الاثنين، 15 سبتمبر 2008

بدء أفول الشمس الأميركية



بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان انهيارُ الاتحاد السوفياتي وتفككُه في بداية التسعينيات سقوطَ مبدأ وليس فقط سقوطَ دولة. وكان طبيعياً أن تَعتَبِرَ أميركا والمعسكرُ الغربي هذا السقوطَ انتصاراً للمبدأ الرأسمالي كنظام حياة وطريقة للعيش.
ثم بدأ ميلاد نظام دولي جديد أحادي القطب هو أميركا، فكانت لها سنونُ سمانٍ جداً لدرجة أغرت أميركا أن تَشُنَّ حملةً مسعورةً للسيطرة على العالم أجمع، فكانت حملةً خبيثةً ظاهرُها الرحمة وشعاراتها: حقوق الإنسان، وإحلال السَّلام العالمي، والعولمة، والديمقراطية، وحوار الأديان... وكانت هذه الحملة تستهدف الأمة الإسلامية بالدرجة الأولى رغم عالمية هذه الحملة.

بعد أن جاء جورج بوش الابن إلى الحكم استمرت سياسةُ تصعيدِ العداءِ ضدَّ العالم الإسلاميِ ومحاولةِ التفردِ بالموقف الدولي، إلا أنّها أصبحت تحت عناوينَ جديدةٍ تتناسبُ وعقلية الإدارة الجديدة في الحكم، وحملت هذه الحملة في طياتها شعاراتٍ عدة من أبرزها الحرب على الإرهاب، والحرب الوقائية، ومن ليس معنا فهو ضدنا... إلخ.
فبانت بشائر السنين العجاف على الولايات المتحدة الأميركية والعالم أجمع بسياسة هذا الأحمق التي تميزت بالبلطجية والحماقة والعنجهية وتجاهل الآخرين (مثل أوروبا القديمة) والاستعلاء والاستكبار على الدول والقوى الصغيرة.
ويمكننا تأريخ نقطة البداية للسنين العجاف بأحداث ضرب الأبراج في 11 أيلول سبتمبر في نيويورك، فهي اللحظة التي قرر فيها فرعون هذا العصر جعل الإسلام هو العدو الذي يجب القضاء عليه مهما كلفه الأمر. فدخل حرباً مع الله حيث زعم أنّه يفعل ذلك بأمر من الرب، وأنّ على المسلمين الابتعاد عن الإسلام واتباع الدساتير التي يشرعها لهم زاعماً أنها سبيل الرشاد لهم. وقد أعمى عينيه ما كان عليه من تقدم علمي وتكنولوجي، ومن قوة عسكرية غير مسبوقة. ولكن حق عليه قول العلي القدير الذي أثبته في كتابه العزيز: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران12].
وقد تعرضت أميركا لضربة أو ضربات مؤلمة وموجعة في المصالح الحيوية لها في زمن بوش الابن، حتى يكونَ من الصواب القول بأن السنين العجاف ارتدت على أميركا وزعزعت حتى الأسس التي يقوم عليها نظامها الرأسمالي. ويمكننا إجمال هذه الضربات في سبعٍ هي:
أولاً: التفرد الأميركي: بعد أن وعدت أميركا نفسها بالتفرد في حكم العالم منذ زمن بوش الأب، وجدت نفسها في زمن بوش الابن غارقة في رمال متحركة، وراحت تمد يدها لغيرها لإنقاذها. فقد فوّت على أميركا هذه الفرصة الذهبية. ولعل ما ارتكبته أميركا في العراق وأفغانستان من جرائم ومجازر وارتكابات شنيعة كان سبباً في سقوط أميركا كزعيمة كانت تظن نفسها محترمة، وسقوط مبدئها كمبدأ كن يظن أهله أنه الأصلح، وبدا للمسلمين في العالم الإسلامي وللعالم أجمع أن بلاد العسل واللبن وبريق النظام الرأسمالي ما هو إلا كذبة كبرى، وأن مبدأ الإسلام وحده هو الذي يصلح لقيادة العالم نحو السعادة والعدل والرحمة ليخرجهم مما هم فيه من شقاء وبؤس وظلم، لأن المبدأ الرأسمالي بات واضحاً في زمن بوش الابن أنه لا يأتي إلا بالويلات والذل والدمار.
ثانياً: الدولار: لقد كاد الدولار أن يهويَ في غيابات الجُبّ في زمن هذا البوش، ولو وجد عملة بديلة يثق بها العالم، ودولة مبدئية تقدم هذا البديل، لكان أطاح بكل العملات الزائفة إلى أسفل سافلين. وعلى الرغم من وجود أسباب كثيرة عملت على هذا الضعف للدولار، إلا أن سياسة بوش الخارجية بكثرة النفقات على الحروب(العراق،أفغانستان) هي السبب المباشر لذلك، حيث زادت نفقات الحرب على 2.5 ترليون دولار. ويقول رئيس البنك المركزي الأميركي بن برنانكة: "إن سبب هذا الركود في الاقتصاد الأميركي هي صفعات قوية تلقاها في الفترة الأخيرة أي في زمن بوش الابن".
ثالثاً: (إسرائيل) وأمنها: أصيبت (إسرائيل) في زمن هذا الفرعوني بهزةٍ أصابت الأسس في وجودها، حيث بات معروفا عند جميع المسلمين بأن هذا النمر من ورق، ولو وجد من المسلمين من يسعى لإزالته عن وجه الحقيقة لزال منذ زمن بعيد، ولقد كان لإدارة بوش دورٌ بارزٌ في زيادة توريط (إسرائيل) في حرب تموز 2007م مع حزب الله. ولما خسرت الأخيرة الحرب انهارت فكرة الغول (الإسرائيلي) والقوة الرابعة في العالم التي لا تقهر.
رابعاً. الديمقراطية وحرية الرأي: أصبحت الديقراطية في عهد بوش سلعة كاسدة لانكشاف عوارها، والدليل على ذلك ما كتبه النائب الأميركي رون بول عضو الكونغرس عن ولاية تكساس حيث قال:" من السخرية المرة القول بأن التلاعب بالانتخابات في الدول الأجنبية هو ترويج للديمقراطية، ماذا سيكون عليه شعور الأميركيين لو أن الصين مثلاً دفعت ملايين الدولارات لدعم مرشحين أميركيين مؤيدين للصين؟ هل سنعتبر هذا تطوراً ديمقراطياً؟
ومثال ذلك ما فعلته إدارة بوش مع سلام فياض في فلسطين، ومع الأحزاب العراقية التابعة لها والفاقدة للشعبية، ومع أعداء تشافيز في فنـزويلا، والأمثلة لا تعد ولا تحصى عن الديمقراطية الأميركية التي لا تقبل إلا بوصول عملائها للسلطة.
خامساً: النفط وأسعاره: إن محاولات بوش المستميتة للسيطرة على نفط العالم بشكل عام والنفط العربي بشكل خاص أدت إلى نتائجَ سلبيةٍ انعكست آثارها على العالم أجمع، فارتفعت أسعار النفط في العالم بالتدريج، ومؤخراً ارتفعت بسرعة فائقة وغير مسبوقة مما أثر على أسعار السلع الأخرى، فبات الأمن الغذائي العالمي في خطر، فمحاولة السيطرة على النفط بالقوة أعاد للنفط قوته بعد أن كان سلعةً كباقي السلع، وأخذت دول العالم تتنافس في هذا المضمار، مما حدا بالرئيس الروسي ديديف أن يصرح في المؤتمر الاقتصادي المنعقد في بطرسبيرغ في روسيا قائلاً:"إن أميركا هي السبب وراء الأزمة العالمية في ارتفاع أسعار الغذاء والنفط، وكل ذلك بسبب محاولتها السيطرة على العالم، وبسبب سياسة القطب الواحد، وإن روسيا ستعمل على المشاركة في قواعد اللعبة عن طريق المساعدة في حل أزمة الغذاء العالمية".
سادساً. حقوق الإنسان:بعد أن كانت أميركا أكبرَ مراقبٍ لحقوق الإنسان والخروقات التي تحصل في الدول الأخرى في العالم، أصبحت وعلى يد حاكمها الأخرق بوش أكبر خارق لحقوق الإنسان، ومؤخراً جعلت علاقاتها مع منظمة حقوق الإنسان العالمية تصل إلى الحد الأدنى لكثرة الشكاوى ضدها، فمن غوانتانامو إلى أبي غريب، ومن التجسس على المكالمات الهاتفية إلى خطف الناس عبر القارات... إلى المعتقلات السرية... إلى السجون العائمة... إلى التعذيب...
سابعاً: مصداقية الولايات المتحدة في المحافل الدولية: إن سياسة أميركا عموماً فيها الازدواجية، ولكنها ما كانت يوماً بهذا السفور والوضوح لدى العالم أجمع، وخصوصاً الازدواجية في المعايير تجاه قضايا الاحتلال والانتخابات والأنظمة المستبدة وحق الدفاع عن النفس والاغتيالات وغيرها من القضايا، وخصوصاً تلك التي تخص المسلمين، لأن الخطر الكامن في قوة صدق عقيدة الإسلام وصحة تشريعاته وأحكامه يدركه القادة والساسة الغربيون أكثر مما يدركه بعض المسلمين. لذا فهم يبذلون الغالي والنفيس للحيلولة دون نصر للإسلام والمسلمين، ويعلمون علم اليقين أنه لا يوجد أطروحة عند المسلمين تجسد هذا الخطر إلا أطروحة الوحدة في دولة الخلافة الراشدة. ويعتبرون أنها الرد الإسلامي على العولمة الرأسمالية المتوحشة.
وليعلم الجميع أننا نؤمن إيماناً لا ريب فيه بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال 36].
وأما أنتم أيها المسلمون، حاملو الدعوة لدولة الإسلام، فاعتصموا بالله مولاكم، فنعم المولى ونعم النصير.

أبو خالد - طولكرم

المصدر : مجلة الوعي

ليست هناك تعليقات: