الثلاثاء، 8 فبراير 2011

خواطر أخت مسلمة



بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [النساء 32].

أيتها الأخوات الكريمات: يقول جل جلاله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا)، والتمني فعل متعلق بالحاضر والمستقبل، التمني أن تتمنى شيئًا لا يقع، بينما الترقب أن تنتظر شيئًا يقع، فإذا قلت: ألا ليت الشباب يعود يومًا، فهذا تمنٍّ، والتمني كما يقول بعض الحكماء بضائع الحمقى، يعيش في خيالات وفي أوهام لا تقع، فالله سبحانه وتعالى تطييباً لقلوبنا، وإراحة لنفوسنا نهانا أن نتمنى ما فضل به بعضنا على بعض... فالله سبحانه وتعالى خلق جنس البشر من ذكر وأنثى، وجعل في كل منهما فروقاً في أصل خلقتهما وخصائص عقلية ونفسية وجسمية واجتماعية ينفرد بها كل طرف عن الآخر... وجمع بينهما بأن جعلهما كائنين مكرمين عند الله، مخيرين، مسؤولين، مشرفين، فحينما نقول الجنس البشري ذكر وأنثى فهناك قواسم مشتركة بينهما، وهناك فوارق. فالقواسم المشتركة أكدتها آيات كثيرة. جعلتهما في التكليف سواء، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب 35].

فكلاهما في التكليف وفي التشريف وفي المسؤولية سواء، المرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة من الرجل عن رعايته، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، فنقاط الاشتراك كثيرة جداً، فهي من بني البشر، وهي إنسان، لها فكرها، ولها مشاعرها، ولها عواطفها، يؤذيها ما يؤذي الرجل، ويفرحها ما يفرحه، ترقى إلى الله كما يرقى الرجل إلى الله، تسمو كما يسمو، وتسقط كما يسقط ، وتنحط كما ينحط، هناك قواسم مشتركة بين الذكر والأنثى، وما أكثرها، لأنهما من جنس واحد، من جنس البشر. قال تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) [الروم 21]، أي خلق من جنسكم، من جنس بشريتكم، إنساناً.

ولكن قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) [آل عمران 36] وهذا هو الواقع حقيقة، ولكن، فحينما يتجاهل الرجل ما تتميز به الأنثى فإنه يقع في خطأ كبير، وحينما تتجاهل الأنثى ما يتميز به الرجل فإنها تقع في خطأ كبير، فلذلك ورد في أسباب نزول هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى حينما فرض الفرائض، وفرض للذكر مثل حظ الأنثيين تمنت النساء أن يكون لهن في الإرث نصيب كنصيب الرجل، وحينما فرض للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى الرجال أن يكون أجرهم في الآخرة مثلي أجر المرأة، فجاءت الآية الكريمة، (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ)، فالحق أن الله سبحانه وتعالى أعطى لكل نوع خصائص تعينه على أداء مهمته، ففي أصل التصميم صممت المرأة لتكون زوجة ولتكون أماً، فأعطيت من الخصائص الجسمية والخصائص النفسية، وهو شدة عاطفتها، ومن الخصائص الاجتماعية تعلقها بزوجها، ومن الخصائص الفكرية اعتناؤها بالجزئيات... ما يؤهلها لتكون زوجة ناجحةً، وأماً ناجحةً، فهذه الخصائص التي اختص بها الله سبحانه وتعالى النساء كجنس بنيت على حكمة بالغة وكانت من لدن عليم خبير، قال تعالى: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر 14].
وفي المقابل خص الله سبحانه الذكور بخصائص جسمية ونفسية واجتماعية وعقلية ومن اهتمام بالكليات لا بالجزئيات تتناسب مع كسب الرزق ومع الحركة خارج البيت ومع قوامتهم على النساء.

هناك إشارة لطيفة إلى أن عمل الرجل خارج البيت هو كسب الرزق، وأن المرأة مهمتها الأولى تربية الأولاد، وهي سكن لزوجها، وهو قائد لمؤسسة البيت، فهناك تناغم وتكامل بينهما، هناك صفات إنسانية مشتركة بين الذكور والإناث، كلاهما مكرم عند الله، وكلاهما مشرّف عند الله، وكلاهما مكلف من الله، وكلاهما مسؤول أمام الله، ولحكمة أرادها الله جعل امرأة الطاغية فرعون آسية صدّيقة، وبكل ثقله وكل جبروته وكل قوته وكل ألوهيته المزعومة، ما استطاع أن يقنعها أن تعبده، ولا أن تقر بألوهيته المزعومة، قالت ما يوضح أن المرأة صاحبة قرارها ومكلفة به، ومسؤولة عنه، ومحاسبة عليه... فهي كالرجل، ولا يتحمل عنها شيئاً من التكليف مهما كانت درجة قرابته منها... قالت ما قاله الله تعالى عنها: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم 11].

فمما أراد الله سبحانه من هذه القصة أن يعلم النساء جميعاً أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها، تحاسب عن دينها، ولتعلم أيضاً أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلذلك معظم النساء حينما يقلن: هكذا يريد أزواجنا وهو في رقبتهم... هذا كلام مرفوض، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فهي مكرّمة كما هو مكرّم، وهي مشرّفة كما هو مشرّف، وهي مكلّفة كما هو مكلّف، وهي مسؤولة كما هو مسؤول، هذه من نقاط الالتقاء.

أما نقاط الاختلاف فإذا تجاهلناها وقعنا في فساد عريض حيث قال الله عز وجل: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب 33]. فالأصل أن المرأة تقوم بأخطر عمل أناطه الله بها حينما تقر في بيتها لتربية الأولاد. فالمرأة التي تربي أولادها، وتدفعهم إلى المجتمع عناصر ملتزمة مخلصة واعية هي امرأة عظيمة؛ لأن شهاداتها الحقيقية ليست تلك الأوراق التي تعلق على الجدران، إن شهاداتها الحقيقية أولادها الذين ربتهم ودفعتهم إلى المجتمع، وكثيراً ما نعثر على شباب يلفتون النظر بأخلاقهم، ويلفتون النظر برحمتهم، ويلفتون النظر بتعاونهم، ويلفتون النظر بحبهم للخير، ولو دققنا وبحثنا لوجدنا أنهم تلقوا تربية عالية من أمهاتهم، إنك إن علَّمتِ فتاة علَّمتِ أسرة.

أيتها الأخوات الكريمات، المرأة والرجل كلاهما مكلف، وكلاهما مشرف، وكلاهما مسؤول، ولكن هناك فروقاً دقيقة وكثيرة بين الذكور والإناث. وخصائص الذكور العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية تتناسب مع المهمة التي أنيطت بهم، وخصائص الإناث العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية كذلك تتناسب مع المهمات التي أنيطت بهن.

قال تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)، فإن الله أناط بالذكور مهمات ومسؤوليات، من أجل أن يحققوا أهدافهم بخصائص متعلقة بهم، أو أن لكل واحد بحسب استقامته، وبحسب إقباله، وبحسب انضباطه وبحسب علاقته بربه، هيأ الله له الشيء الذي يعد بحقه حكمة بالغة. وكذلك المرأة أناط الله بها مهمات ومسؤوليات عظيمة وهيأها عقلياً ونفسياً وجسدياً واجتماعياً للقيام بها، وتنال درجتها عند الله بمقدار استقامتها وبمقدار إقبالها، وبمقدار انضباطها...

فلو تشبه الرجل بالمرأة بأن يلبس لباس النساء، ويتبرج تبرجهن، ويتمايل تمايلهن، ويرقق في صوته... فهذا كله محرم.
وكذلك المتشبهة من النساء بالرجال التي تتمنى أن تكون رجلاً، بل إن المرأة المسترجلة، فعلها من الكبائر لأنها رفضت اختيار الله لها أن تكون أنثى، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» (أخرجه البخاري).

فالمرأة المؤمنة ترضى عن الله أنه اختارها أنثى، مع أن الأنثى لا تقل ولا شعرة واحدة في مكانتها عند الله عن الذكر إن هي قامت بحق الله عليها.

إن الاختلاف بين الذكر والأنثى هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، والحضارة الغربية الفاسدة المفسدة تعاملت مع واقع كل من الذكر والأنثى على درجة واحدة، وأرادت أن تزيل الفوارق فكان في ذلك فساد عظيم.

بقلم: حاملة دعوة – فلسطين

ليست هناك تعليقات: