الجمعة، 21 مايو 2010

هند بنت أبي أمية (أم سلمة) (رضي الله عنها)


بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة أمهات المؤمنين (5)

سبق أن ذكرنا في العدد (263) أم سلمة نسبها وإسلامها زواجها من عبد الله بن عبد الأسد المخزومي أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرضاعة، وتحدثنا عن هجرتها هي وزوجها إلى الحبشة ثم عودتهما بعد إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنهما)، ثم هجرتهما إلى المدينة، وكيف فرق قومها بينها وبين زوجها وابنها، ثم كيف هاجرت هي وابنها وحدهما إلى المدينة، وكيف قام عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار بإيصالها إلى المدينة بخُلُق قلَّ نظيره، ثم ذكرنا كيف رفضت الزواج من كبار الصحابة، أبو بكر وعمر، ثم تزوج منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهكذا أصبحت أماً للمؤمنين، إلا أن هناك أموراً يجب ذكرها تحقيقاً لكونها أماً للمؤمنين. وبما أننا نسير بالترتيب في ذكر أمهات المؤمنين، فإننا سنكتفي بذكر بعض الخير لها ونحن نعلم أن خيرها أكثر بكثير...
لقد كان من إكرام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأم سلمة (رضي الله عنها) أنه كان إذا صلى العصر دخل على أزواجه واحدة واحدة، مبتدئاً بأم سلمة لأنها أكبرهن ثم يختم بعائشة.
وكانت (رضي الله عنها) من النساء العاقلات الناضجات اللواتي يدركن الأمر إدراكاً صحيحاً، ويقيّمن الأحداث والوقائع تقييماً سليماً، فعاشت في بيت النبوة مقدرة وجودها حريصة على مكانتها، مراعية لجانب المودة والألفة مع أخواتها أمهات المؤمنين. ولهذا كله كانت منـزلتها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عظيمة رفيعة.
وحدث في يوم الحديبية أن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بعد أن فرغ من توقيع الصلح مع وفد قريش أن ينحروا الهدي ثم يحلقوا فلم يقم منهم أحد بذلك. وردد ذلك ثلاث مرات دون أن يستجيب أحد إلى طلبه، فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من صدود الناس وإعراضهم، بادي الحزن والأسى... فقالت:
يا رسول الله... أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنتك، وتدعو حالقك فيحلقك... فاستصوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيها، واستحسن مشورتها... لأن ذلك سيكون حافزاً فعلياً على تحرك الناس والاقتداء برسول الله.
فقام وخرج ولم يكلم أحداً من الناس كلمة واحدة، فنحر بدنته، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وراح بعضهم يحلق للبعض الآخر... وتزاحموا على ذلك حتى كادوا يتساقطون.
وهكذا كانت (رضي الله عنها) في كثير من المواقف، لا تحسم أمراً إلا عن نضج، وعمق تفكير، ولقد حفظت في ذاكرتها كثيراً مما حدّث به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فروت عنه بأمانة الناقل ووعي السامع.

بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

وبعد أن لحق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى أقامت أم سلمة (رضي الله عنها) ترقب مجريات الأمور، وتطور الأحداث والوقائع، فتدلي برأيها في كل شأن حفاظاً منها على استقامة الناس وعدم انحرافهم، وخاصة أصحاب السلطان من الخلفاء والولاة، داعية إلى الخير والوفاق والمحبة والسلام. ولقد روى بعض المؤرخين أنها دخلت على عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في زمن خلافته، وحدثته ناصحة له فقالت: «يا بني، ما لي أرى رعيتك عن جناحك نافرين؟! لا تعفُ طريقاً كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبها، ولا تقتدح بزند كان عليه الصلاة والسلام أكباه (لم يخرج ناره). وتوخَّ حيث توخى صاحباك أبو بكر وعمر فإنهما ثكما (قاما) ولم يظلما. هذا حق أمومتي عليك، قضيته إليك، وإن عليك حق الطاعة».
فأجابها (رضي الله عنه): «أما بعد، فقد قلتِ فوعيتُ، وأوصيتِ فقبلتُ» وحين قتل (رضي الله عنه) حزنت لفقده واستشهاده على الصورة المؤلمة التي حدثت، فدخل عليها رجل من بني تميم يسألها عن عثمان فقالت: شكا الناس ظلمهم منه فاستتابوه، فتاب وأناب، حتى إذا صيروه كالثوب الأبيض من الدنس، عمدوا إليه فقتلوه.
وحين عزمت عائشة (رضي الله عنها) على الخروج إلى البصرة يوم وقعة الجمل كتبت إليها أم سلمة وكان مما قالت لها: «...ولو علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن النساء يحتملن الجهاد لعهد به إليك... جهاد النساء غضُّ الأطراف، وضم الذيول، وقصر المودة... وأقسم لو قيل لي: يا أم سلمة، أدخلي الجنة، لاستحييت أن ألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هاتكة حجاباً ضربه عليّ،... فاجعليه سترك، وقاعة البيت حصنك».

آخر العهد بالدنيا

ظلت (رضي الله عنها) أماً للمؤمنين... ترفع عنهم بلسانها غائلة الظلم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتنافح عنهم جور السلطان ما أمكنها، وتصدع بكلمة الحق لا تخشى فيها لومة لائم. ولما كان شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة، دب الفناء إلى أوصالها، وأسلمت الروح راضيةً مرضيةً. فصلى عليها أبو هريرة (رضي الله عنه) ودفنت في البقيع، وقد تجاوزت الرابعة والثمانين من عمرها. رضي الله عن أم المؤمنين هند بنت أبي أمية أم سلمة الزوجة الوفية، والمجاهدة الصابرة، والعالمة الجليلة، والمحدثة الأمينة، حاملة راية الحق والعدل.

المصدر : مجلة الوعي

ليست هناك تعليقات: