السبت، 29 يناير 2011

الحريات في ضوء الإسلام




يقدس الغرب فكرة الحريات، وينظر إليها على أنها أغلى ما حصله من انجازات خلال القرنين الأخيرين، ويعتبر أن أي شيء يمس هذه الحريات، فإنه يمس شيئا مقدسا ومحترما في حياتهم، وعليه فإن هذه الفكرة تعتبر من أخطر التحديات التي يمكن أن تواجهها دولة الخلافة الموعودة فور قيامها، ذلك أن الحكومات الغربية الرأسمالية سوف تعرض صورة الخلافة المنشودة وأعمالها بصورة معكوسة ومبتورة ومشوهة لترسخ في الأذهان أنها دولة تحارب هذه الحريات، وتدعو إلى كبتها، والتضييق على أصحابها، دون أي ذكر للناحية الفكرية في نظر المسلمين لمسألة الحريات، ودون أي ذكر لمسألة الخطأ والصواب في ذلك، فكيف يمكن لدولة الخلافة الموعودة أن تتصدى لهذه العقبة؟ وأن ترد على هذا التحدي.


إن مناقشة هذه المسألة يلزمه شيء من الحنكة والدراية في مخاطبة الغرب وتفهيم شعوبه أن منظومة الحريات هي منظومة باطلة عقلا وفاسدة بداهة، وهو استعباد لبني الإنسان يفوق استعباد الكنيسة لهم في العصور الوسطى، وأن الإسلام هو دين تحرير الشعوب المنقذ للإنسان من عبودية ذاته إلى عبودية الله جل وعز ويكون ذلك عن طريق أمرين:

أولا: بطلان فكرة الحريات لبطلان فكرة الحل الوسط بين أمرين كلاهما خاطئ، وهما تسلط رجال الدين، وإلغاء الدين، كما طالب بذلك الإصلاحيون إبان حركة الإصلاح الديني في عصر النهضة الأوروبية، فالحل الوسط فكرة لا يقبلها العقل؛ لأنها لا تستند إلى الناحية العقلية الصحيحة؛ لأن الأمور إما أن تكون خطأ أو صوابا ولا وسط بينهما.
ثانيا: إن فكرة الحريات فيها انتهاك للناحية الإنسانية الصحيحة الفطرية، ولأن المقال يتضح بالمثال، فسنحاول في هذه المقالة مناقشة حريتين من هذه الحريات وهي الحرية الشخصية وحرية التملك.

إن الحرية الشخصية في النظام الرأسمالي مثلا تبيح للإنسان أن يخرج إلى الشارع عاريا، وتبيح له أن يمارس الفاحشة والرذيلة، وتبيح له أن يشرب الأفيون والحشيش وسائر المخدرات، وتبيح له -فضلا عن ذلك- قتل نفسه والتخلص من الحياة...وغير ذلك من صنوف الأفعال التي يدرجونها في مضمون الحرية الشخصية، و لا يخفى على كل ذي لب ما أحدثته فلتان منظومة الحريات في الغرب من مشكلات، وما جلبته من انتهاكات لكرامة الإنسان، وما نجم عنها من أمراض نفسية، وجرائم اجتماعية لا تحصى ولا تعد.

ولو أننا نظرنا إلى نوع آخر من الحريات، وأعني بذلك حرية التملك لما خفي علينا أيضا ما جرته هذه الحرية على المجتمعات الغربية من ويلات ومآس ومظالم ونكبات طارت بالأغنياء فزادتهم غنى و هوت بالفقراء فألصقتهم بالأرض فقرا، وجعلت من الطبقة الأولى طبقة متحكمة في مصائر الناس وحياتهم؛ بسبب هذه الحرية غير المنضبطة.

إن المتأمل في طريقة عيش المجتمعات الغربية يلحظ بعين الناقد البصير أن حرية التملك هذه قد شرعت الأبواب أمام إنشاء البنوك والمصارف الربوية التي لا تفتأ تمتص دماء الناس، وتقتات على مقدراتهم، وتكدس الأموال في أيدي عصبة قليلة منهم، هذا فضلا عن الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي تمتلكها حفنة قليلة من صناديد الرأسمالية، وقد نتج عن هذا صيرورة جميع طبقات المجتمع تحت رحمة الرأسماليين الكبار الذين باتوا يتحكمون بالأسعار والأجور ويرتهنون القرار السياسي لمجتمعاتهم، فأضحى الناس خدما عبيدا لتلكم الحفنة من الرأسماليين يعملون ليل نهار من أجل تحصيل لقمة العيش.

هذه بعض نماذج مما أمكن عرضه من مشكلات المجتمعات الغربية الناجمة عن فكرة الحريات، وبالتالي فإن وضع الإنسان الغربي أمام الحقيقة المؤلمة والجلية، وهي أن الإنسان إذا أطلق من قيوده يفعل ما يشاء، ويصنع ما يريد، بلا رقيب ولا حسيب، فإنه يدمر حياته بيديه، فالحرية دمار للإنسان وتخريب لحياته، وبالتالي فإن حياة الإنسان بحاجة إلى تنظيم وتقييد وضبط في كافة الأمور، وباختصار شديد فإن مسألة تقييد الحريات هي رحمة وليست نقمة كما يظن الإنسان الغربي.

وهنا تتأتى مهمة دولة الخلافة التي ترعى الناس على أساس الإسلام لتكشف للشعوب الغربية فلسفة الإسلام ونظرته للحريات من حيث أن الإسلام وضع أحكاما شرعية تضبط حياة الناس، وتنظم شؤونهم على أحسن ما يكون الضبط والتنظيم.

لقد وضع الإسلام مثلا أحكاما شرعية في مسألة الزواج والتي تنظم حياة الإنسان الجنسية تنظيما صحيحا يقضي على كل أشكال الفساد، فبدل أن يقيم الرجل عن طريق الحرية الشخصية علاقات مفتوحة غير منضبطة مع النساء دونما قيد أو ارتباط أو تنظيم جاء الإسلام لينظم هذه العلاقة تنظيما يرفع كل أنواع هذا الفساد، فجعل العلاقة الجنسية تقوم بالأساس على الزواج بحيث يجوز للرجل المسلم أن يتخذ مثنى وثلاث ورباع من النساء بطريقة منظمة تحفظ النسب، وتديم المودة والقربى، وتحفظ الإنسان معافى خاليا من أمراض العصر الفتاكة الناجمة عن علاقات غير شرعية.

وعلى صعيد اللباس نجد أن الإسلام قد ضبطه بضوابط تحفظ على المسلمة عرضها وأنوثتها، ويحفظ عليها نفسها من اعتداء ذوي النفوس المريضة، على عكس ما هو حاصل تماما في نظرة الغرب للمرأة وفلسفته تجاهها، حيث اعتبرها أداة للعرض أو تحفة من أجل النظر والاستمتاع بصورتها، بحيث جلبت حرية اللباس هذه الويلات على المجتمع الغربي لما أصبحت تتعرض له المرأة من اعتداء واغتصاب وتحرشات، بسبب عرضها لمفاتنها في الشوارع والمؤسسات والنوادي ووسائل الإعلام المختلفة.

وأخيرا فان ما سبق يمثل تسليطا مقتضبا للضوء على فكرة الحريات التي سيتخذها ساسة الحكومات الغربية الرأسمالية غرضا تحريضيا ضد الإسلام المتمثل بكيان سياسي هو دولة الخلافة الإسلامية التي ستضع القيود وتقنن القوانين التي تكفل حفظ كرامة الإنسان في العالم أجمع، وتسعى جاهدة لسياسة جميع الناس وفقا لأحكامه الشرعية وقوانينه العادلة كيما يحل السلام الداخلي فئات المجتمع الإسلامي، وينعم المسلمون بالعيش بطمأنينة وأمن ورخاء في ظل دولة الخلافة الراشدة الجامعة المانعة المرتقبة و التي نسأل الله تعالى أن يعجل بقيامها إنه ولي ذلك والقادر عليه.....

بقلم : منير عدوان

المصدر: دنيا الرأي

ليست هناك تعليقات: