوس أبناء الأمة الإسلامية وفصل دينهم عن حياتهم ؛ ولا يعني هذا بالضرورة أن يكفروا بالله- تعالى- أي ينكروا وجود الله ؛ بل يعني أن يفصلوا الدين عن حياة أبناء المسلمين – وإن صاموا وصلوا – فلا يُحَكِّمونه في كل ما يواجههم في حياتهم ولا يجعلونه مقياسا يقيسون به كل فكر.
وأكثر من ذلك ؛ العمل جار على حرف المسلمين عن دينهم وتمييع شخصياتهم وعلى ضرب المفاهيم الأساسية عندهم ومنها ضرب مفهوم الولاء لله تعالى وحده. بحيث يجد المسلم نفسه أمام عدة مرجعيات أو ولاءات يتأرجح بينها تتقاذفه هنا وهناك كالكرة بين اللاعبين، لا يعرف وجهة ولا هدفا ولا غاية ولا طريقة.
إن صاحب المبدأ ، وصاحب العقيدة الإسلامية ، والحامل لدعوة الله – عز وجل لن يبلغ غايته ، ولن ينتصر على أعداء دعوته إلا بثقته بالله خالق الكون والإنسان والحياة, وإلا أن يعتقد اعتقادا جازما لا يتطرق إليه أدنى شك {إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } الأعراف 196.
بقلم : عاهد ناصرالدين
بقلم : عاهد ناصرالدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق